تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـتفسير ابن عطية
.
لمؤلفه
ابن عطية
.
المتوفي سنة 542 هـ
سورة الفاتحة
قال ابن عباس، وموسى بن جعفر عن أبيه، وعلي بن الحسين، وقتادة، وأبو العالية، ومحمد بن يحيى بن حبان( ١ ) : إنها مكية، ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ﴿ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني ﴾ [ الحجر : ٨٧ ] والحجر مكية بإجماع. ( ٢ )
وفي حديث أُبَيّ بن كعب أنها السبع المثاني، والسبع الطُّول( ٣ ) نزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنها كانت قط في الإسلام صلاة بغير " الحمد لله رب العالمين ".
وروي عن عطاء بن يسار، وسوادة بن زياد، والزهري محمد بن مسلم، وعبد الله بن عبيد بن عمير( ٤ ) أن سورة الحمد مدنية.
وأما أسماؤها فلا خلاف أنها يقال لها فاتحة الكتاب، لأن موضعها يعطي ذلك.
واختلف هل يقال لها أم الكتاب، فكره الحسن بن أبي الحسن ذلك وقال :«أم الكتاب الحلال والحرام ». قال الله تعالى :﴿ آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ﴾( ٥ ) [ آل عمران : ٧ ].
وقال ابن عباس وغيره :«يقال لها أم الكتاب ».
وقال البخاري : سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة.
وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة( ٦ ) رضي الله عنه.
واختلف هل يقال لها أم القرآن ؟ فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء. قال يحيى بن يعمر :«أم القرى مكة، وأم خراسان مرو، وأم القرآن سورة الحمد ». وقال الحسن بن أبي الحسن : اسمها أم القرآن.
وأما المثاني فقيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة. وقيل سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخراً لها.
وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب «إنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها »( ٧ ) ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن( ٨ )، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون تفضيلاً من الله تعالى لا يعلل، وكذلك يجيء عدل ﴿ قل هو الله أحد ﴾ [ الإخلاص : ١ ] وعدل ﴿ زلزلت ﴾ [ الزلزلة : ١ ]. وغيرها. ( ٩ )
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«ل " لحمد لله رب العالمين " فضل ثلاثين حسنة على سائر الكلام ». وورد حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال " الحمد لله رب العالمين " كتبت له ثلاثون حسنة »( ١٠ )
وهذا الحديث هو في الذي يقولها من المؤمنين مؤتجراً طالب ثواب، لأن قوله :﴿ الحمد لله ﴾ في ضمنها التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قول :﴿ لا إله إلا الله ﴾ توحيد فقط. فأما إذا أُخِذَ بموضعهما من شرع الملة ومَحَلِّهِما مِنْ دَفْعِ( ١١ ) الكفر والإشراك فلا إله إلا الله أفضل، والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :«أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله »( ١٢ )
قال ابن عباس، وموسى بن جعفر عن أبيه، وعلي بن الحسين، وقتادة، وأبو العالية، ومحمد بن يحيى بن حبان( ١ ) : إنها مكية، ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ﴿ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني ﴾ [ الحجر : ٨٧ ] والحجر مكية بإجماع. ( ٢ )
وفي حديث أُبَيّ بن كعب أنها السبع المثاني، والسبع الطُّول( ٣ ) نزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنها كانت قط في الإسلام صلاة بغير " الحمد لله رب العالمين ".
وروي عن عطاء بن يسار، وسوادة بن زياد، والزهري محمد بن مسلم، وعبد الله بن عبيد بن عمير( ٤ ) أن سورة الحمد مدنية.
وأما أسماؤها فلا خلاف أنها يقال لها فاتحة الكتاب، لأن موضعها يعطي ذلك.
واختلف هل يقال لها أم الكتاب، فكره الحسن بن أبي الحسن ذلك وقال :«أم الكتاب الحلال والحرام ». قال الله تعالى :﴿ آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ﴾( ٥ ) [ آل عمران : ٧ ].
وقال ابن عباس وغيره :«يقال لها أم الكتاب ».
وقال البخاري : سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة.
وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة( ٦ ) رضي الله عنه.
واختلف هل يقال لها أم القرآن ؟ فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء. قال يحيى بن يعمر :«أم القرى مكة، وأم خراسان مرو، وأم القرآن سورة الحمد ». وقال الحسن بن أبي الحسن : اسمها أم القرآن.
وأما المثاني فقيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة. وقيل سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخراً لها.
وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب «إنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها »( ٧ ) ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن( ٨ )، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون تفضيلاً من الله تعالى لا يعلل، وكذلك يجيء عدل ﴿ قل هو الله أحد ﴾ [ الإخلاص : ١ ] وعدل ﴿ زلزلت ﴾ [ الزلزلة : ١ ]. وغيرها. ( ٩ )
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«ل " لحمد لله رب العالمين " فضل ثلاثين حسنة على سائر الكلام ». وورد حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال " الحمد لله رب العالمين " كتبت له ثلاثون حسنة »( ١٠ )
وهذا الحديث هو في الذي يقولها من المؤمنين مؤتجراً طالب ثواب، لأن قوله :﴿ الحمد لله ﴾ في ضمنها التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قول :﴿ لا إله إلا الله ﴾ توحيد فقط. فأما إذا أُخِذَ بموضعهما من شرع الملة ومَحَلِّهِما مِنْ دَفْعِ( ١١ ) الكفر والإشراك فلا إله إلا الله أفضل، والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :«أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله »( ١٢ )
١ - بالباء هو ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني، أبو عبد الله المدني توفي سنة١٢١هـ..
٢ - ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (٨٧) من سورة الحجر..
٣ - أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني..
٤ - هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر..
٥ - من الآية رقم (٧) من سورة آل عمران..
٦ - رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا..
٧ - رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى..
٨ - رواه عبد الله بن حميد في مسنده، والفريابي في تفسيره عن ابن عباس بسند ضعيف..
٩ - من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث :(قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم..
١٠ - رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة)..
١١ - في بعض النسخ (رفْع) بالراء..
١٢ - رواه أصحاب الكتب الستة، وفيه زيادة: (وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، والحاكم أيضا حديث الترمذي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) فجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء..
٢ - ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (٨٧) من سورة الحجر..
٣ - أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني..
٤ - هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر..
٥ - من الآية رقم (٧) من سورة آل عمران..
٦ - رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا..
٧ - رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى..
٨ - رواه عبد الله بن حميد في مسنده، والفريابي في تفسيره عن ابن عباس بسند ضعيف..
٩ - من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث :(قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم..
١٠ - رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة)..
١١ - في بعض النسخ (رفْع) بالراء..
١٢ - رواه أصحاب الكتب الستة، وفيه زيادة: (وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، والحاكم أيضا حديث الترمذي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) فجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء..
سورة الفاتحة
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
(القول في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم)
روي عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه أنه قال: «البسملة تيجان السور».
وروي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: تعس الشيطان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك، فإنه يتعاظم عنده، ولكن قل: «بسم الله الرحمن الرحيم» فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذباب».
وقال علي بن الحسين رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً [الإسراء: ٤٦] قال: «معناه إذا قلت: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال له: «كيف تفتتح الصلاة يا جابر؟
قلت: بالحمد لله رب العالمين. قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم».
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: «أتاني جبريل فعلمني الصلاة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يجهر بها».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذان الحديثان يقتضيان أنها آية من الحمد، ويرد ذلك حديث أبي بن كعب الصحيح إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك ألا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها»، قال: فجعلت أبطىء في المشي رجاء ذلك، فقال لي: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها.
ويرده الحديث الصحيح بقوله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، يقول العبد الحمد لله رب العالمين».
ويرده أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أبي بكر، ولا عن عمر، ولا عثمان، رضي الله عنهم أنهم قرؤوا في صلاتهم: «بسم الله الرحمن الرحيم».
ويرده عدد آيات السورة لأن الإجماع أنها سبع آيات، إلا ما روي عن حسين الجعفي أنها ست آيات، وهذا شاذ لا يعول عليه وكذلك روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: ٥] آية، فهي على عده ثماني آيات، وهذا أيضا شاذ. وقول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: ٨٧] هو الفصل في
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
(القول في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم)
روي عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه أنه قال: «البسملة تيجان السور».
وروي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: تعس الشيطان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك، فإنه يتعاظم عنده، ولكن قل: «بسم الله الرحمن الرحيم» فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذباب».
وقال علي بن الحسين رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً [الإسراء: ٤٦] قال: «معناه إذا قلت: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال له: «كيف تفتتح الصلاة يا جابر؟
قلت: بالحمد لله رب العالمين. قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم».
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: «أتاني جبريل فعلمني الصلاة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يجهر بها».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذان الحديثان يقتضيان أنها آية من الحمد، ويرد ذلك حديث أبي بن كعب الصحيح إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك ألا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها»، قال: فجعلت أبطىء في المشي رجاء ذلك، فقال لي: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها.
ويرده الحديث الصحيح بقوله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، يقول العبد الحمد لله رب العالمين».
ويرده أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أبي بكر، ولا عن عمر، ولا عثمان، رضي الله عنهم أنهم قرؤوا في صلاتهم: «بسم الله الرحمن الرحيم».
