تفسير سورة المنافقون

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة المنافقون
( سورة المنافقون مدنية، وآياتها ١١ آية، نزلت بعد سورة الحج )
والنفاق هو إظهار الإسلام أمام المسلمين، وإضمار غير الإسلام، والنفق بفتحتين سرب في الأرض يكون له مخرج من موضع آخر، ونافق اليربوع إذا أتى النافقاء، أي دخل من مكان وخرج من مكان، ومنه قيل : نافق الرجل، إذا دخل في الإسلام أمام المسلمين، ودخل في عداوة الإسلام أمام غير المسلمين.
والنفاق قسمان :
القسم الأول : نفاق العقيدة، وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
والقسم الثاني : نفاق العمل، وهو الرياء والسمعة والتظاهر، وإبراز الأمور على غير حقيقتها.
النفاق في المدينة
لم يظهر النفاق بمكة لأن المسلمين كانوا مستضعفين، وكان أهل مكة يعلنون لهم العداء ويجابهونهم بالإيذاء، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، والتف حوله الأنصار والمهاجرون، وقويت شوكته بوحدة المسلمين وتماسكهم، وظل الإسلام يتفوق يوما بعد يوم، ويدخل فيه وجوه أهل المدينة من رجال الأوس والخزرج، وأهل العصبية فيهم، عندئذ رأى بعض المنافقين أن يدخلوا في الإسلام مجاملة لأهله، وأن يبيتوا الكيد والخداع للمسلمين.
وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم من الناس ظواهرهم، وترك بواطنهم إلى الله، ولكنّ الأحداث كانت تُعرِّف المسلمين بهؤلاء المنافقين، فإذا وقع المسلمون في شدة أو انهزموا في معركة تجرأ هؤلاء المنافقون على تجريحهم والتشهير بهم جهارا نهارا. وإذا أنعم الله على المؤمنين بالنصر اختبأ المنافقون في جحورهم، وغيروا طريقتهم، وانتقلوا من باب المواجهة إلى الكيد والدسّ في الخفاء.
وكان اليهود في المدينة يكوّنون جبهة قوية، وقد ساندوا المنافقين وشجعوهم، وكوّن الطرفان جبهة متحدة لمناوأة الإسلام والمسلمين.
وكان عبد الله بن أُبي بن سلول زعيم المنافقين بالمدينة، وكان من وجهاء الأنصار، وكان قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه ملكا عليهم، فلما جاء الإسلام للمدينة، وتعاظمت قوة المسلمين يوما بعد آخر، وأصبح النبي الأمين صاحب الكلمة النافذة، والأمر المطاع اشتد حقد عبد الله بن أُبي لضياع الملك من بين يديه، وكوّن جبهة للنفاق تُشيع السوء والفتنة، وتُدبر الكيد والأذى للمسلمين.
وشاء الله أن يمتحن المسلمين بوجود اليهود في المدينة، وبوجود المنافقين فترة طويلة صاحبت نشوء الدعوة بالمدينة، ولم يشأ الله أن يُعرف النبي صلى الله عليه وسلم بأسمائهم إلا في آخر حياته، وقد أخفى النبي أسماءهم عن الناس، وأعلم واحدا فقط من الصحابة بهم هو النعمان بن مقرن ليظل أمرهم مستورا.
وكان بعضهم ينكشف أمره من سلوكه وفعله وقوله وقسمات وجهه وتعبيراته.
قال تعالى :﴿ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ﴾. ( محمد : ٣٠ ).
قصة نزول السورة
في كثير من كتب التفسيرi والسيرةii : أن هذه السورة نزلت في أعقاب غزوة بني المصطلق، وقد انتصر فيها المسلمون، وغنموا غنائم كثيرة، وقد وقعت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة ( ديسمبر ٦٢٦م ). وبعد المعركة ازدحم على الماء رجلان، أحدهما أجير لعمر بن الخطاب وهو جهجاه بن سعيد، والثاني حليف بني عون بن الخزرج وهو سنان الجهني، وتضاربا فقال جهجاه : يا للمهاجرين، وقال سنان : يا للأنصار، فاجتمع عليها المتسرعون من المهاجرين والأنصار حتى كادوا يقتتلون، وأوشكت أن تقوم الفتنة بين المهاجرين والأنصار، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصراخ خرج مسرعا يقول : " ما بال دعوى الجاهلية " ؟ فأخبروه الخبر، فصاح غاضبا : " دعوا هذه الكلمة فإنها منتنة " iii. وأدرك الفريقين فهدّأ من ثورتهما، وكلم المضروب حتى أسقط حقه، وبذلك سكنت الفتنة وتصافى الفريقان.
ولكن عبد الله بن أُبي عزّ عليه أن تنطفئ هذه الشرارة قبل أن تحدث حريقا بين المسلمين، وأن نموت هذه الفتنة قبل أن تذهب صفوف المسلمين من وحدة وائتلاف، فأخذ يُهيج من معه من الأنصار ويثير ضغينتهم ضد المهاجرين، وجعل يقول في أصحابه :
( والله ما رأيت كاليوم مذلة، لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منّتنا، والله ما وعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك.. لئن رجعا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ). يقصد بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أقبل ابن أُبي على من حضره من قومه يلومهم ويعنفهم فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وأنزلتموهم منازلكم، وآسيتموهم في أموالكم حتى استغنوا.. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم.. ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونهم، فأيتمتم أولادكم، وقللتم وكثروا.. فلا تنفقوا على من حوله حتى ينفضوا.
