تفسير سورة المائدة

أسباب نزول القرآن - الواحدي
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي .
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ...﴾ الآية. [٢].
قال ابن عباس: نزلت في الحُطَم - واسمه شريح بن ضُبَيْعَة الكِندِي - أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من اليمامة إلى المدينة، فخلَّف خيلَه خارج المدينة، ودخل وحده على النبي عليه السلام، فقال: إِلاَمَ تدعو الناس؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فقال: حسن، إلا أن لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان. ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله عليه السلام: "لقد دخل بوجه كافر، وخرج بِعَقَبِي غادر، وما الرجل بمسلم". فمر بِسَرْحِ المدينة فاستقاه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام القَضِيَّةِ، سمع تلبية حُجَّاج اليمامة فقال لأصحابه: هذا الحُطَم وأصحابه. وكان قد قلَّد ما نهب من سرح المدينة وأهداه إلى الكعبة. فلما توجهوا في طلبه، أنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ﴾ يريد ما أُشْعِرَ لله، وإِن كانوا على غير دين الإسلام.
وقال زيد بن أسْلَم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحُدَيْبِيَةِ حين صدّهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العُمْرَة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدَّنا أصحابهم. فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ﴾ أي ولا تعتدوا على هؤلاء العُمَّار، أنْ صدَّكم أصحابهم.
قوله تعالى: ﴿ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾ الآية. [٣].
نزلت هذه الآية يوم الجمعة، وكان يوم عرفة، بعد العصر في حجة الوَدَاع، سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم [واقف] بعرفات على ناقته العَضْبَاء.
أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدَان العَدْل، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القَطِيعي قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حَنْبَل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا جعفر بن عَوْن، قال: أخبرني أبو عُمَيْس عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شِهاب قال:
جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال: فأي آية هي؟ قال: ﴿ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عشية يوم عرفة، في يوم جمعة. رواه البخاري عن الحسن بن صباح، ورواه مسلم عن عَبْد بن حُمَيْد؛ كلاهما عن جَعْفَر بن عَوْن.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشَّاذِيَاخِي، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن مُصْعَب، قال: حدَّثنا يحيى بن حَكِيم، قال: حدَّثنا أبو قُتَيْبَة، قال: حدَّثنا حمَّاد، عن عمّار بن أبي عمّار، قال:
قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه يهودي: ﴿ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً﴾ فقال اليهودي: لو نزلت هذه [الآية] علينا في يوم لاتخذناه عيداً، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحدٍ: يوم جمعة وافَقَ ذلك يوم عرفة.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ...﴾ الآية. [٤].
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: حدَّثنا أبو يحيى، قال: حدَّثنا سهل بن عثمان، قال: حدَّثني [يحيى] بن أبي زائدَةَ، عن موسى بن عُبَيدة، عن أَبَان بن صالح، عن القَعْقَاع بن حكيم، عن سَلْمَى أُمِّ رافع، عن أبي رَافِع قال:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فقال الناس: يا رسول الله ما أُحِلَّ لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي بكر بن بَالَوَيْه، عن محمد بن شاذان، عن مُعَلّى بن منصور، عن ابن أبي زائدة.
وذكر المفسرون شرح هذه القصة، قالوا:
قال أبو رافع: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستأذن عليه فأذن له فلم يدخل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قد أذنا لك يا جبريل فقال: أجل يا رسول الله، ولكنا لا ندخل بيتاً فيه صورةٌ ولا كلبٌ. فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جَرُو.
قال أبو رافع: فأَمرني أن لا أدع كلباً بالمدينة إلا قتلته، حتى بلغت "العَوَالي" فإذا امرأة عندها كلب يحرسها، فرحمتها فتركته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فأمرني بقتله، فرجعت إلى الكلب فقتلته. فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، جاء ناس فقالوا: يا رسول الله، ماذا يَحِلُّ لنا من هذه الأُمَّةِ التي تقتلها؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا تقع فيه منها، وأمر بقتل الكَلْب الكَلِب والعَقُور وما يضر ويؤذي، ورفع القتل عما سواهما، وما لا ضرر فيه.
وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم، وزيد بن المُهَلْهَلْ الطائيين - وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير [وذلك أنهما جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقالا: يا رسول الله، إنا قوم نصيد بالكلاب والبُزَاةِ، وإن كلاب آل ذريح وآل [أبي] جُوَيْرِيَة تأخذ البقر والحُمُر والظِّباء والضّبّ، فمنه ما ندرك ذكاته، ومنه ما يقتل فلا ندرك ذكاته، وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ﴾ يعني: الذبائح ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ﴾ يعني: وصيد ما علمتم من الجوارح وهي الكَوَاسِبُ من الكلاب وسباع الطير.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ...﴾ الآية. [١١].
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن، قال: أخبرنا أبو علي الفقيه، قال: أخبرنا أبو لُبَابَةَ محمد بن المهدي المِيهَنِي، قال: حدَّثنا عمّار بن الحسن، قال: حدَّثنا سَلَمَة بن الفضْل، قال: حدَّثنا محمد بن إسحاق، عن عَمْرِو بن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري:
أن رجلاً من محارب، يقال له: غَوْرَث بن الحارث، قال لقومه من بني غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمداً؟ قالوا: نعم وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس وسيفه في حِجْرِه، فقال: يا محمد أَنْظُر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم. فأخذت فاستله، ثم جعل يَهُزُّهُ ويهم به فيكْبِتُه الله عز وجل؛ ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: لا، قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟ قال: يمنعني الله منك. ثم أغمد السيف وردّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: ﴿ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثّعَالْبي، قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِي، عن أبي سلمة، عن جابر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً، وتفرق الناس في العِضَاة يستظلون تحتها، فعلَّق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله. قال الأعرابي مرتين أو ثلاثاً: [من يمنعك مني؟] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله فَشَامَ الأعرابي السيف، فدعا النبي عليه السلام أصحابه، فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه.
وقال مُجَاهِد، والكَلْبي، وعِكْرِمَة: قَتَلَ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سليم وبين النبي عليه السلام وبين قومهما مُوَادَعَةٌ، فجاء قومهما يطلبون الدية، فأتى النبي عليه السلام ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف؛ فدخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما، فقالوا: [نعم] يا أبا القاسم، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس هو وأصحابه فخلا بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمداً أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جِحَاش بن كعب: أنا، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه، فأَمسك الله تعالى يده، وجاء جبريل عليه السلام، وأخبره بذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ...﴾. [٣٣].
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المَخْلِدي، قال: حدَّثنا أبو عمرو بن نجيد، قال: أخبرنا مسلم، قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن حماد، قال: حدَّثنا سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن أنس:
أن رهطاً من عُكْل وعُرَيْنَةَ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا أهل ضرْع، ولم نكن أهل ريف، فاسْتَوْخَمْنَا المدينة. فأمر لهم رسول الله عليه اسلام بِذَوْد [وراع، وأمرهم] أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها. [فلما صحوا، وكانوا بناحية الحرّة]، قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذَّوْد، فبعث رسول الله عليه السلام في آثارهم، فأتى بهم، فَقَطَّعَ أيديَهم وأرجلهم، وسَمَلَ أعينهم. فتركوا في الحَرَّة حتى ماتوا على حالهم.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: ﴿إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً﴾ إلى آخر الآية. رواه مسلم [عن محمد بن المثنى] عن عبد الأَعْلَى، عن سعيد، إلى قول قتادة.
قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا...﴾ [٣٨].
قال الكلبي: نزلت في طعمة بن ابَيْرق سارق الدرع. وقد مضت قصته.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ...﴾ الآيات. [٤١-٤٧].
حدَّثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحِيرِيّ إملاء، قال: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي، قال: حدَّثنا محمد بن حماد الأَبيورْدِي، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازب، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي مُحَمَّماً مجلوداً، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم. قالوا: نعم، قال: فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أَنْشُدُكَ الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نَشَدْتَني لم أخبرك، نجد حدّ الزاني في كتابنا الرّجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إِذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع؛ فاجتمعنا على التَّحْمِيمِ والجلد، مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم. فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ﴾. يقولون: ائتوا محمداً، فإن أفتاكم بالتَّحْمِيمِ والجلد فخذوا به، وإِن أفتاكم بالرجم فاحْذروا. إلى قوله تعالى:
﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾ قال: في اليهود. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾ قال: في النصارى. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾. قال: في الكفار كُلُّهَا.
رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غَوْث الكندي، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحَضْرَمِيّ، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعْمَش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازِب، عن النبي صلى لله عليه وسلم:
أنه رجم يهودياً ويهودية ثم قال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾، قال نزلت كلها في الكفار.
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ...﴾ الآيات. [٤١-٤٧].
حدَّثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحِيرِيّ إملاء، قال: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي، قال: حدَّثنا محمد بن حماد الأَبيورْدِي، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازب، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي مُحَمَّماً مجلوداً، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم. قالوا: نعم، قال: فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أَنْشُدُكَ الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نَشَدْتَني لم أخبرك، نجد حدّ الزاني في كتابنا الرّجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إِذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع؛ فاجتمعنا على التَّحْمِيمِ والجلد، مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم. فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ﴾. يقولون: ائتوا محمداً، فإن أفتاكم بالتَّحْمِيمِ والجلد فخذوا به، وإِن أفتاكم بالرجم فاحْذروا. إلى قوله تعالى:
﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾ قال: في اليهود. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾ قال: في النصارى. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾. قال: في الكفار كُلُّهَا.
رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غَوْث الكندي، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحَضْرَمِيّ، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعْمَش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازِب، عن النبي صلى لله عليه وسلم:
أنه رجم يهودياً ويهودية ثم قال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾، قال نزلت كلها في الكفار.
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة. قوله تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ...﴾. [٤٤].
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الرّزاق، قال: حدَّثنا مَعْمَر، عن الزُّهْرِي، قال: حدَّثني رجل من مُزَيْنَةَ، ونحن عند سعيد بن المُسَيِّب، عن أبي هريرة، قال:
زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فُتْيا نبي من أنبيائك! فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد مع أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم حتى أتى بيت مِدْرَاسِهِمْ فقام على الباب فقال: أنشدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تَجِدُونَ في التوراة على مَنْ زنى إذا أُحْصِن؟ قالوا يُحَمَّمُ [وجهه] ويُجبَّهُ ويجلد - والتَّجْبِيهُ: أن يحمل الزانيان على حمار وتقَابَلَ أقفيتهما ويطاف بهما - قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت، أَلَظَّ به في النِّشْدَة، فقال: اللهم إذ أنْشَدْتَنا، فإنا نَجِدُ في التوراة الرَّجْم. فقال النبي عليه السلام. فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل؟ قال: زنى رجل ذو قرابة مِنْ ملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسْرَةٍ من الناس، فأراد رجمه فحال قومه دونه فقالوا: لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما.
قال الزُّهْرِي: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ﴾. فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
قال مَعْمَر: أخبرني الزُّهْرِي، عن سالم، عن ابن عمر، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما، فلما رُجِما رأيته يَجْنَأُ بيده عنها ليقيها الحجارة.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ...﴾ الآيات. [٤١-٤٧].
حدَّثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحِيرِيّ إملاء، قال: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي، قال: حدَّثنا محمد بن حماد الأَبيورْدِي، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازب، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي مُحَمَّماً مجلوداً، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم. قالوا: نعم، قال: فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أَنْشُدُكَ الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نَشَدْتَني لم أخبرك، نجد حدّ الزاني في كتابنا الرّجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إِذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع؛ فاجتمعنا على التَّحْمِيمِ والجلد، مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم. فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ﴾. يقولون: ائتوا محمداً، فإن أفتاكم بالتَّحْمِيمِ والجلد فخذوا به، وإِن أفتاكم بالرجم فاحْذروا. إلى قوله تعالى:
﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾ قال: في اليهود. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾ قال: في النصارى. إلى قوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾. قال: في الكفار كُلُّهَا.
رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق، قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غَوْث الكندي، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحَضْرَمِيّ، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة، قال: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعْمَش، عن عبد الله بن مُرَّة، عن البَرَاء بن عَازِب، عن النبي صلى لله عليه وسلم:
أنه رجم يهودياً ويهودية ثم قال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ﴾، قال نزلت كلها في الكفار.
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله عز وجل: ﴿وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ...﴾ الآية [٤٩].
قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود، منهم كعب بن أسد وعبد الله بن صُورِيَا، وشَأْس بن قيس؛ قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نَفْتِنُه عن دينه. فأتوه فقالوا: يا محمد، قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم، وأنا إِن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا، وإنّ بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم. ونحن نؤمن بك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
قوله تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ...﴾ الآية. [٥١].
قال عطية العَوْفي: جاء عُبَادَة بن الصَّامت، فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من اليهود، كثير عددهم، حاضرٌ نَصْرُهم، وإِني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية اليهود وآوي إلى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ: إني رجل أخاف الدوائر، ولا أبرأ من ولاية اليهود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب، ما بَخِلْتَ به من ولاية اليهود على عُبَادة بن الصامت فهو لك دونه، فقال: قد قبلت. فأنزل الله تعالى فيهما: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ يعني: عبد الله بن أبيّ ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ في ولايتهم ﴿يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ...﴾. [٥٥].
قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سَلاّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن قوماً من قُرَيْظَة والنّضِير قد هجرونا وفارقونا، وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل. وشكى ما يلقى من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.
ونحو هذا. قال الكلبي، وزاد: بأن آخر الآية [نزل] في علي بن أبي طالب، لأنه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.
أخبرنا أبو بكر التَّميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدَّثنا الحسين بن محمد بن أبي هريرة، قال: حدَّثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدَّثما محمد [بن] الأسود، عن محمد بن مروان، عن محمد [ابن] السَّائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس. قال:
أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله، إن منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحدث، وإن قومنا لَمَّا رأَوْنا آمنّا بالله ورسوله وصَدّقناه - رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا، ولا ينكاحونا ولا يكلمونا، فشق ذلك علينا. فقال لهم النبي عليه السلام: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ الآية. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلاً فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم خاتم من ذهب، قال من أعْطَاكَهُ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب. فقال: علي أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع. فكبَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ ﴿وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ﴾.
قوله تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً﴾. [٥٧].
قال ابن عباس: كان رفَاعَة بن زيد وسُوَيد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يُوَادُّنَهُما، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً...﴾. [٥٨].
قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قاموا لا قاموا، صلوا لا صلوا، ركعوا لا ركعوا؛ على طريق الاستهزاء والضحك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السُّدّي: نزلت في رجل من نصارى المدينة، كان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمداً رسول الله؛ قال: حُرِّق الكاذب. فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام، فتطايرت منها شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله.
وقال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على ذلك [فدخلوا على رسول الله] وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم [الخالية] فإن كنت تدّعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الآذان الأنبياءَ من قبلك ولو كان في هذا [الأمر] خير لكان أولى الناس به الأنبياءُ والرسلُ من قبلك، فمن أين لك صياح كصياح العير؟ فما أقبح من صوت وما أسمج من كفر!! فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأنزل ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً..﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾. [٥٩].
قال ابن عباس: أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أومن ﴿بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ إلى قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شراً من دينكم فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَـۤأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ إلى قوله: ﴿فَاسِقُونَ﴾.
قوله تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾. [٦٧].
قال الحسن: إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لما بعثني الله تعالى برسالته ضِقْتُ بها ذَرْعاً، وعرفت أن من الناس مَنْ يُكَذِّبني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصَّفَّار، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المَخْلدِي، قال: أخبرنا محمد بن حَمْدُون بن خالد، قال: حدَّثنا محمد بن إبراهيم الحلْوانِي، قال: حدَّثنا الحسن بن حماد سِجَّادة، قال: أخبرنا علي بن عابس، عن الأعمش، وأبي الحَجَّاب عن عطية، عن أبي سعيد الخُدْرِي، قال:
نزلت هذه الآية: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ يوم "غَدِير خُمّ" في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ...﴾ الآية. [٦٧].
قالت عائشة رضي الله عنها: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: أَلاَ رَجُلُ صالح يحرسنا الليلة؟ فقالت: فبينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد وحُذَيْفَة، جئنا نحرسك. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قُبَّة أدَمٍ، وقال: انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد، قال: حدَّثنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: حدَّثنا محمد بن العلاء، قال: حدَّثنا الحمَّاني قال: حدَّثنا النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ، وكان يرسل معه أبو طالب [كل يوم] رجالاً من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ﴾ قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم، إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس.
قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ﴾. [٨٢-٨٦].
نزلت في النجاشي وأصحابه.
قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب، وابن مسعود، في رهط من أصحابه إلى النجاشي، وقال: "إنه ملك صالح، لا يَظلم ولا يُظلم عنده أحدٌ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً". فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم، قال: اقرأوا. فقرأوا وحوله القِسِّيسُون والرّهبان، فكلما قرأوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال الله تعالى: ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ...﴾ الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل، قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا أبو صالح كاتب الليث، قال: حدَّثني الليث، قال: حدَّثني يونس [عن] ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وعُرْوَة بن الزبير وغيرهما، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بن أُميَّة الضَّمْري، وكتب معه كتاباً إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، فأرسل إلى الرهبان والقِسِّيسِينَ فجمعهم، ثم أمر جعفراً أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة "مريم" عليها السلام، فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل فيهم: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ﴾ إلى قوله: ﴿فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ﴾.
وقال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه، ومعهم سبعون رجلاً، بعثهم النجاشي وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، وهم: بحيرا الراهب وأَبْرَهَة، وإدريس، وأشرف، وتمام، وقتيم، ودريد وأيمن. فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن، وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى. فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات.
أخبرنا أحمد بن محمد العدل، حدَّثنا زاهر بن أحمد، قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي، قال: حدَّثنا علي بن الجَعْد، قال: حدَّثنا شريك بن سالم، عن سعيد بن جُبَيْر في قوله تعالى: ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً﴾ قال: بعث النَّجَاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" فبكوا، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ﴾. [٨٧].
أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو المؤذن، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدَّثنا الحسين بن نصر بن سفيان، قال: أخبرنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا أبو عاصم، عن عثمان بن سعد، قال أخبرني عِكْرَمَة، عن ابن عباس:
أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء، وإني حرَّمت عليَّ اللحمَ. فنزلت: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ﴾ ونزلت: ﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً﴾ الآية.
وقال المفسرون: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فذكّر الناس، ووصف القيامة، ولم يزدهم على التخويف، فرَق الناس وبكَوْا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مَظْعُون الجُمَحِي، وهم: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وأبو ذَرٍ الغِفَاري، وسالم مولى أبي حُذَيْفَةَ، والمِقْداد بن الأَسْوَد، وسَلْمان الفارِسي، ومَعْقِل بن مُقرِّن. واتفقوا على أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم، ولا الوَدَك [وَلاَ يَقْرَبُوا النِّساءَ والطِّيب، ويَلْبِسُوا الْمُسوحَ ويَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَسِيحُوا في الأَرْضِ] ويترهبوا ويَجُبُّوا المَذَاكِيرَ. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم، فقال: ألَمْ أُنبَّأْ أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ فقالوا: بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير، فقال: [لهم]: إني لم أُوْمَرْ بذلك، إِنّ لأنفسكم عليكم حقاً، فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدَّسَم، ومَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مني. ثم خرج إلى الناس وخَطَبَهُمْ فقال: ما بَالُ أَقوامٍ حرّموا النساءَ والطعام، والطِّيب والنوم، وشهواتِ الدنيا؟ أما إني لست آمركم أن تكونوا قِسِّيسِينَ ولا رهباناً، فإنه ليس في ديني ترْكُ اللحم والنساء، ولا اتخاذ الصوامع؛ وإن سِيَاحَةَ أمتي الصوم، ورَهْبانيتَهَا الجهادُ؛ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحُجُّوا واعَتَمِرُوا، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شَدَّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الدِّيارَاتِ والصَّوامِع؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالوا: يا رسول الله، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا، فأنزل الله تعالى: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ...﴾ الآية. [٩٠].
