تفسير سورة المنافقون

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آيها إحدى عشرة
هي مدنية، نزلت بعد الحج.
ووجه اتصالها بما قبلها : أنه ذكر في الأول حال المؤمنين الذين بعث إليهم النبي الأميّ يتلو عليهم كتابه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأمرهم بالصلاة وترك البيع حين أدائها، وفي هذه ذكر أضدادهم وهم المنافقون الذين يشهدون كذبا بأن محمدا رسول الله ويحلفون الأيمان المحرجة على ذلك، ومن ثم كان النبي يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة، فيحرض بها المؤمنون على العبادة، وفي الركعة الثانية بسورة المنافقين، فيقرّع بها المنافقين.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( ١ ) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ( ٢ ) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( ٣ )* وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ﴾ [ المنافقون : ١-٤ ].
شرح المفردات : المنافق : من يظهر الإيمان ويبطن الكفر،
المعنى الجملي : وصف الله تعالى المنافقين بأوصاف هي منتهى الشناعة والقبح :
( ١ ) أنهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.
( ٢ ) أنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم، وحقنا لدمائهم.
( ٣ ) أنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم، وفصاحة ألسنتهم، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
الإيضاح :﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ﴾ أي إذا حضر مجلسك المنافقون كعبد الله بن أبيّ وصحبه قالوا نشهد شهادة لا نشك في صدقها، إنك رسول من عند الله حقا، أوحى إليك وحيه، وأنزل عليك كتابه رحمة منه بعباده.
ثم إني بجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها، تحقيقا لرسالته فقال :
﴿ والله يعلم إنك لرسوله ﴾ أي والله يعلم إنك لرسوله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، لتنقذهم من الضلال إلى الهدى.
ثم بين كذبهم في مقالهم الذي حدّثوا به فقال :
﴿ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ فيما أخبروا به، لأنهم لا يعتقدون صدق ما يقولون ولا تواطئ قلوبهم ألسنتهم في هذه الشهادة.
المعنى الجملي : وصف الله تعالى المنافقين بأوصاف هي منتهى الشناعة والقبح :
( ١ ) أنهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.
( ٢ ) أنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم، وحقنا لدمائهم.
( ٣ ) أنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم، وفصاحة ألسنتهم، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
جنة : أي وقاية وسترا لدمائهم وأموالهم،
ثم ذكر أنهم يحتالون على تصديق الناس لهم بكل يمين محرجة فقال :
﴿ اتخذوا أيمانهم جنة ﴾ أي جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية وسترا لحقن دمائهم وحفظ أموالهم، فيحلفون بالله إنهم لمنكم، ويقولون نشهد إنك لرسول الله حتى لا تجري عليهم أحكام الكفار من القتل والأسر وأخذ الأموال غنيمة.
قال قتادة : كلما ظهر عليهم ما يوجب مؤاخذتهم حلفوا كاذبين، عصمة لدمائهم وأموالهم.
وفي هذا تعداد لقبائح أفعالهم، وأن من عادتهم أن يستجنّوا بالأيمان الكاذبة، كما استنجنّوا بالشهادة الكاذبة.
ثم حكى عنهم جريمة أخرى وهي إضلال الناس وصدهم عن الإسلام فقال :
﴿ فصدوا عن سبيل الله ﴾ أي فمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، وعن الإنفاق كما حكى عنهم سبحانه بعد.
وقصارى ذلك أنهم أجرموا جرمين :
( ١ ) أعدوا الأيمان الكاذبة وهيئوها لوقت الحاجة، ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة.
( ٢ ) أنهم يمنعون الناس عن الدخول في الإسلام وينفرونهم منه متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ثم بين قبح مغبة ما يعملون، ووبال ما يصنعون فقال :
﴿ إنهم ساء ما كانوا يعملون ﴾ أي قبح فعلهم إذ آثروا الكفر على الإيمان، وأظهروا خلاف ما أضمروا، وسيلقون نكالا ووبالا في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فسيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد، ويظهر نفاقهم للمؤمنين بنحو قوله :﴿ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ﴾ [ التوبة : ٨٤ ].