وكان في القوم زيد بن أرقم – وهو يومئذ غلام لم يبلغ الحلم، أو قد بلغ حديثا – فنقل كلام أُبي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأثر من معه من المهاجرين والأنصار، وشاع في الجيش ما قاله ابن أُبي حتى ما كان للناس حديث غيره، وقال عمر للنبي : يا رسول الله، مُرْ بلالا فليقتله، وهنا ظهر النبي كدأبه بمظهر القائد المحنك والحكيم البعيد النظر، إذ التفت إلى عمر وقال : " فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ؟ ولكنه قدر في نفس الوقت أنه إذا لم يتخذ خطوة حازمة فقد يستفحل الأمر. لذلك أمر أن يؤذن في الناس بالرحيل، في ساعة لم يكن يرتحل فيها المسلمون.
وترامى إلى ابن أُبي ما بلغ النبي عنه، فأسرع إلى حضرته ينفي ما نُسب إليه ويحلف بالله ما قاله ولا تكلم به، ولم يغير ذلك من قرار النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل.
قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار، لقيه أسيد بن حضيرiv، فحيّاه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال : يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو ما بلغك ما قال صاحبكم " ؟ قال : وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال : " عبد الله بن أُبي ".
قال : وما قال ؟ قال : " زعم أنه إن رجع المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ". قال أسيد : فأنت يا رسول الله – والله – تخرجه منها إن شئت، هو – الله – الذليل وأنت العزيز، في عز من الرحمن ومنعة المسلمين. ثم قال أسيد : يا رسول الله، ارفق به فو الله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.
ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما.. وإنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليشغل الناس عن كلام عبد الله بن أُبي.
ونزلت سورة المنافقون في ابن أبي ومن كان على مثل أمره، ولما نزلت السورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام، إن الله قد صدقك وكذب المنافقين ".
ولما ظهر كذب عبد الله بن أبي قيل له : قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك، فلوى رأسه وقال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد، فنزل فيه قوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون. ( المنافقون : ٥ ).
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أُبي الذي كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا ".
مع السورة
وصفت الآيات الأربع الأولى من السورة رياء المنافقين، وكشفت خداعهم، إنهم يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويسارعون بالشهادة لله وبالوحدانية ولمحمد بالرسالة، وهم كاذبون في هذه الشهادة، لأنها لا تطابق عقيدتهم، ولا توافق ما يضمرونه في قلوبهم. ( آية : ١ ).
وكانوا يحلفون بالله كذبا، ويتحصنون بهذه الأيمان، وبئست أفعال الرجال، الكذب والأيمان الفاجرة. ( آية : ٢ ).
لقد تكرر نفاقهم، وطبع الله على قلوبهم، فلا ينفذ إليهم الهدى والإيمان. ( آية : ٣ ).
وكان فيهم أقوام صباح الوجوه، أشداء البنية، فصحاء الألسنة، فإذا تكلموا أعجبوا السامع بكلامهم المعسول، ولكن واقعهم لا يوافق ظاهرهم، وإن عداوتهم ضاربة، فاحذرهم، واتق جانبهم في حياتك، فإنهم سيلقون مصيرهم المحتوم بالهلاك والنكال. ( آية : ٤ ).
وتشير الآيات ( ٤-٨ ) إلى ما حدث من عبد الله بن أُبي بن سلول في أعقاب غزوة بني المصطلق، وقد مرت قصتها.
ولما انكشف أمره، دعاه الناس ليستغفر له الرسول الأمين، فأعرض ولوى وجهه، خوفا من مواجهة الرسول بالحقيقة. ( آية : ٥ ).
وكان ابن أُبي قد طلب من بعض الأنصار أن يُمسكوا نفقتهم ومساعدتهم عن المهاجرين، حتى ينفضوا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فذكر القرآن أن خزائن الله عامرة، وخيره لا ينفذ، وهو الرزاق ذو القوة المتين. ( آية : ٧ ).
وكان ابن أبيّ يبيت كيدا مع أتباعه ويتوعد بأن يخرج النبي من المدينة ذليلا، فبين الله أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، بالإيمان وبمساعدة الرحمن وبعون الله القوي المتين، ولكن المنافقين لا يفقهون هذه المعاني الكريمة. ( آية : ٨ ).
أما المقطع الأخير في السورة ويشمل الآيات ( ٩-١١ ) فإنه يتوجه إلى المؤمنين بالنداء ألا تشغلهم أموالهم ولا أولادهم عن تذكر ربهم، والقيام بحقه ومرضاته، وتأمرهم بالصدقة والزكاة وعمل الخير، فالله مصدر الرزق، وله الحمد في الأولى والآخرة. فأنفق وأنت صحيح شحيح، ولا تمهل إذا حتى إذا بلغت الروح الحلقوم تمنيت العودة للدنيا لإخراج الصدقة وعمل الصالحات، ولكن الأجل إذا جاء لا يتأخر لحظة، بل يساق الإنسان إلى الخبير العليم فيلقى جزاء ما قدم.
وهكذا تختم السورة بهذه الدعوة إلى الإخلاص لله، وامتثال أوامره، فهو مطّلع وشاهد، وهو الحكيم العادل.
المعنى الإجمالي للسورة
قال الفيروزبادي :
معظم مقصود السورة : تقريع المنافقين وتبكيتهم، وبيان ذلهم وكذبهم، وذكر تشريف المؤمنين وتبجيلهم، وبيان عزهم وشرفهم، والنهي عن نسيان ذكر الحق تعالى، والغفلة عنه، والإخبار عن ندامة الكفار بعد الموت، وبيان أنه لا تأخير ولا إمهال بعد حلول الأجل، في قوله تعالى :﴿ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ﴾. ( المنافقون : ١١ ).
******

