تفسير سورة الفاتحة

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
فاتحة الكتاب
قوله عز وجل (١): ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اختلفت عبارة النحويين في تسمية هذِه الباء الجارة، فسموها مرة: حرف إلصاق، ومرة: حرف استعانة، ومرة: حرف إضافة، وكل هذا صحيح من قولهم (٢).
أما الإلصاق: فنحو قولك: تمسكت بزيد، وذلك أنك ألصقت محل قدرتك به، وبما اتصل به، فقد صح إذن معنى الإلصاق (٣).
وأما الاستعانة: فقولك: ضربت بالسيف، وكتبت بالقلم، وبريت بالمدية، أي: استعنت بهذِه الأدوات على هذِه الأفعال.
وأما الإضافة: فقولك: مررت بزيد، أضفت مرورك إلى زيد بالباء (٤).
وأما قول النحويين (٥): (الباء والكاف واللام الزوائد) فإنما قالوا فيهن:
(١) قوله (عز وجل) ساقط من (ج).
(٢) نقل الواحدي الكلام عن (الباء) من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني ١/ ١٢٢ بالنص في الغالب، وقد يتصرف بالعبارة أحيانا. وللباء معان كثيرة أوصلها المزني إلى واحد وعشرين معنى. انظر: "الحروف" للمزني ص ٥٤، "حروف المعاني" للزجاجي ص ٤٧، ٨٦، ٨٧، "مغني اللبيب" ١/ ١٠١، "البحر المحيط" ١/ ١٤.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢٣، وفيه (ألصقت محل قدرتك أو ما اتصل بمحل قدرتك به أو بما اتصل به..). وسمى سيبويه هذا المعنى: إلزاقا واختلاطا "الكتاب" ٤/ ٢١٧، قال ابن هشام: وهو معنى لا يفارقها، ولهذا لم يذكر سيبويه غيره. "مغني اللبيب" ١/ ١٠١، ولكن نجد سيبويه ذكر معنى الإضافة في "الكتاب" ١/ ٤٢١.
(٤) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢٣، انظر: "الكتاب" ١/ ١٢١، "المقتضب" ١/ ١٧٧، "مغني اللبيب" ١/ ١٠١، "البحر المحيط" ١/ ١٤.
(٥) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢٠.
433
إنهن زوائد، لأنهن لما كن على حرف واحد، وقللن غاية القلة، واختلطن بما بعدهن خشي عليهن لقلتهن وامتزاجهن بما يدخلن عليه أن يظن بهن أنهن بعضه وأحد أجزائه، فوسموهن بالزيادة، ليعلموا (١) من حالهن أنهن لسن من أنفس ما وصلن به.
ألا ترى أن (اليوم تنساه) لا باء فيه، ولا كاف (٢).
وحذاق النحويين لا يسمونها زوائد، بل يقولون في الباء واللام: إنهما حرفا إضافة (٣)، وفي الكاف يقولون: حرف جر (٤).
وهذِه حروف أدوات عاملة (٥)، تجر ما تدخل عليه من الأسماء نحو: من وعن وفي (٦).
(١) في (ب): (لتعلموا).
(٢) (اليوم تنساه) جملة يستعملها النحويون تجمع الحروف الزوائد وهي عشرة حروف، والمراد أن (الباء) و (الكاف) ليستا من الحروف الزوائد. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢٠، "التبصرة والتذكرة" للصيمري ٢/ ٧٨٨.
(٣) عند أبي الفتح: (فأما حذاق أصحابنا فلا يسمونها بذلك، يقولون في الباء واللام أنهما حرفا إضافة). "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢١، وهذا قول سيبويه. انظر: "الكتاب" ١/ ٤٢١، وانظر: "المقتضب" ١/ ١٨٣، ٤/ ١٣٦ - ١٤٣، ووسمها ابن هشام في "مغني اللبيب" بالزيادة ١/ ١٠٦.
(٤) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢١٧، "المقتضب" ٤/ ١٤٠، "مغني اللبيب" ١/ ١٧٦ - ١٧٩.
(٥) في (ب): (عاملات).
(٦) قوله: (وهذِه حروف أدوات..) ليس من كلام أبي الفتح والنص في "سر صناعة الإعراب": (وهذا موضع لابد فيه من ذكر العلة التي لها صارت حروف الإضافة هذِه جارة.. إلى أن قال: إنما جرت الأسماء..) ١/ ١٢٣. وعن عمل حروف الجر، وهل هي حروف أو أسماء؟. انظر: "الكتاب" ١/ ٤١٩ - ٤٢٠، "المقتضب" ٤/ ١٣٦، "الأصول في النحو" لابن السراج ١/ ٤٠٨. قال الصيمري في "التبصرة والتذكرة": الحروف تنقسم قسمين: أحدهما يستعمل حرفا وغير حرف، والآخر يكون حرفا لا غير. فأما=
434
وإنما جرت (١) الأسماء من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعفت عن وصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها نحو قولك: (عجبت، ومررت، وذهبت) لو قلت: عجبت زيدًا، ومررت جعفرًا، وذهبت محمدًا، لم يجز كما بجوز ضربت زيدًا؛ لضعف هذِه الأفعال في العرف (٢) والعادة (٣) والاستعمال، فلما قصرت هذِه الأفعال عن الوصول إلى الأسماء رفدت بحرف الإضافة، فجعلت موصلة (٤) لها إليها، فقالوا: عجبت من زيد، ونظرت إلى محمد (٥)، فلما احتاجت هذِه الأفعال إلى هذِه الحروف لتوصلها إلى بعض الأسماء جعلت تلك الحروف جارة، وأعملت هي في الأسماء (٦). ولم يفض إلى الأسماء النصب الذي يأتي من الأفعال؛ لأنهم أرادوا أن يجعلوا بين الفعل الواصل بنفسه وبين الفعل الواصل بغيره فرقًا، ولما هجروا لفظ النصب لما ذكرنا، لم يبق إلى الرفع والجر. فأما الرفع فقد استولى عليه
= ما يستعمل حرفا وغير حرف فنحو (على) و (عن) و (كاف التشبيه) و (منذ) و (مذ) فهذِه تكون حروفا في حال، وأسماء في أخرى.. وأما ما لا يستعمل إلا حرفا في هذا الباب: فالباء الزائدة.. واللام الزائدة.. و (من) و (إلى) و (في) و (رب) و (حتى) إذا كانت غاية. "التبصرة والتذكرة" ١/ ٢٨٢ - ٢٨٥.
(١) في (ج): (وإنما تدخل جرت).
(٢) في (ج): (القرن).
(٣) في (أ)، (ج): (في الاستعمال) وفي "سر صناعة الإعراب" (لضعف هذِه الأفعال في العرف والعاة والاستعمال عن إفضائها إلى هذِه الأسماء..) ١/ ١٢٤.
(٤) في (ج): (موصولة).
(٥) في "سر صناعة الإعراب": (نظرت إلى عمرو) ١/ ١٢٤.
(٦) هذا مذهب البصريين في سبب تسميتها حروف جر، أما الكوفيون فيسمونها حروف خفض، قالوا: لانخفاض الحنك الأسفل عند النطق به، انظر: "الإيضاح في علل النحو" ص ٩٣.
435
الفاعل، فلم يبق إذا غير الجر، فعدلوا إليه ضرورة (١) [و] (٢) الجار والمجرور جميعا في موضع نصب (٣)، ألا ترى أنهم عطفوا عليه بالنصب (٤) فقالوا: مررت بزيد ومحمدا، ونظرت إلى عمرو وخالدا، وعلى هذا (٥) ما أنشده سيبويه:
مُعَاويَ إِنَّناَ بَشَرٌ فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بِالجِبَالِ ولَا الحَدِيدَا (٦)
(١) من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٢٤، ١٢٥، مع اختصار بعض الجمل.
(٢) الواو ساقطة من (ب).
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣٠، وانظر: "المقتضب" ٤/ ٣٣، قال النحاس عند قوله ﴿بسم الله﴾: (موضع الباء وما بعدها عند الفراء نصب، وعند البصريين رفع، وقال الكسائي: الباء لا موضع لها من الإعراب). "إعراب القرآن" ١/ ١١٦، وانظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٦، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤.
(٤) هذا أحد وجهين ذكرهما أبو الفتح للدلالة على صحة دعوى أن الفعل إذا أوصله حرف جر إلى الاسم، فإن الجار والمجرور في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما. "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣٠.
(٥) (على هذا) مكرر في (ب).
(٦) البيت لـ (عقيبة الأسدي) ونسبه بعضهم لعبد الله بن الزبير، ومعنى (أسجح) سهل علينا حتى نصبر، فلسنا بجبال ولا حديد. والبيت من شواهد سيبويه، استشهد به في مواضع من كتابه ١/ ٦٧، ٢/ ٢٩١، ٢/ ٣٤٤، ٣/ ٩١، وورد في "المقتضب" ٢/ ٣٣٧، ٤/ ١١٢، ٤/ ٣٧١، "جمل الزجاجي" ص ٥٤، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٢٢، ٣٠٠، "مغني اللبيب" ٢/ ٤٧٧، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٤٠، "الإنصاف" ص ٢٨٤، "شرح المفصل" ٢/ ١٠٩، ٤/ ٩. والشاهد فيه: نصب الحديد، وعطفه على موضع الباء، وقد أنكر بعضهم على سيبويه استشهاده بالبيت، ورووه مجرورًا، ورد ذلك السيرافي وقال: إن البيت جاء بروايتين.
انظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٢٢، ٣٠٠، "الخزانة" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦٤.
436
عطف الحديد على موضع بالجبال (١)، ولهذا قال سيبويه: (إنك إذا قلت: مررت بزيد [فكأنك قلت: مررت زيدا) (٢)، تريد (٣) بذلك أنه لولا الباء الجارة لانتصب زيد، وعلى ذلك أجازوا مررت بزيد] (٤) الظريفَ، تنصبه على موضع (بزيد) (٥).
(وجميع (٦) الحروف المفردة التي تقع في أوائل الكلم حكمها الفتح أبدًا. نحو (واو) العطف و (فائه) و (همزة) الاستفهام و (لام) الابتداء.
فأما (الباء) في (بزيد) فإنما كسرت لمضارعتها (اللام) الجارة (٧) في قولك: (المال لزيد) وسنذكر العلة في كسر اللام في قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: ٢] إن شاء الله (٨) ووجه المضارعة بينهما اجتماعهما في الجر ولزوم كل واحد منهما الحرفية (٩)، وليست كذلك (كاف التشبيه)؛ لأنها قد تكون
(١) في (ب): (الجبال).
(٢) انظر: "الكتاب" ١/ ٩٢، والنص من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣١.
(٣) في "سر صناعة الإعراب" (يريد) وهذا أقرب، فأبو الفتح يقول: يريد سيبويه.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٥) بنصه من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٤.
(٦) بنصه عن أبي الفتح من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٤.
(٧) قال الثعلبي العلة في كسرها أن (الباء) حرف ناقص ممال، والإمالة من دلائل الكسرة. "تفسير الثعلبي" ١/ ١٥.
(٨) في "سر صناعة الإعراب" وسنذكر العلة في كسر (اللام) في موضعها... ، ١/ ١٤٤، وقد تكلم الواحدي عن العلة في كسر (اللام) عند الكلام عن اللام الجارة في لفظ الجلالة في قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ونقل في ذلك عن أبي الفتح ابن جني.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١١٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٥/ ب، "المشكل" لمكي ١/ ٥، "الكشاف" ١/ ٢٣.
437
اسما في بعض المواضع).
فأما المتعلق به (الباء) في قوله ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ فإنه محذوف، ويستغنى عن إظهارها لدلالة الحال عليه، وهو معنى الابتداء، كأنه قيل (بدأت بسم الله) (١) (وأبدأ بسم الله) والحال تبين أنك مبتدئ فاستغنيت عن ذكره (٢).
وحذفت الألف من بسم الله؛ لأنها وقعت (٣) في موضع معروف، لا يجهل القارئ معناها، فاستخف طرحها؛ لأن من شأن العرب الإيجاز إذا عرف المعنى، وأثبتت في قوله ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤، ٩٦، الحاقة: ٥٢] لأن هذا لا يكثر كثرة (بسم الله) ألا ترى أنك تقول: (بسم الله) عند ابتداء كل شيء (٤).
ولا تحذف الألف إذا أضيف (الاسم) إلى غير (٥) الله، ولا مع غير الباء من الحروف، فتقول: لاسم الله حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم الله، فتثبت الألف مع اللام والكاف (٦). هذا في سقوطها في الكتابة، وأما سقوطها
(١) في (ب): (إعراب باسم بالله).
(٢) قال الطبري: أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: (بسم الله)، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف. ومفهوم أنه مريد بذلك: (أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم). "تفسير الطبري" ١/ ٥٠، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١، "الوسيط" للواحدي ١/ ١٤، "الكشاف" ١/ ٢٦، "لباب التفسير" للكرماني ١/ ٢٦ (رسالة دكتوراه).
(٣) في (ب): (وقفت).
(٤) أخذه عن "معاني القرآن" للفراء، مع اختلاف يسير في اللفظ ص ٣٦، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١١٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣.
(٥) في (ص): (لغير).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣، "المشكل" لمكي ١/ ٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٨٤، "الكشاف" ١/ ٣٥.
438
في اللفظ، فلأنها (١) للوصل، وقد استغنى عنها بالباء (٢).
فأما معنى: (الاسم) واشتقاقه ومأخذه من اللغة، فقد كثر فيها الاختلاف، فقال (٣) نحويو (٤) الكوفة: (الاسم) مشتق من السمة، وهي العلامة، كالعدة والزنة من (الوزن) و (الوعد)، كذلك (السمة) من (الوسم) (٥)، ومن هذا قال أبو العباس (ثعلب): الاسم وسم وسمة توضع على الشيء يعرف به (٦).
وقال مشيخة البصرة: (الاسم) مشتق من السمو، لأنه يعلو المسمى، فالاسم: ما علا وظهر (٧)، فصار علما للدلالة على ما تحته من المعنى (٨). وقال بعضهم: العلة في اشتقاقه من السمو أن الكلام ثلاثة: اسم
(١) في (ب): (ولا منها).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٤٧، "إعراب القرآن" للنحاس ١١٧.
(٣) في (ب): (فقالوا).
(٤) (نحويو) مكانها بياض في (ب).
(٥) حذفت فاؤه اعتلالا على غير قياس، والأصل في اسم (وسم) فحذفت الفاء التي هي (الواو) من (وسم). انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٨٤، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص ٤، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٣٢، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٦.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة"، وفيه (الاسم رسم وسمة..)، (سما) ٢/ ١٧٤٨، "اللسان" (سما) ٤/ ٢١٠٩، "الإنصاف" ص ٤.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢، "تهذيب اللغة" للأزهري (سما) ٢/ ١٧٤٨، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٢٥٥، "الإنصاف" ص ٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٨٤، "الكشاف" ١/ ٣٤، ٣٥، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٦.
(٨) هذا قول الزجاج، وفيه إشارة إلى أن الاسم هو المسمى، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٢، "الإنصاف" ص ٥.
439
وفعل وحرف، فالاسم يصح أن يكون خبرا ويخبر عنه، والفعل يكون خبرا ولا يخبر عنه، والحرف لا يكون خبرا ولا يخبر عنه، فلما كان للاسم مزية على النوعين الآخرين وجب أن يشتق مما (١) ينبئ عن هذِه المزية، فاشتق من السمو ليدل على علوه وارتفاعه (٢).
وعند المتكلمين أنه اشتق من السمو؛ لأنه سما عن حد العدم إلى الوجود (٣). وقالوا: أصله سِمْو (٤)، وجمعه (أسماء) مثل قنو وأقناء (٥) وحنو وأحناء فحذفت الواو استثقالًا (٦) (٧)، ولم تحذف من نظائره؛ لأنها لم تكثر (٨) كثرته، ثم سكنوا السين استخفافًا لكثرة ما تجري على لسانهم، واجتلبت ألف الوصل ليمكن الابتداء به، وكان هذا أخف عليهم من ترك الحرف متحركا، لأن الألف تسقط في الإدراج، وكان إثبات الحرف الذي يسقط كثيرا أخف من حركة السين التي (٩) تلزم أبدا (١٠).
(١) في (ب): (عما).
(٢) انظر: "الإيضاح في علل النحو" ص ٤٩، "الإنصاف" ص ٦.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٦/ ب.
(٤) أو (سمو) بالضم. انظر: "المقتضب" ١/ ٢٢٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٦.
(٥) في (ب): (فتو أفتاء).
(٦) في (ب): (استقلالا).
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢، "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٥٥، "المنصف" ١/ ٦٠.
(٨) في (ب): (تكن).
(٩) في (ب): (الذي).
(١٠) انظر: "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٥٦، ٢٥٧، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١١٧، "الكشاف" ١/ ٣٤، قال الزمخشري: (ومنهم من لم يزدها، أي: الألف، واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال: (سم) و (سم).
440
قالوا: و (١) لا يصح مذهب الكوفيين في هذا الحرف، لأنه لا يعرف شيء حذفت منه فاء الفعل، فدخلت عليه ألف الوصل كالعدة والزنة.
وأيضا فلو كان من الوسم لكان تصغيره (وسيما)، كما يقول: (وعيدة) و (وصيلة) في تصغير: صلة وعدة (٢).
وأما معنى (الاسم) ففيه مذهبان (٣):
(١) (الواو) ساقطة من (ج).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢، "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٥٥ - ٢٥٧، "المخصص" ١٧/ ١٣٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ٨٤، "الإنصاف" لابن الأنباري وقد ذكر خمسة وجوه في (بيان فساد مذهب الكوفيين) ص ٤، "تهذيب اللغة" (سما) ٢/ ١٧٤٧.
(٣) ذكر الرازي وابن كثير فيه ثلاثة مذاهب وهي:
١ - الاسم نفس المسمى وغير التسمية.
٢ - الاسم غير المسمى ونفس التسمية.
٣ - الاسم غير المسمى وغير التسمية. "التفسير الكبير" للرازي ١/ ١٠٨، "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٠، وقد كثر الخوض في هذِه المسألة، وجعل بعضهم كثرة الحديث فيها من باب العبث الذي لا طائل تحته. انظر: "تفسير الرازي" ١/ ١٠٩.
قال الطبري: (وليس هذا هو الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم: أهو المسمى أم غيره، أم هو صفة له؟ فنطيل الكتابة، وإنما هذا موضع من مواضع الإنابة عن الاسم المضاف إلى الله، أهو اسم أم مصدر بمعنى التسمية؟..) ثم أخذ ابن جرير يرد على أبي عبيدة قوله: إن الاسم هو المسمى بتقريع مرير. وقد علق الأستاذ (محمود شاكر) على كلام الطبري بكلام جيد. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٨٨ - ١٢٢. (تحقيق محمود شاكر) كما تكلم عن هذا ابن عطية في تفسير "المحرر الوجيز" ١/ ٨٥. وقد أوضح العلامة ابن أبي العز في شرح "العقيدة الطحاوية" المنهج الصحيح في هذا حيث قال: قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره؟ وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك. فهذا المراد به المسمى=
441
أحدهما: أنه بمعنى التسمية (١)، وعلى هذا قول القائل: بسم الله: أي: بتسمية الله أفتتح تيمنا وتبركا.
والثاني وهو الصحيح: أن الاسم هو المسمى (٢) كقوله (٣) تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن يكون المأمور بطاعته غير الله وغير الرسول، وإذا قال القائل: رأيت زيدا، وجب أن يكون لم ير شخص زيد.
وسئل أحمد بن يحيى (٤) عن الاسم أهو المسمى أو غيره؟ فقال: قال أبو عبيدة: الاسم هو المسمى (٥)، وقال سيبويه: الاسم غير المسمى. قيل
= نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم ها هنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال..)، "شرح الطحاوية" ص ٨٢. وقد ذكر ابن عطية في "تفسيره" أن مالكا رحمه الله سئل عن الاسم أهو المسمى؟ فقال: ليس به ولا غيره، قال ابن عطية: يريد دائما في كل موضع ١/ ٨٩.
(١) قال الرازي: قالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، ١/ ١٠٨، وانظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٠.
(٢) وبه أخذ شيخه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" ١/ ١٦/ أ، وقرره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ١٦، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢. وقد رد الطبري هذا القول كما سبق، كما رد عليه ابن جني في كتابه "الخصائص" حيث أبان في (باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم) قال: (فيه دليل نحوي غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى). "الخصائص" ٣/ ٢٤، والصحيح هنا أنه لا يقال: الاسم هو المسمى ولا غيره، بل قد يكون هو المسمى في موضع وغيره في موضع آخر، كما سبق في بيان كلام ابن أبي العز في "شرح الطحاولة".
(٣) في (ب): (لقوله).
(٤) المعروف بـ (ثعلب).
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٦.
442
له: فما قولك؟ فقال: ليس لي فيه قول (١).
وإذا كان الاسم هو المسمى فمعنى قول القائل: (بسم الله) أي بالله، ومعناه بالله أفعل، أي بتوفيقه، أو بالله تكونت الموجودات، أو ما أشبه هذا من الإضمار (٢).
وأدخل الاسم ليكون فرقا بين اليمين والتيمن (٣).
وأكثر ما يستعمل الاسم يستعمل بمعنى التسمية (٤)، وإذا استعمل بمعنى التسمية فهو كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة دون دلالة الإفادة (٥)، وذلك أنك إذا قلت: زيد (٦)، فكأنك قلت: هذا، وإذا قلت: الرجل، فكأنك قلت: ذاك.
ودلالة الإفادة هو ما أفاد السامع معنى، كقولك: قام وذهب (٧)، ووزن (الاسم) يصلح أن يكون (فِعْل)، ويصلح فيه (فُعْل) (٨) لأنهم أنشدوا:
(١) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سما) ٢/ ١٧٤٧، "اللسان" ٤/ ٢١٠٧.
(٢) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ١/ ١٦/ أ.
(٣) ذلك أن قولك (بالله) يمين، وقولك: (باسم الله) تيمن. انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٦/ أ.
(٤) سبق قريبًا اختيار الواحدي أن الاسم هو المسمى وليس بمعنى التسمية.
(٥) قال ابن سيده في "المخصص": (والاسم كلمة تدل على المسمى دلالة الإشارة دون الإفادة.. الخ بنصه) ١٧/ ١٣٤. والإشارة عند الأصوليين: دلالة اللفظ على المعنى من غير سياق الكلام له مثل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] ففي قوله ﴿له﴾ إشارة إلى أن النسب للأب. انظر: "التعريفات" للجرجاني ص ٢٧، "كشاف اصطلاحات الفنون" للتهانوي ١/ ٧٥٠.
(٦) في (ب): (زيدًا).
(٧) في "المخصص" بعد هذا الكلام: (.. فأما الأول -يريد دلالة الإشارة- فإنما الغرض فيه أن تشير إليه ليتنبه عليه..) ١٧/ ١٣٤.
(٨) انظر: "المقتضب" ١/ ٢٢٩، "المخصص" ١٧/ ١٣٥.
443
باسم الذي في كل سورة سمه (١)
بالكسر والضم
وقوله (٢): أما أصل هذِه الكلمة (٣)، فقد حكى أصحاب سيبويه عنه فيه (٤) قولين:
أحدهما: قال: كان أصل هذا الاسم إلاها (٥)، ففاؤها (همزة)، وعينها (لام)، و (الألف) ألف فعال الزائدة، واللام (هاء)، ثم حذف (الفاء) حذفا
(١) أنشده أبو زيد. قال: قال رجل زعموا أنه من كلب:
أَرْسَلَ فِيَهِا بَازِلا يُقرِّمه وَهْو بِهَا يَنْحو طَرِيقًا يَعْلَمْه
باسم الذي في كل سورة سِمُهْ
"نوادر أبي زيد" ص ٤٦١، ٤٦٢.
ومعنى الرجز: يقول أرسل الراعي في الإبل للضراب بعيرا في التاسعة من عمره محجوزًا عن العمل ليقوى على الضِرَاب، أرسله باسم الله الذي يُذكر اسمه في كل سورة. ورد البيت في "المقتضب" ١/ ٢٢٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١، "تهذيب اللغة" (سما) ٢/ ١٧٤٧، "المنصف" ١/ ١٦، "المخصص" ١٧/ ١٣٥، "الإنصاف" ١/ ١٢، "اللسان" (سما) ٤/ ٢١٠٧.
(٢) أي: قول الله عز وجل.
(٣) تكلم أبو علىِ الفارسي عن أصل لفظ الجلالة (الله) وأطال في كتابه "الإغفال" متعقبا الزجاج فيما ذكره في "معاني القرآن" ونقل عنه الواحدي ذلك مع تصرف يسير في العبارة، ولم يعزه له، ونقل كلام أبي علي ابن سيده في "المخصص" وعزاه له. "الإغفال" ص ٤ - ٤٩ (محقق رسالة ماجستير)، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥، "المخصص" ١٧/ ١٣٦ - ١٥١.
(٤) في "الإغفال" ص ١١: فقد حمله سيبويه على ضربين، "المخصص" ١٧/ ١٣٨، وذكر الزجاج فيه أربعة أقوال، أحدها: أنه غير مشتق، وعن الخليل: أن أصله (ولاه) من الوله والتحير، وقولان مثل قولي سيبويه. "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٣.
(٥) "الكتاب" ٢/ ١٩٥.
444
لا على التخفيف القياسي في مثل قولك: (الخب) (١) في (الخبء)، و (ضو) في (ضَوْء)، لأنه لو كان كذلك (٢) لما لزم أن يكون منها عوض؛ لأنها إذا حذفت على حد التخفيف كانت ملقاةً في اللفظ مبقاةً في النية، ومعاملةً معاملة المثبتة غير المحذوفة، يدلك على ذلك تركهم (الياء) مصححة في قولهم (جَيْأَل) (٣) إذا خففوا قالوا: جَيَل، ولو كانت محذوفة في التقدير كما أنها محذوفة في اللفظ للزم قلب (الياء) (ألفا) ولما كانت (الياء) في نية السكون (٤) لم تقلب.
ويدل عليه (٥) أيضًا تثبيتهم (٦) (للواو) في (نُوْي) إذا خفف (نُؤي) (٧)، ولولا نية الهمزة لقلبت (ياء) وأدغمت (٨) كما فعل في (مَرْمِيٍّ) وبابه (٩).
وفي تعويضهم من همزة (إلاه) ما يدل على أن حذفها ليس على حد
(١) في (ب)، (ج): (بالحاء) المهملة في الموضعين. و (الخبء) ما خبِّئ، سمي بالمصدر، انظر: "اللسان" (خبأ) ٢/ ١٠٨٥.
(٢) أي: على التخفيف القياسي، اختصر الواحدي كلام الفارسي، حيث افترض أن سائلا يسأل لماذا كان على هذا التقدير؟ ولم يكن على التخفيف، فأجاب عنه بما محصله ما ذكر. انظر: "الإغفال" ص ١١.
(٣) (الجَيْأَل) الضبع. انظر: "معجم مقاييس اللغة" (جيل) ١/ ٤٩٩.
(٤) أي على نية بقائها ساكنة كما كانت قبل التخفيف (جَيْأَل).
(٥) ترك بعض حجج الفارسي. انظر: "الإغفال" ص ١٢.
(٦) في "المخصص" (تبينهم) ١٧/ ١٣٨.
(٧) في (ج): (بدون همز).
(٨) في (ب): (أودعت).
(٩) في (ب): (ربابه) وباب مَرْمِي هو كل كلمة التقت فيها الواو والياء والأولى منهما ساكنة، تقلب فيها (الواو) (ياء) وتدغم في (الياء). انظر: "أوضح المسالك" ص ٣١٠.
445
القياس (١)، وذلك العوض هو (الألف واللام)، والدلالة على أنها عوض استجازتهم قطع الهمزة الموصولة الداخلة على (لام التعريف) في (القسم (٢) و (النداء) مثل: أَفَأَللهِ لَتَفْعَلَنَّ، ويا أَللهُ اغفر لي (٣).
فلو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم، ولما اختص هذا الاسم بقطع الهمزة فيه عَلِمنا أن ذلك لمعنى ليس في غيره، وهو كونها عوضا من المحذوف الذي هو (الفاء).
ألا ترى أنك إذا أثبت الهمزة في (الإله) لم تكن (الألف واللام) فيه على حدهما في قولنا: (الله) لأن قطع همزة الوصل لا يجوز في (الإله)، كما جاز في قولنا: (الله) لأنهما ليسا بعوض من شيء (٤).
القول الثاني: في أصل هذِه الكلمة: أن أصله (لَاهٌ) ووزنه على هذا (فَعْلٌ) (٥) (اللام) فاء الفعل، و (الألف) منقلبة عن الحرف الذي هو العين، و (الهاء) لام، والذي دلّه (٦) على ذلك قول بعضهم: (لَهْيَ أبوك) بمعنى: لله أبوك، قال سيبويه: فقلب العين وجعل اللام ساكنة، وهو (الهاء) (٧) إذا صارت
(١) أورد كلام أبي علي مختصرا. انظر: "الإغفال" ص ١٢، ١٣.
(٢) في (ج): (القيم).
(٣) انظر: "الكتاب" ٢/ ١٩٥.
(٤) قوله: (ألا ترى.. إلى شيء) ورد في "الإغفال" في موضع آخر بعيدا عما قبله. وانظر: "الإغفال" ص ٣٥، "المخصص" ١٧/ ١٤٦.
(٥) "الإغفال" ص ٢٦، "المخصص" ١٧/ ١٤٣، "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٧.
(٦) أي سيبويه فهذا قوله الثاني، قال في "الإغفال": (فأما القول الآخر الذي قاله سيبويه في اسم الله تعالى فهو أن الاسم أصله (لاه).. والذي دله على ذلك أن بعضهم يقول: (لَهْيَ أبوك)،... "الإغفال" ص ٢٦، وانظر: "الكتاب" ٣/ ٤٩٨.
(٧) في (ج): (الاها).
446
مكان العين، كما كانت العين ساكنة في (لاه) (١)، وترك آخر الاسم مفتوحًا كما تركوا آخر (أين) مفتوحًا (٢)، وإنما فعلوا ذلك به حيث غيروه لكثرته في كلامهم، فغيروا إعرابه كما غيروه (٣).
فالألف -على هذا القول- في الاسم منقلبة عن (الياء) لظهورها في موضع (اللام) المقلوبة إلى موضع (العين) وهي في (٤) القول الأول زائدة لفعال غير منقلبة عن شيء. واللفظتان على هذا مختلفتان، وان كان في كل واحدة منهما بعض حروف الأخرى (٥).
وحكى أبو بكر محمد بن السري (٦) أن أبا العباس محمد بن يزيد، اختار القول الثاني (٧) من القولين اللذين ذكرهما سيبويه.
وأما اشتقاق هذا الاسم من اللغة فذهبت طائفة منهم الخليل (٨)، وابن
(١) قوله (لاه) زيادة ليست في "الإغفال" ولا في "الكتاب".
(٢) مبنية على الفتح، انظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٠٣.
(٣) انتهى كلام سيبويه، "الكتاب" ٣/ ٤٩٨، "الإغفال" ص ٢٦، "المخصص" ١٧/ ١٤٣، "المسائل الحلبيات" للفارسي ص١٠١، "المسائل البصريات" للفارسي ٢/ ٩٠٩.
(٤) في (ب): (من).
(٥) انظر بقية كلام أبي علي الفارسي في "الإغفال" ص ٢٦ وما بعدها.
(٦) في "الإغفال" (أبو بكر بن السراج) ص ٣٤، وفي "المخصص" (أبو بكر) ١٧/ ١٤٥. وابن السراج: هو أبو بكر محمد بن السري بن السراج النحوي.
(٧) في (ب): (الأول) ولم يرد لفظ (الأول) أو (الثاني) في "الإغفال" وإنما فيه (اختار في هذا الاسم أن يكون أصله لاها....) وهذا هو القول الثاني لسببويه. "الإغفال" ص ٣٤، "المخصص" ١٧/ ١٤٥، وقد أورد المبرد في "المقتضب" القول الأول لسيبويه ٤/ ٢٤٠، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٢٥، "الخزانة" ٢/ ٢٦٦، ٢٦٧.
(٨) هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، صاحب العربية والعروض (١٠٠ - ١٧٥ هـ). انظر ترجمته في: "معجم الأدباء" ٣/ ٣٠٠، "طبقات النحويين =
447
كيسان (١) وأبو بكر القفال (٢)، والحسين (٣) بن الفضل (٤) إلى أنه ليس بمشتق، وأنه اسم تفرد به الباري سبحانه وتعالى، يجري في وصفه مجرى الأسماء الأعلام، لا يشركه فيه أحد، قال الله عز وجل: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] (٥) وأما الذين قالوا: إنه مشتق فاختلفوا، فذهب عُظْمُ أهل اللغة إلى أن معناه المستحق للعبادة، وذو العبادة الذي إليه تُوَجَّه، وبها يُقْصَد (٦).
ورُويَ عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ويذرك وإِلاهَتَك) [الأعراف: ١٢٧]
= واللغويين" للزبيدي ص ٤٧، "إنباه الرواة" ١/ ٣٧٦، "وفيات الأعيان" ٢/ ٢٤٤، ومقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٣٢، "إشارة التعيين" ص ١١٤.
(١) هو أبو الحسين محمد بن أحمد بن كيسان، النحوي، كان يجمع بين المذهبين البصري والكوفي، وإلى مذهب البصريين أميل، توفي سنة تسع وتسعين ومائتين.
انظر ترجمته في "طبقات النحويين" للزبيدي ص ١٣٩، "تاريخ بغداد" ١/ ٣٣٥، "إنباه الرواة" ٣/ ٥٧.
(٢) هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر الشاشي القفال، أحد أعلام المذهب الشافعي، يتكرر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام، توفي سنة خمس وستين وثلاثمائة على الصحيح.
انظر ترجمته في "الأنساب" ٧/ ٢٤٤، "وفيات الأعيان" ٤/ ٢٠٠، "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة ١/ ١٤٨.
(٣) في (ب): (الحسن).
(٤) الحسين بن الفضل، هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير البجَلِي الكوفي ثم النيسابوري، المفسر، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
انظر ترجمته في: "العبر" ١/ ٤٠٦، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ١٥٩.
(٥) انظر: "تفسير أسماء الله" للزجاجي، وانظر: "اشتقاق اسماء الله" للزجاجي: ص ٢٨ "تفسير الثعلبي" ١/ ١٨ أ "الزينة" ٢/ ١٢.
(٦) انظر: "الإغفال" ص ٥، "المخصص" ١٧/ ١٣٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٨/ أ، "تفسير أسماء الله" ص ٢٦، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٠٢٣، "تهذيب اللغة" (الله) ١/ ١٨٩.
