تفسير سورة المنافقون

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة المنافقون
مدنية. وهي إحدى عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد شهدوا له بالرسالة، حين عقدوا معه البيعة، وانخرط في سلكهم المنافقون، فضحهم في هذه السورة بقوله :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾*﴿ اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾*﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إذا جاءك ﴾ أيها الرسول ﴿ المنافقون ﴾ أي : حضروا مجلسك، ﴿ قالوا نشهدُ إِنك لَرسولُ الله ﴾، أكدوا بإنَّ واللام ؛ للإيذان بأنَّ شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلبهم، وخلوص اعتقادهم، ووفور رغبتهم ونشاطهم، قال تعالى :﴿ واللهُ يعلم إِنك لَرسوله ﴾ حقيقةً، كما يدل عليه ظاهر كلامهم. والجملة معترضة بين شهادتهم وتكذيبهم بقوله :﴿ واللهُ يشهدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون ﴾، وحكمته : أنه لو لم يذكره لتوهم أنَّ قوله :﴿ واللهُ يشهد إِنَّ المنافقين لكاذبون ﴾ إبطال للرسالة، فوسطه بين حكاية قول المنافقين وبين تكذيبهم ؛ ليزيل هذا الوهم، ويُحقق الرسالة. وقوله :" لكاذبون " أي : في ادعائهم أنهم قالوا ذلك عن اعتقاد وصميم قلب، كما يُشير إليه ظاهر قولهم. قال القشيري : كذَّبهم فيما قالوا : إنّا نشهد عن بصيرة، ونعتقد تصديقك، فلم يكذبهم في الشهادة، ولكن كذَّبهم في قولهم : إنّا مخلصون مصدِّقون بك. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد يأتي إلى مشايخ التربية مَن يُنافقهم، طمعًا في الدنيا، فيقول : نشهد إنك لَمن العارفين، أو مِن أهل التربية، مثلاً، فَتَجُر الآيةُ ذيلَها عليه، وقد يكون مذبذباً، تارة تلوح له أنوارُ الولاية، وتارة تَستر عنه، فيُصدّق ثم يرجع، ثم يُطبع على قلبه. قال القشيري :﴿ ذلك بأنهم آمنوا ﴾ : استضاؤوا بنور الإجابة، فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ نور السعادة، فانطفأ نورُهم بقَهْرِ الحرمان، وبَقوا في ظلمة القسمة السابقة بحكم الشقاوة. هـ. وهنا إشارة أخرى للقشيري، وهو : إذا جاءك أيها الروح الصافية منافق الهوى والنفس الأمّارة، قالوا : نشهد إنك لَرسول الله، أي : كاملة صافية، يُريدون بذلك توقفها عن الترقي باستحسان ما أدركت، والوقوف معه، والله يعلم إنك لَرسوله، حين تصفى، فتكون محل العِلم الرباني، والوحي الإلهامي، والله يشهد إنهم لكاذبون في ادعاء الشهادة بلا حقيقة، اتخذوا أيمانهم جُنَّة، لئلا تكرّ عليهم بأنوارها، فتُخرجهم عن عوائدهم وشهواتهم، فصُدُّوا عن سبيل الله، حيث بقوا مع عوائدهم، أو : فصدُّوا الروح إن صدقتهم وطاوعتهم، ذلك بأنهم آمنوا، حيث ترد عليهم أنوار الواردات، ثم كفروا ؛ رجعوا إلى وطنهم، من الحظوظ، حيث تخمد أنوار الواردات عنهم، فطُبع على قلوبهم، حيث وقفوا مع عوائدهم فهم لا يفقهون : لا يعرفون سر إيجادهم، ولا لماذا خُلقوا. هـ. بالمعنى.