صفات المنافقين

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( ١ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ٢ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ( ٣ ) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( ٤ ) ﴾
تمهيد :
يستتر المنافقون في الظلام، لكنّ القرآن يكشفهم ويحدد معالمهم فيما يأتي :

١-
فهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.

٢-
إنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم.

٣-
إنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم في غاية الهلع، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
المفردات :
المنافقون : الذين كانوا يُظهرون الإيمان ويُخفون الكفر.
التفسير :
١- ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾.
كان المنافقون يحلفون كذبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهدون مؤكدين شهادتهم، بأن محمدا رسول الله.
والله تعالى يعلم أن محمدا رسول الله حقا وصدقا، والله تعالى يشهد إن المنافقين لكاذبون في دعواهم الإيمان، وإنما هم منافقون، يُظهرون هذه الشهادة نفاقا ورياء، ويبطنون الكفر والكيد للإسلام ولرسوله.
جاء في التسهيل :
وقوله :﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ.. ﴾ ليس من كلام المنافقين، وإنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم يذكره لكان يوهم أن قوله :﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾. إبطال للرسالة، فوسّطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم، ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة.
تمهيد :
يستتر المنافقون في الظلام، لكنّ القرآن يكشفهم ويحدد معالمهم فيما يأتي :

١-
فهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.

٢-
إنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم.

٣-
إنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم في غاية الهلع، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
المفردات :
جنّة : وقاية وسترا لدمائهم وأموالهم.
التفسير :
٢- { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
لقد أعدّوا أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من القتل، وحفظا لأموالهم وأولادهم }.
فهم شوكة في جنب المسلمين، لأنهم يتظاهرون بالإيمان والإسلام، ويبطنون الكيد والدّس للإسلام والمسلمين، وقد اغترّ بهم من لا يعرف حقيقة أمرهم، فامتنع عن الإسلام، أو امتنع عن الفداء والتضحية للإسلام بسبب وساوسهم، وتثبيطهم للناس عن الدخول في الإسلام، أو عن الإخلاص لله ورسوله، فما أقبح عملهم، وما أسوأ فعلهم، ﴿ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
وسيلقون جزاءهم في الدنيا والآخرة :
أما في الدنيا فسيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى :﴿ ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ﴾. ( التوبة : ٨٤ ).
وأما في الآخرة فإنهم في أسوأ درجات النار.
قال تعالى :﴿ إن المنافقين في الدّرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ﴾. ( النساء : ١٤٥ ).
تمهيد :
يستتر المنافقون في الظلام، لكنّ القرآن يكشفهم ويحدد معالمهم فيما يأتي :

١-
فهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.

٢-
إنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم.

٣-
إنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم في غاية الهلع، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
المفردات :
آمنوا : أي : بألسنتهم.
ثم كفروا : أي : بقلوبهم.
فطبع على قلوبهم : ختم عليها بالكفر.
لا يفقهون : لا يدركون حقيقة الإيمان، ولا يعرفون صحته.
التفسير :
٣- ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾.
لقد آمنوا بألسنتهم، وكفروا بقلوبهم، واستحبوا العمى على الهدى، واستعذبوا الخيانة والغدر، وتبييت الكيد والدسّ للمسلمين، فختم الله على قلوبهم فلا يدخلها إيمان ولا ينفذ إليها نور أو هداية، فأصبحوا لا يفهمون ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولا يهتدون إلى الأدلة الملموسة الواضحة، الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته.
تمهيد :
يستتر المنافقون في الظلام، لكنّ القرآن يكشفهم ويحدد معالمهم فيما يأتي :

١-
فهم كذابون يقولون غير ما يعتقدون.

