مدنية. وهي إحدى عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد شهدوا له بالرسالة، حين عقدوا معه البيعة، وانخرط في سلكهم المنافقون، فضحهم في هذه السورة بقوله :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾*﴿ اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾*﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾.
ﰡ
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وإِذا رأيتهم تُعْجِبُكَ أجسامُهم ﴾ لضخامتها، ويروقك منظرُهم ؛ لصباحة وجوههم، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو : لكل سامع، ﴿ وإِن يقولوا تسمعْ لِقَولهم ﴾ لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، وحلاوة كلامهم، وكان ابن أُبي رجلاً جسيماً صبيحاً، وقوم من المنافقين في مثل صفته، فكانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستندون فيه، ولهم جهارة المناظرة، وفصاحة الألسن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومَن معه يُعجبون بهم، ويسمعون إلى كلامهم. ﴿ كأنهم خُشُب مُسَنَّدةٌ ﴾ أي : هم كخشب مُسَنَّدة، شُبِّهوا في جلوسهم في مجلس الرسول صلى الله عليهم وسلم مستندين فيها بخُشب منظومة، مسندة إلى الحائط، في كونهم أشباحاً خالية من العلم والخير ؛ لأنّ الخشب إذا انتُفع بها كانت في سَقفٍ، أو جدارٍ، أو غير ذلك من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً غير منتفع به، أُسند إلى الحائط فشُبِّهوا به في عدم الانتفاع. أو : لأنهم أشباح بلا أرواح، وأجرام بلا أحلام. و " خُشُب " بضمتين، جمع خَشبة، كَثمرة وثُمُر، ويسكن، كبَدنة وبُدن.
﴿ يحسبون كلَّ صيحةٍ ﴾ واقعة ﴿ عليهم ﴾، ف " كل " : مفعول أول، و " عليهم " : مفعول ثان، أي : يظنون كلَّ صيحة واقعة عليهم لاستقرار الرعب في قلوبهم، فإذا نادى منادٍ في العسكر، أو انفلتت دابة، أو نُشِدت ضالّة ؛ ظنوه إيقاعاً بهم. ﴿ هم العدوُّ ﴾ أي : الكاملون في العداوة، الراسخون فيها، فإنّ أعدى الأعادي المكاشِر، الذي يُكاشر وتحت ضلوعه الداء. فالألف واللام للجنس، أو : للعهد، أي : العدو الذي يشهد لك، ويعتقد خلاف ما يشهد، ﴿ فاحْذرهم ﴾ ولا تغتر بحلاوة منطقهم، ﴿ قاتلهم اللهُ ﴾، دعاء عليهم، أو : تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم، ﴿ أنى يُؤفكون ﴾ أي : كيف يعدلون عن الحق بعد وضوحه، تعجُّباً من جهلهم وضلالتهم.
الإشارة : لا عبرة بالأجسام العريضة، ولا بالألسن الفصيحة، إنما العبرة بالقلوب المطهرة، والسرائر المنورة، " إن الله لا ينظر إلى صوركم. . . " ١ الحديث، و " رُبَّ أشعثَ أغبر، مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسمَ على الله لأبَرَّه في قسمه " ٢. قال القشيري : قوله تعالى :﴿ وإذا رأيتهم. . ﴾ الخ، أي : هم أشباح وقوالب، ليس وراءهم ألبابُ وحقائق، والجوزُ الفارغ يؤنق ظاهره، ولكن للعب الصبيان. ه. وقال الشاعر :
وما الحسنُ في وجه الفتى شرفاً له | إذا لم يكن في فعله والخلائق |
٢ أخرجه مسلم في البر حديث ١٣٨..
٣ روي الحديث بلفظ: "التمسوا الخير عند حسان الوجوه" أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/١٩٥، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين٩/٩١، والعجلوني في كشف الخفاء ١/١٥٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٦٧٩٦..
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾*﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾*﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾*﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وإِذا قيل لهم ﴾ عند ظهور نفاقهم :﴿ تعالَوا يستغفر لكم رسولُ الله لَووا رؤوسَهم ﴾ أي : عطفوا استكباراً. وقرأ غير نافع بالتشديد للمبالغة. ﴿ ورأيتهم يصُدُّون ﴾ أي : يُعرضون عن القائل، أو عن الاستغفار، ﴿ وهم مستكبرون ﴾ عن الاعتذار والاستغفار.