﴿ اتخَذوا أيمانَهم ﴾ الفاجرة ﴿ جُنَّةً ﴾ ؛ وقاية عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي، وغير ذلك، واتخاذها جُنَّةً عبارة عن إعدادهم وتهيئهم لها إلى وقت الحاجة، ليحلفوا بها، ويتخلّصوا عن المؤاخذة، ﴿ فصَدُّوا ﴾ بأنفسهم ﴿ عن سبيل الله ﴾ وضلُّوا عن طريق الحق، أو : فصّدُّوا مَن أراد الدخول في الإسلام بإلقاء الشُبه، وصدُّوا مَن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهي عنه، كما سيجيء عنهم، ولا ريب أنّ هذا الصدّ منهم متقدم على حلفهم بالفعل، ولذلك عبّر بالاتخاذ. ﴿ إِنهم ساء ما كانوا يعملون ﴾ من النفاق والصدّ. وفي " ساء " معنى التعجب وتعظيم أمرهم للسامعين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد يأتي إلى مشايخ التربية مَن يُنافقهم، طمعًا في الدنيا، فيقول : نشهد إنك لَمن العارفين، أو مِن أهل التربية، مثلاً، فَتَجُر الآيةُ ذيلَها عليه، وقد يكون مذبذباً، تارة تلوح له أنوارُ الولاية، وتارة تَستر عنه، فيُصدّق ثم يرجع، ثم يُطبع على قلبه. قال القشيري :﴿ ذلك بأنهم آمنوا ﴾ : استضاؤوا بنور الإجابة، فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ نور السعادة، فانطفأ نورُهم بقَهْرِ الحرمان، وبَقوا في ظلمة القسمة السابقة بحكم الشقاوة. هـ. وهنا إشارة أخرى للقشيري، وهو : إذا جاءك أيها الروح الصافية منافق الهوى والنفس الأمّارة، قالوا : نشهد إنك لَرسول الله، أي : كاملة صافية، يُريدون بذلك توقفها عن الترقي باستحسان ما أدركت، والوقوف معه، والله يعلم إنك لَرسوله، حين تصفى، فتكون محل العِلم الرباني، والوحي الإلهامي، والله يشهد إنهم لكاذبون في ادعاء الشهادة بلا حقيقة، اتخذوا أيمانهم جُنَّة، لئلا تكرّ عليهم بأنوارها، فتُخرجهم عن عوائدهم وشهواتهم، فصُدُّوا عن سبيل الله، حيث بقوا مع عوائدهم، أو : فصدُّوا الروح إن صدقتهم وطاوعتهم، ذلك بأنهم آمنوا، حيث ترد عليهم أنوار الواردات، ثم كفروا ؛ رجعوا إلى وطنهم، من الحظوظ، حيث تخمد أنوار الواردات عنهم، فطُبع على قلوبهم، حيث وقفوا مع عوائدهم فهم لا يفقهون : لا يعرفون سر إيجادهم، ولا لماذا خُلقوا. هـ. بالمعنى.
﴿ ذلك ﴾ أي : ما تقدّم من قولهم، الناعي عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً، أو : ما وصف مِن حالهم في النفاق والكذب والاستتار بالأيمان الفاجرة. ﴿ بأنهم ﴾ ؛ بسبب أنهم ﴿ آمنوا ﴾ ؛ نطقوا بكلمة الشهادة، كسائر مَن دخل في الإسلام ﴿ ثم كفروا ﴾ أي : ظهر كفرهم بما شُوهد منهم من شواهد الكفر ودلائله، أو : نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ونطقوا بالكفر عند شياطينهم، ﴿ فطُبعَ على قلوبهم ﴾ ؛ ختم عليها، حتى لا يدخلها الإيمان، جزاء على نفاقهم، فتمرّنوا على الكفر، واطمأنوا به، ﴿ فهم لا يفقهون ﴾ شيئًا، لا يعرفون حقيَّة الإيمان ولا حقيقته أصلاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد يأتي إلى مشايخ التربية مَن يُنافقهم، طمعًا في الدنيا، فيقول : نشهد إنك لَمن العارفين، أو مِن أهل التربية، مثلاً، فَتَجُر الآيةُ ذيلَها عليه، وقد يكون مذبذباً، تارة تلوح له أنوارُ الولاية، وتارة تَستر عنه، فيُصدّق ثم يرجع، ثم يُطبع على قلبه. قال القشيري :﴿ ذلك بأنهم آمنوا ﴾ : استضاؤوا بنور الإجابة، فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ نور السعادة، فانطفأ نورُهم بقَهْرِ الحرمان، وبَقوا في ظلمة القسمة السابقة بحكم الشقاوة. هـ. وهنا إشارة أخرى للقشيري، وهو : إذا جاءك أيها الروح الصافية منافق الهوى والنفس الأمّارة، قالوا : نشهد إنك لَرسول الله، أي : كاملة صافية، يُريدون بذلك توقفها عن الترقي باستحسان ما أدركت، والوقوف معه، والله يعلم إنك لَرسوله، حين تصفى، فتكون محل العِلم الرباني، والوحي الإلهامي، والله يشهد إنهم لكاذبون في ادعاء الشهادة بلا حقيقة، اتخذوا أيمانهم جُنَّة، لئلا تكرّ عليهم بأنوارها، فتُخرجهم عن عوائدهم وشهواتهم، فصُدُّوا عن سبيل الله، حيث بقوا مع عوائدهم، أو : فصدُّوا الروح إن صدقتهم وطاوعتهم، ذلك بأنهم آمنوا، حيث ترد عليهم أنوار الواردات، ثم كفروا ؛ رجعوا إلى وطنهم، من الحظوظ، حيث تخمد أنوار الواردات عنهم، فطُبع على قلوبهم، حيث وقفوا مع عوائدهم فهم لا يفقهون : لا يعرفون سر إيجادهم، ولا لماذا خُلقوا. هـ. بالمعنى.
