تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب مجاز القرآن
.
لمؤلفه
أبو عبيدة
.
المتوفي سنة 210 هـ
بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ
﴿ بسم الله ﴾ إنما هو بالله لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه، قال لبيد :إلَى الَحوْلِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عليكما | ومن يَبْكِ حَولاً كاملاً فقدِ اعتَذَرْ |
هِجانِ اللَوْن لم تَقْرأ جَنينا ***
أي لم تضمَّ في رحمها، ويقال للتي لم تلد : ما قرأَتْ سَلًى قطّ.
نزل القرآن بلسان عربي مُبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أَعظم القول، ومن زعم أن ﴿ طه ﴾ " ٢٠ " بالنَّبطِيّة فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها. وقد يوافق اللفظُ اللفظَ ويقاربه ومعناهما واحد، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. فمن ذلك الإسْتبْرَق بالعربية، وهو الغليظ من الدِّيباج، والفِرِند، وهو بالفارسية إسْتَبْرَهْ ؛ وكَوْز وهو بالعربية جوز ؛ وأشباه هذا كثير. ومن زعم أن ﴿ حِجَارةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ " ١٠/٥٤ " بالفارسية فقد أعظم، من قال : إنه سَنْك وكِلْ إنما السجيل الشديد.
والقرآن : اسم كتاب الله، لا يسمَّى به غيرهُ من الكتب، وذلك لأنه جَمَع وضمَّ السور ؛ ومجازه من قوله :﴿ إنَّ علَينا جَمْعَه وقُرْآنَه ﴾ " ٧٥/١٨ "، أي تأليف بعضه إلى بعض، { فإذا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَه " ؛ وسُمِّى الفرقانَ لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
ففي القرآن ما في الكلام العربيّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمِل من مجاز ما اختُصِر، ومجاز ما حُذف، ومجاز ما كفَّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أُشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكُفَّ عن خبر الآخر، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأول منهما، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأخر منهما، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والمَوَات على لفظ خبر الناس ؛ والحيوانُ كل ما أكل من غير الناس وهي الدواب كلُّها، ومجاز ما جاءت مخاطبتهُ مخاطبة الغائب ومعناه مخاطبة الشاهد، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تُركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد ويقع مجازُ الكلام على إلقائهن، ومجاز المضمر استغناءً عن إظهاره، ومجاز المكرر للتوكيد، ومجاز المجمل استغناءً عن كثرة التكرير، ومجاز المقدَّم والمؤخَّر، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه، فيجعل خبره للذي من سببه ويترك هو. وكل هذا جائز قد تكلموا به.
بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ
أُمُّ الكتابمجاز تفسير ما في سورة ﴿ الحمد ﴾ وهي ﴿ أم الكتاب ﴾ لأنه يبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة في الصلاة ؛ وإنما سُمِّيت سورةً لا تُهمز، لأن مجازها من سُور البناء أي منزلة ثم منزلة، ومَن همزها جعلها قطعةً من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سُمِّى قرآنا. قال النَّابغة :
ألم تر أَن الله أعطاك سورةً | ترى كلَّ مَلْك دونَها يتَذبذبُ |
فمجاز تفسير قوله ﴿ بسم الله ﴾ مضمر، مجازه كأنك قلت : بسم الله قبل كل شيء وأول كل شيء ونحو ذلك، قال عبد الله بن رَوَاحة :
يقال : بدأتُ وبدَيت، وبعضهم يقول : بدِينا لغة.
﴿ الرَّحْمَن ﴾ مجازه ذو الرحمة، و﴿ الرَّحِيم ﴾ مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا : ندمان ونديم، قال بُرْج بن مُسْهِر الطائيّ، جاهلي :
وقال النُعْمان بن نَضْلَة، عَدويُّ من عَدي قُريش :
وقال بُرَيق الهذليّ عدَوَيّ من عَدي قريش :
وقال حَسّان بن ثابت :
بسم الإله وبه بَدِينا | ولو عبَدْنا غيرَه شَقِينا |
﴿ الرَّحْمَن ﴾ مجازه ذو الرحمة، و﴿ الرَّحِيم ﴾ مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا : ندمان ونديم، قال بُرْج بن مُسْهِر الطائيّ، جاهلي :
ونَدْمانٍ يزيد الكأسَ طِيباً | سَقيتُ وقد تغوَّرت النجومُ |
فإن كنتَ نَدْماني فبالأكبر أسْقِني | ولا تَسقِني بالأصغر المُتَثلْمِ |
رُزينا أبا زيدٍ ولا حيَّ مِثْلَه | وكان أبو زيد أخي ونديميِ |