تفسير سورة الجمعة

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ يسبح لله ما في السموات... ﴾ ينزهه تعالى ما لا يليق به جميع العوالم [ آية ١ الحديد ص ٤٠٠ ]﴿ القدوس ﴾ البليغ في الطهارة والنزاهة عن جميع النقائص والعيوب [ آية ٢٣ الحشر ص ٤٢٠ ].
﴿ في الأميين ﴾ أي في أمة العرب الموجودين في زمانه ؛ لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرءون [ آية ٧٨ البقرة ص ٣٤ ].
﴿ ويزكيهم ﴾ يطهّرهم من دنس الكفر. أو يحملهم على ما يصبرون له أزكياء طاهرين من خبائث العقائد والأعمال. ﴿ والحكمة ﴾ الفقه في الدين.
﴿ وآخرين منهم ﴾ أي وبعث في آخرين من الأميّين. ﴿ لما يلحقوا بهم ﴾ أي لم يجيئوا بعد، وسيجيئون ؛ وهم الذين جاءوا من العرب بعد الصحابة إلى يوم الدّين. وجمع العرب : قومه صلى الله عليه وسلم الذين بعث فيهم. وأما المبعوث إليهم وهم الثقلان كافة فلم تتعرّض له هذه الآية، وقد تعرضت لإثباته آيات أخر.
﴿ مثل الذين حملوا التوراة ﴾ ضرب الله هذا المثل لليهود الدين أوتوا التوراة وكلفوا العمل بها ؛ فأعرضوا عنها ولم ينتفعوا بها. وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمروا ففيها بتصديقه واتباعه ؛ فشبههم بالحمار يحمل على ظهره أحمالا من كتب العلم لا يتنفع بها، ولا يعقل ما فيها، وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة.
﴿ قل يأيها الذين هادوا ﴾ نزلت لما ادعت اليهود الفضيلة، وقالوا : " نحن أنباء الله وأحباؤه " وزعموا أن الدار الآخرة لهم خالصة، وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا ؛ فأمر الله نبيه أن يظهر كذبهم بأن يقول لهم :﴿ إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ﴾ وللأولياء عند الله كرامة﴿ فتمنوا الموت ﴾ لتنتقلوا من دار البلية إلى محل الكرامة﴿ إن كنتم صادقين ﴾ في زعمكم ؛ فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يتخلص إليها من هذه الدار المليئة بالأكدار.
ثم أخبر سبحانه عن حالتهم المستقبلية بقوله :﴿ ولا يتمنونه أبدا ﴾ قيل : هو خاص بمن كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم من اليهود.
﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ [ آية ٢٣ الحشر ٣٢٠ ].
﴿ نودي للصلاة ﴾ أذن لها﴿ من يوم الجمعة ﴾ أي فيه. والمراد به : الآذان على باب المسجد عند جلوس الخطيب على المنبر ؛ إذ لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده غير هذا الأذان. ثم استحدث عثمان رضي الله عنه أذانا قبله بالزوراء ؛ لكثرة المسلمين وتباعد منازلهم، حتى إذا سمعوه أقبلوا للصلاة. فإذا جلس الخطيب على المنبر أذن المؤذن ثانيا ذلك الأذان الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم – وأقر الصحابة عثمان رضي الله عنهم على ذلك ؛ فكان إجماعا. ﴿ فاسعوا ﴾ فامضوا﴿ إلى ذكر الله ﴾ هو عظة الإمام في خطبته، وصلاة الجمعة.
﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ﴾ عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام ؛ فانفتل الناس إليها حتى لم يبق بالمسجد إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت الآية. وكانت العير تحمل طعاما إلى المدينة، والوقت وقت غلاء وشدة، وكان من عادتهم إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق ؛ وهو المراد باللهو في الآية. ويروى أن هذه الحادثة وقعت ثلاث مرات، وأنه صلى الله عليه وسلم قال بعد الثالثة :( والذي نفسي بيده لو اتبع آخركم أو لكم لالتهب عليكم الوادي نارا ). " انفضوا إليها " تفرقوا عنك إليها ؛ من الفض، وهو كسر الشيء والتفريق بين أجزائه ؛ كفض ختم الكتاب. وقيل : إن الذي سوغ لهم الخروج وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز، لا لانقضاء المقصود وهو الصلاة. وقد كان صلى الله عليه وسلم أول الإسلام يصلى الجمعة قبل الخطبة كالعيدين، فلما وقعت هذه الواقعة ونزلت الآية قدم الخطبة وأخر الصلاة. ﴿ وتركوك ﴾ على المنبر﴿ قائما ﴾ تخطب. ثم وعظهم الله بقوله :﴿ ما عند الله ﴾ من الثواب على الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم﴿ خير من اللهو ﴾ مما يلهيكم عن الطاعة، وعن البقاء مع الرسول﴿ ومن التجارة ﴾ التي تبتغون منها الربح والمنافع العاجلة، ولن يفوتك ما قدر لكم من الرزق والنفع إذا أقمتم على طاعته. ﴿ والله خير الرازقين ﴾. والله أعلم.
Icon