مكية وآياتها ثمان.
ﰡ
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) ﴾.
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ: هُوَ تِينُكُمْ [هَذَا] (٢) الَّذِي تَأْكُلُونَهُ، وَزَيْتُونُكُمْ هَذَا الَّذِي تَعْصِرُونَ مِنْهُ الزَّيْتَ.
قِيلَ: خَصَّ التِّينَ بِالْقَسَمِ لِأَنَّهَا فَاكِهَةٌ مُخَلَّصَةٌ لَا عَجَمَ لَهَا، شَبِيهَةٌ بِفَوَاكِهِ الْجَنَّةِ. وَخَصَّ الزَّيْتُونَ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَلِأَنَّهُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ جَاءَ بِهَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ ثَمَرٌ وَدُهْنٌ يَصْلُحُ لِلِاصْطِبَاغِ وَالِاصْطِبَاحِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمَا جَبَلَانِ. قَالَ قَتَادَةُ: "التِّينُ": الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ دِمَشْقُ، وَ"الزَّيْتُونُ": الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمَا مَسْجِدَانِ بِالشَّامِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: "التِّينُ": مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَ"الزَّيْتُونُ": مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: "التِّينُ" مَسْجِدُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَ"الزَّيْتُونُ": مَسْجِدُ إِيلِيَا. ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ يَعْنِي الْجَبَلَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ" (٣) (الْمُؤْمِنُونَ -٢٠). ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ أَيِ الْآمَنِ، يَعْنِي: مَكَّةَ، يَأْمَنُ فِيهِ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، هَذِهِ كُلُّهَا أَقْسَامٌ، وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
(٢) ساقط من "ب".
(٣) انظر: الدر المنثور: ٥ / ٤١٤.
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ أَيْ: أَعْدَلِ قَامَةٍ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ حَيَوَانٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا الْإِنْسَانَ خَلَقَهُ مَدِيدَ الْقَامَةِ، يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ، مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ. ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ يُرِيدُ إِلَى الْهَرَمِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، فَيَنْقُصُ عَقْلُهُ وَيَضْعُفُ بَدَنُهُ، وَالسَّافِلُونَ: هُمُ الضُّعَفَاءُ وَالزَّمْنَى وَالْأَطْفَالُ، فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ [أَسْفَلُ] (١) مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، ["وَأَسْفَلَ سَافِلِينَ" نَكِرَةٌ تَعُمُّ الْجِنْسَ، كَمَا تَقُولُ: فَلَانٌ أَكْرَمُ قَائِمٍ فَإِذَا عَرَّفْتَ قُلْتَ: أَكْرَمُ الْقَائِمِينَ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ "أَسْفَلَ السَّافِلِينَ"] (٢).
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ: يَعْنِي ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى النَّارِ، يَعْنِي إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا أَسْفَلَ مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي إِلَى النَّارِ فِي شَرِّ صُورَةٍ، فِي صُورَةِ خِنْزِيرٍ. ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [فَإِنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ إِلَى النَّارِ. وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ وَانْقَطَعَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَلَا يُكْتَبُ لَهُمْ حَسَنَةٌ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا] (٣). ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُمْ بَعْدَ الْهَرَمِ، وَالْخَرَفِ، مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي حَالِ الشَّبَابِ وَالصِّحَّةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ رُدُّوا إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرَهُمْ. وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُمُ الَّذِي عَمِلُوا قَبْلَ أَنْ تَذْهَبَ عُقُولُهُمْ (٤).
قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمْ يَضُرَّ هَذَا الشَّيْخَ [كَبِرُهُ] (٥) إِذْ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ (٦).
وَرَوَى عَاصِمُ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٣) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٤) انظر: الطبري: ٣٠ / ٢٤٧، الدر المنثور: ٨ / ٥٥٧ وقد عزاه أيضا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) ساقط من "أ".
(٦) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٤٤.
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨) ﴾
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ [أَيْ: أَمَّنْ يُكَذِّبُكَ. وَقِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ يُكَذِّبُكَ؟ أَيْ يَحْمِلُكَ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ عَلَى التَّكْذِيبِ] (٣) أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، ﴿بَعْدُ﴾ أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، ﴿بِالدِّينِ﴾ بِالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَالْمَعْنَى: أَلَا تَتَفَكَّرُ فِي صُورَتِكَ وَشَبَابِكَ وَهَرَمِكَ فَتَعْتَبِرُ، وَتَقُولُ: إِنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَنِي وَيُحَاسِبَنِي، فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِالْمُجَازَاةِ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ؟ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ بِأَقْضَى الْقَاضِينَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: [أَلَيْسَ اللَّهُ] (٤) يَحْكُمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ [بِكَ] (٥) يَا مُحَمَّدٌ.
وَرُوِّينَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ" (٦).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعَشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (٧).
(٢) صححه الحاكم في المستدرك: ٢ / ٥٢٨ - ٥٢٩ ووافقه الذهبي وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٥٥٨ عزوه للبيهقي في شعب الإيمان.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٥) ساقط من "أ".
(٦) أخرجه أبو داود مطولا في الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود: ١ / ٤٢٣ ومن طريقه البيهقي في السنن: ٢ / ٣١٠، والإمام أحمد: ٢ / ٢٤٩. ورواه الترمذي: ٩ / ٢٧٦ - ٢٧٧ مختصرا عن إسماعيل بن أمية قال: سمعت رجلا بدويا يقول سمعت أبا هريرة.. وقال: "هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة ولا يسمى" والمصنف في شرح السنة: ٣ / ١٠٤ - ١٠٥.
(٧) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة التين: ٨ / ٧١٣.