٢-
إنهم لا يبالون بالحلف بالله كذبا، سترا لنفاقهم.

٣-
إنهم جبناء، فهم على ضخامة أجسامهم في غاية الهلع، يظنون أن كل مناد ينادي إنما يقصدهم للإيقاع بهم.
المفردات :
تعجبك أجسامهم : لسلامتها وصباحتها وتناسق أعضائها.
تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم.
خشب : جمع خشباء، وهي الخشبة المنخور جوفها.
يحسبون كل صيحة عليهم : يظنون أن كلّ صوت واقع بهم، لجبنهم وهلعهم.
قاتلهم الله : لعنهم وطردهم من رحمته وأهلكهم.
أنّى يؤفكون : كيف يُصرفون عن الحق والإيمان بعد قيام البرهان.
التفسير :
٤- ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
كان عبد الله بن أُبي زعيم المنافقين جسيما وسيما ضخما، زلق اللسان، حسن الصوت، وكانت معه مجموعة على شكله، يجلسون فيحسبهم الناظر إليهم أنهم شيء جميل، والواقع أن داخلهم معطوب بالنفاق.
والمعنى :
إذا رأيت شكلهم أعجبك ظاهرهم، وإذا تكلموا أعجبك حديثهم، وتصرّفهم في القول وحسن صوتهم، لكن داخلهم سيء، وباطنهم نفاق وحسد وضغينة، كأنهم خُشب مأخوذ قلبها، فهي حسنة في الظاهر رديئة في الباطن، ومع ضخامة أجسادهم فإنهم في غاية الهلع والخوف، إذا سمعوا صوتا عاليا، أو أُنشدت دابة، أو صاح صائح بصوت مرتفع، تملكهم الهلع والخوف، خشية أن يفتضح أمرهم، وأن يكشف سترهم، وأن يظهر للناس نفاقهم.
ولقد قالوا :( يكاد المريب يقول خذوني )، ويكاد السارق يقول – إذا رأى القيد – ضعوه في يدي، من الرهبة والخوف من سوء أعمالهم.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾. ( الأحزاب : ١٩ ).
وقد نظر المتنبي إلى الآية في قوله :
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ... ﴾
هم العدوّ الحقيقي لك. فاحذرهم. ولا تكشف لهم أسرارك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، واحذر مؤامراتهم ودسائسهم.
﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
لعنهم الله وطردهم من رحمته وأهلكهم، كيف يصرفون عن الحق والنور والهدى والرسالة، ويميلون إلى الباطل والكفر، والدسّ والخداع، وصدّ الناس عن سبيل الله، مع وجود النبي الخاتم والوحي الصادق، ونور الإسلام وبرهانه، ومع هذا اختاروا الضلالة وتركوا الهدى.
ولله در أبي نواس :
لا تخدعنك اللحى ولا الصور تسعةُ أعشار من ترى بقر
تراهم كالسراب منتشرا وليس فيه لطالب قطر
في شجر السَّروِ منهم مثل له رُواء وما له ثَمَرُ
صفات أخرى للمنافقين
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ( ٥ ) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( ٦ ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ( ٧ ) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( ٨ ) ﴾
المفردات :
لوّوا رؤوسهم : حوّلوها استهزاء.
يصدّون : يُعرضون عن القائل.
سبب النزول :
أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي في بيان سبب نزول هذه الآيات : أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له :( المُرَيْسِيع ) من ناحية ( قُدَيْد ) إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له : جَهْجاه مع حَليف لعبد الله بن أُبي يقال له : سِنان على ماء ( بالْمُشَلل ) فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان بالأنصار، فَلَطَمَ جهجاه سِنانا، فقال عبد الله بن أُبي : أوَ قد فعلوها، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل – يعني محمدا صلى الله عليه وسلم – ثم قال لقومه : كُفّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه، فقال زيد بن أرقم – وهو من رهط عبد الله - : أنت والله الذليل المُنْتَقَص في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم. قال زيد : فوجدت في نفسي ولامني الناس، فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد وتكذيب عبد الله، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فألوي برأسه، فنزلت الآيات.
التفسير :
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾.
كان عبد الله بن أبي بن سلول كبيرا للمنافقين، حريصا على الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما تكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما سيئا، ووصى ابن سلول أتباعه ألا ينفقوا على فقراء المهاجرين، حتى ينصرفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم، بلغ هذا الكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستدعى عبد الله بن أُبي، فأقسم كذبا أنه ما قال ذلك.
ثم فضح الله المنافقين بنزول وحي السماء، في صدر سورة المنافقين، وكان للمنافقين أقارب وأهل من المؤمنين، فقالوا لهم : لقد فضحكم الوحي، فاذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لكم، وتوبوا إلى الله، وعودوا إلى صفوف الإيمان، فتكبّر المنافقون وأمالوا رؤوسهم كبرا واستنكافا أن يذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرضوا عن الهداية استكبارا وانصرافا عن الهدى.
روي أن الأنصار قالوا لعبد الله بن أُبي بن سلول : لقد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أزكي فزكيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد، فنزلت :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ... ﴾
معنى الآية :
وإذا قيل للمنافقين مثل عبد الله بن أُبي، والجدّ بن قيس، ومعتب بن قشير : تعالوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من الله المغفرة لكم، والتوبة عليكم، وهدايتكم إلى نور الإيمان والإخلاص له، أمالوا رؤوسهم كبرا وتيها، وشاهدتهم يعرضون عن السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حال كوهم مستكبرين عن الاستهداء بهدي الإسلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
نلمح ما فعله الإسلام بالمهاجرين والأنصار، لقد منحهم الهدى والإيمان، والعزّة والتماسك والقوة، حتى رأينا ابنا مؤمنا يتألّم لنفاق أبيه، ويقول له : أنت الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن، ومنعة من المسلمين، ويقف الابن على باب المدينة لا يسمح لأبيه بدخولها حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب عبد الله بن أُبي بن سلول كبير المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا ابنه، فيأذن الرسول لكبير المنافقين بدخول المدينة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابنه :" جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا ".

