تفسير سورة المنافقون

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة المنافقون مدنية
وهي إحدى عشر آية وفيها ركوعان

﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ أي : عند أنفسهم، وهذا هو الكذب الشرعي اللاحق به الذم، ولذلك لا ينسبون المجتهدين إلى الكذب، وإن نسبوا إلى الخطأ، أو لأن الشهادة هو ما وافق فيه اللسان والقلب١ وشهادة الزور كإطلاق البيع على الفاسد تجوزا، أو لأن الشهادة يفهم منها عرفا المواطأة، كيف لا وقد أكده بأن واللام
١ فيكون الموافقة داخلة في الوضع وهو مفهومه اللغوي/١٢ منه..
﴿ اتخذوا أيمانهم ﴾ حلفهم الكاذب ﴿ جنة ﴾ وقاية عن المضرة ﴿ فصدوا عن سبيل الله ﴾ جاز أن يكون الصد متعديا ولازما ﴿ إنهم ساء ما كانوا يعملون ﴾
﴿ ذلك ﴾ النفاق والكذب ﴿ بأنهم آمنوا ﴾ بلسانهم ﴿ ثم كفروا ﴾ بقلوبهم أو ظاهرا ثم كفروا سرا أو حين رأوا آية ﴿ فطبع على قلوبهم ﴾ ثم كفروا فاستحكموا في الكفر ﴿ فهم لا يفقهون ﴾ صحة الإيمان وحقيقته أو لا يفقهون أنهم طبع على قلوبهم ويحسبون أنهم على الحق
﴿ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ﴾ فإنهم أشكال حسنة ﴿ وإن يقولوا تسمع لقولهم ﴾ لفصاحتهم ﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ أي : تسمع لما يقولون مشبهين بأخشاب منصوبة إلى حائط في الخلو عن الفهم والنفع، فإن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو غيره من مظان الانتفاع، وما دام متروكا أسند إلى الحائط فلا ينتفع به ﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ أي : واقعة عليهم لجبنهم فهم أجسام لا قلوب لهم، أو لأنهم على وجل من أن ينزل الله أمرا يهتك أستارهم ﴿ هم العدو فاحذرهم ﴾ لا تأمنهم ﴿ قاتلهم الله ﴾ دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين ﴿ أنى يؤفكون ﴾ كيف يصرفون عن الهدى
﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ﴾ أمالوها إعراضا ورغبة عن الاستغفار ﴿ ورأيتهم يصدون ﴾ يعرضون ﴿ وهم مستكبرون ﴾
﴿ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ﴾ أي : استغفارك وعدمه سواء عليهم، بأن لا يلتفتوا إليه ﴿ لن يغفر الله لهم ﴾ لأن الله لا يغفر لهم لشقاوتهم ﴿ إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ في الأزل وفي علم الله
﴿ هم الذين يقولون ﴾ لأنصار ﴿ لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ يتفرقوا ﴿ ولله خزائن السماوات والأرض ﴾ بيده الأرزاق فهو الرزاق لهم لا الأنصار ﴿ ولكن المنافقين لا يفقهون ﴾
﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها ﴾ من المدينة ﴿ الأذل١ جرى بين بعض المهاجرين وابن سلول جدال في غزوة بني المصطلق، فقال لعنه الله ما قال، وأراد من الأعز نفسه، ومن الأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه، ثم قال : لا تنفقوا على المهاجرين يا جماعة الأنصار حتى ينفضوا. فلما سمع عليه السلام مقالته، جاء وحلف بأنه كذب وصل إليك، فنزلت ﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾ الآية. فقيل لابن سلول : قد نزل فيك آي شداد، فاذهب إليه لعله يستغفر لك، فلوى رأسه. فقال : أمرتموني بالإيمان فآمنت، ثم بالزكاة فأعطيت، فما بقي إلا أن أسجد له ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ﴾.
١ اخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة- قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق- فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال مهاجري: يا للمهاجرين وقال للأنصار: يا للأنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ما بال دعوة الجاهلية؟! قال: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أو قد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الحديث. الكسع: أن تضرب دبر الإنسان بيدك أو بصدر قدمك يقال: اتبع فلان أدبارهم يكسعهم بالسيف مثل يكسؤهم أي يطردهم وكانت تلك الغزوة في السنة الرابعة وقيل: في السادسة/١٢ فتح..
﴿ يا أيها الذين١ آمنوا لا تلهكم ﴾ لا تشغلكم٢ ﴿ أموالكم ولا أولادكم عن٣ ذكر الله ﴾ الصلوات الخمس وسائر العبادات والمراد نهيهم عن اللهو٤ بها ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ أي الشغل بالدنيا عن الدين ﴿ فأولئك هم الخاسرون ﴾
١ ولما ذكر الله سبحانه قبائح المنافقين ومن شأنهم أن لا يذكرون الله إلا قليلا رجع إلى خطاب المؤمنين مرغبا لهم في ذكره فقال:﴿يا أيها الذين آمنوا﴾الآية/١٢ -للمحشى عفا الله عنه..
٢ كما شغلت المنافقين/١٢..
٣ عام للصلاة والتسبيح والتحميد وغيرها/١٢ وجيز..
٤ كما ألهى المنافقين عن التدبر في كلام الله وعواقب أنفسهم/١٢ وجيز..
﴿ وأنفقوا من ما رزقناكم ﴾ ولا تسمعوا قول المنافقين لا تنفقوا على من عند رسول الله ﴿ من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا ﴾ هلا ﴿ أخرتني ﴾ أمهلتني ﴿ إلى أجل قريب ﴾ مدة أخرى يسيرة ﴿ فأصدق ﴾ أتصدق ﴿ وأكن من الصالحين ﴾ بالتدارك وكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل الإمهال، للتدارك وقراءة أكن عطف على محل فأصدق ؛ فإن موضع الفاء مع الفعل جزم بخلاف أكون فإنه عطف على ما بعد الفاء
﴿ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ﴾ فمجاز عليه.
Icon