فاتحة الكتاب وأم القرآن سميت بهما لأنها أصل القرآن منها يبدأ، وهي السبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة، وقيل أنزلت مرتين بمكة والمدينة، والأصح أنها مكية قبل سورة حجر. روى ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني » انتهى، وهي سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن علي رضي الله عنه قال : حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أنها أنزلت من كنز تحت العرش، وهي سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل أنها شفاء من كل داء.
ذهب قراء المدينة والبصرة وأبو حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة إلى أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن، فقيل وليست من القرآن، والحق أنها من القرآن أنزلت للفصل، روى الحاكم وصححه على شرطهما عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ ورواه أبو داود مرسلا وقال : والمرسل أصح، وسئل محمد بن الحسن عنها فقال : ما بين الدفتين كلام الله تعالى، قلت ولو لم تكن من القرآن لما كتبوها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القرآن كما لم يكتبوا أمين، والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما رواه الشيخان عن أنس قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم [ أخرجه مسلم في كتاب : الصلاة، باب : حجة من قال لا يجهر بالبسملة ( ٣٩٩ ) ]، وما سنذكر من حديث أبي هريرة «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين »[ أخرجه مسلم في كتاب : الصلاة، باب : وجوب القراءة في كل ركعة ( ٣٩٥ ) وأخرجه النسائي في كتاب : الافتتاح، باب : ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب ( ٩٠٣ ) وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة، باب : من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب :( ٨١٩ ) وأخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن، باب : ومن سورة الفاتحة ( ٢٩٠٣ ) ]. في الفضائل، وما رواه أحمد أن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا في الصلاة أقرأ ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين ﴾، فلما انصرف قال : يا بني إياك والحدث في الإسلام فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يفتتحون القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم ولم أدر رجلا قط أبغض إليه الحدث منه [ أخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة، باب : ما جاء في ترك الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم ( ٢٤٢ ) وقال عنه : حسن، وأخرجه ابن ماجة في كتاب : الصلاة، باب : افتتاح القراءة ( ٨١٥ ) ]، ورواه الترمذي فقال فيه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ولم يسمع منهم أحد يقولها، وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة دون غيرها من السور وإنما كتبت عليها للفصل لما روى الحاكم وقال إسناده صحيح عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى :﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم ﴾[ الحجر : ٨٧ ] قال : هي أم القرآن وقال :﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ الآية السابعة قرأها عليّ ابن عباس كما قرأتها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، ولما روى الترمذي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم [ أخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة، باب : من رأى الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم ( ٢٤٣ ) ]. قلت : في الحديث الأول قول ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ظن منه ليس بمرفوع وما رواه الترمذي ليس بإسناده بقوي : وذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة وكذا من كل سورة إلا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن. قلت : وهذا يدل على أنها من القرآن لا من السورة كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :«سورة من القرآن ثلاثون آية »[ أخرجه الترمذي في كتاب : فضائل القرآن، باب : ما جاء في فضل سورة الملك ( ٢٨٩١ ) وقال حديث حسن، وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة، باب : عدد الآي ( ١٣٩٩ ) ] في سورة الملك وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى، ولا يختلف العادون أنه ثلاثون آية من غير بسملة.
المَلِكُ والمَالِكُ قيل : معناهما واحد الرّبّ مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين، والحق أن المالك من المِلك بالكسر بمعنى الرب يقال مالك الدار ورب الدار والمَلك من الملك بالضم بمعنى السلطان هما صفتان له تعالى، والقراءتان متواترتان فلا يجوز أن يقال المَلِك هو المختار، وقيل : الملك والمالك بمعنى القادر على الاختراع من العدم إلى الوجود فلا يطلق على غيره تعالى إلا مجازا. ويوم الدين يوم القيامة والدين الجزاء ومنه «كما تدين تدان » [ رواه أبو نعيم وابن عدي والديلمي، وعبد الرزاق في الزهد عن أبي قلابة مرسلا وأحمد عن أبي الدرداء موقوفا، انظر كشف الخفاء ( ٩٠٢ ) ] وهو مثل مشهور وحديث مرفوع رواه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف وله شاهد مرسل عند البيهقي وأخرج أحمد عن مالك ابن دينار أنه في التوراة والديلمي عن فضالة بن عبيدة مرفوعا أنه في الإنجيل، وقال مجاهد : يوم الدين أي الحساب ﴿ ذلك الدين القيّم ﴾ [ التوبة : ٣٦ ] أي الحساب المستقيم، وقيل : القهر منه دنته فدان أي قهرته فذل، أو الإسلام أو الطاعة، فإنه يوم لا ينفع فيه إلا الإسلام والطاعة، وإنما خص ذلك اليوم بالذكر لأن في غيرها من الأيام قد يطلق الملك لغيره تعالى مجازاً ولأن فيه إنذار ودعوة إلى القول بإياك نعبد، أضاف الصفة إلى الظرف إجراءً له مجرى المفعول به نحو يا سارق الليلة، ومعناه الماضي على طريقة ﴿ نادى أصحاب الجنة ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ] فإن المتيقن كالواقع فصح وقوعها صفة للمعرفة، وإجراء هذه الصفات على الله تعالى للتعليل على أنه الحقيق بالحمد ومن لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل الحمد فضلا أن يعبد والتمهيد لقوله ﴿ إياك نعبد ﴾.
وقوله :﴿ الرحمن الرحيم ﴾ يدل على الاختيار وينفي الإيجاب بالذات والوجوب عليه قضية لسوابق الأعمال.
﴿ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾ بدل من ﴿ الذين أنعمت عليهم ﴾ أي المنعم عليهم هم السالمون من الغضب والضلال، أو صفة له مبينة أو مقيدة إن أجري الموصول مجرى النكرة إذا لم يُقصد به معهود، كما في قول الشاعر ولقد أمَرُّ على اللئيم يسبُّني، أو جعل غير معرفة لإضافته إلى ماله ضد واحد فيتعين، يقال عليكم بالحركة غير السكون، وعليهم في محل الرفع نائب مناب الفاعل، ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي كأنه قال لا المغضوب عليهم، والغضب : ثوران النفس لإرادة الانتقام وإذا أسند إلى الله أريد به المنتهى، والضلالة : ضد الهداية وهو العدول عن الطريق الموصل وله عرض عريض. أخرج أحمد في مسنده، والترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن عدي بن حاتم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن المغضوب عليهم اليهود وإن الضالين النصارى » [ أخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن، باب : ومن سورة الفاتحة :( ٢٩٥٤ ) ] وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر نحوه، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم التفسير بذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، والربيع ابن أنس، وزيد بن أسلم، قال ابن أبي حاتم : لا أعلم في ذلك خلافا بين المفسرين، واللفظ عام يعم الكفار والعصاة والمبتدعة، قال الله تعالى في القاتل عمدا ﴿ وغضب الله عليه ﴾ [ النساء، ٩٣ ] قال :﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾ [ يونس : ٣٢ ] وقال :﴿ الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ﴾[ الكهف : ١٠٤ ].