ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١)إِذا في موضع نصب بجاءك إلا أنها غير معربة لتنقّلها وفي اخرها ألف، والألف لا تحرّك، وجواب إذا قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ كسرت «إن» لدخول اللام وانقطع الكلام فصارت إنّ مبتدأة فكسرت وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ وأعيد اسم الله تعالى ظاهرا لأن ذلك أفخم قيل: أكذبهم الله جلّ وعزّ في ضميرهم. ومن أصحّ ما قيل في ذلك أنّهم أخبروا أنّ أنفسهم تعتقد الإيمان وهم كاذبون فأكذبهم الله.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٢]
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢)
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً قال الضّحاك: هو حلفهم بالله أنّهم لمنكم، وقال قتادة: جنّة إنّهم يعصمون به دماءهم وأموالهم، وقرأ الحسن اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ «١» أي تصديقهم سترة يستترون به كما يستتر بالجنّة في الحرب فامتنع من قتلهم وسبي ذراريهم لأنهم أظهروا الإيمان فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يجوز أن يكون المفعول محذوفا أي صدّوا الناس، ويجوز أن يكون الفعل لازما أي أعرضوا عن سبيل الله أي دينه الذي ارتضاه وشريعته التي بعث بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من حلفهم على الكذب ونفاقهم، و «ما» في موضع رفع على قول سيبويه أي ساء الشيء وفي موضع نصب على قول الأخفش أي ساء شيئا يعملون.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٣]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣)ذلِكَ في موضع رفع أي ذلك الحلف والنفاق من أجل أنهم. آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فطبع على قلوبهم، ويجوز إدغام العين في العين، وترك الأدغام أجود لبعد مخرج العين فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقّا من باطل ولا صوابا من خطأ لغلبة الهوى عليهم.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٤]
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وأجاز النحويون جميعا الجزم بإذا وان تجعل بمنزلة حروف المجازاة لأنها لا تقع إلّا على فعل وهي تحتاج إلى جواب وهكذا حروف المجازاة، وأنشد الفرّاء: [الكامل] ٤٨٤-
واستغن ما أغناك ربّك بالغنى | وإذا تصبك خصاصة فتجمّل |
نارا إذا ما خبت نيرانهم تقد
«٢» والاختيار عند الخليل وسيبويه والفرّاء «٣» أن لا يجزم بإذا لأن ما بعدها موقت فخالفت حروف المجازاة في هذا، كما قال: [الكامل] ٤٨٦-
وإذا تكون شديدة أدعى لها | وإذا يحاس الحيس يدعى جندب |
(٢) الشاهد لعبد قيس بن خفاف الدرر ٣/ ١٠٢، وشرح اختيارات المفضّل ص ١٥٥٨، وشرح شواهد المغني ١/ ٢٧١، ولسان العرب (كرب) والمقاصد النحوية ٢/ ٢٠٣، ولحارثة بن بدر الغداني في أمالي المرتضى ١/ ٣٨٣، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ٣٣٥، وشرح الأشموني ٣/ ٥٨٣، وشرح عمدة الحافظ ٣٧٤، ومغني ١/ ٩٣، وهمع الهوامع ١/ ٢٠٦.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ١٥٨.
(٤) الشاهد لابن أحمر الكناني في الأزهية ص ١٨٥، ولسان العرب (حيس)، وتاج العروس (حيس)، وبلا نسبة في شرح المفضل ٢/ ١١٠، وكتاب اللامات ص ١٠٦، وتاج العروس (حيس).
(٥) انظر تيسير الداني ١٧١.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٥]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ هذا على إعمال الفعل الثاني كما تقول:
أقبل يكلمك زيد فإن أعملت الأول قلت أقبل يكلمك إلى زيد، وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ يكون للقليل ولوّوا على التكثير. وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ في موضع الحال. وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ أي معرضون عن المصير إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليستغفر لهم.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٦]
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ رفع بالابتداء: أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ في موضع الخبر، والمعنى الاستغفار وتركه. لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ لأنهم كفار وإنّما استغفر لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأن ظاهرهم الإسلام فمعنى استغفاره لهم اللهم اغفر لهم إن كانوا مؤمنين إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ قيل: أي لا يوفّقهم، وقيل: لا يهديهم إلى الثواب والجنّة.
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٧]
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧)
يَنْفَضُّوا أي يتفرقوا. قال قتادة: الذي قال هذا عبد الله بن أبيّ، قال: لولا أنكم تنفقون عليهم لتركوه وخلّوا عنه. قال أبو الحسن علي بن سليمان: «هم» كناية عنهم وعن من قال بقوله. قال أبو جعفر: وهذا أحسن من قوله من قال «هم» كناية عن واحد. وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض فلا
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٨]
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وحكى الكسائي والفرّاء «١» أنه يقرأ لنخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ «٢» بالنون وأن ذلك بمعنى لنخرجنّ الأعز منها ذليلا، وحكى الفرّاء: ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، بمعنى ذليلا أيضا وأكثر النحويين لا يجيز أن تكون الحال بالألف واللام غير أن يونس أجاز: مررت به المسكين، وحكى سيبويه «٣» : دخلوا الأوّل فالأوّل، وهي أشياء لا يجوز أن يحمل القرآن عليها إلّا أن علي بن سليمان قال: يجوز أن يكون «ليخرجنّ» تعمل عمل لتكونن فيكون خبره معرفة، والأعز والعزيز واحد أي القوي الأمين المنيع كما قال: [الطويل] ٤٨٧-
إذا ابتدر القوم السّلاح وجدتني | عزيزا إذا بلّت بقائمة يدي |
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)
أي لا توجب لكم اللهو كأنّه من ألهيته فلهي، كما قال: [الطويل] ٤٨٨-
ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع | فألهيتها عن ذي تمائم محول |
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ١٠]
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ قيل: دلّ بهذا على أنه لا يقال رزقه الله جلّ وعزّ إلّا
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٧٠.