سبب النزول :
أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي في بيان سبب نزول هذه الآيات : أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له :( المُرَيْسِيع ) من ناحية ( قُدَيْد ) إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له : جَهْجاه مع حَليف لعبد الله بن أُبي يقال له : سِنان على ماء ( بالْمُشَلل ) فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان بالأنصار، فَلَطَمَ جهجاه سِنانا، فقال عبد الله بن أُبي : أوَ قد فعلوها، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل – يعني محمدا صلى الله عليه وسلم – ثم قال لقومه : كُفّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه، فقال زيد بن أرقم – وهو من رهط عبد الله - : أنت والله الذليل المُنْتَقَص في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم. قال زيد : فوجدت في نفسي ولامني الناس، فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد وتكذيب عبد الله، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فألوي برأسه، فنزلت الآيات.
نزول الآية ( ٦ ) :
أخرج ابن جرير، عن عروة قال : لما نزلت : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم... ( التوبة : ٨٠ ). قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأزيدن على السبعين "، فأنزل الله : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. ( المنافقون : ٦ ).
المفردات :
الفاسقين : الخارجين عن طاعة الله وطاعة الرسول، المنهمكين في أنواع الشرور والآثام.
التفسير :
٦- ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الاستغفار لهم، حتى أعلمه الله تعالى أنه سبحانه قد غضب على المنافقين وختم على قلوبهم، فهو لن يوفقهم، ولن يمنحهم الهدى، ليسيروا في طريق الإيمان، لقد عصوا الله ونافقوا، واستكبروا عن الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم.
وهداية السماء غالبة، والله تعالى يقول :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ( ٥ ) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ( ٦ ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ( ٧ ) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ( ٨ ) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ( ٩ ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾. ( الليل : ٥-١٠ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ﴾. ( يونس : ٤٤ ).
فهؤلاء المنافقون أعرضوا عن دين الله، وأمامهم النبي الخاتم، والرسول الهادي، لكنهم ناوأوه وآذوه وتكلموا عليه كلاما قبيحا، فغضب الله عليهم، وقل لنبيه صلى الله عليه وسلم : الاستغفار لهم وعدمه سواء بالنسبة لهم، فمهما استغفرت لهم فإن الله تعالى لن يغفر لهم، لأنهم فسقوا وخرجوا عن أمر الله، وصدّوا عن سبيله، وشككوا ضعاف الإيمان في إيمانهم بالله.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
لقد أغلقت قلوبهم على النفاق والبعد عن الهداية، وعميت بصائرهم عن نور الإيمان، فسلب الله هدايته عنهم لفسقهم وضلالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
نلمح ما فعله الإسلام بالمهاجرين والأنصار، لقد منحهم الهدى والإيمان، والعزّة والتماسك والقوة، حتى رأينا ابنا مؤمنا يتألّم لنفاق أبيه، ويقول له : أنت الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن، ومنعة من المسلمين، ويقف الابن على باب المدينة لا يسمح لأبيه بدخولها حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب عبد الله بن أُبي بن سلول كبير المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا ابنه، فيأذن الرسول لكبير المنافقين بدخول المدينة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابنه :" جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا ".