ثم وبخ المنافقين بكونهم أشباحا خاوية، فقال :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وإِذا رأيتهم تُعْجِبُكَ أجسامُهم ﴾ لضخامتها، ويروقك منظرُهم ؛ لصباحة وجوههم، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو : لكل سامع، ﴿ وإِن يقولوا تسمعْ لِقَولهم ﴾ لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، وحلاوة كلامهم، وكان ابن أُبي رجلاً جسيماً صبيحاً، وقوم من المنافقين في مثل صفته، فكانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستندون فيه، ولهم جهارة المناظرة، وفصاحة الألسن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومَن معه يُعجبون بهم، ويسمعون إلى كلامهم. ﴿ كأنهم خُشُب مُسَنَّدةٌ ﴾ أي : هم كخشب مُسَنَّدة، شُبِّهوا في جلوسهم في مجلس الرسول صلى الله عليهم وسلم مستندين فيها بخُشب منظومة، مسندة إلى الحائط، في كونهم أشباحاً خالية من العلم والخير ؛ لأنّ الخشب إذا انتُفع بها كانت في سَقفٍ، أو جدارٍ، أو غير ذلك من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً غير منتفع به، أُسند إلى الحائط فشُبِّهوا به في عدم الانتفاع. أو : لأنهم أشباح بلا أرواح، وأجرام بلا أحلام. و " خُشُب " بضمتين، جمع خَشبة، كَثمرة وثُمُر، ويسكن، كبَدنة وبُدن.
﴿ يحسبون كلَّ صيحةٍ ﴾ واقعة ﴿ عليهم ﴾، ف " كل " : مفعول أول، و " عليهم " : مفعول ثان، أي : يظنون كلَّ صيحة واقعة عليهم لاستقرار الرعب في قلوبهم، فإذا نادى منادٍ في العسكر، أو انفلتت دابة، أو نُشِدت ضالّة ؛ ظنوه إيقاعاً بهم. ﴿ هم العدوُّ ﴾ أي : الكاملون في العداوة، الراسخون فيها، فإنّ أعدى الأعادي المكاشِر، الذي يُكاشر وتحت ضلوعه الداء. فالألف واللام للجنس، أو : للعهد، أي : العدو الذي يشهد لك، ويعتقد خلاف ما يشهد، ﴿ فاحْذرهم ﴾ ولا تغتر بحلاوة منطقهم، ﴿ قاتلهم اللهُ ﴾، دعاء عليهم، أو : تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم، ﴿ أنى يُؤفكون ﴾ أي : كيف يعدلون عن الحق بعد وضوحه، تعجُّباً من جهلهم وضلالتهم.
الإشارة : لا عبرة بالأجسام العريضة، ولا بالألسن الفصيحة، إنما العبرة بالقلوب المطهرة، والسرائر المنورة، " إن الله لا ينظر إلى صوركم. . . " ١ الحديث، و " رُبَّ أشعثَ أغبر، مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسمَ على الله لأبَرَّه في قسمه " ٢. قال القشيري : قوله تعالى :﴿ وإذا رأيتهم. . ﴾ الخ، أي : هم أشباح وقوالب، ليس وراءهم ألبابُ وحقائق، والجوزُ الفارغ يؤنق ظاهره، ولكن للعب الصبيان. ه. وقال الشاعر :
وما الحسنُ في وجه الفتى شرفاً له إذا لم يكن في فعله والخلائق
وقالت العامة : لا يتكلم إلاَّ الجوز الفارغ، ذمًّا لشقشقة اللسان، وفي الحديث أيضاً ذمهم والتحذير منهم. أما قوله صلى الله عليه وسلم :" التمسوا حوائجكم عند حِسَان الوُجُوه " ٣ فإنما المراد : ما يظهر على الوجه من البهجة والنور، والخفة والملاحة، مما خامر الباطن من بشاشة الإيمان ونور المعرفة. والله تعالى أعلم.
