تفسير سورة المنافقون

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

ولقد كان منى فى البعيرين وما اطلع على ذلك الا الله تعالى فاسلم وروى محمد بن عمر فكان ابو سعيد يقول فقدم علينا وافدهم فافتدوا الذرية والنساء ورجعوا الى بلادهم (فائده) فيما سبق من القصة ان النبي - ﷺ - دعاهم الى الإسلام قبل القتال وروى الشيخان عن ابن عون كتبت الى نافع اساله عن الدعاء قبل القتال فكتب الى انما كان ذلك فى أول الإسلام قد أغار رسول الله - ﷺ - على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم الحديث وفيه حدثنى هذا الحديث عبد الله بن عمرو كان فى ذلك الجيش بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ عبد الله بن ابى وأصحابه قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ الشهادة اخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ولذلك صدق الله سبحانه المشهود به وكذبهم فى الشهادة لعدم صدور ذلك الاخبار عن علم يقينى فقال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ الله وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ فى اخبارهم ان هذا القول صادر عن علمهم وإذعانهم حتى يصدق على هذا القول لفظ الشهادة هذا على تقدير كون كلمة تشهد اخبار او اما لو قيل انه إنشاء للشهادة فهو لا يحتمل الصدق والكذب والمشهود به اعنى قولهم انك لرسول الله كلام صادق البتة لا ريب فيه فمعنى قوله والله يشهد ان المنفقين لكاذبون انهم كاذبون فى زعمهم والله اعلم وزعم النظام من المعتزلة ان الصدق ما طابقته الاعتقاد والكذب ما لم يطابقه مستدلا بهذه الاية وليس كما قال.
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ يعنى حلفهم الكاذب او شهادتهم هذه فانها من ألفاظ الحلف جُنَّةً وقاية عن القتل والسبي والجملة صفة لكاذبون او مستانفة فَصَدُّوا صدودا اى اعرضوا وامتنعوا وصدوا صدا اى صرفوا ومنعوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى الدخول فى دين الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من نفاقهم وصدهم.
ذلِكَ الحال من النفاق واتخاذ الايمان جنة والصد بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم آمَنُوا ظاهرا عند المؤمنين ثُمَّ كَفَرُوا إذا خلو الى شياطينهم او أمنوا إذا رأو اية ثم كفروا إذا سمعوا من شياطينهم شبهة فَطُبِعَ عطف على كفروا يعنى طبع الله عَلى قُلُوبِهِمْ بحيث سلب عنها ادراك الحق فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقيقة الايمان الفاء للسببية.
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ عطف على اتخذوا تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ ط لضخامتها وصباحتها وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ط فتحسب انه صدق قال ابن عباس كان ابن ابى جسيما فصيحا ذلق اللسان فاذا قال سمع النبي - ﷺ - قوله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ قرأ ابو عمرو والكسائي وقنبل بسكون
الشين على التخفيف او على انه كبدن جمع بدنة والباقون بضمها على وزن اسد مُسَنَّدَةٌ ط جملة التشبيه حال من الضمير المجرور فى قولهم اى يسمع لقولهم حال كونهم مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة الى الحيطان فى كونهم أشباحا خالية عن العلم والعرفان والعقل السليم يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ط اى واقعة عليهم لما فى قلوبهم من الرعب وقيل ذلك لكونهم على وجل من ان يظهر نفاقهم ويباح دمائهم فلا يسمعون صحة فى العسكر بان نادى منادا وانفلتت دابة او أنشدت ضالة الا ظنوا انه امر بقتلهم وأدركوا فعلى هذا عليهم مفعول ثان ليحسبون وجاز ان يكون عليهم ظرفا لغوا متعلقا بصيحة والمفعول الثاني هُمُ الْعَدُوُّ وعلى هذا الضمير راجع الى الكل وجمعه بالنظر الى الخبر لكن ترتب قوله فَاحْذَرْهُمْ يابى عن هذا التأويل بل هو قرينة على ان ضميرهم العدو راجع الى المنافقين يعنى هم الكاملون فى العداوة امر الله سبحانه بالحذر عنهم يعنى لا تصاحبهم ولا تامنهم لانه من خاف على نفسه كثيرا يكون كاملا فى العداوة لا يبالى بايصال الشر بمن يخاف منه قاتَلَهُمُ اى لعنهم اللَّهُ دعاء وطلب من ذاته ان يلعنهم وتعليم للمؤمنين ان يدعوا عليهم بذلك أَنَّى يُؤْفَكُونَ اى كيف يصرفون عن الحق اخرج ابن جرير وقتادة وابن المنذر عن عكرمة مثله وقد ذكرنا سابقا فى القصة انه قيل لعبد الله بن ابى لو أتيت النبي - ﷺ - فاستغفر لك فجعل يلوى راسه فنزلت.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ مجزوم على جواب الأمر لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا جزاء للشرط قرأ نافع ويعقوب بالتخفيف والباقون بالتشديد اشعارا بانهم فعلوها مرة بعد اخرى يعنى اعرضوا واعطفوا رُؤُسَهُمْ استكبارا عن ذلك وَرَأَيْتَهُمْ ايها الحاضر عند ذلك القول يَصُدُّونَ صدودا اى يعرضون عن الاستغفار وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الاعتذار حال من فاعل يصدون اخرج ابن المنذر عن عروة ومجاهد وقتادة مثله انه لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال النبي - ﷺ - لا زيدن على سبعين فانزل الله تعالى.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ استغفرت مع ما عطف عليه بتأويل المصدر مبتداء وسواء خبره والمعنى استغفارك لهم وعدمه مستو عليهم وقوله لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ط بيان للاستواء واخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت اية براءة قال النبي - ﷺ - اسمع ابى وقد رخص لى فيهم فو الله لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل الله يغفر لهم فنزلت هذه الاية إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
الخارجين من مظنة الاستصلاح لانهما كهم فى الكفر والنفاق.