ويرده عدد آيات السورة لأن الإجماع أنها سبع آيات، إلا ما روي عن حسين الجعفي أنها ست آيات، وهذا شاذ لا يعول عليه وكذلك روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: ٥] آية، فهي على عده ثماني آيات، وهذا أيضا شاذ. وقول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: ٨٧] هو الفصل في
60
ذلك. والشافعي- رحمه الله- يعد «بسم الله الرحمن الرحيم» آية من الحمد، وكثير من قراء مكة والكوفة لا يعدون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: ٧]. ومالك- رحمه الله-، وأبو حنيفة، وجمهور الفقهاء، والقراء، لا يعدون البسملة آية. والذي يحتمله عندي حديث جابر، وأبي هريرة- إذا صحّا- أن النبي ﷺ رأى قراءة جابر وحكايته أمر الصلاة قراءة في غير صلاة على جهة التعلم فأمره بالبسملة لهذا لا لأنها آية. وكذلك في حديث أبي هريرة رآها قراءة تعليم، ولم يفعل ذلك مع أبيّ لأنها قصد تخصيص السورة ووسمها من الفضل بما لها، فلم يدخل معها ما ليس منها، وليس هذا القصد في حديث جابر وأبي هريرة، والله أعلم.
وقال ابن المبارك: «إن البسملة آية في كل سورة»، وهذا قول شاذ رد الناس عليه. وروى الشعبي والأعمش أن رسول الله ﷺ كان يكتب «باسمك اللهم»، حتى أمر أن يكتب «بسم الله» فكتبها. فلما نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] كتب: «بسم الله الرحمن». فلما نزلت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: ٣٠] كتبها.
وروى عمرو بن شرحبيل: أن جبريل أول ما جاء النبي عليه السلام قال له: قل: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي عن ابن عباس: أن أول ما نزل به جبريل: «بسم الله الرحمن الرحيم». وفي بعض طرق حديث خديجة وحملها رسول الله ﷺ إلى ورقة، أن جبريل قال للنبي عليهما السلام:
قل: «بسم الله الرحمن الرحيم» فقالها: فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ... الحديث.
والبسملة تسعة عشر حرفا. فقال بعض الناس: إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر: ٣٠] إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم، لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: «بسم الله الرحمن الرحيم» فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذه من ملح التفسير، وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: «إنها ليلة سبع وعشرين»، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة إِنَّا أَنْزَلْناهُ [القدر: ١] ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه»، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول». والباء في: بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداء مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله، فبسم الله في موضع رفع على مذهب البصريين، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين، كذا أطلق القول قوم، والظاهر من مذهب سيبويه أن الباء متعلقة باسم كما تقدم، وبسم الله في موضع نصب تعلقا بثابت أو مستقر بمنزلة: في الدار من قولك زيد في الدار، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها، أو لكونها لا تدخل إلا على الأسماء فخصت بالخفض الذي
وقال ابن المبارك: «إن البسملة آية في كل سورة»، وهذا قول شاذ رد الناس عليه. وروى الشعبي والأعمش أن رسول الله ﷺ كان يكتب «باسمك اللهم»، حتى أمر أن يكتب «بسم الله» فكتبها. فلما نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] كتب: «بسم الله الرحمن». فلما نزلت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: ٣٠] كتبها.
وروى عمرو بن شرحبيل: أن جبريل أول ما جاء النبي عليه السلام قال له: قل: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي عن ابن عباس: أن أول ما نزل به جبريل: «بسم الله الرحمن الرحيم». وفي بعض طرق حديث خديجة وحملها رسول الله ﷺ إلى ورقة، أن جبريل قال للنبي عليهما السلام:
قل: «بسم الله الرحمن الرحيم» فقالها: فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ... الحديث.
والبسملة تسعة عشر حرفا. فقال بعض الناس: إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر: ٣٠] إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم، لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: «بسم الله الرحمن الرحيم» فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذه من ملح التفسير، وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: «إنها ليلة سبع وعشرين»، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة إِنَّا أَنْزَلْناهُ [القدر: ١] ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه»، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول». والباء في: بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداء مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله، فبسم الله في موضع رفع على مذهب البصريين، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين، كذا أطلق القول قوم، والظاهر من مذهب سيبويه أن الباء متعلقة باسم كما تقدم، وبسم الله في موضع نصب تعلقا بثابت أو مستقر بمنزلة: في الدار من قولك زيد في الدار، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها، أو لكونها لا تدخل إلا على الأسماء فخصت بالخفض الذي
61
لا يكون إلا في الأسماء، أو ليفرق بينها وبين ما قد يكون من الحروف اسما نحو الكاف في قول الأعشى:
[البسيط].