وأما في الآخرة فحسبهم جهنم وبئس المهاد.
المعنى الجملي : وصف الله تعالى المنافقين بأوصاف هي منتهى الشناعة والقبح :
( ١ ) أنهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.
( ٢ ) أنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم، وحقنا لدمائهم.
( ٣ ) أنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم، وفصاحة ألسنتهم، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
آمنوا : أي بألسنتهم، كفروا : أي بقلوبهم، طبع : أي ختم عليها كما يختم بالطابع على ما يراد حفظه حتى لا يؤخذ منه شيء، لا يفقهون : أي لا يعلمون،
ثم ذكر ما جرأهم على الكذب والاستخفاف بالأيمان المحرجة فقال :
﴿ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ﴾ أي ذلك الذي فعلوه لسوء سريرتهم، وقبح طويتهم، فاستهانوا بما يأتون وما يذرون، ولم يكن همهم إلا المحافظة على دمائهم وأموالهم، ومن ثم أظهروا للناس إيمانا وأبطنوا كفرا، وقد ختم على قلوبهم فلا تهتدي إلى حق، ولا يصل إليها خير، ومن جراء ذلك عموا عما نصب من الأدلة على صدق الرسول، وصمت الآذان عن سماع ما يوجب الإيمان، فهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
المعنى الجملي : وصف الله تعالى المنافقين بأوصاف هي منتهى الشناعة والقبح :
( ١ ) أنهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.
( ٢ ) أنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم، وحقنا لدمائهم.
( ٣ ) أنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم، وفصاحة ألسنتهم، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
تعجبك أجسامهم : أي لصباحتها وتناسب أعضائها، تسمع لقولهم : أي لفصاحتهم وحسن حديثهم، خشب : واحدها خشباء ؛ وهي الخشبة التي مخر جوفها، والصيحة : الصوت، قاتلهم الله : أي لعنهم وطردهم من رحمته، يؤفكون : أي يصرفون عما هم عليه.
ثم ذكر ما لهم من جمال في الصورة واعتدال في القوام فقال :
﴿ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ﴾ أي لاستواء خلقهم، وجمال صورهم.
كما وصفهم بالفصاحة وذرابة اللسان فقال :
﴿ وإن يقولوا تسمع لقولهم ﴾ لحلاوة منطقهم وحسن توقيع حديثهم فإذا سمعهم سامع أحب أن يصغي إليهم، وأن يطول حديثهم جهد الاستطاعة.
ثم وصفهم بأن أفئدتهم هواء لا عقول لهم ولا أحلام فقال :
﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ أي هم أشباح بلا أرواح، لهم جمال في المنظر، وقبح في المخبر، فسدت بواطنهم، وحسنت ظواهرهم، فكانت كالخشب الجوفاء التي نخرها السوس، فهي مع حسنها لا ينتفع فيها بعمل، ولا يستفاد منها خير، ولله در أبي نواس :
لا تخدعنك اللحى ولا الصور *** تسعة أعشار من ترى بقر
تراهم كالسراب منتشرا *** وليس فيه لطالب مطر
في شجر السّرو منهم مثل *** له رواء وما له ثمر
ثم وصفهم بالجبن والذلة فقال :
﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ أي كلما نادى مناد في العسكر، أو انفلتت دابة أو نشدت ضالة- ظنوا أن العدو قد فجأهم، وأن أمرهم قد افتضح، وأنهم هالكون لا محالة، ولقد قالوا : يكاد المريب يقول خذوني، ويكاد السارق يقول إذا رأى القيد، ضعوه في يدي، لما ألقي من الرعب في قلوبهم، فهم يخافون أن تهتك أستارهم، وتكشف أسرارهم، ويتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ﴾ [ الأحزاب : ١٩ ] وقد نظر المتنبي إلى الآية في قوله :
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم *** إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
﴿ هم العدو ﴾ الذي بلغ الغاية في العداوة.
