تفسير سورة قريش

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة قريش من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- ١ - لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
- ٢ - إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
- ٣ - فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
- ٤ - الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ
هَذِهِ السُّورَةُ مَفْصُولَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَتَبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا، كما صرح بذلك محمد ابن إسحاق وعبد الرحمن بن يزيد، لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُمَا: حَبَسْنَا عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَأَهْلَكْنَا أَهْلَهُ ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾ أَيْ لِائْتِلَافِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ آمِنِينَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا كَانُوا يَأْلَفُونَهُ مِنَ الرِّحْلَةِ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، وَفِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ فِي الْمَتَاجِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى بَلَدِهِمْ آمِنِينَ فِي أَسْفَارِهِمْ، لِعَظَمَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ لِكَوْنِهِمْ سُكَّانَ حرم الله، فمن عرفهم احترمهم ومن سار معهم آمن بهم، وهذا حَالُهُمْ فِي أَسْفَارِهِمْ وَرِحْلَتِهِمْ فِي شِتَائِهِمْ وَصَيْفِهِمْ، أما فِي حَالِ إِقَامَتِهِمْ فِي الْبَلَدِ فَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حولهم﴾، ولهذا قال تعالى: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ﴾ بدل من
679
الأول ومفسر له، ولهذا قال تعالى: ﴿إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الصَّوَابُ أَنَّ اللَّامَ لَامُ التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فَقَالَ: ﴿فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ أَيْ فَلْيُوَحِّدُوهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا جَعَلَ لَّهُمْ حَرَماً آمِناً وَبَيْتًا مُحَرَّمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ وقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ﴾ أَيْ هُوَ رَبُّ الْبَيْتِ وَهُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴿وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ أَيْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْأَمْنِ وَالرُّخْصِ، فَلْيُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ يَعْبُدُوا مِنْ دُونِهِ صَنَمًا وَلَا نِدًّا وَلَا وَثَنًا، وَلِهَذَا مَنِ اسْتَجَابَ لِهَذَا الْأَمْرِ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ أَمْنِ الدُّنْيَا وَأَمْنِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ عَصَاهُ سَلَبَهُمَا مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾. عَنْ أُسامة بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾ وَيَحْكُمُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف» (قال ابن كثير: صوابه عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ (أُم سلمة) الأنصارية رضي الله عنها، لا عن أُسامة بن زيد ولعله وقع خطأ في النسخة أو في أصل الرواية)
680
- ١٠٧ - سورة الماعون.
680
Icon