448
قال معناه: عبادتك (١). وقال أبو زيد (٢): تَأله الرجل إذا نسك (٣)، وأنشد:
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ (٤) مِنْ تَأَلُّهِي (٥)
وقد سَمَّت (٦) العرب الشمس لما عبدت (إِلاهَةَ)، و (الإلاهة) قال عتيبة بن الحارث اليربوعي (٧):
(١) أخرجه الطبري عن ابن عباس ومجاهد، من طرق، ١/ ٨٤، ٩/ ٢٥ - ٢٦، وذكره ابن خالويه في "الشواذ" ص ٥٠، وابن جني في "المحتسب" وعزاه كذلك إلى علي وابن مسعود وأنس بن مالك وعلقمة الجحدري والتيمي وأبي طالوت وأبي رجاء، ١/ ٢٥٦، والفارسي في "الإغفال" ص ٥، وانظر: "المخصص" ١٧/ ١٣٦، "تفسير الماوردي" ٢/ ٢٤٨، "تهذيب اللغة" (الله) ١/ ١٩٠، "البحر" ٤/ ٣٦٧.
(٢) هو سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري، صاحب النحو واللغة، مات سنة خمس عشرة ومائتين.
انظر ترجمته في مقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٣٤ - ٣٥، "تاريخ بغداد" ٩/ ٧٧، "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٦٥، "إنباه الرواة" ٢/ ٣٠.
(٣) "الإغفال" ص ٦، "المخصص" ١٧/ ١٣٦.
(٤) في (ج): (استرحبن).
(٥) البيت لرؤبة وقبله: لله دَرُّ الغَانِيَاتِ المُدَّهِ.
(المُدَّه) جمع مَادِه، بمعنى المادح، يقول: إن هؤلاء سبحن: وقلن إنا لله وإنا إليه راجعون، يقلنها حسرة كيف تنسك وهجر الدنيا.
ورد البيت في "الطبري" ١/ ٥٤، "الإغفال" ص ٦، "المخصص" ١٧/ ١٣٦، "المحتسب" ١/ ٢٥٦، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٢٦، "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٤، "التهذيب" (الله) ١/ ١٨٩، "شرح المفصل" ١/ ٣، "زاد المسير" ١/ ٩، وابن عطية ١/ ٥٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٨/ أ، "ديوان رؤبة" ص ١٦٥.
(٦) في (ج): (سمعت).
(٧) نسبه الطبري لبنت عتيبة ٩/ ٢٦، ونسبه بعضهم لـ (مية) وهو اسمها وكذا (أم البنين) وقيل: لنائحة عتيبة، والأقرب أنه لبنت عتيبة ترثي أباها حين قتله (بنو أسد) يوم (خَوّ) مع أبيات أخرى ذكرها في "معجم البلدان" ٥/ ١٨.
449
تَرَوَّحْنَا مِنَ اللعْبَاءِ أَرْضًا وأَعْجَلْنَا الإلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا (١)
وإنما سموها الإلاَهَة على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها كفرا.
وعلى ذلك نهاهم الله وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه في قوله جل وعلا: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ﴾ [فصلت: ٣٧] [فصلت: ٣٧] الآية (٢)، وكذلك أيضًا كانوا يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان (آلهة)، وهي جمع (إلاه) (٣) كإزار وآزرة، وإناء وآنية.
قال الله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] وهي أصنام كان يعبدها (٤) قوم فرعون معه (٥)، وعلى هذا قال قائلهم:
كَحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رِيَاحٍ يَسْمَعُهَا لاَهُهُ (٦) الكُبارُ (٧)
(١) (اللعباء) مكان بين الربذة وأرض بني سليم، وقيل: غير ذلك، وقوله: (أرضا) يروى (عصرا) ويروى (قصرا) أي: عشيا. ورد البيت في الطبري ٩/ ٢٦، "الإغفال" ص ٨، ٩، "المخصص" ١٧/ ١٣٧، "تهذيب اللغة" (الله) ١/ ١٩٠، "معجم ما استعجم" ٤/ ١١٥٦، "معجم البلدان" ٥/ ١٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٨ ب، "المحتسب" ٢/ ١٢٣، "اللسان" (لعب) ٧/ ٤٠٤١.
(٢) انظر: "الإغفال" ص ٩.
(٣) في (ب): (الإله).
(٤) في (ب): (كانوا يعبدوها).
(٥) انظر: "الإغفال" ص ١٠، ١١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٩٠.
(٦) في (ب): (لأهه)
(٧) من قصيدة للأعشى، قالها فيما كان بينه وبين بني جحدر، و (أبو رياح) رجل من بني ضبيعة، قتل جارا لبني سعد بن ثعلبة، فسألوه الدية، فحلف لا يفعل، ثم قُتِل بعد حلفته، و (لاهه): الهه، (الكبار): العظيم، ويروى (بحلفة) ويروى (كدعوة).
انظر: "ديوان الأعشى" ص ٧٢، "الجمهرة" ١/ ٣٢٧، "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٧ ب، "الزينة" ٢/ ١٨، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٠٧، والقرطبي ٤/ ٥٣، "اللسان" (أله) ١/ ١١٦، و (لوه) ٧/ ٤١٠٧، "شرح المفصل" ١/ ٣، "الخزانة" ٧/ ١٧٦.
450
يريد: الصنم، وهذا البيت حجة للقول الثاني (١) من قول سيبويه.
قالوا: وهو (٢) اسم حدث، ثم جرى صفة للقديم سبحانه، ونظير هذا قولنا: (السلام)، والسلام من سَلَّم كالكلامِ من كَلَّم، والمعنى ذو السلام، أي: يُسَلم من عذابه من يشاء من عباده، كما أن المعنى في الأول أن العبادة تجب له (٣)، فهذا وجه، وهو طريقة أهل اللغة (٤).
وأخبرني أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله العروضي -رحمه الله- قال: أبنا (٥) أبو منصور أحمد بن محمد الأزهري (٦)، أبنا (٧) أبو الفضل المنذري (٨)، قال: سألت أبا الهيثم خالد بن يزيد الرازي، عن اشتقاق اسم (الله) في اللغة، فقال (الله) أصله (إلاه)، قال الله جل ذكره: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ [المؤمنون: ٩١] ولا يكون إلهًا حتى يكون معبودًا، وحتى يكون لعابده (٩) خالقًا، ورازقًا، ومدبرًا، وعليه مقتدرًا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عَبِدَ ظلما، بل هو مخلوق (١٠) ومتعبد،
(١) وهو أن أصل (الله): (لاه).
(٢) في (ب): (وهم).
(٣) بنصه في "الإغفال" ص ٦، "المخصص" عن "الإغفال" ١٧/ ١٣٦.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ١٨٩، "معجم مقاييس اللغة" (أله) ١/ ١٢٧، "الصحاح" (أله) ٦/ ٢٢٢٣، "اللسان" (أله) ١/ ١١٤.
(٥) (أبنا) ساقط من (ج).
(٦) صاحب "تهذيب اللغة" سبقت ترجمته.
(٧) في (ج): (أن).
(٨) هو محمد بن أبي جعفر المنذري اللغوي (أبو الفضل) يروي عن أبي العباس ثعلب، وأبي الهيثم الرازي، روى عنه الأزهري كثيرًا. انظر مقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٣٠، ٤١، "اللباب" ٣/ ٢٦٢.
(٩) في (ب): (لعباده).
(١٠) في (ب): (وهو مخلوق).
451
قال: وأصل (إلاه) (ولاه) فقلبت الواو همزة، كما قالوا: للوشاح: إشاح، ولِلْوِجَاح: إِجَاح (١)، ومعنى وِلاه: أن الخلق يَوْلَهون إليه في حوائجهم، ويضرعون إليه فيما ينوبهم، ويفزعون إليه في كل ما يصيبهم كما يَوْلَه كل طفل إلى أمه (٢).
وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه مشتق من أَلِهْت في الشيء آلَهُ إلها إذا تحيرت فيه (٣).
وتسمى المفازة ميلها.
وقال الأعشى (٤):
وَبَهْمَاءَ تِيهٍ تَأْلهَ العَيْنُ وَسْطَهَا وَتَلْقَى بِهَا بَيْضَ النَّعَام تَرَائِكَا (٥)
(١) يقال ليس دونه وِجاح، ووَجاح، ووُجاح، وأجاح، إجاح: أي: ستر "اللسان" (وجح) ٨/ ٤٧٦٩.
(٢) كلام أبي الهيثم ورد في "التهذيب" ضمن كلام طويل له قال الأزهري: (وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه سأله عن اشتقاق اسم الله في اللغة فقال..) ثم ذكره، "التهذيب" (الله والإله) ١/ ١٨٩، وانظر: "اللسان" (أله) ١/ ١١٤.
(٣) ذكره الثعلبي ١/ ١٨ أ.
(٤) هو أبو بَصير، ميمون بن قيس، من فحول شعراء الجاهلية، ويدعى (الأعشى الكبير) تمييزًا له عن غيره ممن سمي (الأعشى)، أدرك الإسلام آخر عمره، وعزم على الدخول فيه، فصدته قريش في قصة مشهورة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ١٥٤، "معاهد التنصيص" ١/ ١٩٦، "خزانة الأدب" ١/ ١٧٥.
(٥) في (ج): (برائكا). البيت في وصف صحراء مطموسة المعالم، (ترائكا) متروكة، ورواية الشطر الأول في الديوان: وَيَهْمَاءَ قَفْرٍ تَخْرُجْ العَيْنَ وَسْطَهَا. وعليه فلا شاهد في البيت هنا. (الديوان) ص ١٣٠، والثعلبي بعد أن ذكر قول أبي عمرو ابن العلاء استشهد بقول زهير: =
452
ومعناه: أن العقول تتحير في كنه صفته وعظمته (١).
وعند متكلمي أصحابنا (٢): أن الإله من الإلَهية، والإلَهِية القدرة على اختراع الأعيان (٣).
وقد أشار أبو الهيثم إلى هذا فيما ذكر، قالوا: وانما سَمَّت العرب معبوداتهم آلهة (٤)؛ لأنهم اعتقدوا فيها صفة التعظيم، واستحقاق هذا الاسم فأصابوا في الجملة، وأخطؤوا في التعيين.
والإمالة في اسم الله تعالى جائزة في قياس العرب (٥)، والدليل على
= وَبَيْدَاء تِيهٍ تَألْهُ العَيْنُ وَسْطَهَا مُخَفَّقةٍ غَبْرَاءَ صَرْمَاءَ سَمْلَقِ
الثعلبي ١/ ١٨ أ، وكذا في "الزينة" ٢/ ١٩.
(١) الثعلبي ١/ ١٨ ب، وانظر: "الزينة" ٢/ ١٩.
(٢) هم المتكلمون من الأشاعرة، الذين تكلموا في العقائد بالطرق العقلية. انظر: "درء تعارض العقل والنقل" ١/ ٢٨، ٣٨، "الرسالة التدمرية" لابن تيمية ص ١٤٧.
(٣) هذا التفسير لمعنى الإلَهية هو منهج المتكلمين، وعند أهل السنة هو المستحق للعبادة. قال ابن تيمية: (وليس المراد بـ) بالإله (هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين.. بل الإله الحق هو الذي يستحق أن يعبده فهو إله بمعنى مألوه لا إله بمعنى آله..)، "الرسالة التدمرية" ص ١٨٦.
(٤) مرَّ كلام أبي الهيثم قريبا، وليس فيه دليل على أن الإلهية: القدرة على الاختراع، بل يدل على المعنى الثاني وهو أن الإلهية؛ استحقاق العبادة، وقوله: (لأنهم اعتقدوا فيها صفة التعظيم..). ليس من كلام أبي الهيثم، انظر: "تهذيب اللغة" أله ١/ ١٨٩.
(٥) الكلام عن إمالة (الألف) من لفظ الجلالة نقله عن أبي علي الفارسي من "الإغفال" ص ٤٦، قال الفارسي: (فأما الإمالة في الألف من اسم الله تعالى فجائزة في قياس العربية، والدليل على جوازها..). ونقل ابن سيده كلام الفارسي. "المخصص" ١٧/ ١٥٠. ومعنى الإمالة: هو تقريب الألف نحو الياء والفتحة التي قبلها نحو الكسرة وهناك ثلاث علل للإمالة: هي الكسرة، وما أميل ليدل بالإمالة على أصله، والإمالة لإمالة بعده.
انظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي ١/ ١٦٨، ١٧٠.
453
جوازها أن هذِه (الألف) لا تخلو من أن تكون زائدة لفِعَال كالتي (١) في (إزار) و (عِمَاد)، أو تكون عين الفعل.
فإن كانت زائدة جازت فيها الإمالة من وجهين:
أحدهما: أن الهمزة المحذوفة كانت مكسورة، وكسرها يوجب الإمالة في الألف، كما أن الكسرة في (عماد) توجب إمالة ألفه.
فإن قلت: كيف تمال الألف من أجل الكسرة في الهمزة وهي محذوفة؟ فالقول فيها إنها وإن كانت محذوفة، موجبة للإمالة (٢)، كما كانت توجبها قبل الحذف؛ لأنها -وإن كانت محذوفة- فهي من الكلمة، ونظير ذلك ما حكاه سيبويه من أن بعضهم يميل الألف في: مَادٍّ (٣) وَشَاذٍّ، للكسرة المنوية (٤) في عين الفعل عند ترك الإدغام، وإن لم يكن في لفظ الكلمة كسرة (٥)، كذلك الألف في اسم الله، تجوز إمالتها وإن لم تكن الكسرة ملفوظا بها.
والوجه الثاني: (لام) (٦) الفعل منجرة، فتجوز الإمالة لانجرارها. وإن كانت الألف عينا ليست (٧) بزائدة جازت إمالتها، وحسنت فيها إذ كان
(١) في (جـ): (كالذي).
(٢) في (أ)، (ج): (الإمالة) وما في (ب) موافق لـ"الإغفال" ص ٤٧.
(٣) في (أ)، (ب)، (ج): (صاد) بالصاد، وصححت الكلمة على ما ورد في "الإغفال" ص ٤٨، "المخصص" ١٧/ ١٥٠، ووردت كذلك عند سيبويه (جاد وماد) ٧/ ١٣٢، ولا تصح بالصاد؛ لأن الإمالة تمنع بعد (الصاد) لأنه حرف مستعمل. انظر: "الكتاب" ٤/ ١٢٨.
(٤) في (ب): (المنونة).
(٥) حكى كلام الفارسي بالمعنى، انظر: "الإغفال" ص ٤٨، "الكتاب" ٤/ ١٢٢، ١٣٢، "المخصص" ١٧/ ١٥٠.
(٦) في "الإغفال" (وتجوز إمالتها من جهة أخرى، وهي أن لام الفعل منجرة..) ص ٤٨.
(٧) في (ب): (ليس).
454
انقلابها عن الياء (١) بدلالة قولهم: (لَهْيَ أبوك (٢)) وظهور الياء لما قلبت إلى موضع السلام (٣).
وقوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. معنى الرحمة في صفة الله تعالى: إرادته الخير والنعمة بأهله، وهي صفة ذات، وفي صفة أحدنا تكون رقة قلب وشفقة (٤).
قال أبو بكر محمد بن القاسم بن (٥) بشار: سألت أبا العباس (٦) لم جمع بين الرحمن والرحيم؟ فقال: لأن الرحمن عبراني فأتى معه الرحيم العربي، واحتج بقول جرير (٧):
(١) في (ب): (الباء) وكذا قوله: (وظهور الباء).
(٢) مرت هذِه الصيغة قريبا وهي بمعنى (لله أبوك) انظر ص ٢٥٢.
(٣) انتهى عن "الإغفال" لأبي علي الفارسي، وقال بعده: (فإن ثبتت بها قراءة فهذِه جهة جوازها) ص ٤٩، وانظر: "المخصص" ١٧/ ١٥١.
(٤) الرحمة صفة من صفات الله تعالى، نثبتها له تعالى، كما أثبتها لنفسه، ولا يلزم من إثباتها مشابهة صفة المخلوقين، ولا نؤولها بإرادة الخير كما فعل الواحدي هنا.
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٨ - ٥٩، (الرسالة التدمرية) لابن تيمية ص ٢٣، ٣٠.
(٥) هو أبو بكر بن الأنباري، سبقت ترجمته عند الحديث عن مصادر الواحدي.
(٦) هو أبو العباس ثعلب كما صرح بذلك الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٢، وانظر: "الزاهر" ١/ ١٥٣، "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣، "الزينة" ٢/ ٢٥، "الاشتقاق" لابن دريد ص ٥٨، ووهم القرطبي فقال: زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب "الزاهر" ١/ ١٠٤، وإنما هو ثعلب كما سبق وليس أبا العباس المبرد.
(٧) هو أبو حَرْزَة، جرير بن عطية بن حذيفة من بني كليب بن يربوع، أحد فحول الشعراء في صدر الإسلام، توفي سنة عشر ومائة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٣٠٤، "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٢٩٧، "الخزانة" ١/ ٧٥.
455
أو تَتْرُكُونَ إِلَى القَسَّيْنِ (١) هِجْرَتَكُم وَمَسْحَهُمْ صُلْبَهُمْ رَحَمَانَ قُرْبَانَا (٢)
فأنكر عليه بعض الناس (٣)، وقال: لم تزل العرب تعرف الرحمن وتذكره في أشعارها، واحتج بقول الشاعر:
أَلاَ ضَرَبَت تِلْكَ الفَتَاة (٤) هَجِيَنَهَا أَلاَ قَضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَميِنَهَا (٥)
فقال (٦): إن جمهور العرب كانوا لا يعرفون "الرحمن" في الجاهلية،
(١) في (ج): (القيز).
(٢) البيت من قصيدة له يهجو فيها الأخطل وهو نصراني، فحكى في البيت قول النصارى، ولهذا نصب (رحمن): (قربانا) أي قائلين ذلك، ويروى البيت (هل تتركن)، (مسحكم) وفي "الزينة" (رخمن) بالمعجمة وهو بمعنى: الحاء. انظر: "الزينة" ٢/ ٢٥، "الزاهر" ١/ ١٥٣، "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٣، "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣، "تفسير الماوردي" ١/ ٥٢ "تفسير القرطبي" ١/ ٩١، "اللسان" (رحم) ٣/ ١٦١٢.
(٣) ممن أنكر ذلك الطبري في "تفسيره" حيث قال: (وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف (الرحمن) ولم يكن ذلك في لغتها...) ١/ ٥٧، والزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٢، وابن سيده في "المخصص" ١٧/ ١٥١ وغيرهم.
(٤) في (ب): (الفتاو).
(٥) لم يعرف له قائل وقد ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨، وابن سيده في "المخصص" ١٧/ ١٥٢، وقال محمد محمود التركزي الشنقيطي في تعليقه على "المخصص": إن البيت من صنع بعض الرجال الذين يحبون إيجاد الشواهد المعدومة لدعاويهم. ورد عليه ذلك محمود شاكر في حاشيته على الطبري ١/ ١٣١، وذكره ابن دريد في "الاشتقاق"، وقال: (وقد روي بيت في الجاهلية، ولم ينقله الثقات وهو للشنفرى:
لَقَدْ لَطَمَتْ تَلِكَ الفَتَاةُ هَجِينَهَا أَلاَ بَتَرَ الرَّحْمَنُ رَبَّي يَمِينَهَا
"الاشتقاق" ص ٥٨، ورواية هذا البيت تختلف قليلا عن البيت المستشهد به، وانظر (اشتقاق أسماء الله) ص ٨٢، (تفسير الماوردي) ١/ ٥٢.
(٦) أي ثعلب، ولم أجده، ولعله في كتب ابن الأنباري المفقودة، وأورد نحوه الطبري في =
456
الدليل على هذا أنهم لما سمعوا النبي - ﷺ - يذكره قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رجلًا باليمامة (١)، وذلك قوله تعالى: ﴿قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠] وإنما يذكر بعض الشعراء الرحمن في الجاهلية، إذ (٢) لقنه (٣) من أهل الكتاب، أو أخذه عن بعض من قرأ الكتب كأمية بن أبي الصلت (٤) وزيد بن (٥) عمرو، وورقة بن نوفل (٦)، ولا تجعل هذا حجة على ما عليه أكثرهم.
ومراد أبي العباس أن الرحمن يتكلم به بالعبرانية (٧)، وتتكلم به العرب، فلما لم يخلص في كلامهم، ولم ينفردوا به دون غيرهم، أتى (٨) بعده بالرحيم
= "تفسيره" ١/ ٥٨، وانظر: "الاشتقاق" ص ٥٨، والماوردي في "تفسيره" ١/ ٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤.
(١) انظر الطبري فىِ "تفسيره" ١٩/ ٢٩، والقرطبي في "تفسيره" ١٣/ ٦٤.
(٢) في (ج): (إذا).
(٣) في (ب): (لقيته)
(٤) واسمه عبد الله بن ربيعة بن عوف الثقفي، سمع النبي - ﷺ - شعره فقال: "آمن شعره وكفر قلبه" وكان يخبر أن نبيا يخرج قد أظل زمانه، فلما خرج النبي - ﷺ - كفر به حسدا، ومات كافرا سنة ثمان أو تسع.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٣٠٠، "طبقات فحول الشعراء" ص ١٠١، "الاشتقاق" ص ١٤٣، "الخزانة" ١/ ٢٤٧.
(٥) زيد بن عمرو بن نفيل، والد سعيد بن زيد أحد العشرة، مات قبل المبعث. انظر: "الإصابة" ١/ ٥٦٩، "تجريد أسماء الصحابة" ١/ ٢٠٠.
(٦) هو ورقة بن نوفل بن أسد، ابن عم خديجة رضي الله عنها، قال ابن منده: اختلف في إسلامه، والأظهر أنه مات قبل الرسالة، وبعد النبوة وكذا قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" ٢/ ١٢٨، وانظر: "الإصابة" ٣/ ٦٣٣، "الخزانة" ٣/ ٣٩١.
(٧) في (ج): (بالعبراني).
(٨) في (ب): (أوتى).
457
الذي لا يكون إلى عربيا، ولا يلتبس بلغة غيرهم (١).
والصحيح أنه مشتق من الرحمة، وأنه اسم عربي لوجود هذا البناء في كلامهم، كاللهفان والندمان والغضبان (٢). قال الليث: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اسمان، اشتقاقهما (٣) من الرحمة (٤).
وقال أبو عبيدة: هما صفتان لله تعالى، معناهما ذو الرحمة (٥). وأما ما احتج به أبو العباس من قوله: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠] فهو سؤال عن الصفة، ولذلك قالوا: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾، ولم يقولوا: ومن، والقوم جهلوا
(١) لعل هذا من قول ابن الأنباري، لأن كلام الواحدي بعد هذا يدل على ذلك، لأنه رجح أن أصله عربي، وأنه مشتق، وأورد بعض الردود على أبي العباس كما سيأتي. قال الزجاجي رادا على من قال: إن أصله غير عربي... الرحمن معروف (الاشتقاق) والتصريف في كلام العرب، والأعجمي لا معنى له في كلام العرب ولا تصريف "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٢.
وقول أبي العباس: إنه أورد (الرحيم) لأنها تعرفه العرب، مع (الرحمن) الذي يلتبس بكلام غيرهم. فكأنه جعلهما بمعنى واحد. وجمهور العلماء على أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر، وأن (الرحمن) عربي، وانما الكلام لم قدم (الرحمن) على (الرحيم)؟ وأجاب عنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨ - ٥٩، ويرد قريبا في كلام الواحدي.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٥، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٨، "المخصص" ١/ ١٥١.
(٣) في (ب): (اشتقاقهم).
(٤) "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٢١، "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣، والنص من "التهذيب"، وقد رد الطبري على أبي عبيدة قوله وأغلظ له حيث قال: (وقد زعم بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير أن (الرحمن) مجازه: ذو الرحمة..) الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨.
458
صفته، والاسم كان معلوما لهم في الجملة (١). وقيل: هذا على جهة ترك التعظيم منهم. واختلفوا في أن أي الاسمين من هذين أشد مبالغة، فقال قوم: الرحمن أشد مبالغة من الرحيم، كالعلام من العليم، ولهذا قيل: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، لأن رحمته في الدنيا عمت المؤمن والكافر والبر والفاجر، ورحمته في الآخرة اختصت بالمؤمنين (٢).
فإن قيل: على هذا كان الرحمن أشد مبالغة، فلم بدئ بذكره (٣)؟ وإنما يبدأ في نحو هذا بالأقل ثم يتبع (٤) الأكثر كقولهم: (فلان جواد يعطي العشرات والمئين (٥) والألوف).
والجواب: أنه بدئ (٦) بذكر الرحمن، لأنه صار كالعلم، إذ كان لا يوصف به (٧) إلا الله عز وجل، وحكم الأعلام وما كان من الأسماء أعرف أن يبدأ به، ثم يتبع (٨) الأنكر، وما كان في التعريف أنقص. هذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين، فجاء هذا على منهاج كلام العرب (٩).
(١) وجعله الطبري من إنكار العناد والمكابرة، وإن كانوا عالمين بصحته، وليس ذلك منهم إنكارا لهذا الاسم، الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٧ - ٥٨، وقال ابن عطية: وإنما وقفت العرب على تعيين الإله الذي أمروا بالسجود له، لا على نفس اللفظة ١/ ٩٣، وانظر ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٣، والقرطبي في "تفسيره" ١٣/ ٦٧.
(٢) انظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٥، "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣، "المخصص" ١٧/ ١٥١، "معاني القرآن" للزجاج ٥٨، "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٠.
(٣) هذا التساؤل والإجابة عنه بنصه في "المخصص" ١٧/ ١٥١.
(٤) في (ج): (تتبع).
(٥) في (أ)، (ج): (الماتين) وفي (ب): (المايتين) وما أثبت من "المخصص".
(٦) في (ب): (بدأ).
(٧) (به) ساقط من (ج).
(٨) في (ج): (تتبع).
(٩) إلى هنا بنصه في "المخصص" ١٧/ ١٥١، وإلى نحوه ذهب الطبري في "تفسيره" =
459
وقال وكيع: الرحيم أشد مبالغة؛ لأنه ينبئ عن رحمته في الدنيا والآخرة ورحمة الرحمانية في الدنيا دون الآخرة (١).
وقال آخرون: إنهما بمعنى واحد كندمان ونديم، ولهفان ولهيف، وجيء بهما للتأكيد والإشباع، كقولهم: جادٌّ ومُجِدُّ (٢)، وقول طَرْفَه (٣):
مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ مِنِّي (٤) وَيَبْعُدِ (٥)
= ١/ ٥٨، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٠، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٩٢.
(١) لم أجده، عن وكيع فيما اطلعت عليه، والله أعلم.
قال ابن كثير: وقد زعم بعضهم أن (الرحيم) أشد مبالغة من (الرحمن)، ثم رد هذا القول ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٣، وعند جمهور العلماء أن (الرحمن) أشد مبالغة من (الرحيم) وأن (الرحمن) أعم فهو في الدنيا والآخرة ولجميع الخلق، و (الرحيم) خاص بالمؤمنين. انظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٥، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٢٩، "المخصص" ١٧/ ١٥١، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩ أ، والماوردي في "تفسيره" ١/ ٥٢ - ٥٣، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٩١، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ١٠٥، ١٠٦، "الدر" ١/ ٢٩، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٢ - ٢٣.
(٢) هذا قول أبي عبيدة، ونسبه ابن الأنباري كذلك لقطرب، وبهذا النص مع الشواهد ذكره الثعلبي، أما أبو عبيدة فذكر شواهد غيرها، انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢١، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩ أ، "الزاهر" ١/ ١٥٣، "تفسير أسماء الله" ص ٢٩، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٨، ٣٩، وقد رد الطبري على أبي عبيدة، وأغلظ له الرد، وسبق ذكر بعض كلامه. انظر: "تفسيره" ١/ ٥٨.
(٣) هو الشاعر الجاهلي المشهور، عُدَّ بعد امرئ القيس في الشعر، واسمه (عمرو) ولقب بـ (طَرْفَه) وأحد الطرفاء لبيت قاله، قتل وهو ابن ست وعشرين سنة، وقيل: ابن عشرين. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ١٠٣، "الخزانة" ٢/ ٤١٩.
(٤) في (ب): (عنى).
(٥) صدره: مَالِي أَرَانِي وابْنَ عَمِّي مَالِكًا
والبيت من معلقة طرفة المشهورة، يتحدث عما كان بينه وبين ابن عمه (مالك) من =
460
وقول عدي (١):
وأَلْفى قَولَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا (٢)
في أمثال لهذا، وروي عن ابن عباس أنه قال. الرحمن الرحيم، اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر (٣).
= جفوة وخصام، (ينأ عني) و (يبعد) معناهما واحد، وإنما جاء بهما لأن اللفظين مختلفان، والمعنى يبعد ثم يبعد بعد ذلك، وقيل: ينأ: بالفعل، ويبعد: بالنفس لشدة بغضه لي. أورد البيت الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩ أ، وانظر: "ديوان طرفة" ص ٣٤ تحقيق وتحليل د. علي الجندي.
(١) عدي بن زيد بن حماد، من بني امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم شاعر فصيح، من شعراء الجاهلية، وكان نصرانيا، قتله النعمان بن المنذر ملك الحيرة. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ١٣٠، "معاهد التنصيص" ١/ ٣٢٥، "الخزانة" ١/ ٣٨١.
(٢) من قصيدة قالها عدي بن زيد، في قصة طويلة مشهورة بين الزَّباء وجذيمة وردت في كتب التاريخ والأدب وصدر البيت:
وَقدَّدَت الأَدِيَم لِرَاهِشيْه...........
ويروي (قدمت) و (الراهش) عرق في باطن الذراع و (المين) بمعنى: الكذب، ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٧، "الشعر والشعراء" ص ١٣٢، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٩ أ، ٧٣ أ، "أمالي المرتضى" ٢/ ٢٥٨، "المستقصى" ١/ ٢٤٣، "مغني اللبيب" ٢/ ٣٥٧، "الهمع" ٥/ ٢٢٦، "معاهد التنصيص" ١/ ٣١٠، "اللسان" (مين) ٧/ ٤٣١١، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٣٩٩، "الدر المصون" ١/ ٣٥٨.
والشاهد (كذبا ومَيْنا) فأكد الكذب بالمين وهو بمعناه.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩ ب، وابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ١٥٢، والأزهري في "تهذيب اللغة" (رحم) ٢/ ١٣٨٣، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٩٢، وابن كثير عن القرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٢، وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن عباس، قال: (الرحمن الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب قال: الرحمن الرحيم: الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف =
461
قال الحسين (١) بن الفضل: غلط الراوي؛ لأن الرقة في صفة الباري لا تصح. وإنما هما أسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر (٢). يدل على هذا ما روي في الخبر: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي (٣) على الرفق مالا يعطي على العنف" (٤)، وسمعت من يقول (٥): معنى قول ابن عباس (اسمان رقيقان) أي يدلان فينا على الرقة.
وقال بعضهم: الرحمن خاص اللفظ عام المعنى، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى (٦).
= عليه) في سنده ضعف. انظر الطبري ١/ ٥٧، "تفسير ابن أبي حاتم" (رسالة دكتوراه) ١/ ١٤٨، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٣، "المفسر عبد الله بن عباس والمروي عنه" (رسالة ماجستير) ١/ ١٣٠.
(١) في (ب): (الحسن).
(٢) ذكره القرطبي، وذكر نحوه عن الخطابي ١/ ٩٢، وذكره ابن كثير في "تفسيره" في القرطبي ١/ ٢٢.
(٣) (الواو) ساقطة من (ب).
(٤) أخرجه مسلم (٢٥٩٣) كتاب البر، باب: فضل الرفق، وأبو داود (٤٨٠٧) كتاب الأدب، باب: في الرفق، وأحمد في "مسنده" عن علي ١/ ١١٢، وعن عبد الله بن مغفل ٤/ ٨٧، وأخرج البخاري عن عائشة وفيه: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله (٦٩٢٧) كتاب استتابة المرتدين، باب: إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي - ﷺ -.
(٥) في (ج): (تقول).
(٦) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٩/ أ. ومعنى أن (الرحمن) خاص اللفظ لأنه لا يطلق إلا على الله، عام المعنى؛ لأنه لجميع الخلق في الدنيا والآخرة، و (الرحيم) عام اللفظ لأنه يطلق على الله بما يليق به، ويطلق على غيره بما يليق به، وخاص المعنى: لأنه خاص بالمؤمنين، أو بالآخرة. انظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦ - ٥٨، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٢ - ٢٣.
462
تفسير الفاتحة
٢ - قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾. قال ابن عباس: يعني الشكر لله، وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه (١).
وقال الأخفش: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: الشكر لله (٢)، قال: والحمد (٣) -أيضًا- الثناء، [وكأن (٤) الشكر لا يكون إلى ثناء ليد أوليتها (٥)، والحمد قد يكون شكرا للصنيعة، ويكون ابتداء الثناء (٦) على الرجل، فحمد الله الثناء] (٧)
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢٤ ب، وأخرج الطبري عن ابن عباس بمعناه، دون قوله (وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه) قال شاكر: إسناده ضعيف. الطبري في "تفسيره" ١/ ١٣٥ وبمثل رواية الطبري أخرجه ابن أبي حاتم، قال المحقق: سنده ضعيف ١/ ١٥٠، وانظر: "الدر" ١/ ٣٤ - ٣٥، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٤ - ٢٥.
(٢) في (ج): (والحمد لله) ومثله في "اللسان".
(٣) نص كلام الأخفش في "تهذيب اللغة" (حمد) ١/ ٩١٣، وفيه (قال الأخفش ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ الشكر لله، قال والحمد أيضًا: الثناء)، وانظر: "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧، وفي "معاني القرآن" للأخفش ذكر اللغات فيها ولم يذكر المعنى ١/ ١٥٥، والنص في "اللسان".
(٤) في (ب): (فكأن)، وفي "التهذيب" مكانها (قلت...) فهو من كلام الأزهري، ونص عليه في "اللسان" قال: قال الأزهري: الشكر لا يكون... "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧، فكيف تصحف عند الواحدي، فصار كأنه من كلامه، أو من كلام الأخفش.
(٥) في (ب): (أولاها).
(٦) في "التهذيب" "اللسان" (للثناء).
(٧) مابين المعقوفتين ساقط من (ج).
463
عليه والشكر لنعمه (١).
وقال أبو بكر (٢): قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يحتمل أن يكون هذا إخبارًا أخبر الله تعالى به، والفائدة فيه أنه يبين (٣) أن حقيقة الحمد له، وتحصيل كل الحمد له (٤) لا لغيره، وذلك أنا (٥) نرى بني الدنيا ينعم (٦) بعضهم على بعض، فيحمده على إنعامه، فيكون حقيقة الحمد في ذلك لله، إذ هو الذي أنعم على الذي أنعم بما أنعم به، ورزقه إياه، وهو الذي وفق المعطي للعطية، وأجراها على يديه، فكان حقيقة الإنعام من الله تعالى، ومكافأة المنعَم عليه بالشكر (٧) والحمد راجعة إليه جل اسمه (٨).
وعلى هذا فقد حُكِي أن ابن التوءم (٩) كان يقول: إنما يجب أن يشكر
(١) انتهى من "التهذيب" (حمد) ١/ ٩١٣، مع اختلاف يسير في العبارة، وانظر: "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧.