سبب النزول :
أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي في بيان سبب نزول هذه الآيات : أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له :( المُرَيْسِيع ) من ناحية ( قُدَيْد ) إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له : جَهْجاه مع حَليف لعبد الله بن أُبي يقال له : سِنان على ماء ( بالْمُشَلل ) فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان بالأنصار، فَلَطَمَ جهجاه سِنانا، فقال عبد الله بن أُبي : أوَ قد فعلوها، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل – يعني محمدا صلى الله عليه وسلم – ثم قال لقومه : كُفّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه، فقال زيد بن أرقم – وهو من رهط عبد الله - : أنت والله الذليل المُنْتَقَص في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم. قال زيد : فوجدت في نفسي ولامني الناس، فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد وتكذيب عبد الله، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فألوي برأسه، فنزلت الآيات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:نزول الآيتين ( ٧-٨ ) :
أخرج البخاري كما تقدم، وأحمد وغيرهما، عن زيد بن أرقم قال : سمعت عبد الله بن أُبي يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر ذلك عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني وصدّّقه، فأصابني شيء لم يصبني مثله، فجلست في البيت، فقال عمي : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله : إذا جاءك المنافقون... فبعث إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها، ثم قال :" إن الله قد صدّقك ". v
وروى الترمذي أيضا عن زيد بن أرقم : أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء، فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشجّه، فشكا إلى ابن أُبيّ، فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرج الأعز الأذل. عنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


المفردات :
حتى ينفضوا : حتى يتفرقوا.
خزائن السماوات والأرض : خزائن الأرزاق فيهما.
لا يفقهون : لا يعلمون علما صادرا عن إدراك جلال الله وقدرته.
التفسير :
٧- ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾.
كان عبد الله بن أُبي قد جلس مع قومه بعد نزاع على الماء بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، حيث قال المهاجريّ : يا للمهاجرين، وقتل الأنصاري : يا للأنصار، واجتمع الناس.
وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج جزعا يجرّ رداءه، وقال : " ذروها فإنها منتنة، ليس منا من دعا إلى عصبية ".
فكفّ الناس عن الشجار، وعادوا نادمين، لكن عبد الله بن سلول، قال : أوقد فعلوها، ما مثلنا ومثل أصحاب محمد إلا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك، لا تنفقوا على فقراء المهاجرين حتى ينفضوا عن محمد ويتركوه. فأنزل الله تعالى هذه الآية توضح ما فعله عبد الله بن أُبي وأمثاله.
والمعنى :
يقول هؤلاء المنافقون : لا تنفقوا على هؤلاء المهاجرين الذين جُلبوا من مكة إلينا، حتى يتفرقوا عن محمد، وتواصَوْا بتضييق الأرزاق وفُرص العمل، وإغلاق أبواب الكسب في وجوههم.
لكن الله تعالى رد عليهم قائلا :﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾.
إن الأرزاق بيد الله، وبيده العزّ والذل، وهو سبحانه بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، وبيده أرزاق العباد.
قال تعالى :﴿ وفي السماء رزقكم وما توعدون* فوربّ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ﴾. ( الذاريات : ٢٢-٢٣ ).
فالله تعالى هو المسبب للأرزاق، والعبيد سبب ظاهري.
وفي الحديث النبوي الشريف : " واعلم أ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفّت الأقلام وطويت الصحف " vi ﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾.
لا يدركون أن الله هو الرازق ذو القوة المتين، وهو الرازق لهؤلاء المهاجرين، فقد أكرمهم الله وسجّل جهودهم.
قال تعالى :﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾. ( الحشر : ٨ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
نلمح ما فعله الإسلام بالمهاجرين والأنصار، لقد منحهم الهدى والإيمان، والعزّة والتماسك والقوة، حتى رأينا ابنا مؤمنا يتألّم لنفاق أبيه، ويقول له : أنت الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن، ومنعة من المسلمين، ويقف الابن على باب المدينة لا يسمح لأبيه بدخولها حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب عبد الله بن أُبي بن سلول كبير المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا ابنه، فيأذن الرسول لكبير المنافقين بدخول المدينة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابنه :" جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا ".

سبب النزول :
أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي في بيان سبب نزول هذه الآيات : أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له :( المُرَيْسِيع ) من ناحية ( قُدَيْد ) إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له : جَهْجاه مع حَليف لعبد الله بن أُبي يقال له : سِنان على ماء ( بالْمُشَلل ) فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان بالأنصار، فَلَطَمَ جهجاه سِنانا، فقال عبد الله بن أُبي : أوَ قد فعلوها، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل – يعني محمدا صلى الله عليه وسلم – ثم قال لقومه : كُفّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه، فقال زيد بن أرقم – وهو من رهط عبد الله - : أنت والله الذليل المُنْتَقَص في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم. قال زيد : فوجدت في نفسي ولامني الناس، فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد وتكذيب عبد الله، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فألوي برأسه، فنزلت الآيات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:نزول الآيتين ( ٧-٨ ) :
أخرج البخاري كما تقدم، وأحمد وغيرهما، عن زيد بن أرقم قال : سمعت عبد الله بن أُبي يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر ذلك عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني وصدّّقه، فأصابني شيء لم يصبني مثله، فجلست في البيت، فقال عمي : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله : إذا جاءك المنافقون... فبعث إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها، ثم قال :" إن الله قد صدّقك ". v
وروى الترمذي أيضا عن زيد بن أرقم : أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء، فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشجّه، فشكا إلى ابن أُبيّ، فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرج الأعز الأذل. عنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