١ أخرجه مسلم في البر حديث ٣٤..
٢ أخرجه مسلم في البر حديث ١٣٨..
٣ روي الحديث بلفظ: "التمسوا الخير عند حسان الوجوه" أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/١٩٥، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين٩/٩١، والعجلوني في كشف الخفاء ١/١٥٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٦٧٩٦..
ثم قال تعالى في ذم المنافقين وافتضاحهم :
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾*﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾*﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾*﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وإِذا قيل لهم ﴾ عند ظهور نفاقهم :﴿ تعالَوا يستغفر لكم رسولُ الله لَووا رؤوسَهم ﴾ أي : عطفوا استكباراً. وقرأ غير نافع بالتشديد للمبالغة. ﴿ ورأيتهم يصُدُّون ﴾ أي : يُعرضون عن القائل، أو عن الاستغفار، ﴿ وهم مستكبرون ﴾ عن الاعتذار والاستغفار.
رُوي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المُرَيْسيع وهو ماءٌ لهم وهزمهم، وقتلهم، ازدحم على الماء " جهجاه " أجير لعُمر مع سِنانٍ حليف لعبد الله بن أُبيّ المنافق فصرخ جهجاه : يا للمهاجرين ! وصرخ سنان : يا للأنصار ! فأعان جَهْجَاهاً جُعال من فقراء المهاجرين، ولطم سناناً، فقال ابنُ أُبيّ : أُوَقد فعلوها، وقال : وما صحبنا محمداً إلا لنُلطَم ! وما مثلنا ومثلهم إلاَّ كما قائل القائل : سمِّن كلبك يَأكُلْكَ ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ. ثم قال لقومه : كُفوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تُنفقوا على مَن عنده حتى ينفضُّوا ويتركوه، فسمع ذلك زيدُ بن أرقم، وكان حدثاً، فقال : أنت والله الذليلُ، المبَغَّضُ في قومك، ومحمد على رأسه تاج المعراج، في عزّ من الرحمان، وقوةٍ من المسلمين، فقال عبد الله : اسكت، فإنما كنتُ ألعب، فأخبر زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنقَ المنافق ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :" إذن تُرْعَدُ أنوفٌ كثيرة بيثرب " قال : فإن كرهت أن يقتله مُهاجريّ، فمُر به أنصاريًّا، فقال :" فكيف إذا تحدّث الناسُ أنّ محمداً يقتل أصحابه ؟ " فأرسل صلى الله عليه وسلم له، فأتى، فقال :" أنت صاحب الكلام الذي بلغني " ؟ فقال : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلتُ شيئاً من ذلك، وإنّ زيداً لكاذب، وهو قوله :﴿ اتخَذوا أَيمانهم جُنَّة ﴾ فقال الحاضرون : يا رسول الله ! شيخُنا وكبيرُنا، لا تُصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وَهم، قال زيد : فوجدتُ في نفسي، ولامَنِي الناسُ، فلزمتُ بيتي، فلما نزلت الآية، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد :" يا غلام إنَّ الله قد صَدَّقك وكذّب المنافقين "، فلما بان كذب عبد الله ؛ قيل له : قد نزلت فيك آيٌ شِدادٌ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال : أمرتموني أن أومن فآمنتُ، وأمرتموني أن أزكي مَالي، فزكّيتُ، ما بقي لي إلاّ أن أسجد لمحمد، فنزل :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا. . . ﴾ الآية، وما بقي إلاّ أياماً حتى اشتكى ومات. قاله النسفي، فانظره، مع أنّ سورة براءة متأخرة عن هذه، وفيها :﴿ وَلا تُصَلِ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم. . . ﴾ [ التوبة : ٨٤ ] التي نزلت فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن تكبّر عن حط رأسه للأكابر ففيه خصلة من النفاق، والمراد بالأكابر : الأولياء العارفون بالله، مَن تكبّر عنهم مات، وفيه بقية مِن النفاق، إذ لا يخلو منه إلاّ بالتطهير الكبير على أيدي المشايخ، وكذلك مَن منع الناس مِن الإنفاق على أهل النسبة، كائناً ما كانوا، فشُؤمه الحرمان من نسيم أهل الوصلة، ﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ أي : خزائن الأرزاق الحسية والمعنوية، فقد يُعطي أحدهما دون الآخر، وقد يعطيهما معاً، أو : يمنعهما معاً، على حسب المشيئة، قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ وقال الجنيد : خزائن السماوات : الغيوب، وخزائن الأرض : القلوب، وهم علاّم الغيوب، ومُقلِّب القلوب.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.