(٢) هو ابن الأنباري، وقد نقل عنه الواحدي في هذا الموضع كثيرا، ولم أجده في كتبه الموجودة، ولعله ضمن كتبه المفقودة كـ "المشكل في معاني القرآن"، انظر الدراسة.
(٣) في (ب): (أن بين) وفي (ج): (أنه بين).
(٤) في (ب): (لله).
(٥) في (ب): (أنه).
(٦) في (ب): (يُنَعَّم) بالتشديد.
(٧) في (ب): (الشكر).
(٨) انظر: "الوسيط" للواحدي ١/ ١٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٤/ ب، ٢٥/ أ، "الزاهر" ٢/ ٨٤، "تفسير الطبري" ١/ ٥٩، "تفسير ابن عطية" ١/ ٩٩ - ١٠٠، "تفسير الماوردي" ١/ ٥٣، "تفسير البغوي" ١/ ٥٢، "القرطبي" ١/ ١١٤ - ١١٥، "الكشاف" ١/ ٤٦، ٤٧.
(٩) ابن التوءم لم أجد له ترجمة، وكلامه أورده ابن قتيبة في عيون الأخبار أوسع مما ذكره الواحدي هنا. "عيون الأخبار" ٣/ ١٩١، قال ابن قتيبة: (قال ابن التوءم: كل من كان جوده يرجع إليه ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك.. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة، ويشكر على النفع في حجة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد..).
464
من إن جاد عليك فلك جاد، وإن (١) نفعك فنفعك أراد، من غير أن يرجع إليه من جوده بشيء (٢) من المنافع على جهة من الجهات، وهو الله (٣) وحده لا شريك له. ألا (٤) ترى أن عطية الرجل لصاحبه لا تخلو من أن تكون لله أو لغيره فإن كانت (٥) لله فثوابها على الله، فلا (٦) معنى للشكر، وإن كانت (٧) لغير الله فلا تخلو من أن تكون لطلب المجازاة، أو حب المكافأة، وهذِه تجارة معروفة، والتاجر لا يشكر على تجارته، وجر المنفعة إلى نفسه، وإما أن تكون لخوف يده أو لسانه، أو رجاء نصرته أو (٨) معونته، ولا معنى لشكر من هذِه إحدى أحواله، وإما أن تكون (٩) للرقة والرحمة، ولما يجد في قلبه من الألم، ومن جاد على هذا (١٠) السبيل، فإنما داوى نفسه من دائها، وخفف عنها ثقل برحائها (١١).
فأما من مدحه بشار (١٢) بن برد بقوله:
(١) (إن نفعك) ليس في "عيون الأخبار" ٣/ ١٩١.
(٢) في (ب): (شيء) بسقوط الباء وما في (أ)، (ج) موافق لما في "عيون الأخبار".
(٣) في (ب): (اله).
(٤) بعد قوله: (وحده لا شريك له) كلام لابن التوءم تركه هنا، انظر: "عيون الأخبار" ٣/ ١٩١.
(٥) في (ب): (كان).
(٦) في (ب): (ولا معنى).
(٧) في (ب): (كان).
(٨) في (ب): (ومعونته).
(٩) في (ب): (يكون).
(١٠) في (ب): (ومن حاد عن هذا).
(١١) إلى هنا ما ذكره ابن قتيبة عن ابن التوءم مع اختلاف في بعض العبارات، انظر: "عيون الأخبار" ٣/ ١٩١.
(١٢) هو بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء، وأصله من (طخارستان)، أشعر الشعراء المولدين، نشأ بالبصرة، ومات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة. انظر ترجمته في: =
465
لَيْسَ (١) يُعْطِيكَ لِلرَّجَاء ولِلْخَوْ فِ ولكن يَلَذُّ طَعْمَ العَطَاءِ (٢)
فأي معنى لشكر (٣) من يعطي لاجتلاب لذته، ويجيب (٤) داعي رأفته.
قال أبو بكر: ويحتمل أن يكون هذا ثناء أثنى به على نفسه، علم عباده في أول كتابه ثناء (٥) عليه، وشكرا (٦) له، يكتسبون بقوله وتلاوته أكمل الثواب وأعظم الأجر، لطفا بهم، وحسن نظر لهم، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي قولوا: يا معشر الناس ما إذا قلتموه علت منزلتكم [وارتفعت درجتكم بقوله] (٧) عند ربكم، فيضمر القول هاهنا كما أضمر في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] معناه يقولون: ما نعبدهم (٨).
ثم إذا قال القائل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فقد (٩) أثنى على الله تعالى، فيكون
= "الشعر والشعراء" ص ٥١١، "طبقات الشعراء" لابن المعتز ص ٢١، "البيان والتبيين" ١/ ٦٥، "خزانة الأدب" ٣/ ٢٣٠.
(١) في (ج): (لئن).
(٢) من قصيدة قالها بشار يمدح عقبة بن سلم، ويروى (ولا الخوف) بدل (وللخوف) انظر: "ديوانه" ص ١٤، "طبقات الشعراء" لابن المعتز ص ٣٠، "عيون الأخبار" لابن قتيبة ١/ ١٦٤، "شرح ديوان المتنبي" للعكبري ٤/ ٢٧٩.
(٣) في (ب): (فإن معنى الشكر).
(٤) في (ب): (ويحبب).
(٥) في (ب): (الثناء).
(٦) في (ب): (والشكرا).
(٧) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
(٨) انظر: "الوسيط" ١/ ١٧، ونحوه في "تفسير الطبري" ١/ ٦٠، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٣ ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ٧٩، "ابن عطية" ١/ ١٠٠، "القرطبي" ١/ ١١٨.
(٩) في (ب): (قد).
466
بذلك متعرضًا لثواب الله، ومن أثنى على واحد فقد تعرض لإحسانه وثوابه.
يدل على صحة هذا أن بعض العلماء، سئل عن تفسير الحديث المروي: "أفضل الدعاء سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلى الله، والله أكبر" (١) فقيل له: ما في هذا من (٢) الدعاء؟ وإنما الدعاء: (اللهم اغفر لنا، وافعل بنا). فقال للسائل: أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن (٣) جدعان:
كَرِيمٌ لاَ يُغَيِّرُهُ صبَاحٌ عَنِ الخُلُقِ الجَمِيلِ وَلاَ مَسَاءُ
إِذاَ أَثْنى عَلَيْهِ المَرْءُ يَوْمًا كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ (٤)
(١) لم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرج ابن ماجه عن سمرة بلفظ: "أربع أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلى الله، والله أكبر" "سنن ابن ماجه" (٣٨١١) كتاب الأدب، باب: فضل التسبيح، ونحوه عند أحمد في "المسند" ٥/ ٢٠، وذكره البخاري معلقا (الفتح) ١١/ ٥٦٦، وأخرج ابن ماجه عن جابر: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله" "سنن ابن ماجه" كتاب الأدب، باب: فضل الحامدين، قال العجلوني في "كشف الخفاء": رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححاه ١/ ١٥٢، وانظر: "فيض القدير" ١/ ٦٠١.
(٢) (من) ساقطة من (ب).
(٣) عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية، لهذا مدحه أمية بن أبي الصلت، أدرك النبي - ﷺ - قبل النبوة. انظر ترجمته وبعض أخباره في "المحبر" ص ١٣٨، "السيرة" لابن هشام ١/ ١٤٤، "الخزانة" ٨/ ٣٦٦، "الأعلام" ٤/ ٧٦.
(٤) تروى الأبيات بروايات أخرى منها: (خليل) بدل (كريم)، و (السنى) بدل (الجميل) و (عليك) بدل (عليه). انظر: "ديوان أمية بن أبي الصلت" ص ٢٥٤، "المحبر" ص ١٣٨، "طبقات فحول الشعراء" للجمحي ١/ ٢٦٥، "ديوان الحماسة" ٢/ ٣٧٢، "العمدة" لابن رشيق ٢/ ١٥٨.
467
فهذا مخلوق اجتزأ من مسألة مخلوق مثله بالثناء عليه، فكيف يحتاج العبد مع ثنائه على ربه أن يسمي له حوائجه؟.
قال (١): وإنما اختير (الحمد) على الشكر للمبالغة والعموم، وذلك أن الشكر لا يكون إلى مكافأة لنعمة سبقت إليك وأيضًا، فإنه لا يشكر أحد على ما فيه من الأوصاف الجميلة، وليس كذلك الحمد، فإنه يقع ابتداء قبل الصنيعة، ويقع على الأوصاف المحمودة فهو أبلغ وأعم وأجمع (٢).
قال الشاعر:
يَا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوى دُونكا إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونكا (٣)
(١) أبو بكر ابن الأنباري.
(٢) انظر: "الزاهر" ٢/ ٨٤، ٨٥، وفيه تكلم ابن الأنباري عن الفرق بين الحمد والشكر بنحو هذا، وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين، انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٣، "تفسير أبي الليث" ١/ ٧٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٤/ ب، "تفسير الماوردي" ١٥٣، وانظر: "تهذيب اللغة" (حمد) ١/ ٩١٣، "اشتقاق أسماء الله" ص ٩٠، وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، واستدل على هذا بصحة قول القائل: (الحمد لله شكرا). "تفسير الطبري" ١/ ٦٠، وهذا قول المبرد، كما قال القرطبي في "تفسيره" ١/ ١١٦، ونسبة في "اللسان" للحياني. "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧، وقد تكلم العلماء في نقض ما قاله الطبري ورده، منهم ابن عطية في "تفسيره" ١/ ٩٩، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ١١٦، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٠١. قال محمود شاكر في حاشية "تفسير الطبري": والذي قاله الطبري أقوى حجة وأعرق عربية من الذين ناقضوه.
(٣) نسبه الأكثر لراجز جاهلي من بني أسد بن عمرو بن تميم، ونسبه بعضهم لجارية في مازن، وقيل: روته وليس لها، ونسبه بعضهم لرؤبة. و (المائح) الرجل في جوف البئر يملأ الدلاء. ورد الرجز في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٦٠، "الزاهر" ٢/ ٨٥، "أمالي الزجاجي" ص ٢٣٧، "أمالي القالي" ٢/ ٢٤٤، "الإنصاف" ص ١٨٧، "مغني اللبيب" ٢/ ٦٠٩، ٦١٨، "شرح شذور الذهب" ص ٤٨٥، "شرح المفصل" ١/ ١١٧، "الخزانة" ٦/ ٢٠٠.
468
فترجم بالثناء (١) والتمجيد (٢) عن الحمد، فدل هذا على عموم الحمد.
وقد أخبرنا أبو الحسين بن أبي عبد الله الفسوي (٣) -رضي الله عنه-، أنبا (٤) أحمد بن محمد الفقيه (٥)، أبنا محمد بن هاشم (٦)، عن الدَّبَرِي (٧)، عن عبد الرزاق (٨)،
(١) ورد الثناء والتمجيد في بيت آخر لم يورده الواحدي هنا وهو قوله:
يُثْنُون خَيْرًا ويَمُجِّدُوَنَكاَ
أورد ابن الأنباري في "الزاهر" ٢/ ٨٥، وأنظر المصادر السابقة.
(٢) في (أ)، (ج): التحميد، وما في (ب) أصح؛ لأنه أراد: الثناء والتمجيد الذين وردا في البيت الثالث الذي لم يذكره.
(٣) أحد شيوخ الواحدي: عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي أبو الحسين، حدث عن أبي سليمان الخطابي بغريب الحديث سبق ذكره في، وانظر المنتخب من السياق ١٠٦، "سير أعلام النبلاء" ١٨/ ١٩.
(٤) في (ب): (أنا) وفي (ج): (أن) في الموضعين.
(٥) هو أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الشافعي، وقيل: اسمه: حمد، له مصنفات منها "غريب الحديث" "ت ٣٨٨ هـ"، انظر ترجمته في "الأنساب" ٥/ ١٥٨، ١٥٩، "إنباه الرواة" ١/ ١٢٥، "تذكرة الحفاظ" ٣/ ١٠١٨.
(٦) محمد بن هاشم أحد شيوخ الخطابي، روى عنه في "غريب الحديث" كثيرا، ولم أجد له ترجمة، حتى إن محقق "غريب الحديث" ترجم لجميع شيوخ الخطابي، ولم يذكر محمد بن هاشم مع كثرة روايته عنه، ولعله لم يجد له ذكرا. والله أعلم.
(٧) أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدَّبَرِي و (الدَّبَرِي) بفتح الدال والباء نسبة إلى (الدَّبَر) قرية من قرى صنعاء، راوية عبد الرزاق، (ت ٢٨٥ هـ). انظر ترجمته في "اللباب" ١/ ٤٨٩، "ميزان الاعتدال" ١/ ١٨١، "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٤١٦.
(٨) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحافظ، عالم اليمن، أبو بكر الحصيري بالولاء. حدث عن جماعة منهم الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وحدث عنه أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وابن معين، وابن المديني وجماعة (ت ٢١١ هـ) وانظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٤٨، "سير أعلام النبلاء" ٩/ ٥٦٨، "ميزان الاعتدال" ٣/ ٣٢٣.
469
عن مَعْمر (١)، عن قتادة، عن عبد الله بن عمر أن النبي - ﷺ - قال: (الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبدًا لا يحمده) (٢).
قال أحمد (٣) على إثر هذا الحديث: الحمد نوع والشكر جنس (٤)، وكل حمد شكر (٥)، وليس كل شكر حمدا.
وهو على ثلاث منازل: شكر القلب، وهو الاعتقاد بأن الله ولي النعم، قال الله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣]، وشكر اللسان وهو إظهار النعمة بالذكر لها، والثناء على مسديها، قال الله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] وهو رأس الشكر المذكور في الحديث. وشكر العمل، وهو (٦) إدآب النفس بالطاعة.
(١) هو الإمام الحافظ مَعْمَر بن راشد، أبو عروة، الأزدي بالولاء البصري، نزيل اليمن، حدث عن قتادة، والزهري وعمرو بن دينار، وهمام بن منبه وجماعة، وعنه السفيانان، وابن المبارك، وعبد الرزاق بن همام (ت ١٥٣ هـ)، انظر: "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٤٦، "الجرح والتعديل" ٨/ ٢٥٥، "سير أعلام النبلاء" ٧/ ٥.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ١٠/ ٤٢٤ (١٩٥٧٤) كتاب الجامع، باب: شكر الطعام، وذكره الخطابي في "غريب الحديث" ١/ ٣٤٥، ٣٤٦، وذكره السيوطي في "الجامع الصغير" ورمز له بالحسن، انظر: "فيض القدير شرح الجامع الصغير" ٣/ ٤١٨، وقال الألباني: في "ضعيف الجامع" ٣/ ٤١١ (٢٧٩٠): ضعيف.
(٣) هو أحمد بن محمد الخطابي البستي، سبقت ترجمته. قال في "غريب الحديث" بعد أن ذكر الحديث. وقال أبو سليمان: الحمد نوع.. ١/ ٣٤٦.
(٤) الجنس: كلي دال على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب (ماهو). والنوع: كلي دال على كثيرين متفقين في الحقيقة واقع في جواب (ما هو). انظر: "التعريفات" للجرجاني ص ٧٨، ٢٤٧، "المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين" للآمدي ص ٧٣.
(٥) في (ج): (شكرا).
(٦) في (ب): (وهو شكر اداب).
470
قال الله سبحانه (١): ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ (٢) [سبأ: ١٣].
وقام رسول الله - ﷺ - حتى تفطرت قدماه، فقيل: يا رسول الله أليس قد غفر الله (٣) لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا" (٤).
وقد جمع الشاعر أنواعه الثلاثة فقال:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّى ثَلاَثَةً يَدِي وَلِسَانِي والضمِيرَ المُحَجَّبَا (٥) (٦)
وبين الحمد والشكر فرق واضح (٧)، يظهر بالنقيض؛ لأن نقيض الشكر الكفر، ونقيض الحمد الذم (٨)، فهذا ما في معنى الحمد والشكر.
(١) في (ج): (تعالى).
(٢) في (ب): (الى) تصحيف.
(٣) لفظ الجلالة غير موجود في (ب).
(٤) متفق عليه من حديث المغيرة وعائشة، حديث المغيرة رواه البخاري (١١٣٠) كتاب: التهجد، باب: قيام النبي - ﷺ - الليل، ومسلم (٢٨١٩) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والإجتهاد في العبادة، وحديث عائشة رواه البخاري (٤٨٣٧) كتاب التفسير، باب: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾، ومسلم (٢٨٢٠) كتاب صفة الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة.
(٥) يقول: إن نعمتكم علي أفادتكم مني يدي ولساني وجناني فهي وأعمالها لكم. ورد البيت بدون عزو في "غريب الحديث" للخطابي ١/ ٣٤٦، " الكشاف" ١/ ٤٧، "الفائق" ١/ ٣١٤، "الدر المصون" ١/ ٣٦، وانظر: "مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ٧.
(٦) انتهى من "غريب الحديث" للخطابي ١/ ٣٤٦، وانظر: "الكشاف" ١/ ٤٧.
(٧) سبق بيان خلاف العلماء في ذلك، وأن قول الأكثر على أن بينهما فرقا وقال الطبري ومعه طائفة: إنهما بمعنى واحد، انظر ص ٢٧٥.
(٨) انظر: "الزينة" ٢/ ١١٢، "تهذيب اللغة" (حمد) ١/ ٩١٣، "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧.
471
ولا بد من ذكر طرف من مذهب النحويين في (الألف واللام) اللتين للتعريف وحكمهما. ومذهب (١) الخليل في هذا أن (ال) حرف التعريف، بمنزلة (قد (٢)) في الأفعال، فإن الهمزة واللام جميعا (٣) للتعريف، وحكي عنه أنه كان يسميها (أل) كقولنا: (قد)، وأنه لم يكن يقول: (الألف (٤) واللام) كما لا يقول في (قد) القاف والدال.
واحتج لهذا المذهب بفصلين (٥) (٦):
أحدهما: أن العرب قد قطعت (أل) في أنصاف الأبيات، نحو قول عبيد (٧):
يا خَلِيلَيَّ ارْبَعَا واستَخبِرَا الـ مَنْزِلَ الدّارِس مِنَ أَهْلِ الحِلاَل
مِثْلَ سَحْقِ البُرْدِ عَفَّى بَعْدَكَ الـ قَطْرُ مَغْنَاهُ وتَأْوِيبُ الشَّمَالِ (٨)
(١) الكلام عن (أل) نقله الواحدي عن أبي الفتح بن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" وأذكر الفروق الهامة بين عبارة الواحدي وعبارة ابن جني في موضعه إن شاء الله.
قال ابن جني: (وذهب الخليل إلى أن (أل) حرف التعريف بمنزلة (قد)..) ١/ ٣٣٣.
(٢) انظر مذهب الخليل في "الكتاب" ٣/ ٣٢٤.
(٣) عند أبي الفتح: (إن الهمزة واللام جميعهما..) ١/ ٣٣٣.
(٤) انظر: "الكتاب" ٣/ ٣٢٥.
(٥) في (ج): (بفضلين).
(٦) عند أبي الفتح: (ويقول هذا المذهب قطع (أل) في أنصاف الأبيات، نحو قول عبيد..) ١/ ٣٣٣.
(٧) هو عبيد بن الأبرص بن جُشْم، من بني أسد، يعد من فحول شعراء الجاهلية، قيل: إنه عمر طويلا. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ١٦١، "طبقات فحول الشعرء" ص ٥٨، "خزانة الأدب" ٢/ ٢١٥.
(٨) قوله: (اربعا) أقيما، (الحلاَل): جمع حال أي نازل، أو جمع حِلَّة وهو جماعة البيوت، (سحق البرد) الثوب البالي، (عفى) غطى، (القطر): المطر، (مغناه) المغنى: المنزل الذي غنى به أهله ثم ظعنوا، (التأويب) الرجوع وتردد هبوبها. وردت الأبيات وفي "ديوان عبيد" ص ١١٥، "المنصف" ١/ ٣٣٣، "شرح المفصل" ٩/ ١٧، "الخزانة" =
472
قال (١): فلو كانت اللام وحدها حرف التعريف؛ لما جاز فصلها من الكلمة التي عرفتها، لاسيما واللام ساكنة، والساكن لا ينوي به الانفصال (٢). فصار قطعهم وهم يريدون الاسم بعدها كقطع النابغة (٣) (قد) في قوله:
أَفِدَ (٤) التَّرحُّلُ (٥) غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا لمَّا تَزُلْ بِرِحَالِهَا (٦) وَكَأَنْ قَدِ (٧)
= ٧/ ١٩٨. والشاهد فيه فصل (أل) في البيتين، استدل به الخليل على أن (أل) جميعها حرف التعريف، ولو كانت اللام وحدها للتعريف لما جاز فصلها.
(١) من القائل؟ ظاهر كلام الواحدي أن القائل الخليل، لأنه هو المذكور قبله، والواقع أن الكلام لأبي الفتح ابن جني، حيث قال بعد الأبيات: (وهذِه قطعة لعبيد مشهورة عددها بضعة عشر بيتا يطرد جميعها على هذا القطع الذي تراه إلى بيتا واحدا من جملتها، ولو كانت اللام وحدها حرف التعريف لما جاز فصلها من الكلمة التي عرفتها.. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٣.
(٢) بعده كلام لأبي الفتح تركه الواحدي. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٣.
(٣) في (ب): (لقطع التابعه). والنابغة: هو زياد بن معاوية الذبياني، أحد شعراء الجاهلية المشهورين، توفي في زمن النبي - ﷺ - قبل أن يبعث. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٨٣، "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٥١. "جمهرة أنساب العرب" ص ٢٥٣، "الخزانة" ٢/ ١٣٥.
(٤) في (ب): (أرف) وفي (جـ): (أفر) وفي نسخة من "سر صناعة الإعراب" (أزف) ١/ ٣٣٤.
(٥) في (ب): (الترجيل).
(٦) في (ب): (برجالها) وعند أبي الفتح (برحالنا) وفي الحاشية: في (ش): (برحالها)، والأكثر في رواية البيت (برحالنا).
(٧) من قصيدة قالها النابغة في (المتجردة) امرأة النعمان بن المنذر (أفد الترحل): أي دنا الرحيل وقرب. و (الركاب): الإبل. و (كأن قد): (أي: زالت لقرب وقت زوالها ودنوه. انظر: "ديوان النابغة الذيباني" ص ٨٩، "الخصائص" ٢/ ٣٦١، ٣/ ١٣١، "مغنى اللبيب" ١/ ١٧١، ٢/ ٣٤٢، "شرح المفصل" ٨/ ٥، ١١٠، ١٤٨، ٩/ ١٨، ٥٢، "الأزهية" ص ٢١١، "شرح ابن عقيل" ١/ ١٩، "الهمع" ٢/ ١٨٨، ٤/ ٣١٥، "الخزانة" ١/ ٧٠، ٧/ ١٩٧.
473
ألا ترى أن التقدير: (كأن قد زالت)، فقطع (قد) من الفعل كقطع (ال) من الاسم.
وإذا (١) كان (ال) عند الخليل حرفا واحدا، فقد ينبغي أن تكون همزته مقطوعة ثابتة، كقاف (قد) وباء (بل)، إلى أنه لما كثر استعمالهم لهذا الحرف عرف موضعه، فحذفت همزته، كما حذفوا: (لم يَكُ) و (ولا أَدْرِ) (٢).
والفصل (٣) الثاني (٤): أنهم قد أثبتوا هذِه الهمزة بحيث تحذف همزات الوصل، نحو قوله ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ (٥) [يونس: ٥٩] و ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، ولم (٦) تر همزة وصل تثبت في نحو هذا، فهذا يؤكد أن همزة (أل) ليست بهمزة وصل وأنها مع اللام كقد.
ومذهب الجمهور (٧) في هذا أن اللام وحدها هي حرف التعريف، وأن
(١) ترك بعض كلام أبي الفتح. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٤.
(٢) والقياس فيهما: لم يكن (و) لا أدري (لكن لما كثر في الاستعمال حذفت النون في الأول والياء من الثاني، قال أبو الفتح: وحذفها شاذ انظر: "المنصف" ٢/ ٢٢٧.
(٣) في (ج): (الفضل).
(٤) نص كلام أبي الفتح: (ويؤكد هذا القول عندك أيضا: أنهم قد أثبتوا... الخ)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٤.
(٥) في (ب) تصحيف في الآية، حيث حذف (أذن) وكرر (لكم).
(٦) عند أبي الفتح: (... ونحو قولهم في القسم (أفألله) و (لا ها ألله ذا) ولم نر همزة الوصل تثبت في نحو هذا.... الخ)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٥.
(٧) عند أبي الفتح: (وأما ما يدل على أن اللام وحدها هي حرف التعريف، وأن الهمزة إنما دخلت عليها لسكونها، فهو إيصالهم جر الجار إلى ما بعد حرف التعريف....) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٥.
قال في "شرح المفصل": (واللام هي حرف التعريف وحدها، والهمزة وصلة إلى النطق بها ساكنة، هذا مذهب سيبويه، وعليه أكثر البصريين والكوفيين ما عدا الخليل....)، ٩/ ١٧، وانظر: "الخزانة" ٧/ ١٩٨ - ١٩٩.
474
الهمزة إنما دخلت عليها لسكونها، والدليل على هذا (١) إيصالهم حرف الجار إلى ما بعد حرف التعريف نحو قولهم: (عجبت من الرجل) و (مررت بالغلام) فنفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف يدل على أن حرف التعريف غير فاصل عندهم بين الجار والمجرور، وإنما كان كذلك لأنه في نهاية اللطافة والاتصال بما عرفه؛ لأنه على حرف واحد، ولاسيما ساكن، ولو كان حرف التعريف في نية الانفصال كـ (٢) (قد) لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف.
وأيضا فإن (٣) حرف التعريف نقيض التنوين، لأن التنوين دليل التنكير، كما أن هذا (٤) دليل التعريف، فكما (٥) أن التنوين في [آخر الاسم حرف واحد، كذلك حرف التعريف في] (٦) أوله ينبغي أن يكون حرفا واحدا.
فأما ما احتج به الخليل من قطع (أل) عن الحرف الذي بعده في الشعر فقد يقطعون (٧) في المصراع الأول بعض الكلمة وما هو منها أصل، ويأتون بالبقية في أول المصراع الثاني، كما قال:
(١) أي على مذهب الجمهور وهو أن حرف التعريف (اللام) وحدها.
(٢) عند أبي الفتح: (... ولو كان حرف التعريف عندهم حرفين كـ (قد) و (هل) لما جاز الفصل به بين الجار والمجرور به....) ثم أخذ يشرح ولفصل في هذا في كلام طويل تركه الواحدي، ثم قال: (... وكذلك لو كان حرف التعريف في نية الانفصال لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف، وهذا يدل على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرفه...) ١/ ٣٣٦، ٣٣٧.
(٣) قال أبو الفتح: (.. ويزيدك تأنيسا بهذا أن حرف التعريف نقيض التنوين..) ١/ ٣٣٧.
(٤) أي حرف التعريف.
(٥) في (ج): (وكما).
(٦) ما بين المعقوفتين ساقط من (ج).
(٧) في (ب): (يقطعونه).
475
يَا نَفْسِ أَكْلًا واضْطِجَا عًا نَفْسِ لَسْتِ بِخَالِدَه (١)
وهو كثير، وإذا جاز ذلك في أَنْفُسِ الكَلِم، ولم يدل على انفصال بعض الكلمة من بعض، فغير منكر أيضًا أن تفصل (لام المعرفة) في الأول (٢).
وأما ما احتج به من قطع الهمزة في نحو: ﴿آللَّهُ﴾ (٣) فإنما جاز ذلك لمخافة التباس الاستفهام بالخبر (٤).
وإنما جعل حرف التعريف حرفا واحدا؛ لأنهم أرادوا خلطه (٥) بما بعده، فجعلوه على حرف واحد؛ ليضعف عن (٦) انفصاله مما بعده، فيعلم بذلك أنهم قد (٧) اعتزموا (٨) على خلطه به، ولهذا سكنوه، لأنه أبلغ فيما قصدوا، لأن الساكن أضعف من المتحرك، وأشد حاجة وافتقارا إلى ما يتصل به (٩).
(١) نسب البيت لكثير عزة، وليس في "ديوانه". انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٠، "شرح المفصل" ٩/ ١٩، "الخزانة" ٧/ ٢٠٢، وانظر: "معجم الشواهد العربية" لعبد السلام هارون ١/ ٩٩. والشاهد فيه: أنه فصل الكلمة بين مصراعي البيت، وأورده ردا على ما ذهب إليه الخليل من أن قطع (أل) في المصراع الأول دليل على أن (الألف واللام) أداة تعريف، وليس اللام وحدها.
(٢) أي: المصراع الأول من البيت، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٠.
(٣) أي قوله تعالى: ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: ٥٩].
(٤) يلحظ أن الكلام من قوله: (فأما ما احتج به الخليل....) إلى قوله: (بالخبر) ليس بهذا السياق والترتيب عند أبي الفتح، وانما تصرف فيه الواحدي. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٣٧، ٣٤٠، انظر: "الخزانة" ٧/ ٢٠١، ٢٠٢.
(٥) في (ب): (خالطه).
(٦) في (أ)، (جـ): (على)، وما في (ب) موافق لـ"سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٦.
(٧) (قد) ساقط من (ج).
(٨) في (أ)، (ج): (اعترفوا)، وما في (ب) موافق لـ"سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٦.
(٩) من قوله (وإنما جعل حرف التعريف) ملخص من "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٦.
476
وإنما اختاروا (١) (اللام) دون سائر حروف المعجم؛ لأنهم أرادوا إدغام حرف التعريف فيما بعده؛ لأن الحرف المدغم أضعف من الحرف الساكن غير المدغم؛ ليكون إدغامه دليلا على شدة اتصاله، فلما آثروا إدغامه فيما بعده اعتبروا حروف المعجم، فلم يجدوا فيها حرفا أشد مشاركة لأكثر الحروف من (اللام) فعدلوا إليها؛ لأنها تجاور أكثر حروف الفم (٢) التي هي معظم الحروف، وليصلوا بذلك إلى الإدغام المترجم عما عزموه (٣) من شدة وصل التعريف بما عرفه (٤) (٥)، ولو جاؤوا بغير (اللام) للتعريف لما أمكنهم أن يكثر (٦) إدغامها، كما أمكنهم ذلك مع (اللام)، فإدغامهم إياها مع ثلاثة (٧) عشر حرفا، وهي: (التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والنون) وذلك قولهم التمر، والثَّرِيد، والدِّبْس، والذَّوْق (٨)، والرُّطَب، والزُّبْد، والسَّفَرْجَل، والشَّعِير، والصَّيْر، والصَّنَاب (٩)،
(١) عند أبي الفتح (وأما لم اختاروا له اللام دون سائر حروف المعجم؟ فالجواب عنه أنهم إنما أرادوا....) ١/ ٣٤٦، قوله (له) أي: للتعريف.
(٢) في (ب): (المعجم) والمراد بحروف الفم التي مخارجها في الفم.
(٣) في (ج): (عرضوه) وعند أبي الفتح (اعتزموه) ١/ ٣٤٧.
(٤) في (ب): (عرقوه).
(٥) انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٤٧، وفي كلام أبي الفتح زيادة عما هنا.
(٦) في (ب): (يكثروا).
(٧) في (ب): (ثلاث). والرابع عشر اللام نفسها. ومثلها الليل
(٨) عند أبي الفتح: (الذرق)، وفي حاشيته: (ب): (الذوق). الذرق: نبات كالفسفسة، تُسميه الحاضرة: الحندقوقى. انظر: "تهذيب اللغة" (ذرق) ٢/ ١٢٨٠.
(٩) في (ج): (الضباب) وفي (ب): (الضناب) وعند أبي الفتح: (والصَّناب والضَّرْو) ١/ ٣٤٧، وهو الصواب؛ لأنه تمثيل للصاد ثم للضاد. الصِّير: هو الشق، كما في الحديث: "من اطلع من صير باب"، والصير: الماء يحضره الناس، والصِّير: السمكات =
477
والطَّبِيخ، والظُّلْم (١)، والنَّبِق، يدلك على (٢) ما ذكرنا أنك (٣) تجد (اللام) ساكنة وهي لغير التعريف مظهرة غير مدغمة مع أكثر هذِه الحروف، وذلك نحو: (التقت) (٤)، و (هل ثم أحد) (٥)، و (الْزَمْ (٦) بِه) و (أَلْسِنَة) هذا هو الكلام في (اللام) (٧).
فأما الكلام في (الهمزة) الداخلة على هذِه (اللام): فاعلم أن (الهمزة) (٨) (إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن الذي بعدها، إذ لم
= المملوحة التي تعمل منها الصحناة. انظر: "تهذيب اللغة" (صير) ٢/ ٢٠٧٥، "اللسان" (صير) ٤/ ٢٥٣٥، الصَّنَاب: صباغ يتخذ من الخردل والزبيب. انظر: "تهذيب الغة" (صنب) ٢/ ٢٠٦٢، "اللسان" (صنب) ٤/ ٢٥٠٤.
الضِّرو والضَّرو: (شجر طيب الريح يستاك به، ويجعل ورقه في العطر. "اللسان" ضرا ١٤/ ٤٨٣.
(١) عند أبي الفتح (الظبي)، وفي الحاشية: (ل): (الظئر) ١/ ٣٤٧.
(٢) اختصر الواحدي كلام أبي الفتح ونص كلامه: (.. ويدلك على إيثارهم الإدغام للام التعريف لما قصدوا من الإبانة عن غرضهم، أنك لا تجد لام التعريف مع واحد من هذِه الأحرف الثلاثة عشر إلا مدغمًا في جميع اللغات، ولا يجوز إظهارها ولا إخفاؤها معهن ما دامت للتعريف البتة، وأنك قد تجد اللام إذا كانت ساكنة وهي لغير التعريف مظهرة.. الخ)، ١/ ٣٤٧.
(٣) في (ب): (أنا).
(٤) في (ب): (السقب) وعند أبي الفتح (التفت).
(٥) في (ب): (أخذ).
(٦) في (ج): (ولزم به): (وعند أبي الفتح (أُلْزِمَ به) وفي الحاشية ل (إِلْزَمْ به)، ١/ ٣٤٨.
(٧) إلى هنا ما أخذ الواحدي من كتاب أبي الفتح "سر صناعة الإعراب" حرف اللام ١/ ٣٣٣ - ٣٤٨.
(٨) انتقل الواحدي إلى موضع آخر من نفس كتاب "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٢ قال =
478
يمكن (١) الابتداء به، وكان حكم هذِه (الهمزة) أن تكون ساكنة، لأنها حرف جاء لمعنى، ولا حظ له في الإعراب. وهي في أول الحرف كالهاء التي لبيان الحركة (٢) في آخر الحرف. نحو (وازيداه) و (واعمراه) فكما أن تلك ساكنة فكذلك كان ينبغي في الألف (٣) أن تكون ساكنة (٤)، إلا أنها (٥) حركت لأجل الساكن الذي بعدها، ولم يجز أن يحرك ما بعدها لأجلها من قبل أنك لو فعلت ذلك لبقيت هي عليك (٦) أيضًا في أول الكلمة ساكنة، وكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها محرك يقع به (٧) الابتداء.
