ﰡ
(وهي مكية وقال المعدل وقتادة مدنية حروفها ثمانية وستون كلمها أربع عشرة آياتها ثلاث)
[سورة العصر (١٠٣) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)الوقوف
وَالْعَصْرِ هـ لا لَفِي خُسْرٍ هـ لا بِالصَّبْرِ هـ
التفسير:
لما بين في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات وهو حظ الآدمي من جهة الكمال ومن التواصي بالخيرات وكف النفس عن المناهي، وهو حظه من حيث الإكمال وأكد ما أراد بقوله وَالْعَصْرِ وللمفسرين فيه أقوال: الأول أنه الدهر لوجوه منها ما جاء في القراءة الشاذة أنه ﷺ كان يقرأ «والعصر ونوائب الدهر» وحمله العلماء إن صح على التفسير لا على أنه من القرآن لهذا لا يجوز قراءته في الصلاة.
ومنها أن الدهر يشتمل على الأعاجيب الدالة على كمال قدرة خالقها من تغاير الملل والدول وسائر الأحوال الكلية والجزئية، بل نفس الدهر من أعجب الأشياء لأنه موجود يشبه المعدوم ومتحرك يضاهي الساكن.
وأرى الزمان سفينة تجري بنا | نحو المنون ولا ترى حركاته |
إذا ما مر يوم مر بعضي | ولا شيء أنفس من العمر |
قال ﷺ «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» «١»
القول الثاني وهو قول مقاتل وأبي مسلم إن العصر هو آخر النهار أقسم الله به كما أقسم بالفجر والضحى لأن آخر النهار يشبه تخريب العالم وإماتة الأحياء كما أن أول النهار يشبه بعث الأموات وعمارة العالم، فعند ذلك إقامة الأسواق ونصب الموازين ووضع المعاملات، وفيه إشارة إلى أن عمر الدنيا ما بقي إلا بقدر ما بين العصر إلى المغرب فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها فإن الوقت قد ضاق وقد لا يمكن تدارك ما فات. وقال قتادة: إنه صلاة العصر لشرفها وفضلها ولهذا فسربها الصلاة الوسطى عند كثير وقد مر في «البقرة» وقيل: أقسم بعصر النبي ﷺ أو بزمانه الذي هو عصر نهار الدنيا كما جاء في حديث طويل، وقد أقسم بمكانه في قوله لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: ١] وبحياته في قوله لَعَمْرُكَ [الحجر: ٧٢] وكل ذلك تشريف له وتوبيخ لمن لم يوقره حق توقيره أما اللام في الإنسان فإما المعهود معين كما روي عن ابن عباس أنه أراد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب. وعن مقاتل أنه أبو لهب. وفي خبر مرفوع أنه أبو جهل كانوا يقولون: إن محمدا لفي خسار فأقسم الله تعالى إن الأمر بالضد مما توهموه، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا. والأكثرون على أن اللام للجنس، ثم إن كان المراد بالخسر أي الخسران كالكفر والكفران هو الهلاك كان المراد جنس الإنسان على الإطلاق، وإن كان المعنى بالخسر الضلال والكفر كان المراد جنس الكافر هكذا قال بعضهم، ولقائل أن يمنع لفرق. ولا يخفى ما في «إن» ولام التأكيد وكلمة «في» وتنكير خسر من المبالغات فكأنه أثبت له جهات الخسر كلها والأعظم حرمانه عن جناب ربه. قال بعضهم:
إن الإنسان لا ينفك من خسر لأن عمره رأس ماله، فإفناء العمر فيما يمكن أن يكون خيرا منه عبارة عن الخسران. ووجهه أنه إن أفنى عمره في المعصية فخسره وحسرته ظاهران، وإن كان مشغولا بالمباحات فكذلك لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملا يبقى أثره ولذته دائما، وإن كان مشغولا بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها على وجه أحسن لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية. والتحقيق فيه أن الإنسان لا يكلف إلا ما هو وسعه وطوقه لا بالنسبة إلى نوعه بل بالنسبة إلى شخصه، فإذا اجتنب المعاصي بقدر الإمكان واستعمل المباح بمقدار الضرورة والحاجة وأتى بالطاعة على حسب إمكانه لم يسم خاسرا ولكنه يكون أكمل الأشخاص البشرية فلهذا استثناه الله تعالى بقوله إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخره. وعن بعضهم أنه قال في «التين»