﴿ فاحذرهم ﴾ ولا تأمنهم على سر، ولا تلتفت إلى ظاهرهم، فقلوبهم متحرقة حسدا وبغضا، وأعدى الأعداء العدو المداجي الذي يكاشرك ( يبتسم لك ) وتحت ضلوعه الداء الدوي، والشر المستطير.
ثم زاد سبحانه في ذمهم وتوبيخهم، وعجب من حالهم فقال :
﴿ قاتلهم الله ﴾ أي لعنهم الله وطردهم من رحمته، فما أفظع حالهم، وما أشدهم غفلة عن مآلهم.
وهذا تعليم منه لعباده المؤمنين أن يلعنوهم، فكأنه قال : قولوا قاتلهم الله.
﴿ أنى يؤفكون ﴾ أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل، وقد كان لهم مدّكر فيما حولهم، وفيما أمامهم من صدق الداعي بما أتى به من البينات الدالة على أنه مرسل من ربه.
وإن تعجب من شيء فاعجب من جهالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق، فما أعظمها محنة، وأعجب بها نقمة، جازاهم الله بها على سوء أعمالهم، وقبح فعالهم.
﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ( ٥ ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( ٦ ) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون ( ٧ ) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ﴾ [ المنافقون : ٥-٨ ].
شرح المفردات : لوّوا رؤوسهم : أي حولوها استهزاء، يصدون : أي يعرضون عن القائل،
المعنى الجملي : بعد أن ذكر كذب المنافقين في قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله، وبين شنيع أفعالهم، بترويجها بالأيمان الفاجرة، ثم أعقبه بذكر جبنهم وصلفهم، وأنهم أجسام البغال، وأحلام العصافير، ثم أردفه ببيان أنهم أعداء الله حقا ؛ أعقب هذا بذكر ما صدر منهم مما يثبت كذبهم ونفاقهم، بما لا يدع شبهة لمن يلتمس لهم المعاذير، ويبرئهم من النفاق ؛ فمن ذلك :
( ١ ) أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب، أمالوا رؤوسهم وأعرضوا استكبارا وأنفة أن يفعلوا.
( ٢ ) أنهم قالوا : لئن رجعنا من وقعة بني المصطلق ( قبيلة من اليهود ) إلى المدينة لنخرجن الأذلاء محمدا وصحبه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بني المصطلق علا المريسيع ( ماء لهم ) وهزمهم وقتل وأسر- ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري، وكان أجيرا لعمر بن الخطاب، وسنان الجهني، وكان حليف عبد الله بن أبيّ، واقتتلا فصرخ جهجاه وقال : يا للمهاجرين، وصرخ سنان وقال : يا للأنصار، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين ولطم سنانا، فقال عبد الله ابن أبيّ للمهاجرين : ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هذا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال :( إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب ) ( يريد صلى الله عليه وسلم أنه يهيج الشر ) قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجر فأمر به أنصاريا، قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ثم قال لعبد الله :" أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني "، قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا ( يريد زيد بن أرقم الذي بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ) لكاذب، فنزلت هذه الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد :( يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين )، فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوّي رأسه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد، ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات.
الإيضاح :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ﴾ أي وإذا قيل لجماعة المنافقين كعبد الله بن أبيّ : هلموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لكم من ربكم غفران ذنوبكم، صدوا وأعرضوا، استكبارا وعتوا.
قال الكلبي : لما نزل القرآن بصفة المنافقين مشى إليهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا لهم : ويلكم افتضحتم بالنفاق، وأهلكتم أنفسكم، فائتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوبوا إليه من النفاق، واسألوه أن يغفر لكم، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت الآية.