وإنما اختاروا الهمزة لوقوع الابتداء (٨) بها (٩)؛ لأنهم أرادوا حرفا يتبلغ به في الابتداء، ويحذف في الوصل للاستغناء عنه بما قبله، فجعلوه الهمزة؛ لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف، وهي مع ذلك أصل،
= أبو الفتح: (واعلم أن هذِه الهمزة إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن....)، وسأذكر الفروق الهامة بين كلام أبي الفتح وكلام الواحدي في مواضعها.
(١) في (ب): (يكن) وعند أبي الفتح (لما لم يمكن) ١/ ١١٢.
(٢) عند أبي الفتح (.. الحركة بعد الألف في آخر الحرف..) ١/ ١١٢.
(٣) أي: الهمزة التي جيء بها للتوصل إلى النطق بالساكن.
(٤) انظر: "سر صناعهَ الإعراب" ١/ ١١٣، اختصر الواحدي بعض الكلام، وتصرف في بعض العبارات.
(٥) في (ب): (إنها) بكسر الهمزة.
(٦) (عليك): ليست في كلام أبي الفتح.
(٧) في (أ)، (ج): (يقع به الابتداء به) وعند أبي الفتح (يقع الابتداء به)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٣.
(٨) هذا جواب تساؤل افترضه أبو الفتح، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٣.
(٩) في (أ)، (ب)، (ج): (به) وصححتها على حسب ما عند أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٣.
479
فكيف بها إذا كانت زائدة، ألا تراهم حذفوها في نحو: (خذ) و (مر) (١) و (وَيْلُمِّه) (٢) وفي قول الشاعر:
وَكَانَ حَاملُكُمْ مِنَّا وَرَافِدُكُمْ وَحَامِلُ المِينَ بَعْد المِينَ والْأَلَفِ (٣)
أراد المئين، فحذف الهمزة، وأراد (الألف) فحرك اللام ضرورة (٤).
وقالوا: (ذن (٥) لا أفعل) فحذفوا همزة (إذن) (٦) ولو أنهم جعلوا مكان الهمزة غيرها لم يمكن حذفه؛ لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي، وكانت (الهمزة) بالزيادة في الابتداء أولى من سائر الحروف؛ لأنهم شرطوا على أنفسهم حرفا يحذف عند الغنى (٧) عنه، وذلك في أكثر أحواله؛ لأن الوصل أكثر من الابتداء والقطع، ولم يجدوا حرفا يطرد فيه الحذف
(١) أصلها: (أُؤخُذُ) و (أؤْمُر) فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأصلية فزال الساكن، فاستغني عن الهمزة الزائدة. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٢.
(٢) الأصل فيها: (وَيْلٌ لِأُمِّه) فحذف التنوين فالتقت لام ويل ولام الخفض فأسكنت الأولى وأدغمت الثانية ثم حذفت الهمزة، ثم خفف بحذف أحد اللامين، فمنهم من جعل المحذوفة (لام) الخفض وأبقى (لام) ويل وأبقى لام الخفض مكسورة، ومنهم في جعل المحذوفة (لام) ويل على أصلها مضمومة، ففيها الوجهان. انظر: "المسائل الحلبيات" للفارسي ص ٤٣، "الكتاب" ٣/ ٥، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٣، ٢٣٥، "الخزانة" ٣/ ٢٧٥، ٢٧٦.
(٣) ورد البيت غير منسوب في "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٤، "الخصائص" ٢/ ٣٣٤، "اللسان" (ألف) ١/ ١٠٧، و (مأى) ٧/ ٤١٢٤.
(٤) وقيل: أراد: (الآلاف) فحذف للضرورة، قاله في "اللسان" ٩/ ٩.
(٥) في (ب): (اذن).
(٦) "سر صناعة الإعراب" بتصرف ١/ ١١٣، ١١٤.
(٧) في حاشية "سر صناعة الإعراب": (ب) و (ش): (الغناء).
480
اطراده في الهمزة، فأتوا بها دون غيرها من سائر حروف المعجم.
والأصل في جميع (ألفات الوصل) أن تبدأ بالكسر؛ لأنها إنما دخلت وصلة إلى النطق بالساكن (١)، وقد ذكرنا أن حقها كان في الأصل السكون، فلما كان حقها السكون ودخلت على الساكن حركت بالكسرة تشبيها بحركة الساكن إذا لقيه ساكن، لأن تحريك أحد الساكنين في سائر المواضع إنما هو أيضًا ليتصل به إلى النطق بالساكن الآخر (٢). وإنما فتحت مع (لام التعريف) لأن (اللام) حرف، فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة؛ لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال (٣) (٤).
و (لام التعريف) تقع (٥) في الكلام في أربعة مواضع (٦) وهي:
١ - تعريف الواحد بعهد، نحو قولك لمن كنت معه في ذكر رجل: (قد وافى الرجل) أي: الرجل الذي كنا في حديثه وذكره.
٢ - وتعريف الواحد بغير عهد نحو قولك لمن لم تره قط ولا ذكرته: (يا أيها الرجل أقبل) فهذا تعريف لم يتقدمه ذكر ولا عهد.
(١) في (ج) كلام مقدم في غير موضعه ونص العبارة (بالساكن الآخر وإنما فتحت مع لام التعريف لأن اللام حرف فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة لتخالف، وقد ذكرنا...). وشطب الناسخ كلمة (والآخر) و (لتخالف) وهما أول ونهاية الكلام المكرر فلعله تنبه له بعد كتابته.
(٢) أخذه بمعناه من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٢، ١١٣.
(٣) حيث تكون مكسورة أو مضمومة مع الأسماء والأفعال.
(٤) بنصه من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١١٧.
(٥) في (ب): (تقطع).
(٦) مواضع لام التعريف، أخذه كذلك عن أبي الفتح بن جني من "سر صناعة الإعراب" (حرف اللام) ١/ ٣٥٠، مع إعادة ترتيب الكلام والتصرف اليسير في العبارة.
481
٣ - الثالث: تعريف الجنس، نحو قولك: (العسل حلو والخل حامض) فهذا التعريف لا يجوز أن يكون عن إحاطة بجميع الجنس ولا مشاهدة له؛ لأن ذلك متعذر، وإنما معناه: أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة (١).
٤ - الرابع: أن تكون زائدة، نحو قوله: (الآن، ولام الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما، ولام اللات والعزى) وسنذكر كل واحد من هذِه الحروف إذا انتهينا إليه إن شاء (٢) الله.
فأما قوله: (الحمد) فـ (اللام) فيه تحتمل (٣): أن تكون للجنس، أي جميع المحامد له؛ لأنه الموصوف بصفات الكمال في نعوته وأفعاله الحميدة (٤)، وتحتمل: أن تكون للعهد، أي: الحمد الذي حمد به نفسه
(١) في الكلام عدم وضوح، حيث إن قوله: (وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس... الخ) يعود على مثال لم يذكره الواحدي، ونص عبارة أبي الفتح: (الثالث: نحو قولك الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، وأهلك الناس الدينار والدرهم، فهذا التعريف لا يجوز أن يكون عن إحاطة بجميع الجنس... الخ). ثم يقول: (... وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من كل واحد من هذا الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وكل جزء من الخل الذي لا تمكن مشاهدة جميعه حامض). "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٠.
(٢) قوله: (وسنذكر كل واحد من هذِه الحروف إذا انتهينا إليه...) من كلام الواحدي، أما أبو الفتح فتكلم عنها في نفس الموضع، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٠ وما بعدها، ليت الواحدي لم يثقل الكتاب بهذِه النقول التي مكانها كتب النحو المطولة.
(٣) في (ج): (يحتمل).
(٤) وعليه أكثر المفسرين، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٦٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٩٩، "الكشاف" ١/ ٤٩، "تفسير القرطبي" ١/ ١١٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٥، "البحر" ١/ ١٨.
482
وحمده به أولياؤه (١).
ورفعه على معنى قولوا: (الحمد لله) على ما حكينا عن ابن الأنباري (٢)، ويجوز أن يكون ابتداء، وخبره فيما بعده (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ﴾: هذِه (اللام) تسمى لام الإضافة (٤)، ولها في الإضافة معنيان (٥):
أحدهما: الملك نحو: (المال لزيد).
والآخر: الاستحقاق (٦) نحو: (الجُلُّ (٧) للدابة) أي: استحقته ولابسته، وكذلك (الباب للدار). وهذِه الجارة مكسورة مع المظهر، ومفتوحة مع المضمر، وإنما كسرت مع المظهر وكان من حقها الفتح؛ لأنا ذكرنا أن هذِه الحروف التي تستعمل على واحدة حقها الفتح (٨)، وكسرت مع المظهر للفرق
(١) ذكره الرازي في "تفسيره" ١/ ٢٢٠، وأبو حيان في "البحر" ١/ ١٨.
(٢) سبق كلام ابن الأنباري ص ٢٧١، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٦١.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١١٩، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٣٤، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٨، "الكشاف" ١/ ٤٧، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٥.
(٤) الكلام عن (اللام) نقله عن كتاب "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٥، قال أبو الفتح: (فأما العاملة فلام الجر، وذلك قولك: المال لزيد، والغلام لعمرو. وموضعها في الكلام الإضافة، ولها في الإضافة معنيان: أحدهما الملك..).
(٥) ذكر الرازي لها ثلاثة معان في "تفسيره" ١/ ٢٢، وانظر: "البحر" ١/ ١٨.
(٦) عند أبي الفتح (الاستحقاق والملابسة) ١/ ٣٢٥.
(٧) (الجُلُّ): واحد جِلاَل الدواب، الذي تلبسه لتصان به. انظر: "الصحاح" (جلل) ٤/ ١٦٥٨، "اللسان" (جلل) ٢/ ٦٦٤.
(٨) ذكره الواحدي عند الحديث عن (الباء) في تفسير (بسم الله) ناقلا عن أبي الفتح من هذا الموضع. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٥.
483
بينها (١) وبين (لام الابتداء) وذلك قولك في الملك: (إن زيدا لهذا) أي: في ملكه، و (إن زيدا لهذا) أي: هو (٢) هو، فلو فتحت في الموضعين لالتبس (٣) معنى (٤) الملك بمعنى الابتداء.
وإنما كسرت الجارة وتركت (لام الابتداء) بحالها مفتوحة (٥)؛ لأن أول أحوال (٦) الاسم هو الابتداء، وإنما يدخل الناصب والجار والرافع على المبتدأ (٧) فلما كان المبتدأ متقدما في المرتبة، وكان فتح هذِه اللام هو الأول المتقدم من حالتها (٨)، جعل الفتح الذي هو أول مع الابتداء الذي هو أول، ولما كان الكسر فيها إنما هو ثان غير أول، جعل مع الذي هو تبع للابتداء، هذا هو القياس (٩).
(١) في (ب): (بينهما).
(٢) عند أبي الفتح (أي هو هذا) ١/ ٣٢٦.
(٣) في (ج): (للا لا لتبس).
(٤) في (ج): (بمعنى).
(٥) هذا مضمون سؤال أثاره أبو الفتح حيث قال: (وهنا زيادة ما علمتها لأحد من أصحابنا، وهي أن يقال: إذا كان الفرق بين (اللام) الجارة و (لام) الابتداء واجبا لما ذكرته من المعنيين، فلم كسرت الجارة وتركت لام الابتداء بحالها مفتوحة؟. فالجواب عن هذا أن يقال: إن أول أحوال الاسم هو الابتداء....) الخ ١/ ٣٢٨.
(٦) في (ب): (الأحوال).
(٧) في (ب): (الابتداء).
نص كلام أبي الفتح: (وإنما يدخل الرافع أو الناصب سوى الابتداء والجار على المبتدأ وفي حاشيته: في ب (الناصب والرافع)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٨ تأمل الفرق بينهما.
(٨) عند أبي الفتح (حاليها) ١/ ٣٢٨.
(٩) انتهى من "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٨.
484
وقوله تعالى ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: (الرب) في اللغة له معنيان (١): أحدهما: أن يكون معناه من الرب بمعنى التربية.
قال الأصمعي: (رب فلان الصنيعة يَرُبُّها رَبًّا إذا أتمها وأصلحها) قال: ويقال: فلان رَبَّ نِحْيَهُ يَرُبُّه رَبًّا (٢) إذا جعل فيه الرُّبَّ ومتَّنَهُ به، وهي (٣) نِحْيٌ مَرْبُوب (٤) وهذا -أيضًا- عائد إلى معنى التربية والإصلاح. قال الشاعر:
فَإِنْ كُنْتِ مِنِّي أَوْ تُرِيدِين صُحْبَتِي (٥) فَكُونِي لَهُ كَالسَّمْنِ (٦) رُبَّتْ لَهُ الأَدَم (٧)
(١) ذكر ابن الأنباري أن الرب ثلاثة أقسام: السيد المطاع، والمالك، والمصلح. "الزاهر" ١/ ٥٧٥. ونحوه عند ابن جرير ثم قال: "وقد يتصرف معنى (الرب) في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذِه الوجوه الثلاثة...) "تفسير الطبري" ١/ ٦٢، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، "المخصص" ١٧/ ١٥٤، "معجم مقاييس اللغة" (رب) ٢/ ٣٨١، "الزينة" ٢/ ٢٧، "اللسان" (ربب) ١/ ٤٠٤.
(٢) (ربا) ساقط من (ب).
(٣) في "تهذيب اللغة" (وهو نحى مربوب).
(٤) انظر قولي الأصمعي في "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦.
(٥) في (ب): (تريدن نصيحتي).
(٦) في (ب)، (ج): (كالشمس).
(٧) البيت لعمرو بن شأس، كان له ابن يقال له (عرار) من أمة سوداء، وكانت امرأته تؤذيه وتستخف به، فقال قصيدة يخاطبها، ومنها هذا البيت، يقول: إن كنت تريدين مودتي، فأحسني إليه كما تستصلحين وعاء السمن حتى لا يفسد عليك، و (الأَدَم) جمع أَدِيم: الجلد المدبوغ، و (الرُّبُّ): خلاصة التمر بعد طبخه وعصره. ورد البيت في "شعر عمرو" ص ٧١، "الشعر والشعراء" ص ٢٧٤، "طبقات الشعراء" للجمحي ص ٨٠، "أمالي القالي" ٢/ ١٨٩، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٣، "الصحاح" (ربب) ١/ ١٣١، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٥٠.
485
وتقول: رَبَّ الشيء يَرُبُّه ربوبًا فهو رَبٌّ، مثل: (بَرّ وَطَبّ (١)) (٢)، إذا تممه وأصلحه، قال الشاعر:
يَرُبُّ الذِّي يَأْتِي مِنَ الخَيْرِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا (٣)
فالمعنى (٤) على هذا أنه يربي الخلق ويغذوهم (٥) بما ينعم عليهم (٦).
الثاني: أن يكون الرب بمعنى المالك، يقال: رب الشيء إذا ملكه، ورببت (٧) فلانا، أي: كنت فوقه (٨).
ومنه قول صفوان بن أمية (٩): لأن يَرُبَّنِي رجل من قريش أحب إِلي من أن يَرُبَّنِي رجل من هوازن (١٠) يعني: أن يكون ربًا فوقي، وسيدًا يملكني. وكل
(١) يقال: (رجل طب) أي: عالم. انظر: "الصحاح" (طبب) ١/ ١٧١.
(٢) ذكر الثعلبي نحوه قال: (تقول العرب: رَبَّ يَرُبُّ رَبَابَةً ورُبُوبًا فهو رَبٌّ مثل بَرٌّ وَطبٌّ) "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، وانظر: "الزاهر" ١/ ٥٧٦، "الصحاح" (ربب) ١/ ١٣٠، "الوسيط" للواحدي ١/ ١٧.
(٣) ورد البيت بدون عزو في "الزاهر" ١/ ٥٧٦، "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، "الوسيط" للواحدي ١/ ١٧، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٤٧، ورواية البيت في غير الثعلبي (من العرف) بدل (من الخير)، (سئل) بدل (فعل).
(٤) في (ب): (والمعنى).
(٥) في (ب): (ويعددهم).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١١٩.
(٧) في (ب): (بيت).
(٨) انظر: "الزينة" ٢/ ٢٧، "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٤٦.
(٩) صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي، أسلم بعد الفتح، وروى أحاديث وشهد اليرموك، توفي سنة إحدى وأربعين. انظر ترجمته في "الإصابة" ٢/ ١٨٧، "تجريد أسماء الصحابة" ١/ ٢٦٦، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٦٢، "طبقات ابن سعد" ٥/ ٤٤٩.
(١٠) ذكره الأزهري في "التهذيب"، وفيه: أن صفوان كان يرد بذلك على أبي سفيان. =
486
من ملك شيئا فهو ربّه (١)، يقال: هو ربّ الدار وربّ الضيعة (٢)، وقال النبي - ﷺ - لرجل (٣): "أَرَبُّ إِبلٍ أنت أم رَبُّ غنم؟ " (٤)، وقال النابغة:
فَإِنْ تَكُ رَبَّ أَذْوَادٍ بِحُزْوى أَصَابُوا مِنْ لِقَاحِكَ مَا أَصَابُوا (٥)
ثم (السيد) يسمى ربًّا وإن لم يكن مالكا على الحقيقة (٦)، قال الله تعالى: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢]. وقال الأعشى (٧):
وَأَهْلَكْنَ يَوْمًا رَبَّ كِنْدَةَ وابْنَه (٨).
= "التهذيب" (رب) ٢/ ١٣٣٦، وذكره ابن هشام في "السيرة"، وذكر عن ابن إسحاق أنه كان يرد به على (جبلة بن الحنبل) وقال ابن هشام (كلدة بن الحنبل) "السيرة" لابن هشام ٤/ ٧٢ - ٧٣.
(١) في (ب): (رب).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦، " الزينة" ٢/ ٢٧، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٢.
(٣) (لرجل) ساقط من (أ).
(٤) أخرجه أحمد في (مسنده) عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبي - ﷺ - فصعد في النظر وصوَّب وقال: "أَرَبُّ إبل.... " الحديث ٤/ ١٣٦، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٥/ ب، والرازي في "الزينة" ٢/ ٢٩.
(٥) رواية البيت في "الديوان":
فَإِنْ تَكُنِ الفَوَارِسُ يَوْمَ حِسْي أَصَابُوا مِنْ لِقَائِكَ مَا أَصَابُوا
"الديوان" ص ٨٤، ونحو رواية الديوان في "مجاز القرآن" ١/ ٣١١، "الزاهر" ١/ ٥٧٥، "الزينة" ٢/ ٢٧، وبمثل رواية الواحدي ورد في "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، ولعله أخذه عنه، و (حُزْوى) بضم الحاء موضع بنجد، انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٢٥٥.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، "مجاز القرآن" ١/ ٣١١، "الزينة" ٢/ ٢٧.
(٧) تبع الواحدي شيخه الثعلبي فنسب البيت للأعشى، والبيت للبيد كما نسبه الطبري وغيره في "ديوانه" كما سيأتي.
(٨) شطره الثاني: وَرَبَّ مَعَدًّ بَيْنَ خَبْتٍ وَعَرْعَرِ.
(رب كندة): ملكهم حجر أبو امرئ القيس، و (رب معد): ملكهم حذيفة بن بدر، (خبت): الأصل فيه المطمئن من الأرض ويطلق على عدة أماكن، و (عرعر) اسم =
487
أي: سيدها.
والله تعالى ربُّ كل شيء أي: مالكه، وهو السيد على الحقيقة.
وقال بعض أهل اللغة: المعنى الثاني راجع إلى الأول الذي هو بمعنى التربية (١) وقيل للمالك: (رب) لأنه يرب مملوكه، ويملك تربيته وتنشئته، والسيد رب لأنه مالك.
فأما ما يذهب إليه المتكلمون أنه لم يزل ربًّا (٢)، وأن هذا من صفة الذات، وقولهم: إن معناه الثابت الدائم، من قولهم: (ربُّ بالمكان) إذا أقام به (٣). فهذا لا يعرفه أهل اللغة، وليس يصح ربَّ (٤) بمعنى: أقام (٥)، وأربَّ بمعنى: أقام صحيح (٦)، فان أمكن بناء (٧) هذا الاسم من الإرباب صح قولهم.
= مكان. انظر البيت في "شرح ديوان لبيد" ص ٥٥، "تفسير الطبري" ١/ ٦٢، "الزينة" ٢/ ٢٧، "الزاهر" ١/ ٥٧٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب.
(١) انظر: "معجم مقاييس اللغة" (رب) ٢/ ٣٨١، ٣٨٢.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦/ أ.
(٣) ذكره الثعلبي عن الحسين بن الفضل في "تفسيره" ١/ ٢٥/ ب.
(٤) في (ب): (في رب).
(٥) بل ورد عند بعض أهل اللغة (رب) بمعنى: أقام، قال ابن دريد في "الجمهرة" (... رب بالمكان وأرب به إذا أقام به) ١/ ٢٨، وانظر: "الاشتقاق" له ص ٥٣٦، وفي "اللسان": رب بالمكان وأرب: لزمه. "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٤٨، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٥/ ب.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٩، "الصحاح" (ربب) ١/ ١٣٢، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٤٨.
(٧) في (ب): (بنى).
488
وقوله تعالى: ﴿الْعَالَمِينَ﴾: هو جمع (عالم) على وزن (فَاعَل) (١)، كما قالوا: خَاتَم (٢)، وطَابَع، ودَانَق (٣)، وقَالَب (٤)، واختلفوا في اشتقاقه على وجهين: فمنهم من قال: اشتقاقه من (العَلَم) و (العلامة)، وذلك أن كل مخلوق دلالة وعلامة على وجود صانعه (٥)، فالعالم اسم عام لجميع المخلوقات، يدل على هذا قول الناس: (العالم محدث) يريدون به جميع المخلوقات، وهذا قول الحسن (٦) ومجاهد وقتادة (٧) في تفسير العالم: إنه جميع المخلوقات. ولدل على هذا القول من التنزيل قوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الشعراء: ٢٣، ٢٤] فسر (٨) العالمين بجميع المخلوقات. ومنهم من قال: إنه مشتق من العِلْم (٩).
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (علم) ٣/ ٢٥٥٤.
(٢) الخاتم: ما يوضع على الطينة التي على الكتاب، وتكون علامة على أنه لم يفتح، والطابع بمعناه، انظر. "تهذيب اللغة" (ختم) ١/ ٩٨٣، و (طبع) ٣/ ٢١٦١.
(٣) (الدانق) بفتح النون وكسرها: سدس الدرهم، انظر: "اللسان" (دنق) ٣/ ١٤٣٣.
(٤) (القالب) بفتح اللام وكسرها، الشيء الذي يفرغ فيه الجواهر، ليكون مثالا لما يصاغ منها، "اللسان" (قلب) ٦/ ٣٧١٥.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦/ ب، وانظر: "معجم مقاييس اللغة" (علم) ٤/ ١١٠.
(٦) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، مولى الأنصار، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وتوفي سنة عشر ومائة من الهجرة، كان غزير العلم بكتاب الله تعالى. ورعًا زاهدًا فصيحا. انظر ترجمته في "حلية الأولياء" ٢/ ١٣١، "طبقات القراء" لابن الجزري ١/ ٢٣٥، "تذكرة الحفاظ" ١/ ٧١، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ١٥٠.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦/ ب وذكره الطبري عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. "تفسير الطبري" ١/ ٦٣، وكذا ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٧.
(٨) في (ب): (فيفسر).
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦/ ب.
489
فالعالمون على هذا هم من يعقل، قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هم الجن والإنس (١).
واختاره أبو الهيثم (٢) والأزهري (٣)، واحتجوا بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١] وإنما بعث محمد نذيرا للجن والإنس (٤). وقال الحسين بن الفضل وأبو معاذ (٥) النحوي: هم بنو آدم (٦)، لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥)﴾ [الشعراء: ١٦٥].
وقال الفراء (٧) وأبو عبيدة: هو عبارة عما يعقل، وهو أربع أمم:
(١) أخرجه الطبري بسنده. قال شاكر: إسناه حسن. "تفسير الطبري" ١/ ١٤٤ (ط. شاكر)، وابن أبي حاتم. وقال المحقق: (إسناده ضعيف)، "تفسير ابن أبي حاتم" رسالة دكتوراه ١/ ١٥٤، والحاكم في "المستدرك"، وقال بعده: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند. ووافقه الذهبي، "المستدرك"، كتاب التفسير تفسير سورة الفاتحة ٢/ ٢٥٨، وانظر: "الدر المنثور" ١/ ٣٦.
(٢) انظر: الثعلبي ١/ ٢٦/ أ.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (علم) ٣/ ٢٥٥٤.
(٤) "التهذيب" (علم) ٣/ ٢٥٥٤.
(٥) أبو معاذ النحوي المقرئ اللغوي، له عناية باللغة والقراءات. انظر مقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٤٤، "إنباه الرواة" ١٧٩.
(٦) قال الثعلبي في "تفسيره" (قال أبو معاذ النحوي: هم بنو آدم.. وقال الحسين بن الفضل: (العالمون): الناس واحتج بقوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٦/ أ.
(٧) أبو زكرياء يحي بن زياد الديلمي الفراء، كان أبرع أهل الكوفة في النحو، له كتب من أشهرها معاني القرآن، توفي سنة سبع ومائتين. انظر ترجمته في "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي ص ١٣١، "تاريخ بغداد" ١٤/ ١٤٩، "اللباب" ٢/ ٤١٤، "إنباه الرواة" ٤/ ١.
490
الملائكة والإنس والجن والشياطين، ولا يقال للبهائم: عالم (١).
وقد ذكر الله تعالى ﴿الْعَالَمِينَ﴾ وأراد به أهل عصر واحد، وهو قوله لبني إسرائيل: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ٤٧] يعني عالمي زمانهم (٢).
وهذِه الأقوال صحيحة على أصل من يجعله مشتقًّا من العِلْم، والذين صححوا هذِه الطريقة قالوا في جواب موسى لفرعون: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ (٣): إنه لم يشتغل بتفسير العالمين، وإنما أراد تعريفه على وجه أظهر من الأول (٤)، ليصير الخصم مبهوتًا.
وأبو إسحاق (٥) اختار الطريقة الأولى، وقال: معنى العالمين: كل ما خلق الله. قال: وقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كقوله ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٦٤] (٦).
والعالم على كلا (٧) الأصلين: اسم للجمع (٨)، ولا واحد له من لفظه،
(١) بنصه في "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٦/ ب.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٤، "التصاريف" المنسوب ليحيى بن سلام ص ٢٦٦، "إصلاح الوجوه والنظائر" للدامغاني ص ٣٣١.
(٣) يشير بهذا إلى ما سبق في قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣، ٢٤] حيث استدل بالآيتين من قال: إن العالمين: جميع المخلوقات.
(٤) هو ما ورد في الآيات قبلها حين توجه موسى إلى فرعون بقوله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦].
(٥) الزجاج.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨.
(٧) في (ج): (كل).
(٨) في (ج): (جمع).
491
كالأنام والرهط والجيش (١).
قال أبو إسحاق: وإنما لم يستعمل الواحد من لفظه؛ لأن (العالم) اسم لأشياء مختلفة، فإن جعل لواحد منها اسم من لفظه صار جمعا لأشياء متفقة (٢).
وهذا النوع من الجمع (٣) يسمى (السالم) لسلامة لفظ الواحد فيه، ويجمع على الواو والياء (٤).
واختلف النحويون في (الواو والياء والألف) اللواتي تلحق التثنية والجمع (٥)، فمذهب سيبويه فيها أنها حروف إعراب بمنزلة (الدال) من زيد (٦).
والدليل على ذلك (٧): أن الذي أوجب للواحد المتمكن نحو: (زيد ورجل) حرف الإعراب، هو (٨) موجود في التثنية والجمع (٩)، وهو التمكن،
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٦٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٦/ أ.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨، ذكر كلامه بتصرف.
(٣) أي: (العالمين) جمع (عالم)، انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٢، "شرح ابن عقيل" ١/ ٦٣.
(٥) نقل الواحدي في هذا الموضوع عن أبي الفتح ابن جني من "سر صناعة الإعراب" بعضه بنصه، وبعضه بمعناه. ٢/ ٦٩٥، ومثل هذا المبحث مكانه كتب النحو لا كتب التفسير.
(٦) انظر: "الكتاب" ١/ ١٧، ١٨.
(٧) أي ما ذهب إليه سيبويه، انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٦.
(٨) في (أ)، (ج): (فهو) وما في (ب) موافق لما في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٦.
(٩) لم يرد في كلام أبي الفتح ذكر للجمع، وإنما الحديث عن المثنى، وأضاف الواحدي كلمة (الجمع) لكلامه في جميع المواضع؛ لأن حكمهما واحد. انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٦.
492
فكما أن الواحد المعرب المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب، فكذلك الاسم المثنى والمجموع إذا كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب، وإذا كان كذلك فقولنا: (الزيدان والزيدون) (١) لا يخلو حرف الإعراب، إما أن يكون ما قبل الألف والواو، أو هما، أو ما بعدهما.
ويفسد أن تكون (الدال) من زيد هي حرف الإعراب في التثنية؛ لأنها قد كانت في الواحد حرف الإعراب، وقد انقلبت عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع، كما تقول في (قائمة) لما انقلبت عن المذكر (٢) الذي هو الأصل إلى المؤنث الذي هو الفرع، بطل أن تكون (الميم) التي كانت (٣) في المذكر حرف إعراب أن تكون (٤) في المؤنث حرف إعراب، وصار حرف الإعراب علم التأنيث وهو (الهاء) (٥) فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية والجمع (٦) هو حرف الإعراب (٧). ولا يجوز أن يكون ما بعد الألف والواو حرف إعراب، وهو (النون) لأنها حرف صحيح يتحمل (٨) الحركة، فلو كانت
(١) عند أبي الفتح: (الزيدان والعمران، والرجلان والغلامان) ٢/ ٦٩٧، فهي أمثلة على المثنى وليس للجمع ذكر.
(٢) وهو (قائم)، انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٧.
(٣) في (ب): (الذي كان).
(٤) في (ب): (يكون).
(٥) في كلمة (قائمة)، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٧.
(٦) (الجمع) زيادة من الواحدي على كلام أبي الفتح، ٢/ ٦٩٧.
(٧) تكلم أبو الفتح بعد هذا عن المقارنة بين المثنى وجمع التكسير، ولماذا لا تكون (الدال) من (الزيدان) حرف إعراب كما في المفرد؟ مثل (فرس) فالسين حرف إعراب و (أفراس) السين حرف إعراب وهو جمع تكسير. انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٧ - ٦٩٨.
(٨) في (ب): (محمل).
493
حرف إعراب لوجب أن تعربه (١) في الرفع والنصب والخفض (٢)، كما تعرب (الدال) من زيد، وكما تقول: هؤلاء غلمان، ورأيت غلمانا، ومررت بغلمان (٣).
وهذا الذي ذكرنا من مذهب سيبويه، مذهب أبي إسحاق وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي (٤).
وإذا ثبت أن هذِه الحروف حروف إعراب (٥) فلا إعراب في لفظها استثقالا للحركات فيها، ولا تقدير إعراب فيها -أيضًا- كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب، ألا ترى أنك إذا قلت: هذا فتى، ففي الألف تقدير ضمة، وإذا قلت: رأيت فتى، ففي الألف تقدير فتحة، وإذا قلت: مررت بفتى، ففي الألف تقدير كسرة، وهو لا يرى (٦) أنك إذا قلت: هذان الزيدان، أن في الألف تقدير ضمة، ولا إذا قلت: مررت بالزيدين، وضربت
(١) في (ب): (تعرفه).
(٢) قال أبو الفتح: تقول: (قام الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان)، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٩.
(٣) انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٩ وما بعدها من الصفحات فقد أطال أبو الفتح بن جني الشرح حول هذِه المسألة.
(٤) انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٥، قال أبو الفتح: (.. وهو قول أبي إسحاق، وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي..).
(٥) قال أبو الفتح: (واعلم أن سيبويه يرى أن (الألف) في التثنية كما أنه ليس في لفظها إعراب، فكذلك لا تقدير إعراب فيها كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب، ألا ترى أنك.. الخ) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٦.
(٦) في (ب): (لا ترى). والمراد (سيبويه) كما هو في النص السابق الذي نقلناه عن أبي الفتح ٢/ ٧٠٦.
494
الزيدين، ففي الياء تقدير كسرة ولا فتحة (١).
قال أبو علي: (٢) يدلك على أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية والجمع تقدير حركة في المعنى، صحة (الياء) في الجر والنصب في قولك: (مررت برجلين) و (ضربت رجلين)، ولو كان في (الياء) منهما (٣) تقدير حركة، لوجب أن تقلب ألفا كرحى وفتى، ألا ترى أن (الياء) إذا انفتح ما قبلها وكانت في تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا (٤).
وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن، وصحة المذهب وسداد الطريقة (٥). ودخلت النون فيهما عوضا من الحركة والتنوين، وذلك أن من شرط التثنية، والجمع -الذي على حد التثنية- أن يكون (٦) له علامة مزيدة على لفظ الواحد، والواحد فيه حركة وتنوين، فكان حق العلامة أن تدخل على لفظ الواحد، ثم تلحقها الحركة والتنوين، فلما وجب أن يدخل التنوين
(١) في "سر صناعة الإعراب" (أن في الياء..) وفي حاشيته: في (ش): (ففي) ويظهر أن الواحدي أخذ عن هذِه النسخة، والصحيح ما أثبت في أصل "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٦.
(٢) عند أبي الفتح: (قال أبو علي: ويدل على صحة ما قال سيبويه من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى -كما أن ذلك ليس موجودا في اللفظ- صحة (الياء) في الجر والنصب...) فلم يرد في كلامه لفظ الجمع، انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٦.
(٣) في (ب): (منها).
(٤) لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب أبي علي الفارسي، ولعل أبا الفتح أخذه من أبي علي مشافهة حيث قال: (وهذا أيضًا من لطيف ما حصلته عنه فافهمه). "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٧.
(٥) بنصه من "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠٦.
(٦) في (ب): (تكون).
495
والحركة في التثنية والجمع، ثم عرض ما يمنع من دخولهما، وجب أن يعوض (١) منهما، وقد بينا أن الحركة إنما أسقطت استثقالا، والتنوين وجب إسقاطه لأنه ساكن، وهذِه الحروف سواكن ولم يمكن إسقاط هذِه الحروف لأنها علامات، ولا تحريكها للثقل، ولا تحريك التنوين؛ لأنه يخرج عن حكم العلامة ويصير نونا لازمة، فلم يبق إلا إسقاطه، فلما دخلت النون دخلت ساكنة؛ لأنه لا حظ لها من الإعراب فاجتمع ساكنان، فحركت نون التثنية بالكسرة ونون الجمع بالفتحة فرقا بينهما (٢). وكانت نون التثنية أولى بالكسرة لأن قبلها (ألفا) وهي خفيفة والكسرة ثقيلة (٣)، فاعتدلا، وقبل نون الجمع (واو (٤)) وهي ثقيلة ففتحوا النون ليعتدل الأمر.