المفردات :
الأعز : المنافقون في زعمهم.
الأذل : في زعمهم : رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العزة : الغلبة والنصر.
لا يعلمون : ذلك من فرط جهلهم وغرورهم.
التفسير :
٨- ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْمَلُونَ ﴾.
يقول عبد الله بن أُبي بن سلول رئيس المنافقين لمن حوله لمن المنافقين : إذا رجعنا إلى المدينة فنحن الأعزاء ومعنا المال والأرض، وهؤلاء المهاجرون مجلوبون عليها، فقراء أذلاء، فيجب أن يُخرج الأعزّ الأذلّ. يقصد بالأعزّ نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه.
ولكن الله تعالى ردّ على المنافقين فقال :﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْمَلُونَ ﴾.
لله تعالى وحده العزة.
قال تعالى :﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٢٦ ) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾. ( آل عمران : ٢٦-٢٧ ).
والله يمنح عزته لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين المخلصين، وما أجمل وما أجلّ أن نجد في سطر واحد ومضمون واحد عزة الله يمنحها لرسوله وللمؤمنين، فيفيض عليهم من عزّته وقدرته، وجلاله وفضله، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ... ﴾
وقد أعزّ الله المؤمنين بعد ذلك فعلا، فنصرهم على العباد وفتح لهم البلاد، ودانت لهم الدنيا، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
قال تعالى :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي... ﴾ ( المجادلة : ٢١ ).
﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلمُونَ ﴾.
وذلك لخلوّ قلوبهم من الإيمان بالله، واليقين به.
قال الفخر الرازي :
في الآية السابقة قال :﴿ ولكن المنافقين لا يفقهون. لقلة كياستهم وفهمهم ﴾.
وفي الآية التالية قال :﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلمُونَ. لكثرة حماقتهم وجهلهم ﴾.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي – وكان مؤمنا مخلصا – سلّ سيفه على أبيه عندما أشرف على المدينة، وقال : لله علي ألا أغمده حتى تقول : محمد الأعزّ وأنا الأذل، فلما رأى الأب الجدّ في وجه ابنه، قال ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
نلمح ما فعله الإسلام بالمهاجرين والأنصار، لقد منحهم الهدى والإيمان، والعزّة والتماسك والقوة، حتى رأينا ابنا مؤمنا يتألّم لنفاق أبيه، ويقول له : أنت الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن، ومنعة من المسلمين، ويقف الابن على باب المدينة لا يسمح لأبيه بدخولها حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب عبد الله بن أُبي بن سلول كبير المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا ابنه، فيأذن الرسول لكبير المنافقين بدخول المدينة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابنه :" جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا ".

الإنابة إلى الله
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ٩ ) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ( ١٠ ) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
في آخر سورة المنافقين يحذّر الله المؤمنين من التخلق بأخلاق المنافقين :

أ-
فناداهم ونهاهم عن الانشغال بالمال والولد عن ذكر الله وطاعته، وأداء الصلاة وإخراج الزكاة والتصدق على المحتاجين.

ب-
حثهم على فعل الطاعات، وأداء الواجبات، في حال الحياة والصحة والغنى، من قبل أن يقترب الموت، أو يمرض السليم، أو يفتقر الغني أو تقترب الوفاة، فيقول الإنسان : يا ربّ، هلاّ أمهلت وفاتي بعض الوقت، حتى أُخرج الزكاة والصدقة، وأقيم الصلاة وأفعل أفعال الصالحين.

ج-
والحال والشأن أن الموت إذا حضر لا يتأخّر من حضر أجله لحظة، ولا يتقدم لحظة، بل ينتقل إلى عالم الموت، والله تعالى مطلع على جميع الأعمال، ومحاسب على القليل والكثير.
قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره*ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
المفردات :
لا تُلهكم : لا يشغلكم الاهتمام بها، والانصراف إليها.
عن ذكر الله : عن عبادته وطاعته ومراقبته.
التفسير :
٩- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
المال نعمة، والولد نعمة، والإسلام يرغب في إنسان متوازن، يستفيد بالمال في وجوه الحياة، وما بعد الممات، ويستفيد بالولد، وينعم به في توازن واعتدال، وقد أُمرنا بالتوسط في حياتنا، والتوازن والعمل للدنيا والآخرة.
قال تعالى :﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾. ( القصص : ٧٧ ).
ومعنى الآية التاسعة من سورة المنافقون ما يأتي :
يا أيها الذين آمنوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، لا تشغلكم الأموال أو الأولاد أو غيرهما من عرض الدنيا عن الله وطاعته، وامتثال أمره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وفعل المأمورات وترك المنهيات.
ومن تشغله نعم الله عن طاعة الله، والمبادرة إلى طاعته فقد خسر آخرته، وباع جنة عرضها السماوات والأرض بعرض قليل.
قال تعالى :﴿ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ﴾. ( النساء : ٧٧ ).
تمهيد :
في آخر سورة المنافقين يحذّر الله المؤمنين من التخلق بأخلاق المنافقين :

أ-
فناداهم ونهاهم عن الانشغال بالمال والولد عن ذكر الله وطاعته، وأداء الصلاة وإخراج الزكاة والتصدق على المحتاجين.