رُوي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المُرَيْسيع وهو ماءٌ لهم وهزمهم، وقتلهم، ازدحم على الماء " جهجاه " أجير لعُمر مع سِنانٍ حليف لعبد الله بن أُبيّ المنافق فصرخ جهجاه : يا للمهاجرين ! وصرخ سنان : يا للأنصار ! فأعان جَهْجَاهاً جُعال من فقراء المهاجرين، ولطم سناناً، فقال ابنُ أُبيّ : أُوَقد فعلوها، وقال : وما صحبنا محمداً إلا لنُلطَم ! وما مثلنا ومثلهم إلاَّ كما قائل القائل : سمِّن كلبك يَأكُلْكَ ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ. ثم قال لقومه : كُفوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تُنفقوا على مَن عنده حتى ينفضُّوا ويتركوه، فسمع ذلك زيدُ بن أرقم، وكان حدثاً، فقال : أنت والله الذليلُ، المبَغَّضُ في قومك، ومحمد على رأسه تاج المعراج، في عزّ من الرحمان، وقوةٍ من المسلمين، فقال عبد الله : اسكت، فإنما كنتُ ألعب، فأخبر زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنقَ المنافق ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :" إذن تُرْعَدُ أنوفٌ كثيرة بيثرب " قال : فإن كرهت أن يقتله مُهاجريّ، فمُر به أنصاريًّا، فقال :" فكيف إذا تحدّث الناسُ أنّ محمداً يقتل أصحابه ؟ " فأرسل صلى الله عليه وسلم له، فأتى، فقال :" أنت صاحب الكلام الذي بلغني " ؟ فقال : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلتُ شيئاً من ذلك، وإنّ زيداً لكاذب، وهو قوله :﴿ اتخَذوا أَيمانهم جُنَّة ﴾ فقال الحاضرون : يا رسول الله ! شيخُنا وكبيرُنا، لا تُصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وَهم، قال زيد : فوجدتُ في نفسي، ولامَنِي الناسُ، فلزمتُ بيتي، فلما نزلت الآية، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد :" يا غلام إنَّ الله قد صَدَّقك وكذّب المنافقين "، فلما بان كذب عبد الله ؛ قيل له : قد نزلت فيك آيٌ شِدادٌ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال : أمرتموني أن أومن فآمنتُ، وأمرتموني أن أزكي مَالي، فزكّيتُ، ما بقي لي إلاّ أن أسجد لمحمد، فنزل :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا. . . ﴾ الآية، وما بقي إلاّ أياماً حتى اشتكى ومات. قاله النسفي، فانظره، مع أنّ سورة براءة متأخرة عن هذه، وفيها :﴿ وَلا تُصَلِ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم. . . ﴾ [ التوبة : ٨٤ ] التي نزلت فيه.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.
ثم قال تعالى، في الرد على الخبيث :﴿ ولله خزائنُ السموات والأرض ﴾، فهو رد وإبطال لما زعموا من أنَّ عدم إنفاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله صلى الله عليه وسلم ببيان أنَّ خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة، يُعطي مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، فيرزق منها المهاجرين، وإن أمسك أهلُ المدينة عنهم، ﴿ ولكنَّ المنافقين لا يفقهون ﴾ ؛ ولكن عبد الله وأضرابه لا يفقهون ذلك فيهتدون، بما يُزيِّن لهم الشيطان.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.
﴿ ولكنَّ المنافقينَ لا يعلمون ﴾ ذلك ؛ لفرط جهلهم وغرورهم، فيهذون ما يهذون. رُوي أنَّ ولد عبد الله بن أُبيّ، واسمه عبد الله، وكان رجلاً صالحاً، لَمَّا سمع الآية جاء إلى أبيه، فقال له : أنت والله يا أبت الذليل، ورسول الله العزيز، ووقف على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرّد السيف، ومنعه الدخول، وقال : والله لا دخلتَ منزلك إلاَّ أن يأذن في ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله في أذل حال، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه :" أن خَلِّه يمضي إلى منزله، وجزاه خيراً " فقال : الآن فنعم. ه.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾*﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾*﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكُم ﴾ أي : لا يشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها، والاعتناء بمصالِحها، والتمتُّع بها، ﴿ ولا أولادُكم ﴾ أي : سروركم بهم، وشفقتكم عليهم، والاستغراق في الأسباب، للنفقة عليهم ﴿ عن ذكر الله ﴾ أي : عن الاشتغال بذكره عزّ وجل، من الصلاة، والذكر، وسائر العبادات، والمراد : نهيهم عن التلهي بها، وتوجيه النهي لهم للمبالغة، كقوله تعالى :﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ ﴾ [ المائدة : ٢ ]، ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ أي : التلهي بالدنيا عن الدين ﴿ فأولئك هم الخاسرون ﴾ ؛ الكاملون في الخسران، حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
قيل : لمَّا كانت سورة المنافقين رأس ثلاث وستين سورة، أُشير فيها إلى وفاته صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى :﴿ ولن يُؤخر اللهُ نفساً إِذا جاء أجلها ﴾ فإنه صلى الله عليه وسلم مات على رأس ثلاث وستين سنة، وعقبها بالتغابن، ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم. ه.