فإن قلت: إنك تكسر النون مع (الياء) في النصب والجر، فهلا هربت إلى الفتحة لمكان (الياء) كما هربت إلى الفتحة لمكانها في (أين وكيف)؟. والجواب: أن (الياء) في التثنية ليست بلازمة كلزومها في (أين) لأن الأصل هو الرفع، والنصب والجر فرعان عليه، فأجروا الباب على حكم الرفع الذي هو الأصل (٥)، وصارت النون أولى بالزيادة من بين سائر الحروف، لشبهها بحروف المد. وسترى وجه الشبه بينهما فيما يمر بك من الكتاب إن شاء الله.
(١) في (ج): (يعرض).
(٢) أخذه بمعناه من "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٣) في (ب): (ثقيلا).
(٤) عند أبي الفتح: (وقبل نون الجمع (واو) أو (ياء)) ٢/ ٤٨٨.
(٥) انتهى ما نقله عن أبي الفتح ابن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" ملخصا قال أبو الفتح (فهذِه حال نون التثنية والجمع الذي على حد التثنية ولم يتقص أحد من أصحابنا القول عليها هذا التقصي، ولا علمته أشبعه هذا الإشباع) ٢/ ٤٨٧ - ٤٨٩.
496
٤ - قوله تعالى: ﴿مَالِكِ (١) يَوْمِ الدِّينِ﴾. المالك في اللغة: (الفاعل) من الملك، يقال: ملك فلان الشيء يملِكُه مُلكا ومِلكا ومَلْكا ومَلَكة (٢) ومَمْلَكة ومَمْلَكة (٣)، ويقال: إنه لحسن الملْكَة (٤) والمِلْك. وأصل المُلك والمِلك راجع إلى معنى واحد، وهو الربط والشد، فمالك الشيء من ربطه لنفسه وملكه ما يختص به، وشد بعقد يخرج به عن أن يكون مباحا لغيره، وملك القوم من غلبهم وربط أمرهم (٥).
ومن هذا يقال: ملكت العجين أي شددت عجنه، وقول أوس بن حجر (٦):
فملك بالليط الذي تحت قشرها كغِرْقيء بَيضٍ كنه القَيضُ من عَلِ (٧)
(١) في (ج): (ملك).
(٢) في (ب): (وملكا).
(٣) ذكره الأزهري عن اللحياني: "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، وانظر: "المحكم" (ملك) ٧/ ٤٥.
(٤) (المَلكة) بفتح الميم كذا ضبط في "التهذيب"، وفي حاشيته: وضبط في (ل) بكسر وتسكين اللام. "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، وفي "المحكم" بالكسر ٧/ ٤٥.
(٥) انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ١٣، ١٧، "المخصص" لابن سيده ١٧/ ١٥٧، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٣٠، "اشتقاق أسماء لله" للزجاجي ص ٤٣، ٤٤.
(٦) أوس بن حجر من شعراء الجاهلية وفحولها، وأحد شعراء تميم، انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ١١٤، "الخزانة" ٤/ ٣٧٩، "معاهد التنصيص" ١/ ١٣٢.
(٧) قوله (ملك): شدد، و (الليط): القشر، و (القيض): القشر الغليظ فوق البيضة، و (الغرقىء): القشر الرقيق للبيضة، وهو يصف قوسا يقول: إنه قواه وذلك حين قشره فترك القشر الرقيق ليقويه به. ورد البيت في "ديوان أوس" ص ٩٧، "الحجة" للفارسي ١/ ١٧، "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٥٠، " الخصائص" ٢/ ٣٦٣، ٣/ ١٧٢، "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٦، "الصحاح" (ملك) ٤/ ١٦١٠، "المحكم" (ملك) ٧/ ٤٦، "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٨، "الخزانة" ٢/ ٣٩٦.
497
ملك: شدد. وقول قيس بن الخطيم (١):
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها (٢)
أي: شددت بالطعنة كفي (٣).
ويقال: ما تمالك فلان أن فعل كذا، أي لم يستطع أن يضبط نفسه (٤). وقال (٥):
فلا تمالك (٦) عن أرض لها عمدوا (٧)
وملاك (٨) الأمر: ما يضبط به الأمر، يقال: القلب (٩) ملاك الجسد (١٠).
(١) هو قيس بن الخطيم بن عدي بن الخزرج، شاعر فارس، لقي النبي - ﷺ - ومات كافرا، ترجمته في "طبقات فحول الشعراء" ٩١/ ٩٢، "الإصابة" ٣/ ٢٨١، "الخزانة" ٧/ ٣٤.
(٢) من قصيدة لقيس قالها حين أصاب بثأره من قاتلي أبيه وجده، والشطر الثاني:
يرى قائم من خلفها ما وراءها
يقول: شددت بهذِه الطعنة كفى ووسعت خرقها، حتى يرى القائم من دونها الشيء وراءها. انظر: "ديوان قيس" ص ٨، "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٥٠، "الصحاح" ٤/ ١٦٠٩، "المحكم" ٧/ ٤٦، "تاج العروس" ١٣/ ٦٥٣، "اللسان" ٧/ ٤٢٦٨، (المعاني الكبير) ٢/ ٩٧٨، ٩٨٣، "الحجة" للفارسي ١/ ١٣، ١٧، "الخزانة" ٧/ ٣٥.
(٣) في (ب): (لفى).
(٤) "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٥٠، "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٨.
(٥) في (ج): (ويقال).
(٦) (تمالُك) بضم اللام في "تهذيب اللغة" وفي الحاشية: (جـ)، (ل) بفتح اللام، "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٧١، وبالفتح في "اللسان" ١٠/ ٤٩٤.
(٧) ورد في "التهذيب" (ملك) ١٠/ ٢٧١، غير منسوب، وكذا في "اللسان" (ملك) ١٠/ ٤٩٤.
(٨) في (ب): (ملال).
(٩) في (ج): (الا القلب).
(١٠) في (ج): (الجساد). ذكر الأزهري عن الليث نحوه. "التهذيب" (ملك) ٤/ ٢٤٥٠، وانظر: "المحكم" ٧/ ٤٦، "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٨.
498
وأبو مالك: كنية الكبر والسن، كني به لأنه يغلب الإنسان ويشده عما يريد، فلا ينبسط انبساط الشاب (١). قال:
أبا مالك إن الغواني هجرنني أبا مالك إني أظنك دائبا (٢)
ويقال للرجل إذا تزوج: ملك فلان، يملك ملكا؛ لأنه شد عقد النكاح. وأملك إملاكا إذا زوج (٣).
وفي هذا الحرف قراءتان (مالك) و (ملك) (٤). فمن قرأ (ملك) قال: الملك أشمل وأتم؛ لأنه قد (٥) يكون مالك (٦) ولا ملك له، ولا يكون مَلِك إلى وله مُلك، ولأنه لا يقال: مالك على الإطلاق، حتى يضاف إلى شيء، ويقال: ملك على الإطلاق (٧).
واحتج محمد بن جرير (٨) لهذِه القراءة فقال: إن الله نبه على أنه مالكهم بقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فحمل قوله ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ على وصف زائد
(١) نحوه في "التهذيب" عن ابن الأعرابي ٤/ ٣٤٥١، وانظر: "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٩.
(٢) أورده الأزهري بدون نسبه في "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٥١ و (أبا) ١/ ١٠٤، "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٩، وكذا الزمخشري في "أساس البلاغة" (ملك) ٢/ ٤٠١.
(٣) "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، وانظر: "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٨.
(٤) قراءة عاصم والكسائي (مالك) وبقية السبعة (ملك)، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٠٤، "الحجة" للفارسي ١/ ٧، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٧٧، "الكشف" لمكي ١/ ٢٥.
(٥) (قد) غير واضحة في (أ)، وفي (ب): (لا يكون).
(٦) في (ج): (مالكا) وعليه تعتبر (يكون) ناقصة.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٦٥، "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ٩، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٧٧ - ٧٩، "الكشف" ١/ ٢٦.
(٨) هو الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري، سبقت ترجمته في الدراسة.
499
أحسن (١).
وقال محمد بن السري: الملك (٢) الذي يملك الكثير من الأشياء، ويشارك غيره من الناس بالحكم عليه في ملكه (٣)، وأنه لا يتصرف فيه إلا بما يطلقه له الملك ومع ذلك أن الملك يملك على الناس أمورهم، فلا يستحق اسم الملك حتى يجتمع له ملك هذا كله، فكل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا.
ويقوي هذِه القراءة من التنزيل قوله ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ﴾ (٤)، وقوله ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣]، و ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: ٢]، و ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر: ١٦]، ولم يقل: (لمن المِلْك) (٥).
وأكثر أهل اللغة اختاروا (مالك) أبو عبيدة، وأبو حاتم (٦)،
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٥٠، نقل كلامه بمعناه، وابن جرير يرجح قراءة (ملك).
(٢) كلام ابن السري ورد في "الحجة" لأبي علي الفارسي ضمن كلام طويل له في ترجيح قراءة (ملك) حيث قال الفارسي: (قال أبو بكر محمد بن السري الاختيار عندي (ملك يوم الدين) والحجة في ذلك.. فالملك الذي يملك الكثير من الأشياء.. الخ)، "الحجة" ١/ ١٣، ١٤.
(٣) في "الحجة" (.. ويشارك غيره من الناس، بأنه يشاركه في ملكه بالحكم عليه فيه...).
(٤) طه: ١١٤، والمؤمنون: ١١٦.
(٥) قال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي: كان أبو عبيد يختار (ملك يوم الدين) على (مالك) وذلك أن الله عز وجل قال: ﴿لمن الملك﴾ ولم يقل: (لمن المِلك). وذلك أن الملك مصدر الملك، والملك مصدر المالك. وخطأه أبو حاتم السجستاني في ذلك، فقال: أظنه احتج على نفسه ولم يشعر، لأن معنى (لمن الملك) يعني من يملك الملك...) كتاب "الزينة" ٢/ ١٠٠، وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٢٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٧٨.
(٦) أبو حاتم هو: سهل بن محمد الجشمي السجستاني. نزيل البصرة وعالمها، من أئمة =
500
والأصمعي، والأخفش، وأبو العباس (١)، وقالوا: إنه أجمع وأوسع، لأنه يقال: مالك الطير والدواب والوحوش وكل شيء، ولا يقال: ملك كل شيء، إنما يقال: ملك الناس (٢)، قالوا: ولا يكون مالك الشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء وهو لا يملكه كقولهم: (ملك العرب والعجم)، ولأنه يجمع الفعل والاسم (٣)، ولأن معنى الآية أنه يملك الحكم يوم الدين بين خلقه دون غيره، فالوصف يكون مالكا (٤).
واحتج أبو العباس لهذِه القراءة فقال: (مالك يوم الدين) معناه يملك إقامة يوم الدين، على معنى يملك أن يأتي به، وإذا كان المعنى على هذا فالوجه (مالك) لا (ملك) (٥).
ومما يقوي هذِه القراءة من التنزيل قوله ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩] فقولك: الأمر له، وهو مالك الأمر بمعنى، ألا ترى أن لام الجر
= اللغة والشعر، والنحو إلى أنه لم يكن فيه حاذقًا، تلقى على أبي زيد، وأبي عبيدة والأصمعي، توفي سنة (٢٥٥ هـ).
انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٣، "أخبار النحويين" للسيرافي ١٠٢، "إنباه الرواة" ٢/ ٥٨.
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٨/ أ، "الزينة" ١/ ١٠٠، ١٠١، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٠، "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩.
(٢) فـ (مالك) أعم وأشمل. انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٧٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٨/ أ.
(٣) ذلك أن (مالكا) يجمع لفظ الاسم ومعنى الفعل فلذلك يعمل (فاعل) فينصب كما ينصب الفعل. انظر: "الكشف" لمكي ١/ ٢٦.
(٤) انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ١٢، ١٥، ١٦، "الكشف" ١/ ٢٥، ٢٦.
(٥) ذكر الأزهري نحوه عن المنذري عن أبي العباس. "التهذيب" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، وانظر: "الحجة" ١/ ١٥.
501
معناها (١) الملك (٢).
ومن نصر هذِه القراءة أجاب (٣) ابن جرير بأن قال: ما ذكرت لا يرجح قراءة ملك؛ لأن في التنزيل أشياء على هذِه الصورة قد تقدمها العام وذكر بعده الخاص، كقوله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)﴾ [العلق: ١ - ٢].
وقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، ثم قال: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ٤]. في أمثال كثيرة لهذا (٤).
فمن قرأ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فقد أضاف اسم الفاعل إلى الظرف وحذف المفعول من الكلام للدلالة (٥) عليه، تقديره: مالك يوم الدين الأحكام، لأن القديم سبحانه ينفرد في ذلك اليوم بالحكم. فأما الدنيا فإنه يحكم فيها -أيضًا- الولاة والقضاة (٦).
(١) في (ب): (معناه).
(٢) بنصه في "الحجة" ١/ ١٩.
(٣) أي من نصر قراءة (مالك) أجاب على دعوى ابن جرير السابقة -وهي قوله: (إن الله نبه على أنه مالكهم بقوله: ﴿رب العالمين﴾ فحمل قوله: ﴿ملك يوم الدين﴾ على وصف زائد أحسن). والكلام في "الحجة" ليس فيه ذكر لابن جرير حيث قال: (قال أبو علي: وأما ما حكاه أبو بكر ابن السري عن بعض من اختار القراءة بملك.. فإنه لا يرجع قراءة ملك على مالك، لأن في التنزيل أشياء على هذِه الصورة..) ١/ ١٨.
(٤) انظر: "الحجة" لأبي علي ١/ ١٨، ١٩.
(٥) في (ب). (الدلالة).
(٦) في "الحجة" لأبي علي: (فإنه قد حذف المفعول به من الكلام للدلالة عليه، وإن هذا المحذوف قد جاء مثبتا في قوله ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ [الانفطار: ١٩] فتقديره: (مالك يوم الدين الأحكام). وحسن هذا الاختصاص لتفرد القديم سبحانه في ذلك اليوم بالحكم..)، "الحجة" ١/ ٣٤.
502
وعلى ما ذكره أبو العباس، الآية تكون من باب حذف المضاف (١)، وإقامة المضاف إليه مقامه، وهو كثير في الكلام، وسترى منه مالا يحصى كثرة.
وأما إعراب ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فالجر في القراءتين (٢). وهو صفة الاسم، مجرور (٣)، والصفات تجري على موصوفاتها إذا لم تقطع عنها (٤) بمدح أو ذم. وأما العامل فيها، فزعم الأخفش أبو الحسن أن الوصف يجري على ما قبله، وليس معه لفظ يعمل فيه (٥)، إنما يعمل فيه كونه نعتا (٦)، وذلك الذي يرفعه وينصبه ويجره، كما أن المبتدأ (٧) إنما يرفعه الابتداء (٨)، وإنما الابتداء معنى عمل (٩) فيه، وليس لفظا، فكذلك هذا (١٠).
وقوله تعالى: ﴿الدِّينِ﴾ قال الضحاك (١١) وقتادة: (الدين) الجزاء، يعني
(١) يعني بقوله فيما سبق (يملك إقامة يوم الدين...) فحذف المضاف وهو (إقامة) وأقام المضاف إليه وهو (يوم الدين) مقامة. انظر: "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، ورد ابن جرير هذا القول، انظر: "تفسيره" ١/ ٦٧.
(٢) "الحجة" لأبي علي ١/ ٤٠.
(٣) وهو لفظ الجلالة في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
(٤) في "الحجة": (والصفات تجري على موصوفيها إذا لم تقطع عنهم لذم أو مدح...)، "الحجة" ١٠/ ٤٠.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٠.
(٦) في "الحجة": (وليس معه لفظ عمل فيه، إنما فيه أنه نعت..)، ١/ ٤٠.
(٧) في (ب): (المبتدى).
(٨) في "الحجة" لأبي علي: (كما أن المبتدأ إنما رفعه الابتداء..) ١/ ٤٠.
(٩) (عمل) ساقط من (ب).
(١٠) انتهى من "الحجة"، ١/ ٤٠.
(١١) هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد، من أوعية العلم، وكان مفسرا حدث عن =
503
يوم يدين الله العباد بأعمالهم (١). تقول العرب: دنته بما فعل أي جازيته (٢). ومنه قوله: ﴿أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ (٣) [الصافات: ٥٣] أي مجزيون. وقال:
واعلم وأيقن أن ملكك زائل واعلم بأن كما تدين تدان (٤)
أي تجزى بما تفعل. ويقوي هذا التفسير قوله ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ﴾ [غافر: ١٧].
وقوله: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨]. وقال ابن عباس، والسدي، ومقاتل (٥)، في معنى قوله ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: قاضي يوم الحساب (٦)،
= عدد من الصحابة، قال بعضهم: لم يلق ابن عباس، في وفاته أقوال قيل: (١٠٢ هـ) وقيل (١٠٥ هـ)، وقيل: (١٠٦ هـ). انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٠٠، "طبقات خليفة" ص ٥٦٨، ٣٢٢، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥٩٨.
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٨/ ب، وأخرجه الطبري في "تفسيره" عن قتادة، وأخرج نحوه عن ابن عباس وابن جريج ١/ ٦٨، وقول قتادة ذكره السيوطي في "الدر" وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد. "الدر" ١/ ٣٩.
(٢) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٨.
(٣) وقد وردت الآية في جميع النسخ ﴿إنا لمدينون﴾ وكذا عند الثعلبي في "تفسير" ١/ ٢٨/ ب.
(٤) نسبه بعضهم إلى يزيد بن الصعق الكلابي، وبعضهم: إلى خويلد بن نوفل الكلابي، وقال في (الخزانة): قال بعض الكلابين، والبيت مع بيتين قبله، قالهما يخاطب الحارث بن أبي شمر الغساني حين اغتصب ابنته. ورد البيت في "تفسير الطبري" ١/ ٦٨، "الكامل" ١/ ٣٢٨، "المخصص" ١٧/ ١٥٥، "اللسان" (دين) ٣/ ١٤٦٨، "التاج" ١٨/ ٢١٥، "الخزانة" ١٠/ ٩١.
(٥) (مقاتل) ساقط من ب.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٨/ ب، وقد أخرج الطبري عن ابن عباس: يوم الدين: يوم حساب الخلائق. "تفسير الطبري" ١/ ٦٨، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" =
504
واختار أبو عبيد هذا القول (١). ومن الدين بمعنى الحساب قوله: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦] أي: ذلك الحساب (٢) الصحيح، والعدد المستوي (٣).
وقيل في قوله: "الكيس من دان نفسه (٤) ": أي حاسبها. وخص هذا اليوم بأنه مالكه، تعظيما لشأنه وتهويلا لأمره، كقوله: ﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)﴾ [العاديات: ١١] وهو خبير سائر الأيام. وللدين معان كثيرة في اللغة (٥)، وكل موضع انتهينا إليه من القرآن ذكرنا ما فيه.
٥ - قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ (٦). اختلفت (٧) مذاهب النحويين في هذا الحرف، وأنا ذاكر لك هنا منها ما يحتمله هذا الكتاب (٨). ذهب الخليل
= ١/ ١٥٧ (رسالة دكتوراه)، وانظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٥٣، "نزهة الأعين النواظر" لابن الجوزي ص ٢٩٥.
(١) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٤٣٩.
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٨/ ب، وفسر الطبري (الدين) في آية التوبة ويوسف بأنه الدين القويم المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وفي آية الروم فسره: بالمستقيم، ثم قال: وقد وجه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب، (تفسير الطبري) ١٠/ ١٢٦، ١٢/ ٢٢٠، ٢٠/ ٤٢، انظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٥٤.
(٣) "تهذيب اللغة" (دان) ٢/ ١١٣٦.
(٤) الحديث أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس، وقال: حديث حسن. الترمذي (٢٤٥٩)، أبواب صفة القيامة، وابن ماجه (٤٢٦٠) كتاب: الزهد، باب: ذكر الموت، والإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ١٢٢، وهو بنصه في "تهذيب اللغة" (دان) ٢/ ١١٣٦.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (دان) ٢/ ١١٣٦، "معجم مقاييس اللغة" (دين) ٢/ ٣١٩، "إصلاح الوجوه والنواظر" للدامغاني ص ١٧٨، "نزهة الأعين النوظر في علم الوجوه والنظائر" ص ٢٩٥.
(٦) في (ج): (نحبد) تصحيف.
(٧) في (ب): (اختلف).
(٨) ما ذكره الواحدي عن (إياك) نقله عن أبي الفتح ابن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" =
505
إلى أن (إيا) اسم مضمر، مضاف إلى (الكاف) وهذا -أيضًا- مذهب أبي عثمان (١). وحكى أبو بكر (٢) عن أبي العباس (٣) عن أبي الحسن (٤) أنه اسم مفرد مضمر يتغير آخره كما تتغير (٥) أواخر المضمرات، لاختلاف أعداد المضمرين، وأن الكاف في (إياك) كالكاف التي في (ذلك) في أنه دلالة على الخطاب فقط، مجردة من كونها علامة للضمير، ولا يجيز أبو الحسن فيما يحكى عنه: (إياك وإيا زيد) و (إياي وإيا الباطل) (٦).
وقال سيبويه: حدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: إذا
= مع تصرف يسير في العبارة، وأبو الفتح اعتمد على أبي علي الفارسي، وصرح بنقله عنه، وكلام الفارسي موجود في "الإغفال" قال أبو الفتح: (وهذِه مسألة لطيفة عنت لنا في أثناء هذا الفصل، نحن نشرحها ونذكر خلاف العلماء فيها، ونخبر بالصواب عندنا من أمرها إن شاء الله وهي قوله عز اسمه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وما كان مثله. أخبرني أبو علي، عن أبي بكر محمد بن السري، عن أبي العباس محمد بن يزيد: أن الخليل يذهب إلى أن (إيا) اسم مضمر مضاف إلى الكاف...)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٢، وانظر: "الإغفال" ص ٥٢ (رسالة ماجستير).
(١) هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني، النحوي المشهور، أستاذ أبى العباس المبرد، اختلف في سنة وفاته فقيل: (٢٣٦ هـ)، وقيل: (٢٤٨ هـ)، وقيل: غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات النحويين واللغويين" ص ٨٧، "تاريخ بغداد" ٧/ ٩٣، "إنباه الرواة" ١/ ٢٤٦، "معجم الأدباء" ٢/ ٣٤٥، "نزهة الألباء" ص ١٤٠.
(٢) هو محمد بن السري كما في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٢.
(٣) المبرد، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٢.
(٤) في (ب): (الخير).
(٥) في (ب): (يتغير).
(٦) في (ج): (الباصل).
506
بلغ الرجل ستين فإياه وإيا الشواب (١).
وحكى ابن كيسان عن بعض النحويين أنه قال: (إياك) بكمالها: اسم. قال: وقال بعضهم: (الياء والكاف والهاء) هي الأسماء، و (إيا) عماد لها؛ لأنها لا تقوم بأنفسها (٢).
وقال أبو إسحاق: (الكاف) في (إياك) في موضع جر بإضافة (٣) (إيا) إليها، إلى أنه ظاهر يضاف إلى سائر المضمرات. (٤) وليس يصح من هذِه الأقوال إلا قول أبي الحسن (٥).
أما قول الخليل: إن (إيا) اسم مضمر مضاف فظاهر الفساد؛ وذلك أنه إذا ثبت أنه مضمر فلا سبيل إلى إضافة؛ لأن الغرض في الإضافة التعريف والتخصيص، والمضمر على نهاية الاختصاص فلا حاجة به إلى الإضافة، فهذا يفسد قول الخليل والمازني جميعا (٦).
(١) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٣.
وانظر قول سيبويه في "الكتاب" ١/ ٢٧٩ (تحقيق عبد السلام هارون)، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١، "اللسان" (إيا) ١/ ١٨٧.
(٢) انظر بقية كلام ابن كيسان في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٣.
(٣) في (ب): (اضافة).
(٤) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٣، وانظر نص قول الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٠، ١١. قال الزجاج: (.. و (أيا) اسم للمضمر المنصوب إلى أنه يضاف إلى سائر المضمرات..).
(٥) قال أبو الفتح: (وتأملنا هذِه الأقوال على اختلافها والاعتدال لكل قول منها، فلم نجد فيها ما يصح مع الفحص والتنقيب غير قول أبي الحسن الأخفش..)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٤.
(٦) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٥.
507
وحكاية سيبويه في إضافة (١) (إيا (٢)) ليس سبيل مثله -مع قلته- أن يعترض به على السماع والقياس جميعا، ألا ترى أنه لم يسمع منهم: (إياك وإيا الباطل).
وأما قول من قال: (إياك) بكماله اسم، فليس (٣) بقوي، وذلك أن (إياك) في أن فتحة الكاف تفيد خطاب المذكر، وكسرتها تفيد خطاب المؤنث، بمنزلة (أنت) في أن الاسم هو الهمزة والنون، والتاء (٤) المفتوحة تفيد خطاب المذكر، والمكسورة خطاب (٥) المؤنث، فكما أن ما قبل التاء في (أنت) هو الاسم، والتاء حرف خطاب، كذلك (إيا) هو الاسم، والكاف حرف خطاب (٦).
وأما من قال: إن (الكاف والهاء والياء) (٧) هي الأسماء و (إيا) عماد لها لقلتها، فغير مرضي أيضا وذلك أن (إيا) في أنه (٨) ضمير منفصل بمنزلة (أنت وأنا ونحن، وهو وهي) في أن هذِه مضمرات منفصلة، كما أن (أنا وأنت) ونحوهما مخالف للفظ المرفوع المتصل نحو (التاء) في قمت، و (النون) في
(١) عند أبي الفتح: (فأما ما حكاه سيبويه عنه (أي عن الخليل) من قولهم:
فإياه وإيا الشواب، فليس سبيل مثله -مع قلته- أن يعترض به على السماع الخ)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٥.
(٢) في (ب): (إيا إليها) زيادة (إليها).
(٣) في (ب): (فليست).
(٤) في (ب): (الياء) تصحيف.
(٥) عند أبي الفتح: (تفيد خطاب..)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٥.
(٦) فلا يكون (إياك) بكماله اسم.
(٧) عند أبي الفتح: (وأما من قال: إن (الكاف والهاء والياء) في إياك وإياه وإياي هي الأسماء وأن (إيا) إنما عمدت بها هذِه الأسماء لقلتها فغير مرضي أيضا) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٥.
(٨) في (ب): (ايه).
508
قمنا، و (الألف) في قاما، و (الواو) في قاموا، بل هي ألفاظ أخر (١) غير ألفاظ الضمير المتصل، وليس شيء منها معمودًا به شيء من الضمير المتصل بل هو قائم بنفسه، فكذلك (إيا) مضمر (٢) منفصل، ليس معمودًا به غيره، كما أن (التاء) في (أنت) وإن كانت بلفظة (التاء) في (قمت)، فليست اسما مثلها (٣)، بل الاسم قبلها وهو (أن)، وهي بعده للخطاب، وليست (٤) (أن) عمادا للتاء (٥)، فكذلك (إيا) هي الاسم، وما بعدها يفيد الخطاب تارة، والغيبة تارة، والتكلم (٦) أخرى، وهذا محض القياس.
وأما قول أبي إسحاق: وإن (إيا) اسم مظهر، خص بالإضافة إلى المضمر (٧) ففاسد أيضًا وليست (إيا) بمظهر كما زعم، والدليل على أن (إيا) ليست باسم مظهر اقتصارهم به على ضرب واحد من الإعراب، وهو النصب، كما اقتصروا بـ (أنا وأنت) على ضرب واحد من الإعراب، وهو الرفع (٨)،
(١) في (أ): (أخرى) وما في (ب)، (ج) موافق لما عند أبي الفتح، ١/ ٣١٦.
(٢) عند أبي الفتح: (اسم مضمر منفصل) وفي الحاشية: (اسم) سقط من (ش)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٦.
(٣) فالتاء في (قمت) ضمير، وفي (أنت) التاء للخطاب و (الاسم) أن.
(٤) في (ب): (ليس).
(٥) في (ب): (التاء).
(٦) في ب، (ج): (والمتكلم) وعند أبي الفتح (التكلم) وفي الحاشية (ل)، (ب): (المتكلم) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٦.
(٧) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٦، وانظر رأي أبي إسحاق في "معاني القرآن" ١/ ١٠، ١١.
(٨) عند أبي الفتح: (... وهو الرفع، فكما أن (أنا وأنت وهو ونحن) وما أشبه ذلك أسماء مضمرة، فكذلك (إيا) اسم مضمر لاقتصارهم به على ضرب واحد من الإعراب، وهو النصب، ولم نعلم اسما مظهرا... الخ) ١/ ٣١٦.
509
ولم نعلم اسمًا مظهرًا اقتصر به على النصب ألبتة، إلا ما كان ظرفا (١)، وليس (إيا) بظرف، فقد صح بما أوردناه سقوط هذِه الأقوال، ولم يبق قول يجب اعتقاده، ويلزم الدخول تحته غير قول أبي الحسن: إن (إيا) مضمر، وإن (الكاف) بعده ليست اسمًا، وإنما هي للخطاب، بمنزلة (كاف) ذلك، وأرأيتك (٢) وأبصرك زيدا، وليسك عمرا (٣)، والنجاءك (٤). فإن قيل: إذا كانت (الكاف) في إياك ليست اسمًا فكيف تقولون في (الهاء) و (الياء) في (إياه وإياي)؟ (٥). قلنا: هما مثل الكاف، وإنما اختلف ما بعد (إيا) لاختلاف أعداد المضمرين وأحوالهم من الحضور والمغيب، ولسنا (٦) نجد حالا سوغت هذا المعنى للكاف، وانكفت غير (٧) (الهاء والياء) (٨). وقد وجدنا غير (الكاف)
(١) قال أبو الفتح: (ولم نعلم اسما مظهرا اقتصر به على النصب البتة إلى ما اقتصر به من الأسماء على الظرفية وذلك نحو: ذات مرة، وبعيدات بين، وذا صباح وما جرى مجراهن، شيئا من المصادر نحو: سبحان الله... الخ)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٦.
(٢) في (ج): (ولرايتك).
(٣) في (ب): (عمروا). وقوله (ليسك عمرا) أي: (ليس عمرا) والكاف لتوكيد الخطاب، وكذا أبصرك زيدا، أى أبصر زيدا. انظر "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٠٩.
(٤) (النجاءك): إذا أردت: انج، انظر: "تهذيب اللغة" (نجا) ٤/ ٣٥٠٩، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٠٨.
(٥) في "سر صناعة الإعراب" (... فكيف يصنع أبو الحسن بقولهم: إياه وإياي...) ١/ ٣١٧.
(٦) في (ج): (ولنا).
(٧) (غير) كنا في جميع النسخ، وعند أبي الفتح (عن) وهو الصحيح. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٧.
(٨) فكما كانت (الكاف) حرف خطاب في (إياك) تكون (الهاء) في (إياه) و (الياء) في (إياي) حرفين، ولا مسوغ لاختلافهما عن (الكاف).
510
لحقه من سلب الاسمية وإخلاصه للحرفية (١) ما لحق (الكاف)، وهي (التاء) في أنت و (الألف) في قول من قال: قاما أخواك (٢)، و (الواو) في: قاموا إخوتك، و (النون) في: قمن الهندات، ألا ترى أن من قال: (أخواك قاما) كانت الألف عنده علامة الضمير والتثنية، وإذا قال: (قاما أخواكا) كانت الألف مخلصة للدلالة على التثنية مجردة من مذهب الاسمية، لامتناع تقدم المضمر (٣)، وخلو (٤) الفعل من علم الضمير بارتفاع الاسم الظاهر بعده، وكذلك الجمع والتأنيث على هذا القياس (٥)، فلا ينكر أيضا أن تكون (الهاء) و (الياء) في ضربه وضربني على معنى الاسمية، فإذا قلت: (إياه) و (إياي) تجردتا من معنى الاسمية، وخلصتا (٦) لدلالة الحرفية، فاعرف هذا، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل (٧)، وهذا الذي ذكرنا كلام أبي علي وأبي الفتح (٨).
واعلم: أن الضمير ينقسم إلى ثلاثة أقسام (٩): ظاهر منفصل، وظاهر
(١) في (ب): (ولا خلاصة للحرفة).
(٢) في (ج): (أخوك).
(٣) في (ب): (الضمير).
(٤) في (ج): (خلق).
(٥) فصل أبو الفتح هذا بالأمثلة، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٨.
(٦) في (ب): (واخلصا).
(٧) قال أبو الفتح: (... فاعرف هذا، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل وبه كان أبو علي رحمه الله ينتصر لمذهب أبي الحسن ويذب عنه، ولا غاية في جودة الحجاج بعده)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٨.
(٨) انتهى ما نقله عن أبي الفتح من "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٢ - ٣١٨، وانظر: "الإغفال" ص ٥٠ - ٥٧.
(٩) هذا البحث لا علاقهَ له بتفسير الآية، ومكانه كتب النحو واللغة، وجرى الواحدي في =
511
متصل، ومستكن، وهو على ثلاثة (١) أوجه: ضمير المرفوع، وضمير المنصوب، وضمير المجرور، وكل واحد منها على وجهين: متصل ومنفصل، إلا ضمير المجرور، فإنه متصل، ولا منفصل له.
أما ضمير المرفوع المتصل فنحو (تاء) فعلت وفعلت، وتثنيتهما، وجمعهما وتأنيثهما.
وأما ضمير المرفوع المنفصل فنحو (أنا وأنت وهو) وتثنيتها وجمعها، وتأنيثها (٢).
وأما ضمير المنصوب المتصل فنحو (ياء) ضربني، و (كاف) ضربك و (هاء) ضربه (٣)، وتثنيتها وجمعها وتأنيثها (٤). وأما ضمير المجرور المتصل فنحو (ياء) بي، و (كاف) بك و (هاء) به، ولا منفصل له.
وأما المستكن فهو ما كان مستكنا في الفعل كقولك: قعد، وقام، فالضمير (٥) مستفاد من الفعل وإن لم يصرح به، لأن الفعل لا يقوم إلا بفاعل.
واعلم: أن (إيا) مبنية على السكون؛ لأن فيها شبه الحرف، فهي مثل (أنت، وأنا، وهو) وهذِه كلها مبنية لشبه الحرف، والألف في آخرها غير
= هذا على منهج شيخه الثعلبي حيث ذكر أقسام الضمير في هذا الموضع ١/ ١٢٩/ أ، وانظر أقسام الضمير في باب: الكنايات في (أصول النحو) لابن السرج ٢/ ١١٤، (التبصرة والتذكرة) للصيمري ١/ ٤٩٣ - ٥١١.
(١) في (ب): (ثلاثة أنواع أوجه) وكلمة (أنواع) جاءت في الجانب فلعلها شر من الكاتب
(٢) في (ج): (وتثنيتهما وجمعهما وتأنيثهما).
(٣) في (ب): (ضربته).
(٤) (تأنيثها) سقط من (ب).
(٥) في (ب): (والضمير).
512
منقلبة مثل ألف (لا) و (ما) و (حتى) و (كلا) (١).