وقال ابن عباس : لما رجع عبد الله بن أبيّ من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنّفوه وأسمعوه ما يكره ؛ فقال له بنو أبيه : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك، قال : لا أذهب إليه ولا أريد أن يستغفر لي، وجعل يلوّي رأسه فنزلت :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر كذب المنافقين في قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله، وبين شنيع أفعالهم، بترويجها بالأيمان الفاجرة، ثم أعقبه بذكر جبنهم وصلفهم، وأنهم أجسام البغال، وأحلام العصافير، ثم أردفه ببيان أنهم أعداء الله حقا ؛ أعقب هذا بذكر ما صدر منهم مما يثبت كذبهم ونفاقهم، بما لا يدع شبهة لمن يلتمس لهم المعاذير، ويبرئهم من النفاق ؛ فمن ذلك :
( ١ ) أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب، أمالوا رؤوسهم وأعرضوا استكبارا وأنفة أن يفعلوا.
( ٢ ) أنهم قالوا : لئن رجعنا من وقعة بني المصطلق ( قبيلة من اليهود ) إلى المدينة لنخرجن الأذلاء محمدا وصحبه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بني المصطلق علا المريسيع ( ماء لهم ) وهزمهم وقتل وأسر- ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري، وكان أجيرا لعمر بن الخطاب، وسنان الجهني، وكان حليف عبد الله بن أبيّ، واقتتلا فصرخ جهجاه وقال : يا للمهاجرين، وصرخ سنان وقال : يا للأنصار، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين ولطم سنانا، فقال عبد الله ابن أبيّ للمهاجرين : ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هذا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال :( إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب ) ( يريد صلى الله عليه وسلم أنه يهيج الشر ) قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجر فأمر به أنصاريا، قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ثم قال لعبد الله :" أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني "، قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا ( يريد زيد بن أرقم الذي بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ) لكاذب، فنزلت هذه الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد :( يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين )، فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوّي رأسه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد، ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات.
الفاسقين : أي الخارجين من طاعة الله وطاعة الرسول، المنهمكين في أنواع الشرور والآثام،
ثم أيأسهم من جدوى الاستغفار لهم فقال :
﴿ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ﴾ أي الاستغفار لهم وعدمه سيان لا يجديانهم نفعا، لأن الله قد كتب عليهم الشقاء بما كسبت أيديهم، وبما اجترحت من الفسوق والآثام، وبما ران على قلوبهم من الجحود والطغيان ؛ ثم علل ذلك بقوله :
﴿ إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ أي إن الله لا يهدي من أحاطت به خطيئته فلم تجد الهداية إلى قلبه سبيلا تسلكه، ولا المواعظ والنصائح متسعا في فؤاده، فأنى للقلب أن يهتدي، وللعقل أن يرعوي، وماذا تفيد الآيات والنذر عن قوم لا يعقلون ؟
المعنى الجملي : بعد أن ذكر كذب المنافقين في قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله، وبين شنيع أفعالهم، بترويجها بالأيمان الفاجرة، ثم أعقبه بذكر جبنهم وصلفهم، وأنهم أجسام البغال، وأحلام العصافير، ثم أردفه ببيان أنهم أعداء الله حقا ؛ أعقب هذا بذكر ما صدر منهم مما يثبت كذبهم ونفاقهم، بما لا يدع شبهة لمن يلتمس لهم المعاذير، ويبرئهم من النفاق ؛ فمن ذلك :
( ١ ) أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب، أمالوا رؤوسهم وأعرضوا استكبارا وأنفة أن يفعلوا.
( ٢ ) أنهم قالوا : لئن رجعنا من وقعة بني المصطلق ( قبيلة من اليهود ) إلى المدينة لنخرجن الأذلاء محمدا وصحبه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بني المصطلق علا المريسيع ( ماء لهم ) وهزمهم وقتل وأسر- ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري، وكان أجيرا لعمر بن الخطاب، وسنان الجهني، وكان حليف عبد الله بن أبيّ، واقتتلا فصرخ جهجاه وقال : يا للمهاجرين، وصرخ سنان وقال : يا للأنصار، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين ولطم سنانا، فقال عبد الله ابن أبيّ للمهاجرين : ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هذا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال :( إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب ) ( يريد صلى الله عليه وسلم أنه يهيج الشر ) قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجر فأمر به أنصاريا، قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ثم قال لعبد الله :" أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني "، قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا ( يريد زيد بن أرقم الذي بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ) لكاذب، فنزلت هذه الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد :( يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين )، فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوّي رأسه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد، ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات.
