﴿ بسم الله ﴾ الذي له الملك كله ﴿ الرحمن ﴾ الذي وسع الخلائق عدله ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بتوفيقه فظهر عليهم جوده وفضله.
ﰡ
وقيل : التين جبال ما بين حلوان وهمدان، والزيتون جبال الشام لأنها منابتهما، كأنه قيل : ومنابت التين والزيتون. وقال محمد بن كعب : التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا. وقال الضحاك : مسجدان بالشام. وقال ابن زيد : التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد بيت المقدس، وحسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة. وقيل : التين مسجد نوح عليه السلام الذي بناه على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس.
قال الزمخشريّ : ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر منها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين، فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم عليه السلام، ومولد عيسى عليه السلام ومنشؤه والطور المكان الذي نودي منه موسى عليه السلام، ومكة البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه اه.
وأحسن تقويم أعدله ؛ لأنه تعالى خلق كل شيء منكباً على وجهه وخلق الإنسان مستوياً، وله لسان ذلق ويد وأصابع يقبض بها. قال ابن العربي : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإنّ الله تعالى خلقه حياً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً مدبراً حكيماً، وهذه صفات الله تعالى وعبر عنها بعض العلماء، ووقع البيان بقوله :«إن الله تعالى خلق آدم على صورته » يعني : على صفاته المتقدّم ذكرها.
وفي رواية " على صورة الرحمن "، ومن أين يكون للرحمن صورة شخصية فلم تكن إلا معاني.
وروي أنّ عيسى بن يوسف الهاشميّ كان يحب زوجته حباً شديداً، فقال لها يوماً : أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر، فنهضت واحتجبت عنه، وقالت : طلقتني، فبات بليلة عظيمة، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور فأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء واستشارهم، فقال جميع من حضر : قد طلقت، إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة فإنه كان ساكتاً، فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم، فقال الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ والتين والزيتون ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ يا أمير المؤمنين فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شيء أحسن منه، فقال المنصور لعيسى : الأمر كما قال الرجل، فأقبل على زوجتك، فأرسل المنصور إليها : أطيعي زوجك فما طلقك. وهذا يدل على أنّ الإنسان أحسن خلق الله تعالى، ولذلك قيل : إنه العالم الأصغر، إذ كل ما في المخلوقات اجتمع فيه.