قال أبو الفتح: وحكى لي حاك عن أبي إسحاق قال (٢): سمعته يقول وقد سئل عن معنى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ما تأويله؟ فقال: حقيقتك نعبد، قال: واشتقاقه من الآية، وهي العلامة، قال (٣): وهذا القول عندي من أبي إسحاق غير مرضي، وذلك أن جميع (٤) الأسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو: (أنا وأنت وهو وهي) وقد قامت الدلالة على كون (إيا) اسما مضمرًا (٥)، فيجب أن لا يكون مشتقا (٦). فإن قلت: فما مثال (إيا) من الفعل؟ فإن المضمر لا ينبغي أن يمثل؛ لأنه غير مشتق ولا متصرف (٧).
وقال صاحب "النظم" (٨): معنى (إيا) الاختصاص، وقول القائل: (إياك ضربت) يعني: أن الضرب اختص بك وأردتك به، ولهذا وضعت العرب
(١) انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥٥، ٦٥٦.
(٢) في "سر صناعة الإعراب": (أراه قال لي: سمعته....) ٢/ ٦٥٦.
(٣) قال: المراد أبو الفتح. انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥٦.
(٤) في (ب): (جمع).
(٥) وهو ما تقدم مما قرره الواحدي نقلا عن أبي الفتح ابن جني.
(٦) انظر بقية كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥٦، وانظر (المحتسب) ١/ ٤٠.
(٧) ترك الواحدي بقية كلام أبي الفتح، فلم يرد جواب السؤال واضحا، قال أبو الفتح بعد هذا: (ولكنك إن تكلفت ذلك على تبيين حاله لو كان مما يصح تمثيله، لاحتمل أن يكون من ألفاظ مختلفة، وعلى أمثلة مختلفة فالألفاظ ثلاثة: أحدها: أن يكون من لفظ (أويت)، والآخر: من لفظ الآية، والآخر: من تركيب (أوو...)، ثم أخذ في تفصيل ذلك في كلام طويل. انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥٦ - ٦٦٤.
(٨) هو أبو علي الحسن بن يحيى الجرجاني، وكتابه هو "نظم القرآن" سبق الحديث عنه وعن كتابه في مصادر الواحدي في "البسيط"، وذكرت هناك: أن كتاب "نظم القرآن" مفقود، وقد نقل عنه الواحدي كثيرا.
513
(إياك) في موضع التحذير لما فيه من تأويل الاختصاص، فقالوا: إياك والأسد، أي: احفظ نفسك واحذر الأسد، ومنه قول الشاعر:
فإياك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر (١)
وربما قالوا: إياك الأسد، بلا (واو)، قال (٢) الشاعر:
عليك القصد فاقصده برفق وإياك المحاين أن تحينا (٣)
فمن حذف (الواو)، فمعناه احذر على نفسك الأسد، وصن (٤) نفسك منه. وهذا الضمير (٥) يستعمل مقدما ولا يستعمل مؤخرا، إلى أن يفصل بينه وبين الفعل، فيقال: ما عنيت إلا إياك.
قال أبو بكر (٦): وقوله: ﴿إِيَّاكَ﴾ بعد (٧) قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (٨)
(١) ينسب البيت للطفيل الغنوي، وهو في (ديوانه) ص ١٠٢، قال المحقق: وهو قريب من شعر الطفيل، وينسب لمضرس بن ربعي الفقعسي، وكل المصادر روت البيت (فهياك) بدل (فإياك) وهو الشاهد عندهم حيث أبدل الهمزة هاء. ورد البيت في "المحتسب" ١/ ٤٠، ("الإنصاف") ١/ ٢١٥، "ديوان الطفيل الغنوي" ص ١٠٢، "اللسان" (هيا) ٨/ ٤٧٤٣، "الكشاف" ١/ ٦٢، والقرطبي ١/ ١٢٧.
(٢) في (ب): (وقال).
(٣) أنشد الفراء شطره الثاني ولم ينسبه "معاني القرآن" ١/ ١٦٦، وكذا المزني في "معاني الحروف" ص ١٠٢، وابن قتيبة في (أدب الكاتب) ص ٣٢٢ وشطره الأول عنده:
ألا أبلغ أبا عمرو رسولا
وقوله: المحاين: المهالك، تحين: تهلك أو يأتي حينها ووقتها.
(٤) في (ج): (أوصن).
(٥) أي ضمير (إيا).
(٦) ابن الأنباري، انظر: "زاد المسير" ١/ ١٤.
(٧) في (ب): (إياك نعبد قوله) وفي (ج) سقطت (بعد).
(٨) في (ب): (مالك).
514
[الفاتحة: ٤] رجوع من الغيبة إلى الخطاب، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، وهو نوع من البلاغة والتصرف في الكلام (١)، ومثله قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] ثم قال: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ [الإنسان: ٢٢] وقال الأعشى:
عنده البر والتقى وأسا الصد ع وحمل لمضلع الأثقال
ووفاء (٢) إذا أجرت فما غر ت حبال وصلتها بحبال (٣)
وأنشد أبو عبيدة (٤):
يا لهف نفسي كان جدة خالد وبياض وجهك للتراب الأعفر (٥)
وقال كثير (٦):
(١) انظر: "زاد المسير" ١/ ١٤، "مجاز القرآن" ١/ ٢٣، والطبري ١/ ٦٧، وابن عطية ١/ ١٠٤، "الكشاف" ١/ ٦٢، والرازي ١/ ٢٥٢.
(٢) في (ج): (ووحاء).
(٣) البيتان من قصيدة للأعشى يمدح الأسود بن المنذر، وليس البيتان متواليين في القصيدة، وإنما بينهما أبيات، وفي "الديوان" ورد (الحزم) بدل (البر) و (الصرع) بدل (الصدع). قوله: (التقي) أي: الحذر، (أسا): دواء. انظر: "الديوان" ص ١٦٦ - ١٦٧، ولم أجدهما في غيره.
(٤) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٤.
(٥) البيت لأبي كبير الهذلي، يرثي صديقا له اسمه خالد (جدة) يعني: شبابه، (الأعفر) يقول: دفن في أرض ترابها أعفر: أي: أبيض. ورد البيت في "مجاز القرآن" ١/ ٢٤، "شرح أشعار الهذليين" للسكري ٣/ ١٠٨١، والطبري ١/ ٦٧، "أمالي ابن الشجري" ١/ ١١٧، وابن عطية ١/ ١٠٤.
(٦) هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة من خزاعة، كان أحد العشاق المشهورين، وصاحبته (عزة) وهي من ضمرة، وإليها ينسب، كان كثير رافضيا توفي في اليوم الذي توفي فيه عكرمة مولى ابن عباس. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ٣٣٤، "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٣٤، "الخزانة" ٥/ ٢٢١.
515
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت (١)
وقوله تعالى: ﴿نَعْبُدُ﴾ معنى العبادة: الطاعة مع الخضوع والتذلل، وهو جنس من الخضوع، لا يستحقه إلى الله عز وجل، وهو خضوع ليس فوقه خضوع، وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده لمولاه، ويقال: طريق معبد، إذا كان مذللا موطوءا (٢) بالأقدام (٣)، وهو في شعر طرفة (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال أبو بكر: وإنما كرر (إياك) للتوكيد، كما تقول: بين زيد وبين عمرو خصومة، فتعيد (بين) (٥). قال: ولأن كل واحد من الفعلين يطلب مفعولا على حدته، ولو أخر المكنيان (٦) إلى
(١) من قصيدة لكثير في ذكر (عزة) قوله (مقلية) من القلي وهو البغض، (تقلت) تبغضت، ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص ٣٤٣، "ديوان كثير" ص ١٠١، نشر دار الثقافة بيروت، "أمالي ابن الشجري" ١/ ٤٩، ١١٨، "المحكم" ٣/ ١٤٤، "الخزانة" ٥/ ٢١٩.
(٢) في (ب): (بوطوا).
(٣) ذكر هذِه المعاني الثعلبي في "تفسيره الكشاف" ١/ ٢٩/ ب، وانظر الطبري ١/ ٦٩.
(٤) أراد أبيات طرفة التي ذكرها الثعلبي بعد الكلام السابق وهي:
قال طرفة:
تباري عتاقا ناجيات وأتبعت وظيفا وظيفا فوق مور معبد
وقوله:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد
انظر الثعلبي ١/ ٢٩/ ب، والطبري ١/ ٦٩، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٣٥.
(٥) ذكر نحوه الثعلبي ١/ ٢٩/ ب وذكره ابن جرير ثم رده قال: (وقد ظن من لم ينعم النظر أن إعادة (إياك) مع (نستعين) بعد تقدمها في قوله: ﴿إياك نعبد﴾ بمعنى قول عدي بن زيد:
وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به بين النهار وبين الليل قد فصلا
وذكر بيتا آخر.. ثم قال: وذلك من قائله جهل، من أجل أن حظ إياك أن تكون مكررة مع كل فعل.. الخ). الطبري ١/ ٧١.
(٦) يعني: الضميرين.
516
موضعهما بعد الفعل لقيل: (نعبدك ونستعينك) فلما كان كل واحد من الفعلين يقع على (الكاف) (١) في تأخرها وقع على (إياك) في تقدمه (٢). والقول هو الأول (٣)؛ لأن العرب إذا جمعت فعلين واقعين اكتفت بوقوع أحدهما من وقوع الآخر، فيقولون: قد أكرمتك وألطفت (٤). قال الله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: ٣] أراد (وما قلاك) فاكتفى بوقوع الأول من وقوع الثاني (٥).
ويقال: لم قدم ذكر العبادة على المعونة، وإنما المعونة بها تكون العبادة؟
والجواب: أن الواو عند النحويين لا توجب ترتيبا (٦)، وإنما هي للجمع (٧)، يدل على ذلك أنه لو اتفقت الأسماء لم
(١) في (ج): (الكائن).
(٢) ذكر نحوه ابن جرير ١/ ٧١. قال أبو حيان: كرر (إياك) ليكون كل من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين، وكل منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه...)، "البحر المحيط" ١/ ٢٥. وقال أبو السعود: (تكرير الضمير المنصوب للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة)، أبو السعود ١/ ١٧، وانظر ابن كثير ١/ ٢٨.
(٣) أي كرر للتوكيد، واختار ابن جرير الثاني ١/ ٧١.
(٤) قال ابن جرير: إن الأفصح إعادة الضمير مع كل فعل اتصل به، فيقال: (اللهم إنا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك).. وإن كان ترك الإعادة جائزا. انظر الطبري ١/ ٧١.
(٥) قال أبو حيان: حذف المفعول اختصارا في (قلى) إذ يعلم أنه ضمير المخاطب وهو الرسول - ﷺ -. "البحر المحيط" ٨/ ٤٨٥، وقال الرازي في حذف الكاف وجوه:
١ - اكتفاء بالكاف في (ودعك)، ولأن رؤوس الآيات بالياء، فأوجب اتفاق الفواصل حذف الكاف.
٢ - الإطلاق، أنه ما قلاك، ولا أحدا من أصحابك، ولا أحدا ممن أحبك. الرازي ٣١/ ٢٠٩، وانظر القرطبي ٢٠/ ٩٤.
(٦) انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٢، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٣٢.
(٧) وعليه فتقديم الخبر عن العبادة وتأخير مسألة طلب المعونة، ليس من باب الترتيب، واختار الطبري هذا قال: (.. كان سواء تقديم ما قدم منهما على صاحبه... ثم قال: =
517
نحتج (١) إليها، لا تقول: قام زيد وزيد، ولكن قام الزيدان. فكما لا يوجب (قام الزيدان) ترتيبا، كذلك لا يوجب قام زيد وعمرو ترتيبا، وسنقضي حق الواو، والكلام فيها في موضع آخر إن شاء الله.
٦ - قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
قال الأصمعي: هداه في الدين يهديه هدى (٢)، وهداه يهديه هداية، إذا دله على الطريق (٣).
وأصل الهداية في اللغة: الدلالة. وهوادي الخيل والوحش التي تتقدم للدلالة (٤).
قال عبيد (٥) يذكر الخيل (٦):
وغداة صبحن الجفار عوابسا (٧) تهدى أوائلهن شُعثٌ شزَّبُ (٨)
= وقد ظن بعض أهل الغفلة أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير....). الطبري ١/ ٧٠. وقال ابن كثير ١/ ٢٨: (قدم ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم). وللرازي في هذا التقديم تعليلات يطول ذكرها. انظر (تفسيره) ١/ ٢٥٤.
(١) في (ج): (يحتج).
(٢) في (ج): (هدي).
(٣) "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٧، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٣، "اللسان" (هدى) ٨/ ٤٦٣٩.
(٤) ذكر نحوه الأزهري عن الأصمعي. "التهذيب" (هدى) ٤/ ٣٧٣٨، وانظر: "الصحاح" (هدى) ٦/ ٢٥٣٤، "معجم مقاييس اللغة" (هدى) ٦/ ٤٢.
(٥) كذا في "تهذيب اللغة"، وفي الهامش، في المنسوخة: أبو عبيد ٦/ ٣٨٣، والصحيح (عبيد) فالبيت لعبيد بن الأبرص.
(٦) في (ج): (الخليل).
(٧) في (ج): (عواسا).
(٨) يذكر الخيل: صبحن الجفار: أتينه صبحا و (الجفار): موضع، (شعث): المغبرة =
518
هذا هو الأصل، ثم سمي كل متقدم هاديا وإن لم يتقدم للدلالة (١). ومنه:
كأن دماء الهاديات بنحره (٢)
يريد أوائل الوحش ومتقدماتها. وتسمى العنق هادية لتقدمها على البدن، ويقال: أقبلت هوادي الخيل إذا بدت أعناقها؛ لأنها أول شيء من أجسادها (٣). وقول طرفة:
للفتى عقل يعيش به... حيث تهدي ساقه (٤) قدمه (٥)
أي: حيث تقودها قود الدليل. وسمى الأعشى العصا هاديا (٦) في قوله:
إذا كان هادي الفتى في البلاد... صدر القناة أطاع الأميرا (٧)
= المتلبدة الشعر، (شزب): ضمر، انظر: "ديوان عبيد" ص ٧، "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٩، "اللسان" (هدى) ٨/ ٤٦٤١، "التاج" (هدى) ٢٠/ ٣٣٣.
(١) انظر: "التهذيب" (هدى) ٤/ ٣٧٣٩، "اللسان" (هدى) ٨/ ٤٦٤١.
(٢) في (ب): (منجره) وفي (ج): (ينحر).
والبيت لامرئ القيس وعجزه:
............... عصارة حناء بشيب مرجل
شبه دم الوحش بنحر هذا الفرس بعصارة الحناء على الشيب، ورد البيت في "ديوانه" ص ١٢١، "الصحاح" (هدى) ٦/ ٢٥٣٤، "اللسان" (هدى) ٨/ ٤٦٤١، "شرح القصائد المشهورات" للنحاس ص ٣٩.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٨، "اللسان" (هدى) ٨/ ٤٦٤٠.
(٤) في (ب): (فما ساقه).
(٥) في (ج): (قدميه). ورد البيت في الطبري ١/ ٧٣، "الصحاح" (هدى) ٦/ ٢٥٣٤، "اللسان" ٨/ ٤٦٤١، "التاج" ٢٠/ ٣٣٣، "العقد الفريد" ٥/ ٤٧٩، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٢٦٢، "الهمع" ٣/ ٢٠٧، "الدرر اللوامع" ١/ ١٨١، "الخزانة" ٧/ ١٩.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٩.
(٧) في (ج): (الأمير). قوله (صدر القناة): أعلى العصا التي يقبض عليها، لأنه أعمى، =
519
إما لأنها تتقدمه، وإما لأنها تدله على الطريق، والتقدم في هذا راجع إلى (١) الهداية، لأن من دلك (٢) على الطريق تقدمك، ثم سمي المتقدم هاديا وإن لم يدل (٣). والفعل من (الهدى) (٤) يتعدى إلى مفعولين، ويتعدى إلى الثاني بأحد حرفي جر (إلى) و (اللام (٥)) كقوله: ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ (٦) [الصافات: ٢٣]، وقوله: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢]، وقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣]، وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥]. ومثل هذا في التعدي (٧) (الإيحاء) (٨) قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨]، وقال: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)﴾ [الزلزلة: ٥]. وقد يحذف حرف الجر من المفعول الثاني في (الهدى) فيصل الفعل إليه بغير حرف جر (٩). كقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]. ومعناه: دلنا عليه، واسلك بنا فيه (١٠).
= (الأمير) الذي يأمره ويقوده، ورد البيت في "ديوان الأعشى" ص ٨٧، "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٤١، "التاج" ٢٠/ ٣٣١، "المحتسب" ١/ ١٢٦، ٢٩٠.
(١) في (ب): (إلى المعونة الهداية).
(٢) في (ج): (ذلل).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (هدى) ٤/ ٣٧٣٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٤١.
(٤) في (ب): (الهادي).
(٥) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٣، "الكشاف" ١/ ٦٦ - ٦٧، "البحر المحيط" ١/ ٢٥، (تفسير أبي السعود) ١/ ١٧.
(٦) في (ج): (فاهدهم) تصحيف.
(٧) أي: التعدي بأحد حرفي الجر (إلى) و (اللام).
(٨) في (ب): (بالإيحا).
(٩) انظر: ابن كثير، ١/ ٢٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٥.
(١٠) قال ابن جرير: معنى قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ في هذا الموضع، وفقنا =
520
ويقال: ما معنى سؤال المسلمين الهداية في قولهم: (اهدنا) وهم مهتدون؟ والجواب عنه من وجوه: أحدها: أنه قد تعرض للعارف شبه ينتقل بها إلى الجهل، فيحسن أن يسأل اللطيفة التي يتمسك معها بالمعرفة (١)، ولا ينتقل إلى الجهالة.
والثاني: أنهم لما كانوا لا يعلمون ما يكون منهم في المستأنف، حسن أن يسألوا الهداية على (٢) وجه التثبيت لما هم عليه من الحق، وقد تستعمل الهداية لا من الضلالة كما قال الحطيئة لعمر رضي الله عنه:
فلا تُعْجِلَنِّي هداك المليكُ فإنَّ لكلِّ مَقَامٍ مَقَالا (٣)
لم يرد من ضلالتك؛ لأنه لو أراد ذلك قد هجاه، ولكنه على معنى التوفيق و (٤) التثبيت (٥).
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يحمل على سؤال الهداية ابتداء فيما
= للثبات عليه. وضعف أن يكون المعنى: زدنا هدى، أو: أسلكنا طريق الجنة والمعاد. الطبري ١/ ٧١ - ٧٢، وانظر: ابن كثير ١/ ٢٩.
(١) انظر: "الكشاف" ١/ ٦٧.
(٢) في (ب): (جهة).
(٣) ورد البيت في الطبري ١/ ٧٢، "الكامل" ٢/ ١٩٩، "المقتضب" ٣/ ٢٢٤، (الهمع) ٣/ ١١٠، "اللسان" (حنن) ٢/ ١٠٣٠، ورواية الطبري (ولا تعجلني) وبقية المصادر (تحنن علي).
(٤) في (ب)، (ج): (أو).
(٥) وهذا هو المعنى الذي ارتضاه الطبري ١/ ٧٢، وذكره الزجاج في "المعاني" ص ١٢، والماوردي ١/ ٥٨، والبغوي ١/ ٥٤، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥، والرازي ١/ ٣٥٧، وقد ذكر الماوردي وابن الجوزي والرازي معاني أخرى.
521
يستقبل؛ لأن الهداية عرض لا يبقى، فهو يسأل أن (١) يخلق له أمثالها (٢).
وقال بعضهم: هذا سؤال، واستنجاز لما وعدوا به في قوله: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦].
وقوله تعالى: ﴿الصِّرَاطَ﴾ [الفاتحة: ٦] (٣)، فيه لغات قد قرئ بها: السين، والصاد، والزاي، وإشمام (٤) الصاد الزاي (٥).
فمن قرأ بالسين فإنه يقول: هو أصل الكلمة؛ لأنه من الاستراط بمعنى: الابتلاع (٦)، فالسراط يسترط السابلة (٧). ولو لزم لغة من يجمعها صادا مع (الطاء (٨)) لم يعلم (٩) ما أصل الكلمة (١٠). ويقول من يقرأ بالصاد: إنها أخف
(١) في (ب): (فهم يسألون أن يخلق لهم).
(٢) في (ج): (مثلها). ما ذكره مبني على مذهب أصحابه الأشاعرة: أن العرض لا يبقى زمانين، والهداية عرض فهي عندهم لا تبقى في الزمان الثاني، فهو يسأل أن تجدد له الهداية، وهذا مذهب رده جماهير العلماء. انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ٥/ ٢١٦، ٦/ ٤١، ١٦/ ٢٧٥.
(٣) في (ج): (صراط).
(٤) الإشمام: هو إطباق الشفتين عقب تسكين الحرف المرفوع، والمراد هنا بإشمام الصاد الزاي هو خلط لفظ الصاد بالزاي. انظر: "الكشف" ١/ ١٢٢، (البدور الزاهرة) ص ١٥.
(٥) روي عن ابن كثير: بالسين والصاد، وروي عن أبي عمرو: السين والصاد، والزاي والمضارعة بين الزاي والصاد.
وحمزة: يشم بين الصاد والزاي. وبقية السبعة بالصاد. انظر (السبعة) لابن مجاهد ص ١٠٥، ١٠٦، "الحجة" لأبي علي ١/ ٤٩، (الكشف) لمكي ١/ ٣٤.
(٦) يقال: استراط الطعام: إذا ابتلعه. انظر: "تهذيب اللغة" (سرط) ٤/ ١٩٩٣.
(٧) السراط: الطريق، و (السابلة) المارة يسترطهم لكثرة مرورهم به. انظر: "اللسان" (سرط) ٤/ ١٩٩٣.
(٨) في (ج): (الظاء).
(٩) في (ب): (ما يعلم).
(١٠) ذكره أبو علي في "الحجة" عن أبي بكر محمد بن السري ١/ ٤٩، وانظر: "حجة =
522
على اللسان، لأن (الصاد) حرف مطبق كـ (الطاء) فيتقاربان ويحسنان في السمع، والسين حرف مهموس فهو أبعد من الطاء (١).
ويقول من قرأ بالزاي: أبدلت منها حرفًا مجهورًا (٢) حتى يشبه (الطاء) في الجهر، ورمت الخفة، ويحتج بقول العرب: (زقر) في (صقر) (٣).
ويقول من قرأ بالمضارعة (٤): رمت الخفة، ولم أجعلها (زايا) خالصة، ولا (صادا) خالصة، فيلتبس أصل الكلمة بأحدهما (٥).
قال ابن السراج (٦): الاختيار (الصاد) للخفة والحسن في السمع، وهو غير ملتبس، لأن (السين) كأنها مهملة في الاستعمال مع (٧) (الطاء) عند من (الصاد) لغته، ومع ذلك فهي قراءة الأكثر. وأما (الزاي) الخالصة فليست (٨) بمعروفة (٩)، ولست أحب أن تحمل القراءة على هذِه اللغة.
وأما المضارعة (١٠) فهو تكلف حرف بين حرفين، وذلك أصعب على
= القراءات" لابن زنجلة ص ٨٠، "الحجة" لابن خالويه ص ٦٢، "الكشف" ١/ ٣٤.
(١) بنصه في "الحجة" ١/ ٤٩، ٥٠، وانظر المراجع السابقة.
(٢) أي: أبدلت من (الصاد) حرفا مجهورا وهو (الزاي).
(٣) في (ب): (زفر في صفر) وفي "الحجة": (صقر) و (سقر) و (زقر)، ١/ ٥٠.
(٤) بين الزاي والصاد.
(٥) بنصه من "الحجة" ١/ ٥٠، وانظر: "الكشف" ١/ ٣٤، ٣٥.
(٦) هو أبو بكر محمد السري، المعروف بابن السراج، وكلامه في "الحجة" ١/ ٥٠.
(٧) (مع) غير واضحة في (ب).
(٨) في (ج): (فليت).
(٩) كلام ابن السراج في "الحجة": (وأما الزاي فأحسب الأصمعي لم يضبط عن أبي عمرو؛ لأن الأصمعي كان غير نحوي، ولست أحب أن تحمل القراءة على هذِه اللغة، وأحسب أنه سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة للزاي فتوهمها زايا)، "الحجة" ١/ ٥١.
(١٠) كلام ابن السراج في "الحجة": (وأما القراءة بالمضارعة التي بين (الزاي) و (الصاد) =
523
اللسان؛ لأنه إنما استعمل في هذِه الحال فقط، وليس هو حرفا تبنى عليه الكلمة، ولا هو من حروف المعجم. وقال صاحب "الحجة" (١): الحجة لمن قرأ بالصاد: أن (٢) السين مضارعة لما أجمعوا على رفضه من كلامهم، ألا ترى أنهم تركوا إمالة (واقد) ونحوه كراهة أن يصعدوا بالمستعلي بعد التسفل (٣) بالإمالة. فكذلك يكره (٤) أن يتسفل (٥) بالسين (٦) ثم يتصعد (٧) بالطاء في (سراط)، وإذا كانوا قد أبدلوا من (السين) (الصاد) مع القاف في: (صقت وصويق) (٨) ليجعلوها في استعلاء (القاف) (٩)، فلأن يبدلوا منها (الصاد) مع (الطاء)
= فعدلت عن القراءة بها؛ لأنه تكلف حرف بين حرفين). "الحجة" ١/ ٥١.
(١) هو أبو علي الفارسي. وكتابه "الحجة للقراء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد" وهو مصدر رئيس للواحدي خصوصا في القراءات. انظر: مصادر الواحدي ص ٧٨، انظر كلام الفارسي في "الحجة" ١/ ٥١.
(٢) في "الحجة": (أن القراءة بالسين مضارعة...)، ١/ ٥١.
(٣) في (ب): (السفل).
(٤) في "الحجة": (يكره على هذا أن يستفل..)، "الحجة" ١/ ٥١.
(٥) في (ب): (يستقل).
(٦) (بالسين) غير موجود في "الحجة" ١/ ٥١.
(٧) لأن (السين) حرف منخفض، و (الطاء) من حروف الاستعلاء والتصعد. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٦٢.
(٨) في (ب): (صفه وصديق). أصل صقت: (سقت) و (صويق): (سويق). انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢١٢. (السويق) ما يتخذ من الحنطة والشعير. ويقال: السويق: المقل الحتى، والسويق: السبق الفتي، والسويق: الخمر. "اللسان" (سوق) ٤/ ٢١٥٦.
(٩) في "الحجة" (.. في استعلاء (القاف) مع بعد (القاف) من (السين) وقرب (الطاء) منها، فإن يبدلوا منها الصاد...)، "الحجة" ١/ ٥٢.
524
أجدر (١) من حيث كانت (الصاد) إلى (الطاء) أقرب منه إلى (القاف) (٢).
ألا ترى أنهما جميعا من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا (٣). وأن (٤) من يقول: (صويق) و (صقت)، إذا قال: (قست وقست) (٥) لم يبدل (الصاد) من (٦) (السين)، لأنه الآن ينحدر بعد الإصعاد، وهذا يستخف ولا يستثقل كما استثقل عكسه.
واحتجاجهم بأن (السين) هو الأصل، قلنا: قد يترك ما هو الأصل في كلامهم إلى ما ليس بأصل؛ طلبا لاتفاق الصوتين (٧). ألا تراهم قالوا: (شنباء)، و (من بكر) (٨) فلم يبينوا (٩) (النون) التي هي الأصل في
(١) في (ب): (فصدر).
(٢) (منه إلى القاف) ليست في "الحجة" ١/ ٥٢.
(٣) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٥٢.
(٤) قال أبو علي: (ويدلك على أن حسن إبدال (الصاد) من (السين) في (سراط) لما ذكرت لك: من كراهة التصعد بعد التسفل، أن من يقول: صويق وصقت... الخ). "الحجة" ١/ ٥٢.
(٥) كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة": (قست وقسوت) ١/ ٥٢. وهذا هو الصواب.
(٦) في "الحجة" (منها) بدل (من السين).
(٧) من قوله: (واحتجاجهم إلى قوله (الصوتين) ملخص كلام أبي علي، انظر: "الحجة" ١/ ٥٢، ٥٣.
(٨) في (ب): (شبنا) و (من نكر) وفي "الحجة": (شمباء) و (مم بك) وفي الحاشية: في ط (شنباء ومن بك).
قال سيبويه: (... فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع، ولم يجعلوا (النون): (باء) لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنة. ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم وذلك قولهم: (ممبك)، يريدون: (من بك). و (شمباء) و (عمبر) يريدون: (شنباء) و (عنبرا). انظر: "الكتاب" ٤/ ٤٥٣ تحقيق: عبد السلام هارون. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٢١.
(٩) في (ب): (يثبتوا).
525
(الشنب) (١)، و (من عامر) (٢)؟ لما أرادوا أن يوفقوا بين الصوتين (٣). فكما تركوا الأصل ههنا طلبًا للمشاكلة، كذلك يترك الأصل في (صراط) (٤) فتترك السين (٥) ويختار إبدال الصاد من السين.
وأما القراءة (بالزاي) فليس بالوجه، وذلك أن من قال في: (أصدرت): (أزدرت) وفي (القصد): (القزد) (٦) فأبدل (٧) من (الصاد الزاي)، فإنه إذا تحركت (الصاد) في نحو (٨) (صدرت) و (قصدت (٩)) لم يبدل، فإذا لم يبدلوا (الصاد) (زايا) إذا تحركت مع (الدال)، وكانت (الطاء) في (الصراط) مثل الدال في (القصد) (١٠) في الجهر (١١)، فكذلك ينبغي ألا يبدل من (السين) (الزاي) في (سراط)، من أجل (الطاء)، لأنها قد تحركت
(١) الشنب (البرد والعذوبة في الفم). "اللسان" (شنب) ٤/ ٢٣٣٦.
(٢) في (ب): (غامر). يريد أن النون أصل في (الشنب) و (ومن عامر) ومع ذلك أبدلوها ميما في (شنباء) و (من بكر). أما (من عامر) فإن النون فيه يجب إظهارها.
(٣) ترك المؤلف بعض كلام أبي علي. انظر: "الحجة" ١/ ٥٣.
(٤) في "الحجة" (سراط) بالسين، ١/ ٥٣، وهو الأقرب.
(٥) (فتترك السين) ليس في "الحجة"، ١/ ٥٣.
(٦) في (أ)، (ج): (الفصد، الفرد) وفي (ب): (القصد، الفرد) وما أثبت من "الحجة" ١/ ٥٣. وعند سيبويه: (الفصد: الفزد)، "الكتاب" ٤/ ٤٧٨.
(٧) في (ب): (وأبدل).
(٨) في (ب): (نحمد).
(٩) في (أ): (فصدت) وفي "الحجة" (صدقت) ١/ ٥٣، وفي "الكتاب" (صدقت) ٤/ ٤٧٨.
(١٠) في (أ)، (ج): (الفصد) وما في (ب) موافق لما في "الحجة"، ١/ ٥٣.
(١١) في "الحجة" (في حكم الجهر)، ١/ ٥٣.
526
كما تحركت في (قصدت) (١) مع أن بينهما في (سراط) حاجزين (٢).
ومما يحتج (٣) من أخلص (الصاد (٤)) على من ضارع بها (الزاي (٥)) أن يقول: إن الحرف قد أعل مرة بالقلب، فلا تستقيم المضارعة؛ لأنها إعلال آخر، وقد رأيتهم كرهوا الإعلال في الحرفين إذا تواليا، فإذا لم يوالوا بين إعلالين في حرفين مفترقين (٦)، فألا (٧) يوالوا بين إعلالين في حرف واحد أجدر (٨). مثاله (٩) أنهم حذفوا النون من نحو (بلعنبر) و (بلحرث (١٠))، ولم
(١) في (أ)، (ج): (فصدت) وما في (ب) هو الموافق لما في "الحجة"، ١/ ٥٤. وانظر: "الكتاب" ٤/ ٤٧٨.
(٢) وهما (الراء والألف)، انظر: "الكتاب" ٤٧٨/ ٤. وانظر بقية كلام أبي علي في "الحجة"، ١/ ٥٤، ٥٥.
(٣) كذا في جميع النسخ وفي "الحجة" (ومما يحتج به من أخلص الصاد...)، ١/ ٥٦.
(٤) في (ج): (الضاد).
(٥) تكلم أبو علي قبل هذا على الحجة من (ضارع الصاد بالزاي) ولم ينقل الواحدي كلامه في ذلك. انظر: "الحجة" ١/ ٥٥.
(٦) في (ب): (متفرقين).
(٧) في (ب): (بأن).
(٨) الإعلالان هنا: إبدال السين صادا، ثم مضارعة الصاد بالزاي.
(٩) في "الحجة": (ويقوي ذلك أنهم....)، ١/ ٥٦.
(١٠) قال سيبويه: (ومن الشاذ قولهم: في (بني العنبر) و (بني الحارث): بلعنبر وبلحارث، بحذف النون)، "الكتاب" ٤/ ٤٨٤. بنو العنبر: قبيلة تنسب إلى العنبر بن عمرو بن تميم. وانظر: "اللباب" لابن الأثير ٢/ ٣٦٠، "اللسان" (عنبر)، ٥/ ٣١٢٠. و (بلحرث) لبني الحرث بن كعب. قال في "اللسان": وهذا من شواذ الإدغام؛ لأن النون واللام قريبا المخرج.. وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة. "اللسان" (حرث)، ٢/ ٨٢١.
527
يحذفوا من (بني النجار) (١) مع توالي النونات حيث كانت (اللام) قد أعلت بالقلب (لئلا يتوالى إعلالان: [الحذف والقلب] (٢)، وإن كانا من كلمتين مفترقتين (٣)، فإذا كره في هذا النحو، كان توالي إعلالين في حرف واحد أبعد (٤).
قوله تعالى: ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾: (الاستقامة) في اللغة: الاستواء، يقال: قام إذا استوى منتصبا، وأقامه: إذا سواه، وقاومه إذا ساواه في القوة. وقيمة الشيء ما يساويه من ثمنه، ومعنى الاستقامة استمرار الشيء في جهة واحدة (٥).
وأما تفسير ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فروى علي وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ - أنه قال: "الصراط المستقيم: كتاب الله عز وجل" (٦).
(١) بنو النجار قبيلة من (الخزرج) تنسب إلى النجار واسمه (تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. انظر (اللباب) ٣/ ٢٩٨.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في ب، (ج): (متفرقتين).
(٤) في (ج): (بعد).
(٥) "تهذيب اللغة" (قام) ٣/ ٢٨٦٥، وانظر: "اللسان" (قوم)، ٦/ ٣٧٨٢.