(٣) انظر الكتاب ١/ ٤٦٦.
(٤) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٨، وكتاب العين ٨/ ٣١٩، وتاج العروس (بلل) وأساس البلاغة (بلل).
(٥) مرّ الشاهد رقم (٣٨٥).
وحكي عن محمد بن يزيد معارضة هذا القول بأن الدليل على أنه ليس بصحيح أنّ كتب المصحف في نظيره على غير ذلك نحو يكون وتكون ونكون كلها بالواو في موضع الرفع والنصب ولا يجوز غير ذلك، وقال غيره: حكم «كلمن» غير هذا لأنه إنما حذف منه الواو لأنهم إنما أرادوا أن يروا أن صورة الواو متصلة فلما تقدّمت في «هوّز» لم تحتج إلى إعادتها وكذلك لم يكتبوها في قولهم «أبجد» فأما في الكلام فلا يجوز من هذا شيء، ولا يحتاج إليه لأن العطف على الموضع موجود في كلام العرب كثير. قال سيبويه: لو لم تكن الفاء لكان مجزوما يعني لأنه جواب الاستفهام الذي فيه معنى التمني، كما قال أنشد غير سيبويه: [الوافر] ٤٨٩-
فأبلوني بليّتكم لعلّي | أصالحكم وأستدرج نويّا |
فإن لم تجد من دون عدنان والدا | ودون معدّ فلتزعك العواذل |
معاوي إنّنا بشر فأسجح | فلسنا بالجبال ولا الحديدا |
(٢) الشاهد لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ٣٥٠، والخصائص ١/ ١٧٦، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٧٠١، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٣٩، وللهذليّ في مغني اللبيب ٢/ ٤٧٧، وبلا نسبة في لسان العرب (علل)، ومغني اللبيب ٢/ ٤٢٣.
(٣) الشاهد للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٥، والكتاب ١/ ١١٤، وأمالي المرتضى ١/ ١٧١، وخزانة الأدب ٢/ ٢٥٢، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١٣١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٢، وشرح شواهد المغني ١/ ١٥١، والمعاني الكبير (١٢١١)، والمقاصد النحوية ١/ ٨، والمقتضب ٤/ ١٥٢، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٨٢، وشرح التصريح ١/ ٢٨٨، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٦٦، والمحتسب ٢/ ٤٣، ومغني اللبيب ٢/ ٤٧٢.
(٤) الشاهد لعقبة أو لعقيبة الأسدي في الكتاب ١/ ١١٣، والإنصاف ١/ ٣٣٢، وخزانة الأدب ٢/ ٢٦٠، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١٣١، وسمط اللآلي ص ١٤٨، وشرح أبيات سيبويه ٣٠٠، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٧٠، ولسان العرب (غمز)، ولعمر بن أبي ربيعة في الأزمنة والأمكنة ٢/ ٣١٧، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤/ ٣١٣، وأمالي ابن الحاجب ص ١٦٠، ورصف المباني ١٢٢. [.....]
لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
«١» وكذا قوله: [السريع] ٤٩٣-
لا نسب اليوم ولا خلّة | اتّسع الخرق على الرّاقع |
[سورة المنافقون (٦٣) : آية ١١]
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها نصب بلن عند سيبويه وعند الخليل الأصل «لا أن» وحكي عنه لا ينتصب فعل إلّا بأن مضمرة أو مظهرة، وردّ سيبويه ذلك بأنه يجوز:
زيدا لن أضرب، ولا يجوز: زيدا يعجبني أن تضرب، لأنه داخل في الصلة فلا يتقدّم.
قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: لا يجوز عندي: زيدا لن أضرب لأن «لن» لا يتصرّف فلا يتقدم عليها ما كان من سبب ما عملت فيه كما لا يجوز: زيدا إنّ عمرا يضرب، وكذا «لم» عنده، وحكيت هذا لأبي إسحاق فأنكره وقال: لم يقل هذا أحد، وزعم أبو عبيدة أن من العرب من يجزم بلن وهذا لا يعرف. يُؤَخِّرَ مهموز لأن أصله من أخّر وتكتب الهمزة واوا وإن كانت مفتوحة لعلتين إحداهما أن قبلها ضمة والضمة أغلب لقوتها، والأخرى أنه لا يجوز أن تكتب ألفا لأن الألف لا ينون قبلها إلا مفتوحا، ومن خفّف الهمزة قلبها واوا فقال: يؤخّر، فإن قيل: لم لا تجعل بين بين؟
فالجواب أنها لو جعلت بين بين نحي بها نحو الألف فكان ذلك خطأ لأن الألف لا
«هذا لعمركم الصّغار بعينه»
(٢) مرّ الشاهد رقم (٤٠).