بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحمدسورة الحمد مكية في قول ابن عباس( ١ ).
وقيل : بل هي مدنية. وهو قول مجاهد( ٢ ).
واستدل من قال : إنها مكية، أن بمكة فرضت الصلوات بإجماع، ومحال أن تفرض الصلوات( ٣ )، ولا ينزل ما هو تمامها وبه قوامها( ٤ ). وهي سورة الحمد، لقول النبي [ عليه السلام( ٥ ) ]/ من الخبر الثابت : " كُلُّ صَلاةٍ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ". قالها ثلاثاً( ٦ ). والخَدْج( ٧ ) النقص.
فغير جائز أن تفرض علينا الصلوات، ولا ينزل ما يزيل( ٨ ) عنها النقص. ويدل على ذلك أيضاً ما ذكر( ٩ ) أهل التاريخ في حديث طويل لخديجة( ١٠ ) زوج النبي صلى الله عليه وسلم مع ورقة بن نوفل( ١١ ) أن جبريل عليه السلام قال للنبي( ١٢ ) صلى الله عليه وسلم أول ما خاطبه( ١٣ ) بالوحي :
" قل : بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال له : قل : الحمد لله رب العالمين، حتى انتهى إلى آخرها، ثم قال له : قل آمين. فقالها( ١٤ ) النبي صلى الله عليه وسلم( ١٥ ).
فهذا يدل على نزولها بمكة. وهو( ١٦ ) قول سعيد بن جبير( ١٧ ) أيضاً وعطاء( ١٨ ).
وقال مجاهد : " نزلت الحمد بالمدينة( ١٩ ) "، وقال : " لما نزلت رن إبليس اللعين( ٢٠ ) ".
يريد رن من عظيم ثوابها وجلالة قدر ما( ٢١ ) خص الله به أمة صلى الله عليه وسلم من إنزالها على نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف عن ابن/ عباس في نزولها ؛ فروي عنه بالمدينة، وروي عنه بمكة. وحديث ورقة يدل( ٢٢ ) على أنها أول ما نزل من القرآن.
وأكثر المفسرين على أن أول ما نزل من القرآن :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )( ٢٣ ) إلى قوله تعالى :( مَا لَمْ يَعْلَمْ )( ٢٤ )( ٢٥ ).
وقيل : أول ما نزل المدثر، والله أعلم بأي ذلك كان.
وسورة الحمد تسمى فاتحة الكتاب( ٢٦ ) لأن بها تستفتح الصلاة، وتستفتح المصاحف، وبها يستفتح المبتدئ بعد ختمه( ٢٧ ) القرآن( ٢٨ ).
وتسمى أيضاً أم القرآن( ٢٩ ) لأنها ابتداء القرآن، وأم كل شيء ابتداؤه وأصله.
ولذلك قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها( ٣٠ ).
وقيل : إنما سميت الحمد أم القرآن لتضمنها معاني القرآن مجملاً، لأن فيها الثناء على الله جل ذكره( ٣١ )، والإقرار له بالربوبية وذكر يوم القيامة، والإقرار له بالعبادة( ٣٢ )، وأن المعونة من عنده، والقدرة له. وفيها الدعاء والرغبة إليه في الهداية إلى الإسلام والثبات عليه. وفيها ذكر النبيين الذين أنعم الله عليهم بالهداية والإسلام. وفيها ذكر من غضب الله عليهم –وهم اليهود-، وذكر من ضل عن الدين وهم النصارى، وفيها من( ٣٣ ) مفهوم الإشارة إلى أمور/ الديانة( ٣٤ ) والقدرة والتذلل والخضوع لله والتسليم لأمره، والرجوع إليه ما( ٣٥ ) يكثر ذكره ويطول شرحه( ٣٦ ).
وكتاب الله كله إنما نزل( ٣٧ )، في هذه المعاني التي ذكرنا أنها موجودة في الحمد.
لكن ذلك في الحمد مشار إليه( ٣٨ ) مجمل يفهمه من وفقه الله وشرح له( ٣٩ ) /صدره، وهو كله مشروح مبين مكرر مبسوط في سائر القرآن، فالحمد لله أصل مجمل وباقي القرآن مفسر لما أجمل في الحمد، فهي على هذا المعنى أم القرآن، أي أصله.
وتسمى الحمد السبع المثاني، وهو مروي عن النبي [ عليه السلام( ٤٠ ) ].
ومعناه( ٤١ ) السبع الآيات من المثاني( ٤٢ ) أي من القرآن.
والمثاني هو القرآن ؛ يسمى بذلك، لأن القصص تثنى فيه وتكرر للإفهام وتسمى الحمد أيضاً السبع المثاني ؛ سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة، أي تعاد( ٤٣ ).
وقال ابن جبير عن ابن عباس : " إنما سميت الحمد السبع المثاني [ لأن الله ]( ٤٤ ) استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعطها( ٤٥ ) أحد قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ".
وقد قيل : إن " مِنْ " زائدة، في القول الأول فيكون معناه كمعنى هذا القول( ٤٦ ).
