ﰡ
(مدنية حروفها سبعمائة وستة وسبعون كلماتها مائة وثمانون آياتها إحدى عشرة)
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ١ الى ١١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
القراآت
خُشُبٌ بالسكون: أبو عمرو وعلي وابن مجاهد لووا بالتخفيف: نافع وقالون يعملون على الغيبة: يحي وحماد.
الوقوف:
لَرَسُولُ اللَّهِ ط م لئلا يوهم أن قوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ من مقول المنافقين لَرَسُولُهُ ط لَكاذِبُونَ هـ لا لأن ما بعده يصلح صفة واستئنافا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ط يَعْمَلُونَ هـ لا يَفْقَهُونَ ط أَجْسامُهُمْ ط لِقَوْلِهِمْ ط مُسَنَّدَةٌ ط عَلَيْهِمْ ط
التفسير:
قال علماء المعاني: أرادوا بقولهم نشهد إنك لرسول الله شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم كما ينبيء عنه «إن واللام» وكون الجملة اسمية مع تصديرها بما يجري مجرى القسم وهو الشهادة، فكذبهم الله تعالى لأجل علمه بعدم المواطأة. أو يراد والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم إنك لرسول الله كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه. قلت: هذا مذهب الجاحظ وأنه خلاف ما عليه الجمهور وهو أن مرجع كون الخبر صدقا أو كذبا إلى طباق الحكم للواقع أو لإطباقه ولهذا أوّلوا الآية بما أوّلوا، وهو أن التكذيب توجه إلى ادّعائهم أن قولهم قول عن صميم القلب، ومما يدل على أن مرجع كون الخبر صدقا إلى ما قلنا لا إلى طباقه اعتقاد المخبر أو ظنه ولا إلى عدم طباقه لذلك الاعتقاد والظن تكذيبنا اليهودي إذا قال: الإسلام باطل مع أنه مطابق لاعتقاده، وتصديقنا له إذا قال: الإسلام حق مع أنه غير مطابق لاعتقاده. وفائدة إقحام قوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ التنصيص على التأويل المذكور وإلا أمكن ذهاب الوهم إلى أن نفس قولهم إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ كذب. ثم أخبر عن استثباتهم بالايمان الكاذبة كما مر في «المجادلة». وجوز في الكشاف أن تكون اليمين الكاذبة هاهنا إشارة إلى قولهم نَشْهَدُ لأن الشهادة تجري في إفادة التأكيد مجرى الحلف وبه استدل أبو حنيفة على أن أشهد يمين.
ذلِكَ الذي مر من أوصافهم وأخلاقهم أو من التسجيل عليهم أنهم مقول في حقهم ساء ما كانوا يعملون بسبب بِأَنَّهُمْ آمَنُوا باللسان ثُمَّ كَفَرُوا بظهور نفاقهم أو نطقوا بالإسلام عند المؤمنين ثم نطقوا بكلمة الكفر إذا خلوا إلى شياطينهم، ويجوز أن يراد أهل الردة منهم وكان عبد الله بن أبيّ رجلا جسيما فصيحا وكذا أضرابه من رؤساء النفاق يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيستندون، فيه وكان النبي ﷺ والحاضرون يعجبون بهيا كلهم ويستمعون إلى كلامهم فنزلت وَإِذا رَأَيْتَهُمْ أيها الرسول أو يا من له أهلية الخطاب. ثم شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام فارغة عن الإيمان والخير بالخشب المستندة إلى الحائط. ويجوز أن تكون الخشب أصناما منحوتة شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم. قال في الكشاف: ويجوز أن يكون وجه التشبيه مجرد عدم الانتفاع لأن الخشب
ويقال: ما ذم الناس مذمة أبلغ من قولهم «فلان لا صديق له في السر ولا عدوّ له في العلانية» وذلك أن هذه من آيات النفاق فَاحْذَرْهُمْ ولا تغتر بظاهرهم، وجوز أن يكون هُمُ الْعَدُوُّ المفعول الثاني وعَلَيْهِمْ لغو. وإنما لم يقل «هي العدو» نظرا إلى الخبر أو بتأويل كل أهل صيحة قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم باللعن والإخزاء أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر. ويجوز أن يكون تعليما للمؤمنين أي ادعوا عليهم بهذا.
يروى أن رسول الله ﷺ لما لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جمع من المهاجرين والأنصار واقتتلا، فلطم أحد فقراء المهاجرين شابا حليفا لعبد الله بن أبيّ، فبلغ ذلك عبد الله فقال: ما صحبنا محمدا إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل «سمن كلبك يأكلك»، أما والله لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ عنى بالأعز نفسه وبالأذل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لقومه: لو أمسكتم عن هؤلاء الفقراء فضل طعامكم لم يركبوا رقابكم ولا تفضوا من حول محمد، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال: أنت والله الذليل القليل. فقال عبد الله: اسكت فإنما كنت ألعب. فأخبر زيد رسول الله ﷺ فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب.
قال: فإن كرهت أن يقتله مهاجريّ فأمر به أنصاريا فقال: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه. ولما أنزل الله تعالى تصديق قول زيد وبان نفاق عبد الله قيل له: قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله ﷺ يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فنزلت وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا ولم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات
وقد تقدم قصة هذا المنافق في سورة «براءة» بأكثر من هذا، وقد نفى عن المنافقين الفقه أولا وهو معرفة غوامض الأشياء، ثم نفى عنهم العلم رأسا كأنه قال: لا فقه لهم بل لا علم. أو نقول: إن معرفة كون الخزائن لله مما يحتاج إلى تدبر وتفقه لمكان الأسباب والوسائط والروابط المفتقرة في رفعها من البين
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له: إن الناس يزعمون أن فيك تيها فقال: ليس بتيه ولكنه عزة وتلا الآية.
وحينئذ عير المنافقين بما عير. وحث المؤمنين على ذكر الله في كل حال بحيث لا يشغلهم عنه التصرف في الأموال والسرور بالأولاد وكل ما سوى الله حقير في جنب ما عند الله، فإن من تصرف في شيء من المال أو صرف زمانه في طرف من أمر الأولاد فلله وبالله وفي الله.
وقال الكلبي: ذكر الله الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن: جميع الفرائض. وقيل:
القرآن. وقيل: الصلوات الخمس. يَفْعَلْ ذلِكَ أي ومن أشغلته الدنيا عن الدين. ثم حثهم على الإنفاق إما على الإطلاق وإما في طريق الجهاد. وإتيان الموت إتيان سلطانه وأماراته حين لا يقبل توبته ولا ينفع عمل فيسأل الله التأخير في الأجل لتدارك ما فات ومن له بذلك كما قال وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً والمعنى هلا أخرت موتي إلى زمان قليل فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ من قرأ بالنصب فظاهر، ومن قرأ بالجزم فعلى وهم أن الأول مجزوم كأنه قال: إن أخرتني أصدق وأكن. وقيل: هذا الوعيد لمانع الزكاة.