وحذفت الألف من بسم الله في الخط اختصارا وتخفيفا لكثرة الاستعمال. واختلف النحاة إذا كتب «باسم الرحمن وباسم القاهر» فقال الكسائي وسعيد الأخفش: «يحذف الألف». وقال يحيى بن زياد: «لا تحذف إلا مع بسم الله فقط، لأن الاستعمال إنما كثر فيه».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: فأما في غير اسم الله تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
واسم أصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها، وهو عند البصريين مشتق من السمو. يقال: سما يسمو، فعلى هذا تضم السين في قولك سمو ويقال: سمي يسمى فعلى هذا تكسر، وحذفت الواو من سمو، وكسرت السين من سم، كما قال الشاعر: [الرجز].
باسم الذي في كلّ سورة سمه وسكنت السين من بسم اعتلالا على غير قياس، وإنما استدل على هذا الأصل الذي ذكرناه بقولهم في التصغير سمّي، وفي الجمع أسماء، وفي جمع الجمع أسامي.
وقال الكوفيون: أصل اسم وسم من السمة، وهي العلامة. لأن الاسم علامة لمن وضع له، وحذفت فاؤه اعتلالا على غير قياس، والتصغير والجمع المذكوران يردان هذا المذهب الكوفي. وأما المعنى فيه فجيد لولا ما يلزمهم من أن يقال في التصغير وسيم، وفي الجمع أوسام، لأن التصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. وقد ذكر بعض المفسرين في هذا الموضع الاسم والمسمى هل هما واحد؟
وقال الطبري رحمه الله: إنه ليس بموضع للمسألة، وأنحى في خطبته على المتكلمين في هذه المسألة ونحوها، ولكن بحسب ما قد تدوول القول فيها، فلنقل إن الاسم كزيد وأسد وفرس قد يرد في الكلام ويراد به الذات، كقولك زيد قائم والأسد شجاع، وقد يراد به التسمية ذاتها، كقولك أسد ثلاثة أحرف، ففي الأول يقال الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى وفي الثاني لا يراد به المسمى. ومن الورود الأول قولك يا رحمن اغفر لي، وقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١] ومن الورود الثاني قولك: الرحمن وصف لله تعالى. وأما اسم الذي هو ألف وسين وميم، فقد يجري في لغة العرب مجرى الذات. يقال: ذات، ونفس، واسم، وعين، بمعنى. وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] وقوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن: ٧٨]. وقوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ [يوسف: ٤٠].
وعضدوا ذلك بقول لبيد: [الطويل].
[البسيط].
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط | كالطّعن يذهب فيه الزيت والفتل |
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: فأما في غير اسم الله تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
واسم أصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها، وهو عند البصريين مشتق من السمو. يقال: سما يسمو، فعلى هذا تضم السين في قولك سمو ويقال: سمي يسمى فعلى هذا تكسر، وحذفت الواو من سمو، وكسرت السين من سم، كما قال الشاعر: [الرجز].
باسم الذي في كلّ سورة سمه وسكنت السين من بسم اعتلالا على غير قياس، وإنما استدل على هذا الأصل الذي ذكرناه بقولهم في التصغير سمّي، وفي الجمع أسماء، وفي جمع الجمع أسامي.
وقال الكوفيون: أصل اسم وسم من السمة، وهي العلامة. لأن الاسم علامة لمن وضع له، وحذفت فاؤه اعتلالا على غير قياس، والتصغير والجمع المذكوران يردان هذا المذهب الكوفي. وأما المعنى فيه فجيد لولا ما يلزمهم من أن يقال في التصغير وسيم، وفي الجمع أوسام، لأن التصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. وقد ذكر بعض المفسرين في هذا الموضع الاسم والمسمى هل هما واحد؟
وقال الطبري رحمه الله: إنه ليس بموضع للمسألة، وأنحى في خطبته على المتكلمين في هذه المسألة ونحوها، ولكن بحسب ما قد تدوول القول فيها، فلنقل إن الاسم كزيد وأسد وفرس قد يرد في الكلام ويراد به الذات، كقولك زيد قائم والأسد شجاع، وقد يراد به التسمية ذاتها، كقولك أسد ثلاثة أحرف، ففي الأول يقال الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى وفي الثاني لا يراد به المسمى. ومن الورود الأول قولك يا رحمن اغفر لي، وقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١] ومن الورود الثاني قولك: الرحمن وصف لله تعالى. وأما اسم الذي هو ألف وسين وميم، فقد يجري في لغة العرب مجرى الذات. يقال: ذات، ونفس، واسم، وعين، بمعنى. وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] وقوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن: ٧٨]. وقوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ [يوسف: ٤٠].
وعضدوا ذلك بقول لبيد: [الطويل].