(٦) حديث علي رضي الله عنه بهذا اللفظ: أخرجه الثعلبي بسنده ١/ ٣٠/ ب، وبنحوه أخرجه الطبري، وقال شاكر: إسناده ضعيف جدا ١/ ١٧١ (ط. شاكر)، وكذا ابن أبي حاتم في "تفسيره"، قال المحقق: ضعيف جدا ١/ ١٥٩، وهو جزء من حديث فضائل القرآن الطويل الذي أخرجه الترمذي في: أبواب فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل القرآن، قال الترمذي بعده: هذا حديث لا نعرفه إلى من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال. الترمذي (٢٩٠٦)، وأخرجه الدارمي في (سننه) كتاب فضائل القرآن، باب: فضل من قرأ القرآن ٤/ ٢٠٩٨ (٣٣٧٤)، وذكره ابن كثير في كتابه "فضائل القرآن" ص ٤٤ - ٤٦، ونقل كلام الترمذي عليه، ثم قال: (وقصارى هذا =
528
وقال جابر ومقاتل: (هو الإسلام) (١).
وعن أبي العالية الرياحي (٢)، قال: هو طريق رسول الله - ﷺ - وصاحبيه من بعده أبي بكر وعمر) (٣).
= الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح، على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - ﷺ -) وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ٤٠ - ٤١.
أما حديث عبد الله بن مسعود: فأخرجه الطبري موقوفًا على ابن مسعود وكذا الثعلبي ١/ ٣٠/ ب، والحاكم في "المستدرك" ١/ ٢٥٨، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والأنباري، والحاكم، والبيهقي في "شعب الإيمان". "الدر" ١/ ٤٠، وذكره الشوكاني في "فتح القدير" ١/ ٣٧. ولم يذكروا رفعه، وكلام ابن كثير السابق حول حديث علي يدل على أنه مرفوع، انظر: "فضائل القرآن" ص ٤٤/ ٤٦.
(١) قول جابر ذكره الثعلبي بسنده ١/ ٣٠/ أ، والطبري: قال شاكر: موقوف على جابر وإسناده صحيح، ١/ ١٧٣، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. "المستدرك" ٢/ ٢٥٩، وذكره السيوطي في "الدر" ونسبه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والمحاملي في "أماليه"، والحاكم. "الدر" ١/ ١٤، ١٥. وقول مقاتل ذكره الثعلبي بدون سند ١/ ٣٠/ أ، والبغوي ١/ ٤١.
(٢) رفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي، بصري مقرئ فقيه، سمع من عداد من الصحابة، مات سنة تسعين أو ثلاث وتسعين. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" ٣/ ٢٨٤، "غاية النهاية" ١/ ٢٨٤، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ١٧٨، "معرفة القراء" ١/ ٤٩.
(٣) ذكره الثعلبي ١/ ٣١/ أ، والأثر أخرجه الطبري بسنده، قال شاكر: شيخ الطبري لا أعرف من هو، ولعل فيه تحريفا، ووثق بقية رجاله الطبري ١/ ١٧٥، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"، قال المحقق: إسناده حسن. (رسالة دكتوراه) ١/ ١٦٠. وذكره السيوطي في، "الدر" ونسبه لعبد بن حميد، وابن جريج، وابن أبي حاتم، وابن عدي، =
529
وقال بكر بن عبد الله المزني (١): رأيت رسول الله - ﷺ - في المنام فسألته عن الصراط المستقيم، فقال: "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (٢).
قال أهل المعاني: إنما وصف الدين الحق (٣) بأنه الصراط المستقيم؛ لأنه يؤدي إلى الغرض المطلوب من رضاء الله تعالى والخلود في النعيم المقيم، كما أن الصراط المستقيم يؤديك إلى مقصودك (٤).
٧ - قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾: (صراط) بدل من (الصراط)
= وابن عساكر. "الدر" ١/ ١٥. وذكره ابن كثير في "التفسير" ١/ ٥٦. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" بسنده عن أبي العالية عن ابن عباس. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، "المستدرك" ١/ ٢٥٩.
(١) هو بكر بن عبد الله المزني، بصري تابعي ثقة، كثير الحديث، حجة، توفي سنة ست ومائة، وقيل: سنة ثمان ومائة. انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ٢٠٩، "ذكر أسماء التابعين" ١/ ٨١، "تاريخ الثقات" ١/ ٢٥١، "تهذيب التهذيب" ١/ ٢٤٤.
(٢) (بعدي) ساقط من (ج). والأثر ذكره الثعلبي في (تفسيره) ١/ ٣١/ أ، والبغوي ١/ ٥٤. وهذِه الأقوال يصدق بعضها بعضا وتجتمع، قال الطبري: والذي هو أولى بتأويل هذِه الآية: وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء فقد وفق للإسلام واتباع منهج النبي - ﷺ - ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم) ١/ ٧٤، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٢٢، "فتح القدير" ١/ ٣٨.
(٣) في (أ)، (ج): (والحق) زيادة (واو) وأثبت ما في (ب)، لأنه أصح.
(٤) في (ب): (مقصدك). انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٢١، قال الطبري: (وإنما وصفه الله بالاستقامة؛ لأنه صواب لا خطأ فيه، وقد زعم بعض أهل الغباء، أنه سماه مستقيما لاستقامته بأهله إلى الجنة. وذلك تأويل لتأويل جميع أهل التفسير خلاف، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلا على خطئه)، ١/ ٧٥.
530
الأول (١)، وهو بدل الشيء من نفسه في المعنى (٢)؛ لأن ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ هو ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ بعينه، وهو كقولك: جاءني أبوك زيد، فزيد هو الأب بعينه، وهو من بدل (المعرفة من المعرفة)، وللبدل باب معروف يذكر فيه وجوهه (٣).
وقوله: ﴿الَّذِينَ﴾ النحويون يسمون (الذي والتي) وتثنيتهما، وجمعهما: الأسماء الموصولة، والأسماء النواقص، والأسماء المبهمة، وذلك لأنها (٤) أسماء لا تتم إلا بصلاتها، إما من مبتدأ وخبر (٥)، أو فعل وفاعل، أو ظرف، أو شرط وجزاء (٦) كقولك: جاءني الذي أبوه منطلق، والذي قام أبوه، والذي عندك، والذي إن تأته يأتك. ولا بد أن يكون في صلة (الذي) ضمير يرجع (٧) إليه، وإلا فسد الكلام (٨). و (الذين) لا يظهر فيه
(١) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٢١، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٣٩، "الكشاف" ١/ ٦٨، وقال الزجاج: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ صفة لقوله ﴿الصراط المستقيم﴾، "معاني القرآن" ١/ ١٢.
(٢) "البيان" ١/ ٣٩، "الكشاف" ١/ ٦٨.
(٣) مكانه كتب (النحو).
(٤) في (ب): (أنها).
(٥) في (ب): (مبتداء لخير).
(٦) انظر: "الأصول في النحو" لابن السراج ٢/ ٢٦٦، "شرح جمل الزجاجي" لابن عصفور ١/ ١٧٩، "التبصرة والتذكرة" للصيمري ١/ ٥١٧.
(٧) في (ب): (ترجع).
(٨) ويسمى (العائد) انظر: "الأصول في النحو" ٢/ ٢٦٦، "شرح جمل الزجاجي" ١/ ١٨١، ١٨٢، "أوضح المسالك" ص ٣١، "شرح ابن عقيل" ١/ ١٥٣، ومحل مثل هذِه المباحث كتب النحو.
531
الإعراب (١)، تقول (٢) في الرفع والنصب والجر: (الذين) وكذلك (الذي) وإنما منع الإعراب؛ لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء، و (الذين) من المبهمات لا تتم إلا بصلاتها، فلذلك منعت الإعراب (٣).
فإن قيل فلم أعربته في التثنية؟. قيل: إن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإذا ثنيته بطل شبه الحرف؛ لأن حروف المعاني لا تثنى (٤).
فإن قيل: فلم منعته الإعراب في الجمع؟ قيل: الجمع الذي ليس على حد (٥) التثنية كالواحد، ألا ترى أنك تقول في جمع (٦) هذا: هؤلاء، فتجعله اسما واحدا للجمع (٧). فكذلك قوله (٨): ﴿الَّذِينَ﴾ إنما هو اسم لجمع، فبنيته كما بنيت (٩) الواحد، ونظير (الذي) (هذا)، فإنك لا تعربه ثم تعرب (هذين) ثم تترك الإعراب في (هؤلاء) (١٠).
(١) في (ج): (إعراب).
(٢) من قوله (تقول...) اختلف الخط في نسخة (ب) وفي هامشها تنبيه على ذلك.
(٣) من قوله (والذين لا يظهر فيه الإعراب....) وكذا الكلام الآتي بعده أخذه عن الزجاج بتصرف يسير في العبارة. "معاني القرآن" ١/ ٣٤.
(٤) أخذ الزجاج بقول الكوفيين أن تثنية (اللذين) تثنية حقيقية وأنه معرب، وعند البصريين أن تثنيته ليست على حد تثنية (زيد) و (عمرو) فهي صيغة مرتجلة على حد التثنية فهي تثنية لفظية لا معنوية. انظر: ("الإنصاف") ص ٥٣٩، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٣٩.
(٥) في (ب): (جمع).
(٦) في (ب): (الجمع).
(٧) في (ب): (للجميع).
(٨) في (ب): (قول).
(٩) في (ب): (فثنيته كما ثنيت).
(١٠) عن "معاني القرآن" للزجاج، ١/ ٣٤.
532
قال أبو إسحاق: وأصل (الذي)، (لذ) على وزن (عم)، كذلك قال سيبويه والخليل والأخفش (١).
وأما الألف واللام فيه (٢)، فقال أبو الفتح الموصلي (٣): (الألف واللام) في (الذي) و (التي) وبابهما (٤) زيادة، ويدل على زيادتهما وجود أسماء موصولة مثلها معراة من (الألف واللام)، وهي مع ذلك معرفة، وتلك: (من) و (ما) و (أي) (٥). ويدل على ما قلنا: أن (الذي) إنما تعرفه (٦) بصلته دون (اللام) التي فيه، فبان أن (٧) (اللام) زائدة، إلى أنها (٨) زيادة لازمة لا يجوز (٩) حذفها (١٠).
فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى زيادة (اللام) (١١) حتى إنها لما زيدت
(١) "معاني القرآن" للزجاج، ١/ ٣٤، وهذا قول جمهور البصريين، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٢١، ("الإنصاف") ص ٥٣٥.
(٢) أي: في (الذي).
(٣) هو أبو الفتح عثمان بن جني سبقت ترجمته في الدراسة. نقل الواحدي عنه من كتاب "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣.
(٤) في (ج): (وبائهما).
(٥) مثل أبو الفتح لـ (من وما وأي) ثم قال: (فتعرف هذِه الأسماء التي هي أخوات الذي والتي بغير اللام، وحصول ذلك لها بما تبعها من صلاتها دون اللام يدل على أن (الذي) إنما تعرفه...)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣.
(٦) في (ب): (يعرفه).
(٧) عند أبي الفتح (وأن اللام..)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣.
(٨) في (ب): (أن زيادتها).
(٩) في (أ)، (ج): (تجوز) وأثبت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.
(١٠) (لا يجوز حذفها) ليست عند أبي الفتح، ١/ ٣٥٣.
(١١) عند أبي الفتح (في الذي والتي ونحوها)، ١/ ٣٥٣.
533
لزمت؟ قيل: إن (الذي) (١) إنما وقع في الكلام توصلا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات. ألا ترى أنها تجري أوصافا على النكرات، نحو (٢): مررت برجل أبوه زيد، ونظرت إلى غلام قامت أخته. فلما أريد مثل هذا في المعرفة لم يمكن أن يقول (٣): مررت بزيد أبوه كريم، على أن تكون الجملة وصفا لزيد (٤)، ولم يمكن (٥) إذا أرادوا وصف المعرفة بالجمل أن يدخلوا اللام على الجملة، لأن اللام من خواص الأسماء، فجاؤوا بـ (الذي) متوصلين به إلى وصف المعارف بالجمل، وجعلوا (٦) الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة لـ (الذي) فقالوا: مررت بزيد الذي أبوه منطلق، فألزموا (اللام) هذا الموضع لما أرادوا التعريف للوصف، ليعلموا أن الجملة قد صارت وصفا لمعرفة (٧)). (٨)
(١) في (أ)، (ج): (الذين) واخترت ما في (ب) لأنه موافق لما عند أبي الفتح، وعبارته: (والجواب: أن (الذي) إنما وقع... الخ)، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣.
(٢) عند أبي الفتح: (في نحو قولك...)، ١/ ٣٥٣.
(٣) (يقول) في جميع النسخ، وعند أبي الفتح (تقول) ١/ ٣٥٣. وهذا أصوب.
(٤) حذف الواحدي بعض كلام أبي الفتح ونصه: (... وصفا لزيد، لأنه قد ثبت أن الجملة نكرة، ومحال أن توصف المعرفة بالنكرة، فجرى هذا في الامتناع مجرى امتناعهم أن يقولوا: مررت بزيد كريم، على الوصف، فإذا كان الوصف جملة نحو: مررت برجل أبوه كريم، لم يمكن إذا أرادوا وصف المعرفة بنحو ذلك أن يدخلوا اللام على الجملة....)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣ - ٣٥٤.
(٥) في (ب): (يكن).
(٦) في (ب): (فجعلوا).
(٧) في (ب): (للمعرفه).
(٨) إلى هنا ما نقله عن أبي الفتح. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٤.
534
وبيان ما ذكرنا (١) من الآية أن معنى قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ صراط القوم الذين أنعمت عليهم، ولو أريد وصف القوم (بأنعمت عليهم) لم يسهل، لأنه يصلح وصفا للنكرة (٢)، فيصح في الكلام أن يقول: (٣) (صراط قوم أنعمت عليهم) فلا يصلح أن يكون وصفا للمعرفة، فلما أريد ذلك (٤) توصلوا إلى ذلك بـ (الذي).
جاءوا (٥) بالحرف الذي وضع للتعريف (٦)، فأولوه (الذي) (٧) ليحصل لهم بذلك لفظ التعريف الذي قصدوه، ويطابق اللفظ المعنى الذي حاولوه (٨).
وقوله تعالى: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، إنعام الله تعالى: مَنُّه (٩) وعطاؤه، و (النعمة) بالكسر اسم من أنعم الله عليه إنعاما ونعمة، أقيم الاسم مقام الإنعام، كما يقال: أنفق إنفاقا ونفقة (١٠).
(١) هذا من كلام أبي الحسن الواحدي يبين فيه ما سبق ذكره عن (الألف واللام) في الاسم الموصول على لفظ الآية وهي قوله ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فيربط إيراد هذِه المسألة النحوية بتفسير الآية.
(٢) و (القوم) معرفة.
(٣) في (ج): (تقول).
(٤) أي: وصف المعرفة.
(٥) الكلام من هنا لأبي الفتح، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٤.
(٦) وهو (اللام) كما في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٤.
(٧) (فأولوه الذي) ساقط من (ب).
(٨) انظر بقية كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٤، وانظر: "أصول النحو" لابن السراج ١/ ٢٦١، ٢٦٢.
(٩) في (ب): (منته).
(١٠) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" مادة (نعم) ٤/ ٣٦١٥.
535
وقوله تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ يجوز كسر (الهاء) فيه وضمه (١). فمن كسر فلأن الياء أخت الكسرة وبعضها، على معنى أنها تتولد من الكسرة، ألا ترى أن (الياء) كسرة مشبعة، كما أن (الواو) ضمة مشبعة، والألف فتحة مشبعة، وإذا كان كذلك فلو انكسر ما قبل (الهاء) وجب كسرها نحو: (بهم) و (من دونهم) وكذلك (عليهم وفيهم) وذلك أن إتباع (الياء) التي هي أخت الكسرة بالكسرة أولى من إتباعه بالضمة، لثقل الانتقال من الكسرة إلى الضمة. ألا ترى أنه ليس في كلامهم (فِعُل)، ولأن هذِه (الهاء) في (عليهم) هي التي في (عليه) وفي (عليه) كسر، لأن الأصل كان (عليهو (٢)) كقولك (٣) ضربته (٤).
زعم (٥) سيبويه أن (٦) (الواو) زيدت على (الهاء) في المذكر، كما زيدت (الألف) في (٧) المؤنث ليستويا في باب الزيادة.
(١) قرأ حمزة ويعقوب من العشرة (عليهم) بضم الهاء وقرأ الباقون (عليهم) بكسر الهاء مع اختلافهم في الميم، والأكثر بسكونها. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٠٨، ١٠٩، "الغاية" لابن مهران ص ٧٧، "الحجة" للفارسي ١/ ٥٧، "التيسير" ص ٤٠، ٤١، "الإقناع" ٢/ ٥٩٥، "النشر" ١/ ٢٧٢، "إتحاف فضلاء البشر" ص ١٢٣.
(٢) في (ب): (علهو) وفي (ج): (عليه وكقولك).
(٣) في (ب): (كقوله).
(٤) انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ٥٩، ٦٠، ٦١، "حجة القراءات" لابن زنجله ص ٨٢.
(٥) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٣، وانظر: "الكتاب" ٤/ ١٨٩.
(٦) في (ب): (إلى أن) بزيادة (إلى).
(٧) في (ب): (على). وفي "معاني القرآن" ١/ ١٣ للزجاج: (... كما زيدت الألف في المؤنث في قولك: ضربتها ومررت بها...).
536
قال الزجاج: و (١) القول في هذِه (الواو (٢)) أنها زيدت لخفاء (الهاء)، وذلك أن (الهاء) تخرج من أقصى الحلق (٣)، و (الواو) حرف مد ولين، تخرج (٤) من طرف الشفتين (٥)، فإذا زيدت (الواو) بعد (الهاء) أخرجتها من الخفاء، وتسقط في (٦) الوقف، كما تسقط الضمة والكسرة، ولأنها (واو (٧) وصل) فلو ثبتت لالتبس (٨) بالأصل. فإذا قلت: مررت به، قلبت (٩) الواو (ياء) لانكسار ما قبلها (١٠) أعني (الباء) (١١)، و (الهاء) لا يعتد به حاجزا حصينا
(١) (الواو) ساقطة من (ب).
(٢) في "معاني القرآن" ١/ ١٣ للزجاج: (والقول في هذِه (الواو) عند أصحاب سيبويه والخليل أنها إنما زيدت لخفاء (الهاء)...) ١/ ١٣.
(٣) انظر: "الكتاب" ٤/ ٤٣٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٦.
(٤) في (ب): (يخرج).
(٥) في "معاني القرآن": (.. و (الواو) بعد (الهاء) أخرجتها من الخفاء إلى الإبانة، فلهذا زيدت، وتسقط في الوقف...) ١/ ١٣. وانظر: "الكتاب" ٤/ ٤٣٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٨.
(٦) في (ب): (من).
(٧) في "معاني القرآن": (كما تسقط الضمة والكسرة في قولك: أتاني زيد، ومررت بزيد، إلا أنها (واو وصل)، فلا تثبت؛ لئلا يلتبس الوصل بالأصل...)، وفي الهامش: عبارة ك: (.... ولأنها واو (وصل)...) كما عند المؤلف ولعله أصوب.
(٨) في (ب): (لالتبست). وهذا أحسن للسياق.
(٩) في "المعاني": (فإذا قلت: مررت بهو يا فتى، فإن شئت قلت: مررت بهي، فقلبت الواو ياء...)، ١/ ١٣.
(١٠) في (ج): (بما قبلها).
(١١) (الباء) كذا في جميع النسخ. وفي "معاني القرآن": (أعني (الياء) المنكسرة. فإن قال قائل: بين الكسرة والواو (الهاء)، قيل:
537
لخفائه، فكأن (١) الكسرة تلي (الواو)، ولو كانت (الهاء) حاجزا حصينا ما زيدت (الواو) عليها.
وبهذه (٢) العلة كسرت الهاء في (عليه) وكان الأصل (عليهو) (٣) فقلبت (٤) الواو (ياء) (٥) للياء التي قبلها ثم حذفت (٦) لسكونها، وسكون الياء قبل الهاء، والهاء ليس بحاجز، فإذا كسر في (عليه) أقر على الكسر في (عليهم) إذ (٧) كانت العلة واحدة (٨). ومن ضم (الهاء) فقال: كان الأصل (عليهو) فحذفت الواو لسكونها وسكون (الياء) وبقيت الضمة لتدل على الواو (٩).
وأما حمزة (١٠) فإنه يقرأ: (عليهم) و (إليهم) و (لديهم) بالضم في هذِه الثلاثة (١١) وحجته (١٢): أن هذِه الحروف إن وليهن ظاهر صارت (ياءاتهن)
(١) في (ج): (وكان).
(٢) في (ب): (وهذِه).
(٣) في (ب): (علهو).
(٤) في (ج): (فقلبت الواو بالياء).
(٥) فتكون (عليهى) انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٤.
(٦) في (ب): (حذف).
(٧) في (ج): (اذا).
(٨) انتهى ما نقله من الزجاج، وآخر كلامه نقله بمعناه. انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٣، ١٤.
(٩) ذكره الزجاج، انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٤، "الحجة" لأبي علي ١/ ٦٠، "حجة القراءات" ص ٨١، "الحجة" لابن خالويه ص ٦٣، "الكشف" لمكي ١/ ٣٥.
(١٠) هو حمزة بن حبيب بن عمارة، الكوفي، التيمي بالولاء، وقيل: من صميمهم، الزيات أحد القراء السبعة (٨٠ - ١٥٦ هـ)، انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" ١/ ١١١، "غاية النهاية" ١/ ٢٦١.
(١١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٠٨، "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ٥٧.
(١٢) ما سبق إنما هو حجة لحمزة في قراءته بالضم نقله الواحدي عن الزجاج، ثم نقل مزيدا =
538
ألفات، نحو: على زيد، وإلى عمرو، ولدى بكر (١)، ولا يجوز كسر (الهاء) إذا كان قبلها ألف (٢)، فلما كان الأصل في هذِه (الياءات) الألف اعتبره حمزة فيها الأصل (٣) دون الرسم والخط (٤).
فإن قيل: ينقض هذا بالواحد والتثنية (٥)؟ قلنا: لا ينقض، لأنه أراد أن يخالف بين بناء الواحد والتثنية، وبين بناء الجمع، وذلك أن الجمع يخالفهما في البناء في أكثر الأمر، ألا ترى أنك تقول: رجل ورجلان، وحمار وحماران، ثم تقول في الجمع: رجال وحمر، فاتفق بناء الواحد والتثنية، وخالف بناء الجمع بناءها، فلهذا ضم الهاء في (عليهم ولديهم وإليهم (٦)) ولم يضم في (عليه وعليهما).
وأما من (٧) ضم من القراء كل هاء قبلها (ياء) ساكنة نحو: فيهم
= من الاحتجاج لقراءته بالضم من "الحجة" لأبي علي، حيث قال: (وحجة من قرأ (عليهم) -وهو قول حمزة- أنهم قالوا: ضم الهاء هو الأصل، وذلك أنها إذا انفردت من حروف تتصل بها قيل: (هم فعلوا). والواو هي القراءة القديمة، ولغة قريش، وأهل الحجاز، ومن حولهم من فصحاء اليمن. قالوا: وأما خص حمزة هذِه الحروف الثلاثة بالضم -، وهي: (عليهم) و (إليهم) و (لديهم) - لأنهن إن أولاهن ظاهرا صارت... الخ ما ذكره المؤلف عنه. "الحجة" ١/ ٦٠، وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٣٥.
(١) في (ب): (آل زيد وآل عمر وكذا بكر) تصحيف.
(٢) انظر: "الحجة"، ١/ ٦٠.
(٣) فضم الهاء، ولم يكسرها.
(٤) انظر: "الحجة"، ١/ ٨٣.
(٥) فلم يحصل الضم في الواحد والتثنية فيقال: عليه وعليهما بالكسر، كما سيأتي.
(٦) في (ب): (عليهم وإليهم ولديهم).
(٧) في (ب): (في).
539
ويأتيهم (١)، فحجته إجماعهم على ضمها إذا كان قبلها حرف ساكن سوى الياء، نحو (عنهم ومنهم) فكذلك الياء. هذا هو الكلام في (الهاء).
فأما (الميم) فأهل (٢) الحجاز يضمون (ميم) كل جمع حتى يلحقوا بها (واوا) (٣) في اللفظ (٤)، وحجتهم: أن أصلها أن تكون مقرونة (بواو) في اللفظ والخط، لأن أكثر جموع المذكورين بالواو في الفعل (٥) والاسم، نحو: فعلوا (٦) (٧) ويفعلون ومسلمون وصالحون، فعاملوا المكني معاملة الأسماء الظاهرة المجموعة و (٨) الأفعال من إلحاق الواو بها (٩).
والدليل على أن الأصل فيه ما ذكرنا، إجماعهم على إثبات الواو في اللفظ بعد الميم عند اتصاله بالمكني (١٠)، كقوله: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هود: ٢٨] و ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ﴾ [هود: ٩٢].
(١) وهي قراءة يعقوب من العشرة، انظر: "الغاية" ص ٧٧، "النشر" ١/ ٢٧٢، "إتحاف فضلاء البشر" ص ١٢٣، وهذا مخالف لنهج المؤلف في القراءات حيث ذكر قراءة عشرية، وعادته أن يذكر السبع فقط.
(٢) في (ج): (فإن أهل).
(٣) في (ب): (واو) بدون تنوين.
(٤) قراءة ابن كثير: يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٠٨، "الحجة" ١/ ٥٧، "الكشف" ١/ ٣٩.
(٥) في (ج): (في الاسم والفعل).
(٦) في (ب): (يفعلوا).
(٧) (الواو) ساقطة من (ج).
(٨) (الواو) ساقطة من (ب).
(٩) انظر: "الحجة" ١/ ١٠٤، ١٣٣، "الكشف" ١/ ٣٩، "حجة القراءات" ص ٨١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٣، ١٤، "المحتسب" ١/ ٤٤، "البيان" ١/ ٣٩.
(١٠) انظر: "الحجة" ١/ ١٠٦، "حجة القراءات" ص ٨١.
540
وأما من أسكن الميم (١)، فحجته: خط المصاحف، وذلك أن هذِه الواوات حذفت من الخط اقتصارًا على الميم، واكتفاءً بها من علامة الجمع كما حذفت ياء الإضافة من الأسماء والأفعال اقتصارا على الكسرة والنون التي قبلها (٢).
وقال ابن السراج (٣): إنما أسكنوا لأنه قد أمن اللبس، إذ كانت (الألف) في التثنية قد دلت على الاثنين، ولا (ميم) في الواحد، فلما لزمت (الميم) الجمع حذفوا (الواو) وأسكنوا (الميم) طلبا للتخفيف، إذ كان لا يشكل (٤).
وروى ورش (٥) عن نافع (٦) ضم الميم ووصلها بواو إذا (٧) استقبلها
(١) وعليه أكثر القراء كما سبق، وانظر: "الكشف" ١/ ٤٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٤، "الحجة" ١/ ٨٠، ٨٢، "الحجة" لابن خالويه ص ٦٣، "الكشف" ١/ ٤٠.
(٣) هو أبو بكر محمد بن السري سبقت ترجمته في الدراسة، وقد نقل عنه أبو علي في "الحجة" كثيرا، لأنه أول من بدأ في بيان حجج القراءات السبع التي جاءت في كتاب ابن مجاهد. ولم يتم الكتاب، وألف أبو علي كتاب "الحجة" وأتم ما شرع به ابن السراج وضمن أبو علي كتابه كلام ابن السراج. انظر مقدمة "الحجة" ص ٧.
(٤) "الحجة" ١/ ٥٩، ٦٠.
(٥) هو عثمان بن سعيد القبطي، مولى آل الزبير بن العوام، كنيته: أبو سعيد، وقيل غير ذلك. أحد القراء المشهورين، وأشهر رواة نافع، أحد السبعة ولادته ووفاته (١١٠ - ١٩٧ هـ). انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٥٢، "غاية النهاية" ١/ ٥٠٢.
(٦) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء، كنيته أبو رويم، وقيل غير ذلك. أحد القراء السبعة الذين اعتمدهم ابن مجاهد في كتابه، مات سنة تسع وستين ومائة، وقيل غير ذلك، وانظر ترجمته في "معرفة القراء" ١/ ١٠٧، "غاية النهاية" ٢/ ٣٣٠.
(٧) في (ب): (وإذا).
541
همزة (١)، ومذهبه حذف الهمزة ونقل حركتها [إلى الساكن قبلها، فلما احتاج إلى تحريك الميم حركها (٢)] (٣) بالحركة التي كانت لها في الأصل وهي (الضمة)، فلما أشبع ضمتها تولدت منها (واو)، فاحتاج إلى مدها لاستقبال الهمزة إياها (٤).
وأيضا فإنه لو نقل فتحة الهمزة إلى ميم الجمع عند استقبال الهمزة المفتوحة نحو: ﴿عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ﴾ (٥) [البقرة: ٦] وما أشبهه، لأشبه التثنية، فلما مدها عند الهمزة المفتوحة ولم ينقل حركتها إليها مخافة الالتباس فعل ذلك به عند الهمزة المضمومة والمكسورة؛ لئلا يختلف الطريق عليه (٦).
وكان حمزة والكسائي يضمان (٧) (الهاء) و (الميم) عند ألف الوصل (٨) نحو: ﴿عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [البقرة: ٦١] و ﴿إِإِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ [يس: ١٤] و ﴿مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ﴾ [القصص: ٢٣] وحجتهما أنه لما احتيج إلى تحريك (الميم) لالتقاء الساكنين كان تحريكها بحركة الأصل، وهي الضم أولى (٩)، ثم أتبعت الهاء
(١) قراءة نافع كسر الهاء، وأما الميم فالمشهور عنه الإسكان، وروى عنه الضم وروى ورش عن نافع أن الميم إذا لقيها همزة ألحق بها واوا. انظر: "السبعة" ص ١٠٨، ١٠٩، "الحجة" للفارسي ١/ ٥٨، "الكشف" ١/ ٣٩.
(٢) في (ج): (حركتها).
(٣) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) انظر: "الحجة" للفارسي ١/ ١٠٧، "الكشف" ١/ ٣٩.
(٥) ووردت الآية في (ب) ﴿عليهم أنذرتهم أم لم﴾ وهو تصحيف.
(٦) في (ب): (إليه).
(٧) في (ج): (يضمون).
(٨) في (ج): (لوصل).
(٩) في (ب): (أولا).
542
ضمة الميم استثقالًا للخروج من الكسر إلى الضم (١).
وكان أبو عمرو (٢) يكسرها عند ألف الوصل؛ لأنه يكسر الميم على أصل تحريك الساكن بالكسر إذا لقيه ساكن آخر، ويكسر الهاء بتبع الكسر لثقل الضم بعد الكسر (٣).
وأما من كسر (الهاء) وضم (الميم) عند ألف الوصل (٤)، فإنه يقول: لما احتجت إلى حركة الميم رددته إلى أصله، فضممت وتركت الهاء على كسرها، لأنه لم تأت ضرورة تحوج (٥) إلى ردها إلى الأصل (٦).
فأما التفسير: فقال ابن عباس: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]: هم قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا نعم الله عز وجل (٧).
وقال عكرمة: أنعمت عليهم بالثبات على الإيمان والاستقامة (٨).
(١) انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٨٢، "الكشف" ١/ ٣٧، قال أبو علي الفارسي في "الحجة" (تحريك حمزة الميم في (عليهم ولديهم وإليهم) خاصة بالضم مستقيم حسن، وذلك أنه يضم (الهاء) في هذِه الأحرف ولا يكسرها فإذا ضمها لم يكن في تحريك الميم إلى الضم ولم يجز الكسر..)، ثم أخذ يحتج لموافقة الكسائي له في ذلك، "الحجة" ١/ ١١٧، ١١٨.
(٢) زبان بن العلاء، أحد السبعة سبقت ترجمته.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي ١/ ١١٠، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٨٢.
(٤) وهي قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر. انظر: "السبعة" ص ١٠٨، ١٠٩، "الحجة" لأبي علي ١/ ٥٨.
(٥) في (ج): (تخرج).
(٦) انظر: "الحجة" لأبي علي ١/ ١٠٨، "حجة القراءات" ص ٨٢.
(٧) ذكره الثعلبي في "الكشف" ١/ ٣١/ ب، وذكره ابن عطية في "تفسيره" وقال: حكاه مكي وغيره عن فرقة من المفسرين، وقال ابن عباس: أصحاب موسى قبل أن يبدلوا. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٢٢، وانظر: "لباب التفاسير" للكرماني ١/ ٩٨ (رسالة دكتوراه).
(٨) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٣١/ ب.
543
وقيل: هم الذين ذكرهم الله في قوله (١) سبحانه: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦٩].
وقال ابن جرير: في الآية اختصار، معناه: صراط الذين أنعمت عليهم بالهداية إلى الصراط. والعرب تحذف من الكلام إذا كان في الباقي دليل عليه (٢). وستمر بك أشباه لهذا كثيرة.
وقوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ (غير) (٣) ينخفض على ضربين (٤): على البدل من (الذين)، ويستقيم أن يكون صفة (الذين). و (غير) نكرة، وجاز (٥) أن يقع هاهنا صفة لـ (الذين)، لأن الذين هاهنا ليس بمقصود قصدهم (٦)، فهو بمنزلة قولك: إني لأمرُّ بالرجل مثلك فأكرمه.
(١) ذكره الثعلبي في "الكشف" ولم يعزه لأحد ١/ ٣١/ ب، وذكر الطبري بسنده عن ابن عباس: يقول: (طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك). "تفسير الطبري" ١/ ٧٦، (قال شاكر: الخبر ضعيف الإسناد) "تفسير الطبري" ١/ ١٧٨، أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣١، وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ٤٢، قال ابن عطية في "تفسيره": هو قول ابن عباس وجمهور المفسرين ١/ ١٢١، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ١٢٩.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٦. وذكر الواحدي كلام ابن جرير بالمعنى.
(٣) قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (غير) بخفض (الراء). وروي عن ابن كثير النصب والرفع. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١١١، "الحجة" للفارسي ١/ ١٤٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٩.
(٤) ذكره أبو علي في "الحجة" عن أبي بكر بن السراج، حيث قال: (قال أبو بكر في "الحجة" في الجر: إنهم قالوا: ينخفض على ضربين..)، والكلام كله بنصه في "الحجة" ١/ ١٤٢، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١١٢.
(٥) في (ج): (ويجوز).
(٦) أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، لأن (الذين) مع كونه معرفة فهو قريب من النكرة =
544
ويجوز (النصب) على ضربين: على الحال، والاستثناء (١)، أما الاستثناء: فكأنك قلت: إلا المغضوب عليهم، وهو (٢) استثناء الشيء من غير جنسه، وحق (غير) في الاستثناء النصب إذا كان ما بعد (إلا) منصوبا (٣).
وأما الحال: فكأنك قلت: (صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم).
قال ابن السراج (٤): ويجوز عندي النصب على (٥) (أعنى). وقد حكي عن الخليل نحو هذا، أنه أجازه على وجه (٦) القطع من الأول، كما يجيء المدح. ولمن نصب أن يقول (٧): (غير) نكرة وكرهت أن أصف بها المعرفة.
= لأنه عام. انظر؛ "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦، "البحر" ١/ ٢٩.
(١) نسب ابن مجاهد (القول بالنصب على الاستثناء) إلى الأخفش، وقال: هذا غلط. ابن مجاهد ص ١١٢، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٥، "البحر" ١/ ٢٩.