ب-
حثهم على فعل الطاعات، وأداء الواجبات، في حال الحياة والصحة والغنى، من قبل أن يقترب الموت، أو يمرض السليم، أو يفتقر الغني أو تقترب الوفاة، فيقول الإنسان : يا ربّ، هلاّ أمهلت وفاتي بعض الوقت، حتى أُخرج الزكاة والصدقة، وأقيم الصلاة وأفعل أفعال الصالحين.

ج-
والحال والشأن أن الموت إذا حضر لا يتأخّر من حضر أجله لحظة، ولا يتقدم لحظة، بل ينتقل إلى عالم الموت، والله تعالى مطلع على جميع الأعمال، ومحاسب على القليل والكثير.
قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره*ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
المفردات :
لولا : هلاّ، والمراد هنا : التمنّي.
أخرتني : أمهلتني وأخرت أجلي.
التفسير :
١٠- ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.
أنفقوا وأخرجوا زكاة أموالكم وصدقاتكم، وتصدّقوا من سائر ما رزقكم الله، من المال والجاه والعلم، وسائر أنواع المعروف، حتى قالوا :( حاجة الناس إليكم، من نعم الله عليكم ).
وفي الحديث الشريف : " ما من يوم إلا وينزل ملكان، يقول الأول : اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الثاني : اللهم أعط ممسكا تلفا ".
والخلاصة :
أعطوا الزكاة والصدقات، وأنفقوا مما أعطاكم الله ورزقكم، من قبل أن ينزل الموت بساحتكم، ويرى الواحد منكم الموت رأي العين، فيتمنى لو تأجّل موته حتى يأخذ فرصة أخرى في دار الدنيا، ليتصدق من المال، ويتعبد بالصلاة والصيام، ويفعل الأفعال الصالحة، ويتزوّد من سائر ضروب الخير والطاعة.
قال ابن عباس : تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت، فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل.
تمهيد :
في آخر سورة المنافقين يحذّر الله المؤمنين من التخلق بأخلاق المنافقين :

أ-
فناداهم ونهاهم عن الانشغال بالمال والولد عن ذكر الله وطاعته، وأداء الصلاة وإخراج الزكاة والتصدق على المحتاجين.

ب-
حثهم على فعل الطاعات، وأداء الواجبات، في حال الحياة والصحة والغنى، من قبل أن يقترب الموت، أو يمرض السليم، أو يفتقر الغني أو تقترب الوفاة، فيقول الإنسان : يا ربّ، هلاّ أمهلت وفاتي بعض الوقت، حتى أُخرج الزكاة والصدقة، وأقيم الصلاة وأفعل أفعال الصالحين.

ج-
والحال والشأن أن الموت إذا حضر لا يتأخّر من حضر أجله لحظة، ولا يتقدم لحظة، بل ينتقل إلى عالم الموت، والله تعالى مطلع على جميع الأعمال، ومحاسب على القليل والكثير.
قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره*ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
١١- ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
لقد جعل الله الدنيا دار اختبار وابتلاء وامتحان، والآخرة دار جزاء على الأعمال، وقضى سبحانه وتعالى ألاّ يؤخر أجل إنسان إذا حضر، فلا يتقدم الأجل عن أوانه ولا يتأخر.
وفي السنة المطهرة : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، ثم يكتب أجله ورزقه، وشقي أو سعيد " vii
قال تعالى :﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( ١٧ ) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾. ( النساء : ١٧-١٨ ).
وقال تعالى :﴿ ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه... ﴾( الأنعام : ٢٨ ).
وقال عز شأنه :﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( ٩٩ ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾. ( المؤمنون : ٩٩-١٠٠ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾. ( الأعراف : ٢٤ ).
وخلاصة المعنى :
لن يمهل الله نفس إنسان إذا حان أجلها وحضر وقت موتها، وهو سبحانه وتعالى : خبير بما تعملون. أي : مطّلع وشاهد على أعمالكم، وسيجازيكم عليها بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا.
ونلمح أن الآية الأولى :
﴿ يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله... ﴾
تنبيه على الذكر قبل الموت، وتحذير من الغفلة والغرور بالدنيا.
أما الآية الثانية :
﴿ وأنفقوا مما رزقناكم... ﴾
فهي تنبيه على الشكر العملي، بالإنفاق من المال والجاه والعلم، وسائر ما رزق الرزّاق سبحانه وتعالى.
والآية الثالثة :
تأكيد حقيقة هي : أن الدنيا عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل.
والله خبير بما تعملون.
أي : لو رُدّ إلى الدنيا ما زكّى ولا حجّ، ويكون ذلك كقوله تعالى : ولو ردّوا لعادوا لما هوا عنه... ( الأنعام : ٢٨ ).
Icon