حتى ينفضوا : أي حتى يتفرقوا، خزائن السماوات والأرض : أي خزائن الأرزاق فيهما، لا يفقهون : أي لا يعلمون علما صادرا عن إدراك لجلال الله وقدرته،
ثم ذكر هنة أخرى لهم فقال :
﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ أي هم الذين يقولون للأنصار : لا تطعموا محمدا وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة، فيتركوا نبيهم حين يعضهم الجوع بنابه.
ثم رد عليهم وخطّأهم فيما يقولون فقال :
﴿ ولله خزائن السماوات والأرض ﴾ أي ولله جميع ما في السماوات والأرض من شيء، وبيده مفاتيح أرزاق العباد، لا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلا بمشيئته.
﴿ ولكن المنافقين لا يفقهون ﴾ ذلك لجهلهم بسنن الله في خلقه، وأن الله قد كفل الأرزاق لعباده في أي مكان كانوا متى عملوا وجدوا في الحصول عليها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر كذب المنافقين في قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله، وبين شنيع أفعالهم، بترويجها بالأيمان الفاجرة، ثم أعقبه بذكر جبنهم وصلفهم، وأنهم أجسام البغال، وأحلام العصافير، ثم أردفه ببيان أنهم أعداء الله حقا ؛ أعقب هذا بذكر ما صدر منهم مما يثبت كذبهم ونفاقهم، بما لا يدع شبهة لمن يلتمس لهم المعاذير، ويبرئهم من النفاق ؛ فمن ذلك :
( ١ ) أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب، أمالوا رؤوسهم وأعرضوا استكبارا وأنفة أن يفعلوا.
( ٢ ) أنهم قالوا : لئن رجعنا من وقعة بني المصطلق ( قبيلة من اليهود ) إلى المدينة لنخرجن الأذلاء محمدا وصحبه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بني المصطلق علا المريسيع ( ماء لهم ) وهزمهم وقتل وأسر- ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري، وكان أجيرا لعمر بن الخطاب، وسنان الجهني، وكان حليف عبد الله بن أبيّ، واقتتلا فصرخ جهجاه وقال : يا للمهاجرين، وصرخ سنان وقال : يا للأنصار، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين ولطم سنانا، فقال عبد الله ابن أبيّ للمهاجرين : ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هذا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال :( إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب ) ( يريد صلى الله عليه وسلم أنه يهيج الشر ) قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجر فأمر به أنصاريا، قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ثم قال لعبد الله :" أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني "، قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا ( يريد زيد بن أرقم الذي بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ) لكاذب، فنزلت هذه الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد :( يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين )، فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوّي رأسه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد، ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات.
والأعز : أي المنافقون، والأذل : في زعمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، والعزة : الغلبة والنصر.
ثم ذكر هنة ثالثة لهم وهي أعظمها فقال :
﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ أي يقول عبد الله بن أبي ومن يلوذ به من صحبه : لئن عدنا إلى المدينة لنخرجنكم منها أيها المؤمنون فإننا الأقوياء الأشداء الأعزاء، وأنتم الضعفاء الأذلاء.
ثم رد عليهم مقالهم فقال :
﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ﴾ أي ولله الغلبة والقوة، ولمن أعزه الله من الرسول والمؤمنين.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان مؤمنا مخلصا سلّ سيفه على أبيه عندما أشرفوا على المدينة وقال : لله عليّ ألا أغمده حتى تقول : محمد الأعز وأنا الأذل، فلم يبرح حتى قال ذلك.
وروي أنه وقف واستل سيفه وجعل الناس يمرون عليه حتى جاء أبوه فقال : وراءك قال مالك ويلك ؟ قال والله لا تجوز من هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه العزيز وأنت الذليل، فرجع حتى لقي رسول الله، وكان إنما يسير ساقة ( في آخر الجيش )، فشكا إليه ما صنع ابنه، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل ).