قال تعالى :﴿ سواءٌ عليهم أسْتغفَرتَ لهم أم لم تستغفرْ لهم ﴾، أي : لا مساغ للنصح فيهم، ﴿ لن يغفر اللهُ لهم ﴾ أي : ما داموا على النفاق. والمعنى : سواء عليهم الاستغفار وعدمه ؛ لأنهم لا يلتفتون إليه، ولا يعتدون به ؛ لكفرهم، أو لأنّ الله لا يغفر لهم أبداً، ﴿ إِنَّ اللهَ لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ ؛ لإصرارهم على الفسق، ورسوخهم في الكفر والنفاق. والمراد : إما هم بأعيانهم، والإظهار في موضع الإضمار لبيان غلوهم في الفسق، أو : الجنس، وهم داخلون في زمرتهم دخولاً أولياً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن تكبّر عن حط رأسه للأكابر ففيه خصلة من النفاق، والمراد بالأكابر : الأولياء العارفون بالله، مَن تكبّر عنهم مات، وفيه بقية مِن النفاق، إذ لا يخلو منه إلاّ بالتطهير الكبير على أيدي المشايخ، وكذلك مَن منع الناس مِن الإنفاق على أهل النسبة، كائناً ما كانوا، فشُؤمه الحرمان من نسيم أهل الوصلة، ﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ أي : خزائن الأرزاق الحسية والمعنوية، فقد يُعطي أحدهما دون الآخر، وقد يعطيهما معاً، أو : يمنعهما معاً، على حسب المشيئة، قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ وقال الجنيد : خزائن السماوات : الغيوب، وخزائن الأرض : القلوب، وهم علاّم الغيوب، ومُقلِّب القلوب.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.

﴿ هم الذين يقولون ﴾ للأنصار :﴿ لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ ؛ يتفرقوا، وهذه المقالة كانت السبب في استدعائه إلى الاستغفار، كما تقدّم، فحقها التقديم قبل قوله :﴿ وإِذا قيل لهم تعالوا ﴾ وإنما أُخرت ليتوجه العتاب إليه مرتين، كما تقدّم في سورة البقرة.
ثم قال تعالى، في الرد على الخبيث :﴿ ولله خزائنُ السموات والأرض ﴾، فهو رد وإبطال لما زعموا من أنَّ عدم إنفاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله صلى الله عليه وسلم ببيان أنَّ خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة، يُعطي مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، فيرزق منها المهاجرين، وإن أمسك أهلُ المدينة عنهم، ﴿ ولكنَّ المنافقين لا يفقهون ﴾ ؛ ولكن عبد الله وأضرابه لا يفقهون ذلك فيهتدون، بما يُزيِّن لهم الشيطان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن تكبّر عن حط رأسه للأكابر ففيه خصلة من النفاق، والمراد بالأكابر : الأولياء العارفون بالله، مَن تكبّر عنهم مات، وفيه بقية مِن النفاق، إذ لا يخلو منه إلاّ بالتطهير الكبير على أيدي المشايخ، وكذلك مَن منع الناس مِن الإنفاق على أهل النسبة، كائناً ما كانوا، فشُؤمه الحرمان من نسيم أهل الوصلة، ﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ أي : خزائن الأرزاق الحسية والمعنوية، فقد يُعطي أحدهما دون الآخر، وقد يعطيهما معاً، أو : يمنعهما معاً، على حسب المشيئة، قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ وقال الجنيد : خزائن السماوات : الغيوب، وخزائن الأرض : القلوب، وهم علاّم الغيوب، ومُقلِّب القلوب.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.

﴿ يقولون لئن رجعنا ﴾ من غزوة بني المصطلق ﴿ إِلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعَزُّ منها ﴾ يعني : نفسه لعنه الله ﴿ الأذلَّ ﴾ يعني : جانب المؤمنين، وإسناد القول بذلك إلى المنافقين ؛ لرضاهم به، فردّ تعالى عليهم ذلك بقوله :﴿ وللهِ العِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾ أي : ولله الغلبة والعزّة، ولِمن أعزّه من رسوله والمؤمنين، لا لغيرهم، كما أنَّ المَذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين. وعن بعض الصالحات، وكانت في هيئة رثّة من الفقر : ألستُ على الإسلام، وهو العزّ الذي لا ذُلّ معه، والغنى الذي لا فقر معه ؟ وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنه : أنّ رجلاً قال له : إنَّ فيك تيهاً ؟ قال : ليس بتيه، ولكنه عزّة، وتلا هذه الآية. ه.