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر المُطَّوِّعي، قال: حدَّثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحِيري، قال: حدَّثنا أحمد بن علي المَوْصِلي، قال: حدَّثنا أبو خَيْثَمَة، قال: حدَّثنا الحسن أبو موسى، قال: حدَّثنا زُهَيْر، قال: حدَّثنا سِمَاك بن حَرْب، قال: حدَّثني مُصْعَب بن سعد بن أبي وَقّاص، عن أبيه، قال:
أَتَيْتُ على نفر من المهاجرين [والأنصار]، فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً، وذلك قبل أن تحرّم الخمر، فأتيتهم في حُشٍّ - والحُشُّ: البستان - فإذا رأس جَزُور مشوي عندهم ودَنّ من خمر، فأكلت وشربت معهم، وذكرتُ الأنصار والمهاجرين، فقلت: المهاجرونَ خيرٌ من الأنصار، فأخذ رجل [أحد] لحِيي الرأس [فضربني به] فجَذَعَ أنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله فِيّ [يعني نفسه] شأنَ الخمرِ: ﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ﴾ الآية.
رواه مسلم، عن أبي خَيْثَمَة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدان العدل، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا خلف بن الوليد، قال: حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مَيْسَرَة، عن عمر بن الخطاب، قال:
اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في البقرة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ﴾ فدُعي عُمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في النساء: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ﴾ فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي: لا يقربَنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ﴾ فدُعِي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ قال عمر: انتهينا [انتهينا].
وكانت تحدث أشياء يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبب شرب الخمر قبل تحريمها، منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما. وهي ما:
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي خالد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى المَرْوَزِيّ، قال: حدَّثنا أحمد بن صالح، قال: أخبرنا عَنْبَسَة، قال: أخبرنا يوسف، عن ابن شهاب، قال: أخبرني علي بن الحسين: أن حسين بن علي أخبره: أم علي بن أبي طالب قال:
كانت لي شَارِفٌ من نصيبي من المَغْنَم يوم "بدر"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطاني شَارِفاً من الخُمْس، ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَاعَدْت رجلاً صَوَّاغاً من بَني قينُقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذْخر أردت أن أبيعه من الصَّوَّاغِين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفيّ [متاعاً] من الأقتاب والغَرَائِرِ والجِبِال، وشارفاي مناختان إلى جنب حُجْرَة رجل من الأنصار - أقْبِلْتُ فإذا أنا بشارفيّ قد أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهما وبُقرِتَ خَوَاصِرُهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عَيْنَيَّ حين رأيت ذلك المنظر، وقلت من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة [ابن عبد المطلب] وهو في البيت في شَرْبٍ من الأنصار غنّت قينة فقالت في غنائها:
ألا يا حَمْزَ للشُّرُفِ النّـِوَاءِ * وهُنَّ مُعَقَّلاَتٌ بالفِنَــاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ في اللِّبَّاتِ مِنْهَا * فَضَرِّجْهُنَّ حمزة بالدِّمَـاء
وأطْعِمْ مِنْ شَرَائِحَهَا كَبَاباً * مُلَهْوَجَةً على وَهَجِ الصَّلاَءِ
فَأَنْتَ أَبَا عُمَارَةٍ المُرَجَّى * لِكَشْفِ الضُّرِّ عَنَّا والبَـلاَءِ
فوثب إلى سيف فاجْتَبَّ أسْنِمَتهما، وبقَرَ خَوَاصِرَهما، وأخذ من أكبادهما. قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم عنده زَيْدُ بن حَارثة. قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتيت له فقال: مالك؟ فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم، عَدا حمزة على نَاقَتيَّ فاجْتبَّ أسنمتهما، وبقر خَوَاصِرَهما، وها هو ذا في بيت معه شَرْبٌ.
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي، فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي هو فيه، فاستأذن فأُذِنَ له، فإذا هم شَرْبٌ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعَّد النظر [فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر] فنظر إلى وجهه ثم قال: وهل أنتم إلا عَبِيدُ أبي؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثَمِلٌ، فنَكَصَ على عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى فخرج وخرجنا.
رواه البخاري عن أحمد بن صالح. وكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر.
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ...﴾ الآية. [٩٣].
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المُطَّوِّعي، قال: حدَّثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحِيرِي، قال: أخبرنا أبو يَعْلى، قال: أخبرنا أبو الربيع سليمان بن داود العَتَكَي، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، قال:
كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفَضِيخ والبُسْرُ والتمر، وإذا مناد ينادي [ألا] إن الخمر قد حرمت، قال: فَجَرَتْ في سكك المدينة. فقال أبو طلحة: اخرج فأرقها؛ قال: فأرقتها. فقال بعضهم: قُتِلٍ فلان وقُتِل فلان؛ وهي [في] بطونهم. قال: فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ﴾ الآية.