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ للانصار تعليل لعدم الغفران لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنى جهجاه وأمثاله من فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا ط يتفرقوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ اى نعماء الجنة والمطر وتقدير الرزق وَالْأَرْضِ من الأرزاق وبيده ملكوت كل شىء لا يعطى أحد أحدا أشياء الا باذنه وتقديره ولا يمنعه الا بمشيته والجملة حال من فاعل يقولون وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بالله وقدرته ولو فقهوا لما قالوا مثل ذلك.
يَقُولُونَ بدل من يقولون فيما سبق فان عدم الانفاق فى زعمهم موجب لضعف النبي - ﷺ - وضعفه سبب لخروجه من المدينة فكانه امتناعه من الانفاق إخراج أسند الله سبحانه هذا القول الى جميع المنافقين وان كان القائل منهم واحد وهو ابن ابى لرضا الباقين بهذا القول الخبيث لَئِنْ رَجَعْنا من سفرنا هذا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ لا لغيره الْعِزَّةُ الغلبة والقوة حقيقة حال من فاعل يقولون الثاني وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ باعزازه تعالى إياهم واظهار دينه ونصرهم على الأعداء وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ع ذلك لفرط جهلهم وغرورهم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ لا يشغلكم أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ اى تدبيرها والاهتمام بها عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ج قال المفسرون يعنى الصلوات الخمس واللفظ أعم من ذلك يشهل جميع العبادات وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الاشتغال المانع من الذكر فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حيث باعوا الجليل الباقي بالحقير الفاني كان فيما سبق تشنيع المنافقين صريحا وفى هذه الاية وما بعده تعريض بتشنيعهم فان الاشتغال بالأموال والأولاد عن الصلاة وترك الزكوة وسوال تأخير الموت وتمنيه انما هو شان المنافقين لا ينبغى للمؤمنين التشبيه بهم فى شىء من ذلك.
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ عطف على لا تلهكم قال ابن عباس يريد زكوة الأموال مِنْ قَبْلِ ظرف لا نفقوا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اى يرى دلايله وحينئذ يوصى عن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله اى الصدقة أعظم اجرا قال ان تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وقد كان لفلان متفق عليه فَيَقُولَ رَبِّ بعد الموت ان لم يتصدق فى الحيوة تحسرا لَوْلا اى هلا أَخَّرْتَنِي
وقيل لا زائدة ولو للتمنى يعنى لو أخرتني اى أمهلتني فى الدنيا بتأخير الموت إِلى أَجَلٍ أمد قَرِيبٍ غير بعيد فَأَصَّدَّقَ أصله فاتصدق قلبت التاء بالصاد فادغمت منصوب على جواب التحضيض تقديره لولا كان منك تاخيرى فى الدنيا فتصدق منى وَأَكُنْ قرأ ابو عمرو أكون بالواو منصوبا عطفا على اصدق قالوا انما حذفت الواو فى رسم خط المصحف اختصارا والباقون بغير واو مجزوما على الرسم لتوهم الجزم فى اصدق على تقدير ترك الفاء فكانه عطف على موضع الفاء وما بعده مِنَ الصَّالِحِينَ اى من المؤمنين هذا قول مقاتل وجماعة قالوا أنزلت الاية فى المنافقين وقيل الاية نزلت فى المؤمنين والمراد بالصلاح إتيان الواجبات وترك المنهيات قال البغوي روى الضحاك وعطية عن ابن عباس قال ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكوته وأطاق الحج ولم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت وقرأ هذه الاية وقال أكن من الصالحين أحج.
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً اى يمهلها وان تمنى الجملة حال من فاعل فيقول ربّ لولا أخرتني والعائد وضع المظهر موضع المضمر إِذا جاءَ أَجَلُها وانتهى عمرها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فجاز عليه قرأ ابو بكر بالياء على الغيبة ليوافق ما قبله والباقون بالتاء للخطاب والله تعالى اعلم.
Icon