﴿ ولكنَّ المنافقينَ لا يعلمون ﴾ ذلك ؛ لفرط جهلهم وغرورهم، فيهذون ما يهذون. رُوي أنَّ ولد عبد الله بن أُبيّ، واسمه عبد الله، وكان رجلاً صالحاً، لَمَّا سمع الآية جاء إلى أبيه، فقال له : أنت والله يا أبت الذليل، ورسول الله العزيز، ووقف على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرّد السيف، ومنعه الدخول، وقال : والله لا دخلتَ منزلك إلاَّ أن يأذن في ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله في أذل حال، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه :" أن خَلِّه يمضي إلى منزله، وجزاه خيراً " فقال : الآن فنعم. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : مَن تكبّر عن حط رأسه للأكابر ففيه خصلة من النفاق، والمراد بالأكابر : الأولياء العارفون بالله، مَن تكبّر عنهم مات، وفيه بقية مِن النفاق، إذ لا يخلو منه إلاّ بالتطهير الكبير على أيدي المشايخ، وكذلك مَن منع الناس مِن الإنفاق على أهل النسبة، كائناً ما كانوا، فشُؤمه الحرمان من نسيم أهل الوصلة، ﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ أي : خزائن الأرزاق الحسية والمعنوية، فقد يُعطي أحدهما دون الآخر، وقد يعطيهما معاً، أو : يمنعهما معاً، على حسب المشيئة، قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ وقال الجنيد : خزائن السماوات : الغيوب، وخزائن الأرض : القلوب، وهم علاّم الغيوب، ومُقلِّب القلوب.
وكان الشبلي يقرأ :﴿ وللّه خزائن السماوات والأرض ﴾ ويقول : فأين تذهبون. هـ. أي : حين تهتمون بالرزق بعد هذه الآية.
﴿ ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ﴾، قال بعضهم : عزة الله : قهره، وعزته لرسوله : إظهاره، وعزتُه للمؤمنين : نصره إياهم على مَن آذاهم. وقيل : عزة الله : الولاية
﴿ هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ [ الكهف : ٤٤ ]، وعزة الرسول : الكفاية والعناية، وعزة المؤمنين : الرفعة والرعاية، وقيل : عزة الله : الربوبية، وعزة الرسول : النبوة، وعزة المؤمنين : العبودية، فإذا أردتَ أيها العبد أن تكون عزيزاً فارفع همتك عن الخلق، وسُد باب الطمع، وتحلَّ بحلية الورع. قال بعضهم : والله ما رأيتُ العزّ إلاَّ في رفع الهمة عن الخلق، وقال آخر : ما قُذِّر لماضغيك أن يمضغاه فلا بدّ أن يمضغاه، فامضغه ـ ويحك ـ بعز، ولا تمضغه بذل. هـ.

ولما ذم المنافقين بأمرهم بالإمساك عن الإنفاق أمر المؤمنين به، وقدم الأمر بذكره ؛ تمهيدا، فقال :
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾*﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾*﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكُم ﴾ أي : لا يشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها، والاعتناء بمصالِحها، والتمتُّع بها، ﴿ ولا أولادُكم ﴾ أي : سروركم بهم، وشفقتكم عليهم، والاستغراق في الأسباب، للنفقة عليهم ﴿ عن ذكر الله ﴾ أي : عن الاشتغال بذكره عزّ وجل، من الصلاة، والذكر، وسائر العبادات، والمراد : نهيهم عن التلهي بها، وتوجيه النهي لهم للمبالغة، كقوله تعالى :﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ ﴾ [ المائدة : ٢ ]، ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ أي : التلهي بالدنيا عن الدين ﴿ فأولئك هم الخاسرون ﴾ ؛ الكاملون في الخسران، حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد نهى الله تعالى عن الاشتغال عن ذكره بالأموال والأولاد، ويُقاس عليه سائر القواطع، فلا عذر للعبد في تركه في وقت من الأوقات، فما مِن وقت من الأوقات إلاَّ وله حق جديد، وأمر أكيد، لا يُقضى في غيره، فحقوق الأوقات لا