رواه مسلم عن أبي الربيع.
ورواه البخاري عن أبي نعمان، كلاهما عن حمّاد.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكيّ، قال: حدَّثنا أبو عمرو بن مطر، قال: حدَّثنا أبو خليفة، قال: حدَّثنا أبو الوليد، قال: حدَّثنا شُعْبة، قال: حدَّثنا أبو إسحاق، عن البَرَاء بن عَازِب، قال:
مات [أناس] من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يشربون الخمر، فلما حرمت قال أناس: كيف لأصحابنا؟ ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية. ﴿لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ...﴾ الآية. [١٠٠].
[أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشَّاذْياخِي، قال:] أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبيد الله [البَيِّع] قال: أخبرني محمد بن القاسم المؤدب [قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب الرَّازِي] قال: حدَّثنا إدريس بن علي الرَّازي، قال: حدَّثنا يحيى بن الضُّرَيس قال: حدَّثنا سفيان عن محمد بن سُوقَة عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر، قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حرّم عليكم عبادة الأوثان، وشرب الخمر، والطعن في الأنساب؛ ألا إن الخمر لُعِنَ شاربُها وعاصرُها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها. فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله، إني كنت رجلاً كانت هذه تجارتي فاعْتَقَبْتُ من بيع الخمر مالاً، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أنفقته في حجٍ أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إِنَّ الله لا يقبل إلا الطيب. فأنزل الله تعالى تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ﴾ [فالخبيث: الحرام].
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ الآية. [١٠١].
أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المُزَكيّ، قال: أخبرنا محمد بن مَكّي، قال: حدَّثنا محمد بن يوسف، قال: حدَّثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدَّثنا الفضل بن سهل، قال: حدَّثنا أبو النَّضْر، قال: حدَّثنا أبو خَيْثَمَة، قال: حدَّثنا أبو جُوَيْرِيَةَ، عن ابن عباس، قال:
كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: [مَنْ أبى؟ ويقول الرجل] تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ حتى فرغ من الآيات كلها.
أخبرنا أبو سعيد النَّصْرُوبِيُّ قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا منصور بن وَرْدَان الأسدي قال: حدَّثنا علي بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البَخْتَرِيِّ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:
لما نزلت هذه الآية: ﴿وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ﴾ قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فسكت ثم قالوا: أفي كل عام؟ فسكت، ثم قال في الرابعة: لا، ولو قلت: نعم لوجبت، فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ...﴾ الآية. [١٠٥].
قال الكلبي، عن صالح، عن ابن عباس:
كتَب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى أهل هَجَر - وعليهم مُنْذِر بن سَاوَى - يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا فليؤَدُّوا الجزية. فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والصابئين والمجوس، فأقروا بالجزية، وكرهوا الإسلام. وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فأقبل منهم الجزية". فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمت العرب، وأما أهل الكتاب والمجوس فأعطوا الجزية، فقال منافقو العرب: عجباً من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا، ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما رَدَّ على مشركي العرب! فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ﴾ يعني من ضل من أهل الكتاب.
قوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ...﴾ الآية. [١٠٦].
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الغازي، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، قال: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدَّثنا الحارث بن شريح، قال: حدَّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدَّثنا محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:
كان تميم الداري وعَدِيّ بن بَدَّاء يختلفان إلى مكة: فصحبهما رجل من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين، فأوصى إليهما بتركته، فلما قدما دفعاها إلى أهله، وكتما جَاماً كان معه من فضة مُخَوَّصاً بالذهب، فقالا لم نره. فأتى بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحلفهما بالله ما كتما ولا اطلعا، وخلى سبيلهما. ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الدَّارِي وعدي بن بَدَّاء. فقام أولياء السَّهمي فأخذوا الجام، وحلَف رجلان منهم بالله: إن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا. فنزلت هاتان الآيتان: ﴿يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ﴾ إلى آخرها.
Icon