﴿ ولكن النافقين لا يعلمون ﴾ أن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله ينصر من ينصره كما قال ﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] وسننه تعالى لا تبديل فيها ولا تغيير، وهو لابد جاعل عباده المؤمنين هم الأعزاء كما وعد، وجاعل مخالفيه هم الأذلاء.
ولا دخل للمال والنشب، ولا للحسب والنسب، في تلك القوة التي يمد بها من يشاء، والنصرة التي يمنحها عباده المخلصين، وإن الله منجز وعده لنبيه، كما أنجزه لمن قبله من رسله، وقد تم لهم الظفر على أعدائهم الضالين.
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ( ٩ ) وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( ١٠ ) ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ﴾ [ المنافقون : ٩ -١١ ].
شرح المفردات : لا تلهكم أي لا تشغلكم، وذكر الله : العبادات المذكرة به، والمال والأولاد : يراد بها زخرف الدنيا، الخاسرون في تجارتهم : إذ باعوا العظيم بالحقير
المعنى الجملي : بعد أن حكى مقال المنافقين من أنهم الأعزاء، وأن المؤمنين هم الأذلاء، اغترارا بما لهم من مال ونشب، وأن ذلك هو الذي صدهم عن طاعة الله، وجعلهم يعرضون عن الإيمان بالله إيمانا حقا، ويؤدون فرائضه، ويقومون بما يقربهم من رضوانه، أردف ذلك بنهي المؤمنين أن يكونوا مثلهم في ذلك، بل عليهم أن يلهجوا بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ويؤدوا ما فرض عليهم من العبادات، ولا يشغلهم عن ذلك زخرف هذه الحياة من مال ونشب وأولاد وجاه، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، ثم أمرهم أن ينفقوا أموالهم في أعمال البر والخير ولا يؤخروا ذلك حتى يحل الموت فيندموا حيث لا ينفع الندم، ويتمنوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنى لهم ذلك، ولكل نفس أجل محدود لا تعدوه، والله خبير بما يعملون، وهو مجازيهم على أعمالهم، إن خيرا و إن شرا.
الإيضاح :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ﴾ أي لا يشغلكم تدبير أموالكم، والعناية بشؤون أولادكم، عن القيام بحقوق ربكم، وأداء فرائضه التي طلبها منكم، واجعلوا للدنيا حظا من اهتمامكم، وللآخرة مثله، وهذا ما عناه الحديث :( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ).
وبهذا امتازت الملة الحنيفية السمحة، فما طلب من المؤمنين أن يكونوا ماديين يتكالبون على جمع حطام الدنيا كما يفعل اليهود، ولا أن يكونوا روحانيين يجردون أنفسهم من لذات هذه الحياة، ويتبتلون إلى ربهم كما يفعل المسيحيون، كما يرشد إلى هذا قوله تعالى :﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق ﴾[ الأعراف : ٣٢ ]وقوله :﴿ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ﴾[ لأعراف : ٣١ ].
ثم توعد من يفعل ذلك فقال :
﴿ ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ﴾ أي ومن تلهّ بالدنيا وشغلته عن حقوق الله فقد باء بغضب من ربه، وخسرت تجارته، إذ باع خالدا باقيا، واشترى فانيا زائلا ؛ وكيف يرضى عاقل بمثل هذه التجارة الخاسرة ؟
ومن أهم ما يقرب العبد من ربه، ويجعله يفوز برضوانه- رحمة البائسين من عباده، وبذل المال في الوجوه التي فيها سعادة الأمة، وإعلاء شأن الملة، وانتشار الدعوة، ومن ثم قال :﴿ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ﴾
المعنى الجملي : بعد أن حكى مقال المنافقين من أنهم الأعزاء، وأن المؤمنين هم الأذلاء، اغترارا بما لهم من مال ونشب، وأن ذلك هو الذي صدهم عن طاعة الله، وجعلهم يعرضون عن الإيمان بالله إيمانا حقا، ويؤدون فرائضه، ويقومون بما يقربهم من رضوانه، أردف ذلك بنهي المؤمنين أن يكونوا مثلهم في ذلك، بل عليهم أن يلهجوا بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ويؤدوا ما فرض عليهم من العبادات، ولا يشغلهم عن ذلك زخرف هذه الحياة من مال ونشب وأولاد وجاه، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، ثم أمرهم أن ينفقوا أموالهم في أعمال البر والخير ولا يؤخروا ذلك حتى يحل الموت فيندموا حيث لا ينفع الندم، ويتمنوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنى لهم ذلك، ولكل نفس أجل محدود لا تعدوه، والله خبير بما يعملون، وهو مجازيهم على أعمالهم، إن خيرا و إن شرا.