تقضى، بخلاف الحقوق التي لها أوقات محدودة، فإنها تُقضى في غيرها، ولمّا كان الذِكر يُطهِّر القلب، ويُخرج ما فيه من حب الدنيا وغيرها، أمر بالإنفاق بعد الأمر به ؛ ليسهل الإنفاقَ على العبد. قال بعض الحكماء في مدح الذكر والترغيب فيه : الذكر منشور الولاية، ولا بُد منه في البداية والنهاية، وهو يُثمر أحوالاً شريفة، ومقامات عالية منيفة، وعلوماً لطيفة، ويحيي عوالم طالما كانت قَبْلُ مواتاً، ويُلبِسُ النفسَ وجنودَها ذلة وسُبَاتاً، ونظيره إذا وصل للقلب : كدخول الماء في الأسراب، فإنه يُخرج ما فيها من الحشرات والدواب، فكذلك الذكر، إذا صدم القلب، ودخل سُويداءه، فإنه يُخلصه مِن مساكنة صلصال النفس، ويُزيل عن ناظره الغشاوة واللبس، ولهذا كان أفضل الأعمال، وأزكى الأحوال، وفُضّل على جهاد السيف والقتال. هـ. وأنفِقوا مما رزقناكم من العلوم والمعارف، لمَن يطلبها وكان أهلاً لها، بعد إنفاق ما عنده من الحس، وإلاَّ فلا خير في فقير شحيح، فإنه مِن أقبح كل قبيح. فانتهزوا الفرصة، وبادِروا نفوذ الأجل، فالترقي إنما هو في هذه الدار. قال القشيري : لا تَغْتَرُّوا بسلامةِ أوقاتِكم، وتَرَقَّبوا بغَتَات آجالكم، وتأهَّبوا لِما بين أيديكم من الرحيل، ولا تعرجوا في أوطان التسويف. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم.
﴿ وأَنفِقوا مِن مَّا رزقناكم ﴾ أي : بعض ما رزقناكم، تفضُّلاً، من غير أن يكون حصوله من جهتكم ادخاراً للآخرة، وهو عام في المفروض والمندوب، ﴿ مِن قبل أن يأتي أحدَكُم الموتُ ﴾ بأن يُشاهد دلائله، ويُعاين أمارته ومخايله. وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما قدّم، والتشويق لِما أخّر، ﴿ فيقولَ ﴾ حين تَيَقُنِه بحلوله :﴿ لولا أخَّرتني ﴾ ؛ أمهلتني ﴿ إلى أجلٍ قريب ﴾ ؛ أمدٍ قصيرٍ، ﴿ فأصَّدَّقَ ﴾ بالنصب، جواب التمني، ﴿ وأكن من الصالحين ﴾ بالجزم، عطفاً على محل ﴿ فأصَّدق ﴾ أو : على توهُّم إسقاط الفاء، كأنه قيل : إن أخرتني أصَّدَّق وأكن، وقرأ أبو عمرو بالنصب عطفاً على اللفظ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد نهى الله تعالى عن الاشتغال عن ذكره بالأموال والأولاد، ويُقاس عليه سائر القواطع، فلا عذر للعبد في تركه في وقت من الأوقات، فما مِن وقت من الأوقات إلاَّ وله حق جديد، وأمر أكيد، لا يُقضى في غيره، فحقوق الأوقات لا تقضى، بخلاف الحقوق التي لها أوقات محدودة، فإنها تُقضى في غيرها، ولمّا كان الذِكر يُطهِّر القلب، ويُخرج ما فيه من حب الدنيا وغيرها، أمر بالإنفاق بعد الأمر به ؛ ليسهل الإنفاقَ على العبد. قال بعض الحكماء في مدح الذكر والترغيب فيه : الذكر منشور الولاية، ولا بُد منه في البداية والنهاية، وهو يُثمر أحوالاً شريفة، ومقامات عالية منيفة، وعلوماً لطيفة، ويحيي عوالم طالما كانت قَبْلُ مواتاً، ويُلبِسُ النفسَ وجنودَها ذلة وسُبَاتاً، ونظيره إذا وصل للقلب : كدخول الماء في الأسراب، فإنه يُخرج ما فيها من الحشرات والدواب، فكذلك الذكر، إذا صدم القلب، ودخل سُويداءه، فإنه يُخلصه مِن مساكنة صلصال النفس، ويُزيل عن ناظره الغشاوة واللبس، ولهذا كان أفضل الأعمال، وأزكى الأحوال، وفُضّل على جهاد السيف والقتال. هـ. وأنفِقوا مما رزقناكم من العلوم والمعارف، لمَن يطلبها وكان أهلاً لها، بعد إنفاق ما عنده من الحس، وإلاَّ فلا خير في فقير شحيح، فإنه مِن أقبح كل قبيح. فانتهزوا الفرصة، وبادِروا نفوذ الأجل، فالترقي إنما هو في هذه الدار. قال القشيري : لا تَغْتَرُّوا بسلامةِ أوقاتِكم، وتَرَقَّبوا بغَتَات آجالكم، وتأهَّبوا لِما بين أيديكم من الرحيل، ولا تعرجوا في أوطان التسويف. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم.