(٢) قوله: (وهو استثناء الشيء... إلى قوله إذا كان ما بعد (إلا) منصوبا) ليس من كلام ابن السراج وما قبله وما بعده كله لابن السراج، انظر: "الحجة" ١/ ١٤٢.
(٣) انظر: "الأصول" لابن السراج ١/ ٢٨٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٥، "البحر" ١/ ٢٩.
(٤) هذا وما قبله بنصه مما نسبه أبو علي الفارسي في "الحجة"، لأبي بكر محمد بن سهل بن السراج، فالكلام كله لابن السراج، نقل الواحدي أوله بدون عزو ثم عزا آخره له، وهذا يلاحظ على منهج الواحدي في العزو. انظر: "الحجة" ١/ ١٤٢، ١٤٣.
(٥) في "الحجة": (قال: ويجوز عندي النصب أيضا على (أعني)....) فذكر: (أيضا) لأنه عطفه على كلام قبله، ذكر فيه وجوها أخرى للنصب. انظر ١/ ١٤٣.
(٦) في "الحجة": (.. على وجه الصفة والقطع من الأول...) ١/ ١٤٣.
(٧) في "الحجة": (.. ومما يحتج به لمن يفتح أن يقال: (غير) تكره، فكره أن يوصف به المعرفة) ١/ ١٤٣.
545
والاختيار الكسر (١). ولا يلزم وصف المعرفة بالنكرة؛ لأن حكم كل مضاف إلى معرفة (٢) أن يكون معرفة، وإنما تنكرت (غير) و (مثل) مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك أنك إذا قلت: رأيت غيرك، فكل شيء يرى سوى المخاطب هو غيره (٣)، وكذلك إذا قال: رأيت مثلك، فما هو مثله لا يحصى، يجوز أن يكون مثله في خلقه، وخلقه، وفي جاهه، وفي نسبه، وفي علمه، فإنما صارا (٤) نكرتين من أجل المعنى. فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد، وأردت إثباته ونفي ضده، وعلم السامع (٥) ذلك الضد فوصفته بـ (غير) وأضفت (غير (٦)) إلى ضده، فهو معرفة، وذلك نحو قولك: عليك بالحركة غير السكون، فغير السكون معرفة، وهو (٧) الحركة، فكأنك كررت الحركة تأكيدا.
وكذلك قوله: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ فغير المغضوب عليهم، هم الذين أنعم عليهم، لأن من أنعم عليه بالإيمان، فهو غير مغضوب عليه، فهو مساو له في معرفته، ومتى كانت (غير) بهذِه الصفة، وقصد هذا
(١) هذا من كلام أبي بكر بن السراج واختياره حيث قال: (والاختيار الذي لا خفاء به الكسر، ألا ترى أن ابن كثير قد اختلف عنه...) وقد اختصر الواحدي كلام ابن السراج. انظر: "الحجة" ١/ ١٤٣.
(٢) في (ب): (معرفته).
(٣) في "الحجة": (فكل شيء ترى سوى المخاطب فهو غيره) وفي الهامش: ط: (تراه)، انظر: "الحجة" ١/ ١٤٣.
(٤) أي: (غير) و (مثل).
(٥) في "الحجة": (... وعلم ذلك السامع فوصفته بغير....)، ١/ ١٤٤.
(٦) في (أ): (غيرا).
(٧) في "الحجة" (وهي) ١/ ١٤٤.
546
القصد فهي معرفة (١). وكذلك لو عرف إنسان بأنه مثلك في ضرب من الضروب لقيل فيه (٢): قد جاء مثلك، لكان معرفة، إذا أردت المعروف بشبهك (٣)، والمعرفة والنكرة بمعانيهما (٤). ومن جعل (غير) بدلا استغنى عن هذا الاحتجاج (٥)، لأن النكرة قد تبدل من المعرفة)، انتهى كلام ابن السراج (٦).
قال صاحب (٧) "الحجة": أما الخفض في (٨) (غير) فعلى البدل أو الصفة، والفصل بين البدل والصفة في قول سيبويه (٩) إن البدل في تقدير تكرير العامل، بدلالة (١٠) حرف الجر في قوله سبحانه: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
(١) في "الحجة": (.. فالذين أنعم عليهم لا عقيب لهم إلا المغضوب عليهم، فكل من أنعم عليه بالإيمان فهو غير مغضوب عليه، وكل من لم يغضب عليه فقد أنعم عليه. فغير المغضوب عليهم هم الذين أنعم عليهم، فهو مساو له في معرفته. هذا الذي يسبق إلى أفئدة الناس وعليه كرمهم. فمتى كانت (غير) بهذِه الصفة وقصد بها هذا القصد، فهي معرفة...) فالواحدي نقل كلام ابن السراج بتصرف واختصار. انظر: "الحجة" ١/ ١٤٤.
(٢) في (أ)، (ج): (منه) وما في (ب) موافق لما في "الحجة" ١/ ١٤٤.
(٣) في (ج): (يشبهك).
(٤) جاء في "الحجة" بعده: (فكل شيء خلص لك بعينه من سائر أمته فهو معرفة...)، ١/ ١٤٤.
(٥) في ب: (الاحتياج).
(٦) في (ب): (ابن الشهاب السراج) تصحيف. وفي "الحجة": (انتهت الحكاية عن أبي بكر) ١/ ١٤٤.
(٧) أبو علي الفارسي، "الحجة" ١/ ١٤٥.
(٨) في (ب): (من غير).
(٩) نص كلام أبي علي (.. والفصل بين البدل في تقدير تكرير العامل، وليس كالصفة ولكن كأنه في التقدير من جملتين بدلالة تكرير حرف الجر... الخ)، فلم يرد ذكر قوله: (في قول سيبويه) وقد ورد ذكر سيبويه في كلام أبي علي بعد هذا الموضع. انظر: "الحجة" ١/ ١٤٥، "الكتاب" ٢/ ١٤، ٣٨٦.
(١٠) في (ج): (بدلال).
547
مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (١) فهو يفارق الصفة من هذا الوجه (٢).
وأيضًا (٣) فإن النكرة تبدل من المعرفة، والمظهر من المضمر (٤)، وهذا مما لا يجوز في الصفة، لا يجوز وصف المعرفة بالنكره، ولا وصف المضمر بالظاهر (٥).
وكما أعيدت اللام الجارة في البدل (٦)، فكذلك يكون العامل الناصب (٧) والرافع في تقدير التكرير. ويشترك البدل مع الصفة في أن كل واحد منهما تبيين (٨) للأول (٩).
(١) الشاهد من الآية: قوله (لمن آمن) فهو بدل من (الذين استضعفوا) بإعادة حرف الجر وهي (اللام) بدل البعض من الكل، لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن، هذا على عود الضمير في (منهم) إلى (الذين استضعفوا) فإن عاد الضمير إلى (قومه) كان بدل كل من المستضعفين، انظر: "فتح القدير" ٢/ ٣٢١.
(٢) قوله: (فهو يفارق الصفة من هذا الوجه) ليس في "الحجة" ١/ ١٤٥، والوجه المراد هو ما ذكره: من أن البدل في تقدير تكرير العامل.
(٣) نص كلام أبي علي في "الحجة" قال بعد أن ذكر الآية (.... وبدلالة بدل النكرة من المعرفة)، ١/ ١٤٥.
(٤) في (ب): (المظهر).
(٥) قوله: (لا يجوز وصف المعرفة بالنكرة، ولا وصف المضمر بالمظهر) ليس في "الحجة" ١/ ١٤٥.
(٦) في "الحجة" (في الاسم) ١/ ١٤٥.
(٧) في "الحجة" (الرافع أو الناصب) ١/ ١٤٥.
(٨) في (ب): (يبين).
(٩) ذكر كلام أبي علي بمعناه انظر: "الحجة" ١/ ١٤٥.
548
فمن جعل (١) (غير) في الآية (٢) بدلا، كان تأويله بيِّنًا، وذلك أنه لا يخلو من أن يجعل (غير (٣)) معرفة (٤) أو نكرة. فإن جعله معرفة فبدل المعرفة من المعرفة سائغ (٥)، وإن جعله نكرة فبدل النكرة من المعرفة مشهور (٦).
وأما من قدر (غير) صفة و (الذين (٧) فإنما جاز أن يصف (الذين) بـ (غير) (٨) من حيث لم يكن (الذين) مقصودا قصدهم (٩). فصار مشابها للنكرة، من حيث اجتمع معه في أنه لم يرد به شيء معين.
ونظير ذلك مما دخله (الألف واللام)، فلم يختص بدخولهما عليه (١٠)،
(١) انتقل إلى موضع آخر في "الحجة" ١/ ١٤٩.
(٢) أي: قوله تعالى: ﴿غير المغضوب عليهم﴾.
(٣) في "الحجة" (غيرا).
(٤) في (ب): (معرفة في الآية بدل أو نكره).
(٥) في (ب): (شائع)، وفي "الحجة" (سائغ مستقيم كقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧، ٦]، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] ١/ ١٤٩.
(٦) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ١٤٩.
(٧) أي: في قوله ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧].
(٨) كلام أبي علي: (وأما من قدر (غير) صفة لـ (الذين)، وقدره معرفة لما ذكره أبو بكر - يريد ابن السراج كما نقل كلامه فيما سبق- فإن وصفه لـ (الذين) بـ (غير) كوصفه له بالصفات المخصوصة، وقد حمله سيبويه على أنه وصف. ومن لم يذهب بـ (غير) هذا المذهب، ولم يجعله مخصوصا استجاز أن يصف (الذين) بـ (غير) من حيث لم يكن الذين مقصودا قصدهم..)، ١/ ١٥٣، فاختصر الواحدي كلام أبي علي فقارن بينهما.
(٩) أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم.
(١٠) أي: لم يختص بواحد بعينه وإنما عرفته (ال) تعريف جنس. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٠.
549
لما لم يكن مقصودا قصده (١)، قولهم: قد أمر (٢) بالرجل مثلك فيكرمني (٣)، فوصف الرجل بمثلك لما لم يكن معينا (٤).
ومما (٥) جاء (غير) فيه صفة (٦) قوله: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: ٩٥] فمن رفع (غير) (٧) كان وصفا للقاعدين، والقاعدون غير مقصود قصدهم (٨)، كما كان قوله: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ كذلك. والتقدير: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء، والمجاهدون (٩).
وأما من نصب (غير) على الاستثناء، فإن الفراء ينكر جواز (١٠) ذلك،
(١) أي: ما دخله (الألف واللام) لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، فلم يختص بدخول (الألف واللام) عليه.
(٢) في (ج): (أصر).
(٣) في "الحجة" (.. فيكرمني، عند سيبويه، فوصف الرجل..)، "الحجة" ١/ ١٥٤. وانظر: "الكتاب" ٢/ ١٣، وتعليق عبد السلام هارون عليه.
(٤) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ١٥٤ وما بعدها.
(٥) في (ب): (وما غير).
أورد أبو علي الآية، بعد أن تكلم عن نصب (غير) بالاستثناء. وخرج الآية على الوجهين الرفع والنصب. انظر: "الحجة" ١/ ١٦٠.
(٦) في (ج): (لا يستوي المؤمنون القاعدون من المؤمنين) تصحيف في الآية.
(٧) كذا وردت بالنصب في جميع النسخ "الحجة" ١/ ١٦٠.
(٨) أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، وإنما المراد من اتصف بهذِه الصفة وهي القعود عن الجهاد وهو غير ذي ضرر.
(٩) في (ب): (المجاهدين).
(١٠) أنكر الفراء ذلك رادا على أبي عبيدة فيما ادعاه: أن (غير) في قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ بمعنى (سوى) وأن (لا) في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ صلة. انظر كلام الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٨، وكذلك رد عليه الطبري ناقلا عن الفراء، انظر: "تفسير الطبري" =
550
وقال: لو كان (غير) هاهنا منصوبا على الاستثناء كان بمعنى (سوى) فلم يجز أن يعطف عليه بقوله: (ولا (١)) لأن (لا) نفي وجحد، ولا يعطف بجحد إلا على جحد، ولا يجوز في الكلام استثناء يعطف عليه بجحد، كما تقول: [رأيت القوم إلا زيدا ولا عمرا، وإنما يعطف الجحد على الجحد، كما تقول:] (٢) ما قام أبوك ولا أخوك (٣).
ومن أجاز (٤) الاستثناء فإنه يقول: لا يمتنع دخول (لا) (٥) بعد الحرف العاطف (٦) لأن الاستثناء يشبه النفي، ألا ترى أن قولك: جاءني القوم إلا زيدا، بمنزلة قولك: جاءني القوم لا زيد. فيجوز أن تعطف (٧) بـ (لا) حملا على المعنى، ويجوز أن تجعلها زيادة في هذا الوجه (٨)، كما تجعلها زيادة في قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ (٩) [فاطر: ٢٢].
= ١/ ٨١، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٥.
وأما أبو علي فيأخذ بقول أبي عبيدة كما سيأتي كلامه، ومنه قوله: (ومن جعل (غير) استثناء لم يمتنع على قوله دخول لا بعد الحرف العاطف...) "الحجة" ١/ ١٦٣.
(١) يريد قوله ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾. انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨، والطبري ١/ ٧٩، ١٩٠.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٩.
(٤) هذا من كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ١٦٣.
(٥) في (ب): (إلا) تصحيف.
(٦) كما في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
(٧) في (ب): (يعطف) وفي "الحجة": (أن تدخل "لا") ١/ ١٦٣.
(٨) هذا رأي أبي عبيدة، انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٥، دافع عنه أبو علي في وجه المنكرين له كالفراء. انظر: "الحجة" ١/ ١٦٣.
(٩) استدل أبو علي بالآية على أن (لا) زائدة، وهذا ليس بالاتفاق فهناك من يقول ليست زائدة. انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٢٩.
551
وإذا جاز دخول (لا) (١) مع الاستثناء لهذين الوجهين (٢) فلا وجه لقول من أنكره (٣).
وكذلك (٤) يجوز زيادة (لا) في قول من جعل (غير) حالا أو صفة أو بدلا. وقد دخلت (لا) زائدة في مواضع كثيرة في التنزيل وغيره، من ذلك قوله (٥): ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ الآية [الحديد: ٢٩]. والذين يجوزون زيادة (لا) يقولون: إنما تجوز إذا تقدمه نفي (٦) كقوله:
(الهاء) ليست بحاجز حصين، فكأن الخ ١/ ١٣ ولعل ما في "المعاني" خطأ مطبعي.
ما كان يرضى رسول الله دينهم والطيبان أبو بكر ولا عمر (٧)
وليس الأمر كذلك (٨) فقد جاء زيادتهما في الإيجاب كما في النفي، قال
(١) في (ب): (الا) تصحيف.
(٢) والوجهان هما:
١ - أن الاستثناء يشبه النفي، فتدخل (لا) حملا على المعنى.
٢ - جعلها زيادة، انظر: "الحجة" ١/ ١٦٣.
(٣) ممن أنكره الفراء.
(٤) في (ب): (ولذلك).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٣٧، "الكتاب" ١/ ٣٩٠.
(٦) هذا قول الفراء. انظر: "معاني القرآن" ١/ ٨، وكذا الطبري انظر: "تفسيره" ١/ ٨١. وقوله: (الذين يجوزون زيادة (لا)... مع البيت بعده) لم يرد في كلام أبي علي الفارسي. انظر: "الحجة" ١/ ١٦٣، ١٦٤.
(٧) البيت لجرير يهجو الأخطل، وقد استشهد الفراء بالبيت على جواز زيادة (لا) إذا تقدمها نفي. انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨، وورد البيت في "تفسير الطبري" ١/ ٨٢، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢١٥، "نقائض جرير والأخطل" ص ١٧٤، "ديوان جرير" ص ٢٠١.
(٨) هذا رأي الواحدي كما هو رأي أبي عبيدة وأبي علي الفارسي حيث اتفقوا على جواز زيادة (لا) في الإيجاب. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٥ - ٢٧، "الحجة" ١/ ١٦٤، والكلام منقول منها.
552
ساعدة الهذلي (١):
أفعنك لا برق كأن وميضه غابٌ تشيَّمَه (٢) ضِرامٌ مثقَبُ (٣)
وأنشد أبو عبيدة:
ويلحينني في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل (٤)
وقال الله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ (٥) [الأعراف: ١٢]، وفي الأخرى ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ [ص: ٧٥] وهذا الحرف (٦) -أعني: (لا) - يدخل (٧) في النكرة على وجهين:
أحدهما: أن يكون (٨) زائدًا كما ذكرنا في بيت الهذلي (٩).
(١) هو ساعدة بن جؤية الهذلي، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم، وليست له صحبة. انظر ترجمته في "شرح أشعار الهذليين" للسكري ٣/ ١٠٩٧، "الإصابة" ٢/ ٤، "الخزانة" ٣/ ٨٦.
(٢) في (ب): (تسنمه) بالسين والنون، وفي (أ): (تشنيمه) على الروايتين، وقد وردت في "الحجة" (تسنمه) كما في (ب)، وأكثر المصادر (تشيمه).
(٣) قوله (أفعنك): عن ناحيتك، و (لا) زائدة، (تشيمه) أي: دخل في، و (الضرام): النار في الحطب الدقيق. ورد البيت في "شرح أشعار الهذليين" للسكري ٣/ ١١٠٣، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢١٣، "الحجة" لأبي علي ١/ ١٦٤، "المخصص" ١٤/ ٦٥، "اللسان" (شيم) ٤/ ٢٣٨٠، "البحر المحيط" ٤/ ٢٧٣.
(٤) البيت للأحوص، ومعنى قوله: (ويلحينني): يعذلنني، ورد البيت في "شعر الأحوص" ص ١٧٩، "جاز القرآن" ١/ ٢٦، و"تفسير الطبري" ١/ ٨١، "الكامل" ١/ ٨٠، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢١٤، "الحجة" لأبي علي ١/ ١٦٤.
(٥) في (ب): (أن تسجد).
(٦) من "الحجة" ١/ ١٦٦.
(٧) في (أ)، (ج): (تدخل) وفي "الحجة" (يدخل) ١/ ١٦٦.
(٨) في (ب): (تكون) بالتاء، وفي "الحجة" (يكون) ١/ ١٦٦.
(٩) بيت الهذلي قوله: ويلحينني في اللهو ألا أحبه. البيت. وفي "الحجة": (كما مر في بيت =
553
والآخر: أن يكون (١) غير زائد، فإذا لم يكن زائدا كان على ضربين:
أحدهما: أن يكون (لا) مع الاسم بمنزلة اسم واحد نحو: خمسة عشر (٢)، وذلك نحو قولهم: (غضب من لا شيء، وجئت بلا مال) فـ (لا) مع الاسم المنكور في موضع جر بمنزلة خمسة عشر (٣).
والآخر: ألا تعمل (٤) (لا) في اللفظ، ويراد بها معنى النفي، فيكون صورتها صورة الزيادة، ومعنى النفي فيه مع ذلك صحيح، وذلك كقول النابغة:
أمسى ببلدة لا عمٍّ ولا خالِ (٥)
وقال الشماخ (٦):
= جرير) وبيت جرير الذي يعنيه هو قوله:
ما بال جهلك بعد الحلم والدين وقد علاك مشيب حين لا حين
انظر: "الحجة" ١/ ١٦٤، ١٦٦.
(١) في (ب): (بالتاء) في كل المواضع، وكذا في "الحجة": (أن تكون غير زائده، فإذا لم تكن زائدة..) ١/ ١٦٦.
(٢) انظر: "الكتاب" ٢/ ٢٧٦.
(٣) (عشر) ساقط من (ب)، (ج).
(٤) في (ب): (يعمل).
(٥) البيت للنابغة الذبياني يرثي أخاه وصدره:
بعد ابن عاتكة الثاوي لدى أبوى...............
و (عاتكة): أمه، و (أبوى): اسم موضع، انظر: "ديوان النابغة" ص ١٥١، "الحجة" لأبي علي ١/ ١٦٧، "الخزانة" ٤/ ٥٠، "معجم البلدان" ١/ ٨٠.
(٦) اسمه معقل بن ضرار الغطفاني، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وله صحبة، شهد وقعة القادسية، وتوفي في زمن عثمان رضي الله عنهما. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ١٩٥، "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٣٢، "الخزانة" ٣/ ١٩٦.
554
إذا ما أدلجت وصفت يداها لها إدلاج ليلة لا هجوع (١)
وقال صاحب "النظم" (٢): دخلت (لا) في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ لمعنى من المعاني، وهو أنها منعت من ميل الوهم إلى غير ما نظم عليه الكلام، وذلك أن قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ معطوف على قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وفي (غير) تأويل جحد، فدخلت (لا) على الضالين، ليعلم أنها معطوفة على (غير)، ولو لم تدخل (لا) لاحتمل أن يكون قوله: (والضالين) منسوقا (٣) على قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم والضالين}، فلما احتمل ذلك أدخل فيه (لا) ليحسم هذا الوهم (٤)، وهو كما قال:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر (٥)
أدخل (لا) (٦) في قوله: (ولا عمر)؛ لأنه لو لم يدخل لاحتمل أن يكون انقطاع القصة عند تمام قوله: (ما كان يرضى رسول الله فعلهم)، ثم ابتدأ كلاما آخر على معنى المبتدأ وخبره، فيكون معناه حينئذ: (و (٧) الطيبان أبو
(١) (الإدلاج): السير من الليل، (وصفت يداها): أي أجادت السير. وصف الناقة في سيرها وجدها في السير، (ليلة لا هجوع): لا نوم فيها. ورد البيت في "ديوان الشماخ" ص ٢٢٦، "الحجة" لأبي علي ١/ ١٦٨، وفي مادة (وصف) في "الصحاح" ٤/ ١٤٣٩، "أساس البلاغة" ٢/ ٥١١، "اللسان" ٨/ ٤٨٥٠، " التاج" ١٢/ ٥٢٣، وفي "الخزانة" ٤/ ٥٠. وبهذا البيت انتهى ما نقله عن "الحجة" ١/ ١٦٨.
(٢) هو أبو علي الحسن بن يحيى الجرجاني، سبق الحديث عنه في مصادر الواحدي.
(٣) في (ب): (مسبوقا).
(٤) انظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٩.
(٥) البيت لجرير يهجو الأخطل، وسبق تخريجه قريبا، والرواية هناك (دينهم) بدل (فعلهم).
(٦) (لا) ساقط من (ب).
(٧) (الواو) مكررة في (جـ).
555
بكر وعمر) أي: أنهما هما الطيبان دون غيرهما. فلما دخلت (لا) علم أن عمر داخل في المعنى الذي أضيف إلى (١) رسول الله من أنه لا يرضى فعلهم على تأويل، ولا يرضى -أيضا- فعلهم الطيبان أبو بكر وعمر (٢).
وأما معنى (الغضب) من الله تعالى فهو إرادة العقوبة، وتسمى العقوبة غضبا على التوسع (٣). وإنما لم يقل (المغضوبين) كما قال: (ولا الضالين) لأن كل فعل تعدى إلى المفعول بحرف الجر فإن جمعه وتثنيته وتأنيثه في المكنى المتصل بحرف الجر (٤)، كقولك (٥): المأخوذ منه، والمأخوذ منهما، والمأخوذ منهم، والمأخوذ منهن. وكذلك تقول في: الممرور (٦) به، والمقعود (٧) عليه، والمتوجه (٨) إليه وما أشبهها (٩).
(١) في (ب): (ان).
(٢) قوله: (وعمر) ساقط من (ب).
(٣) بل نثبت الغضب لله كما أثبته لنفسه، ولا نؤوله بإرادة العقوبة، ومنهج السلف إثبات الصفات لله التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله - ﷺ - من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه، ولا يلزم من ثبوتها مشابهة الخلق. انظر: "الرسالة التدمرية" ص ٣١ - ٣٣، "تفسير الطبري" ١/ ١٨٩.
(٤) فلم يجمع فيقال (المغضوبين) لأنه لا يتعدى إلا بحرف الجر، فتعدى إلى الضمير بحرف الجر، وظهر جمعه في الضمير في قوله (عليهم). انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٥، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٣، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٤١.
(٥) في (ب): (كقوله).
(٦) في (ب): (المروية) وفي (ج): (الممسدوريه).
(٧) في ب (المفعور).
(٨) في (ص): (التوجه).
(٩) في (ب): (وما أشبههما). ما أشبهها مما فعله لازم يتعدى لمفعوله بحرف الجر، فإن جمعه وتثنيته في الضمير بعده المتصل بحرف الجر.
556
والعلة فيه أن تمام الاسم عند ذكر المكنى، علامة التثنية والجمع والتأنيث تلحق (١) آخر الأسماء عند تمامها. وقال النحويون: هذا وأمثاله بمنزلة الفعل المقدم، نحو قولك: (ضرب أخواك، وضرب إخوتك) (٢). و (عليهم) في الموضع رفع، لأنه بمنزلة اسم ما لم يسم فاعله (٣).
وقوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ أصل الضلال في اللغة الغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن إذا غاب، وضل الكافر: غاب عن المحجة (٤). ومن هذا قوله تعالى: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] أي: غبنا فيها بالموت وصرنا ترابا وعظاما فضللنا في الأرض، ولم يتبين (٥) شيء من خلقنا، ويقال: أضللت الشيء إذا غيبته، [وأضللت الميت إذا غيبته] (٦) في التراب ودفنته (٧). وقال المخبل (٨):
(١) في (ب): (بجلق).
(٢) فتلحق علامة التثنية والجمع آخر الفاعل عند تقدم الفعل عليه.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٥، "المشكل" لمكي ١/ ١٣، "البيان" ١/ ٤١.
(٤) ذكره الأزهري عن أبي عمرو. "تهذيب اللغة" (ضل) ٣/ ٢١٣٠، وانظر: "اللسان" (ضلل) ٥/ ٤٦٠٤، وفي "اللسان" ضل الكافر إذا غاب عن الحجة، وكذا في "التهذيب".
(٥) في (ب): (نبين).
(٦) ما بين المعكوفين ساقط من (ب).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (ضل) ٣/ ٢١٣٠، "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٥٧، "معجم مقاييس اللغة" (ضل) ٣/ ٣٥٦، "اللسان" (ضلل) ٥/ ٤٦٠٢.
(٨) المخبل: المجنون، وبه لقب الشاعر، واسمه ربيع بن ربيعة بن عوف، شاعر مخضرم، أدرك الإسلام، توفي في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٢٦٩، "طبقات فحول الشعراء" ص ٦١، "الإصابة" ١/ ٤٩١، "الخزانة" ٦/ ٩٣.
557
أضلت بنو قيس بن سعد عميدها وفارسها في الدهر قيس بن عاصم (١)
فالضال هو الغائب عن الحق الزائغ عن الرشد، ويقال: ضَل يضِل، وضَل يضل لغتان، وضلِلنا وضلَلنا (٢).
فأما التفسير فروى عدي بن حاتم (٣) عن النبي - ﷺ - في تفسير ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ قال: اليهود، ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: النصارى (٤).
وروي أن رسول الله - ﷺ - كان بوادي القرى (٥) على فرسه (٦)، [فسأله
(١) ورد البيت في "تهذيب اللغة" (ضل) ١١/ ٤٦٥، "اللسان" (ضلل) ٤٦٠٤، وقيس بن عاصم: هو قيس بن عاصم بن سنان بن خال بن منقر، سيد قومه ورد على النبي - ﷺ - فقال: "هذا سيد أهل الوبر". انظر: "الخزانة" ٨/ ١٠٢.
(٢) انظر: "معجم مقاييس اللغة" (ضل) ٣/ ٣٥٦، "اللسان" (ضلل) ٥/ ٢٦٠١، "القاموس" ص ١٠٢٤.
(٣) عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي، الأمير الشريف، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالجود، وفد على النبي - ﷺ - في وسط سنة تسع فأكرمه، له أحاديث، في وفاته أقوال، أشهرها سنة سبع وستين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ١/ ١٨٩، "جمهرة أنساب العرب" ص ٤٠٢، "طبقات ابن سعد" ٦/ ٢٢، "الإصابة" ٢/ ٤٦٨، "سير أعلام النبلاء" ٣/ ١٦٢.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٨٢ بسنده من طرق، قال أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري": إسناده صحيح، الطبري ١/ ١٨٥، ١٨٦، وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده في "تفسيره" ١/ ٣١، وقال: لا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا. "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٦٣، وأخرجه الثعلبي بسنده في "تفسيره" ١/ ٣٢/ ب، وهو جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي في "سننه" (٢٩٥٣) أبواب تفسير القرآن، تفسير سورة الفاتحة، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد في "مسنده" ٤/ ٣٧٨.
(٥) واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كئير القرى، فتحها النبي - ﷺ - سنة سبع عنوة، ثم صولحوا على الجزية. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٣٤٥.
(٦) في (ب): (قرينه).
558
رجل (١)] من بلقين (٢) فقال: يا رسول (٣) الله، من هؤلاء الذين يقاتلونك؟ قال: "المغضوب عليهم" وأشار إلى اليهود، فقال: من هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال: "الضالون" وأشار إلى النصارى (٤).
قال المفسرون: وتصديق هذا حكم الله عز وجل بالغضب على اليهود (٥) في قوله: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٦٠] وحكمه على النصارى بالضلال في قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ﴾ [المائدة: ٧٧] الآية، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وغيرهم (٦).
وهذا التفسير يوافق في ظاهر اللفظ قراءة من قرأ (غير) بالنصب على
(١) ما بين المعكوفين ساقط من (ب).
(٢) كذا جاءت في "تفسير الثعلبي" ١/ ٣٣/ أ، و"تفسير الطبري" (من بني القين) قال في "الصحاح": يقال لبني القين من بني أسد: (بلقين). "الصحاح" (قين) ٦/ ٢١٨٥.
(٣) في (ب): (لرسول الله - ﷺ -).
(٤) ذكره الثعلبي بسنده في "تفسيره" ١/ ٣٣/ أ، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٨٠ بروايات مختلفة بعضها مرسلة وبعضها متصلة بإسناد صحيح. وانظر: "تفسير الطبري" مع تحقيق محمود شاكر ١/ ١٨٦، ١٨٧.
وأخرجه أحمد في "مسنده" ٥/ ٧٧، وذكره ابن كثير موصولا في "تفسيره" ١/ ٣٢، وانظر: "الدر" ١/ ٤٢.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٩، ٨١، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٣٣/ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٢٦، و"تفسير البغوي" ١/ ٥٥، و"الكشاف" ١/ ٧١، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٣٠، و"تفسير وابن كثير" ١/ ٣٢.
(٦) انظر أقوالهم في "تفسير الطبري" ١/ ٨٠، ٨٣، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٢٦، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٣٢، "الدر" ١/ ٤٢ - ٤٣. قال ابن أبي حاتم بعد أن ذكر قول ابن عباس: لا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا. "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣١، وللرازي أقوال في تفسير المغضوب عليهم والضالين، تخالف ما ورد بالنص، وما عليه جمهور المفسرين، انظر: "تفسيره" ١/ ٢٦١.
559
معنى الاستثناء (١)، [كأنه استثنى] (٢) اليهود والنصارى من الذين أنعم عليهم، وكأن المسلمين (٣) سألوا أن يهديهم طريق المنعم عليهم لا طريق اليهود والنصارى. وهذِه قراءة شاذة (٤).
وتصحيح هذا التفسير على القراءة المعروفة هو أن (٥) المعنى: اهدنا صراط المنعم عليهم، الذين لم تغضب (٦) عليهم ولم يضلوا (٧). فلما وصفوا
(١) قراءة (غير) بالنصب مروية عن ابن كثير، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١١٢، "الحجة" لأبي علي ١/ ١٤٢، قال في "البحر": وهي قراءة عمر وابن مسعود وعلي وعبد الله بن الزبير. "البحر" ١/ ٢٩، واختلف في تخريجها، فيرى الزجاج والأخفش وبعض البصريين: أنه منصوب على الاستثناء، ونصره أبو علي الفارسي في "الحجة"، ومنعه الفراء، والأرجح: أنها حال من الضمير في (عليهم).
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٨، "الحجة" ١/ ١٤٢، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٦، والفراء ١/ ٨، والزجاج ١/ ١٦، "البحر" ١/ ٢٩.
(٢) ما بين المعكوفين ساقط من (ب).
(٣) في (أ)، (ج): (المسلمون).
(٤) ممن قال بشذوذها الطبري حيث قال: (وقد يجوز نصب (غير) في ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وإن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء..) "تفسير الطبري" ١/ ٧٨، وكذلك عدها عبد الفتاح القاضي من الشواذ، حيث ذكرها في كتابه "القراءات الشاذة" ص ١٩. وقراءة النصب مروية عن ابن كثير. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١١٢، "الحجة" لأبي علي ١٤٢، وقال في "الكشاف": (وهي قراءة رسول الله - ﷺ - وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير، "الكشاف" ١/ ٧١، وانظر: "البحر" ١/ ٢٩. وأنكر بعضهم أن تكون منصوبة على الاستثناء، ورجحوا نصبها على الحال وعلى هذا حملها الطبري، انظر: "تفسيره" ١/ ٧٨، وانظر: "الكشاف" ١/ ٧١، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٣١.
(٥) (أن) ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (يغضب).
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٧٨، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٣١.
560
بنفي الغضب عليهم والضلال كان في ضمن ذلك (١) إثباتهما لغيرهم، كما تقول في الكلام: أنا غير كاذب، يجوز أن تريد بنفي الكذب عنك إثباته لغيرك ممن تخاطبه، وفي هذا حجة للقائلين بالمفهوم وفحوى الخطاب (٢). ثم من المغضوب عليهم؟ ومن الضالون؟ (٣) قد بينه النبي - ﷺ - وذكره المفسرون (٤).
* * *
(١) (ذلك) ساقط من (ب).
(٢) في (ج): (فحو).
والخطاب عند الأصوليين منطوق ومفهوم، والمفهوم قسمان: مفهوم موافقة، وهو ما كان المسكوت عنه موافقا للمنطوق في الحكم ويسمى: فحوى الخطاب ولحن الخطاب، وهو حجة عند الأكثر.
ومفهوم مخالفة: وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق في الحكم ويسمى دليل الخطاب، وهو أقسام، وفيه خلاف.
انظر: "المختصر في أصول الفقه" لابن اللحام ص ١٣٢.
(٣) في (ب): (فقد).
(٤) سبق بيان ذلك.
561
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِير البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨هـ)
من أول سورة البقرة إلى آية (٦٦)
تحقيق
د. محمد بن صالح بن عبد الله الفوزان
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركى بن سهو العتيبي
الجزء الثاني
1
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨هـ)
من أول سورة البقرة إلى آية (٦٦)
تحقيق
د. محمد بن صالح بن عبد الله الفوزان
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركى بن سهو العتيبي
الجزء الثاني
2
جامعة الإِمام محمد بن سعود إلاسلامية ١٤٣٠هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)./ علي بن أحمد الواحدي، محمد بن صالح بن
عبد الله الفوزان، الرياض١٤٣٠هـ.
٢٥مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسة
ديوي ٢٢٧٠٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠هـ
ردمك ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
3
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)
[٢]
4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

5
سورة البقرة
6
Icon