لولا : كلمة تفيد تمني حصول ما بعدها.
﴿ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ﴾ أي وأنفقوا بعض ما أعطيناكم من فضلنا من الأموال، شكرا على النعمة، ورحمة بالفقراء من عباده، وادخروا ذلك ليوم العرض والحساب، فتجنوا ثمار ما عملتم، ولا تدخروه في صناديقكم، وتدعوه لوارثكم، فربما أضاعه فيما لا يكسبكم حمدا ولا مدحا، بل يكسبكم ذما وقدحا.
وقد جاء في الخبر :" أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " وجاء أيضا :" يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، أو تصدقت فأبقيت ".
ولا تنتظروا حتى يحين وقت الاحتضار، وتروا الموت رأي العين، ثم تتمنون أن لو مدّ الله في الأجل، وأطال، العمر، لتتداركوا ما فات، وتحسنوا العمل، وتساعدوا البائسين وذوي الحاجة، فهيهات هيهات، فليس ذا وقت الندم.
ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
فأنى للعمر أن يطول، وللحياة أن تزيد، ولكل نفس أجل لا تعدوه، وعمر لا يزيد ولا ينقص ؛ فماذا يفيد التمني، وما ذا ينفع الندم والحسرة ؟ وذلك ما عناه سبحانه بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن حكى مقال المنافقين من أنهم الأعزاء، وأن المؤمنين هم الأذلاء، اغترارا بما لهم من مال ونشب، وأن ذلك هو الذي صدهم عن طاعة الله، وجعلهم يعرضون عن الإيمان بالله إيمانا حقا، ويؤدون فرائضه، ويقومون بما يقربهم من رضوانه، أردف ذلك بنهي المؤمنين أن يكونوا مثلهم في ذلك، بل عليهم أن يلهجوا بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ويؤدوا ما فرض عليهم من العبادات، ولا يشغلهم عن ذلك زخرف هذه الحياة من مال ونشب وأولاد وجاه، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، ثم أمرهم أن ينفقوا أموالهم في أعمال البر والخير ولا يؤخروا ذلك حتى يحل الموت فيندموا حيث لا ينفع الندم، ويتمنوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنى لهم ذلك، ولكل نفس أجل محدود لا تعدوه، والله خبير بما يعملون، وهو مجازيهم على أعمالهم، إن خيرا و إن شرا.
﴿ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ﴾ فعليكم أن تستعدوا قبل حلول الأجل، وتهيئوا الزاد ليوم المعاد :﴿ فأما من ثقلت موازينه ( ٦ ) فهو في عيشة راضية ( ٧ ) وأما من خفت موازينه ( ٨ ) فأمه هاوية ( ٩ ) وما أدراك ما هيه ( ١٠ ) نار حامية ﴾ [ القارعة : ٦-١١ ].
وفي هذا عبرة لمن اعتبر، ولم يفرّط في أداء الحقوق والواجبات.
ثم حذرهم وأنذرهم بأنه رقيب عليهم في كل ما يأتون وما يذرون فقال :
﴿ والله خبير بما تعملون ﴾ فمجازيكم على الإحسان إحسانا، وعلى الإساءة إعراضا عنه وسخطا، وبعدا عن رضوانه : إنك لا تجني من الشوك العنب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
Icon