﴿ ولن يُؤخر اللهُ نفساً ﴾ ؛ لن يمهلها ﴿ إِذا جاء أجَلُهَا ﴾ ؛ آخر عُمْرِها المكتوب في اللوح. ﴿ واللهُ خبير بما تعملون ﴾ فيُجَازيكم عليه، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر، فسارعوا إلى الخيرات، واستعِدوا لما هو آت. قال ابن عباس : ما قصَّر أحد في الزكاة والحجِّ إلاَّ سأل الرجعة عند الموت١. ه. والظاهر : أنَّ كل مَن قصَّر في الاجتهاد، وتعمير الأوقات، كله يطلب الرجعة، وكل مَن أدركته المنية قبل الوصول إلى الله مغبون، ولذلك ذكر التغابن بعدها، وفي الحديث :" ما مِن أحدٍ إلاَّ سيندم عند الموت، إن كان عاصياً أن لو تاب، وإن كان طائعاً أن لو زاد " أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قال في غريب المنتقى : إنّ العبد يقول عند كشف الغطاء : يا ملك الموت أَخِّرني يوماً أعتذر فيه إلى ربي، وأتوب وأتزوّد صالحاً لنفسي، فيقول المَلك : فَنيت الأيامُ، فلا يوم، فيقول : أخَّرني ساعة، فيقول : فَنِيَت الساعات فلا ساعة. ه.
قيل : لمَّا كانت سورة المنافقين رأس ثلاث وستين سورة، أُشير فيها إلى وفاته صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى :﴿ ولن يُؤخر اللهُ نفساً إِذا جاء أجلها ﴾ فإنه صلى الله عليه وسلم مات على رأس ثلاث وستين سنة، وعقبها بالتغابن، ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد نهى الله تعالى عن الاشتغال عن ذكره بالأموال والأولاد، ويُقاس عليه سائر القواطع، فلا عذر للعبد في تركه في وقت من الأوقات، فما مِن وقت من الأوقات إلاَّ وله حق جديد، وأمر أكيد، لا يُقضى في غيره، فحقوق الأوقات لا تقضى، بخلاف الحقوق التي لها أوقات محدودة، فإنها تُقضى في غيرها، ولمّا كان الذِكر يُطهِّر القلب، ويُخرج ما فيه من حب الدنيا وغيرها، أمر بالإنفاق بعد الأمر به ؛ ليسهل الإنفاقَ على العبد. قال بعض الحكماء في مدح الذكر والترغيب فيه : الذكر منشور الولاية، ولا بُد منه في البداية والنهاية، وهو يُثمر أحوالاً شريفة، ومقامات عالية منيفة، وعلوماً لطيفة، ويحيي عوالم طالما كانت قَبْلُ مواتاً، ويُلبِسُ النفسَ وجنودَها ذلة وسُبَاتاً، ونظيره إذا وصل للقلب : كدخول الماء في الأسراب، فإنه يُخرج ما فيها من الحشرات والدواب، فكذلك الذكر، إذا صدم القلب، ودخل سُويداءه، فإنه يُخلصه مِن مساكنة صلصال النفس، ويُزيل عن ناظره الغشاوة واللبس، ولهذا كان أفضل الأعمال، وأزكى الأحوال، وفُضّل على جهاد السيف والقتال. هـ. وأنفِقوا مما رزقناكم من العلوم والمعارف، لمَن يطلبها وكان أهلاً لها، بعد إنفاق ما عنده من الحس، وإلاَّ فلا خير في فقير شحيح، فإنه مِن أقبح كل قبيح. فانتهزوا الفرصة، وبادِروا نفوذ الأجل، فالترقي إنما هو في هذه الدار. قال القشيري : لا تَغْتَرُّوا بسلامةِ أوقاتِكم، وتَرَقَّبوا بغَتَات آجالكم، وتأهَّبوا لِما بين أيديكم من الرحيل، ولا تعرجوا في أوطان التسويف. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم.

١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٦٣ حديث ٣٣١٦..
Icon