وعن النبي [ عليه السلام ] أنه قال لأُبَيِّ بن كعب( ٤٧ ) : إنَّهَا السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ " ( ٤٨ ). فهي على هذا الحديث السبع المثاني وهي القرآن العظيم، أي هي( ٤٩ ) أصله على ما ذكرنا.
وروي( ٥٠ ) عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قسموا فصول القرآن إلى خمسة فصول : الأول : السبع الطوال. والثاني : المثين( ٥١ ). والثالث : المثاني. والرابع : آل حميم. والخامس : المفصل.
وتفسير ذلك أن السبع الطوال من البقرة إلى براءة، كانوا يرون براءة والأنفال سورة [ واحدة، لأنهما نزلتا في مغازي( ٥٢ ) ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم يفصل بينهما في المصاحف ب " بسم( ٥٣ ) الله الرحمن الرحيم ".
والسور( ٥٤ ) التي تقرب من الطوال تسمى المثين( ٥٥ ) ؛ وهي من يونس فما بعدها مما هو مائة آية فأكثر، وما( ٥٦ ) يقرب من المائة( ٥٧ ). والذي يلي المثين( ٥٨ ) من السور /يسمى المثاني( ٥٩ )، سميت بذلك لأنها ثانية للمثين( ٦٠ ).
فكأن المثين مبادئ( ٦١ ) وما يليها مثاني.
وقولهم : " آل حاميم( ٦٢ ) " : يروى أن : حاميم( ٦٣ ) اسم من أسماء/ الله جل ذكره أضيفت [ إليه هذه السور( ٦٤ ) ]، فكأنه في المعنى سور لله( ٦٥ ) تعالى ذكره وهي ديباج القرآن( ٦٦ ).
وسمي ما بعد ذلك مفصلاً( ٦٧ ) لكثرة فصوله( ٦٨ ) ب " بسم( ٦٩ ) الله الرحمن الرحيم( ٧٠ ).
٢ - انظر: التبصرة ٥٤، وأسباب النزول ٣٠ أو الدر المنثور ١/١١. ومجاهد هو أبو الحجاج بن جبر المخزومي المكي إمام في التفسير، قرأ على ابن عباس، وروى عنه قتادة وعبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء. (ت١٠٣ هـ). انظر: طبقات ابن خياط ٢٨٠ وتذكرة الحفاظ ١/٩٢ وسير أعلام النبلاء ٤/٤٤٩ وطبقات القراء ٢/٤١..
٣ - سقط من ق..
٤ - وبنفس التعليل قال ابن عطية في المحرر الوجيز ١/٦١..
٥ - في ق، ع٣: صلى الله عليه وسلم..
٦ - في ع٢ ثلاث مرات، وفي ح، ع٣ ثلاث مرات. والحديث في الموطأ ١/٨٤، وصحيح مسلم ١/٢٩٦ وسنن الترمذي ٥/٢٠٢ وسنن أبي داود ١/١٨٨. وسنن النسائي ٢/١٣٥..
٧ - في ع٣: الخِداع..
٨ - في ح: يزول..
٩ - في ق: ذكره..
١٠ - هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد سيدة نساء العالمين. مناقبها كثيرة توفيت (رضي الله عنها) قبل الهجرة بثلاث سنوات. انظر: الإصابة ص ٣٣٣ وطبقات ابن سعد ٨/١٩١٤، وسير أعلام النبلاء ٢/١٠٩..
١١ - ورقة بن نوفل بن أسد القرشي، اتزل الأوثان وتنصر، آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم توفي عام ٦١١م. انظر الإصابة ٥/٦٠٧ (ط القاهرة)..
١٢ - في ع٢ النبي وهو خطأ..
١٣ - في ع٢، ق: خطبه. وهو تحريف..
١٤ - التصويب من"ق"، وفي غيرها: فقال لها..
١٥ - رواه البيهقي عن عمرو بن شرحبيل، وقال: حديث منقطع. انظر: دلائل النبوة ١/٤١٢..
١٦ - سقط الواو من ق..
١٧ - هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي من كبار التابعين وأشهرهم في التفسير. روى عن ابن عباس، وابن مسعود، وروى عنه الأعمش وغيره قتله الحجاج الثقفي عام ٩٥هـ انظر: طبقات ابن خياط ٢٨٠ وتذكرة الحفاظ ١/٧٦، وسير أعلام النبلاء ٤/٣٢١..
١٨ - هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي، مفسر وفقيه. سمع من أبي هريرة وابن عباس، وروى عنه ابن جريج وابن إسحاق وغيرهما (ت١١٤). انظر: طبقات ابن خياط ٢٤٧ وطبقات ابن سعد ٢/٣٨٦، وتذكرة الحفاظ: ١/٩٨..
١٩ - انظر: تفسير القرطبي ١/١٠٩، والدر المنثور ١/١٠٩..
٢٠ - المصدر السابق..
٢١ - في ق: قدرها..
٢٢ - في ق: تدل. وهو خطأ..
٢٣ - العلق آية ١..
٢٤ - العلق آية ٥..
٢٥ - انظر: صحيح البخاري ١/٣..
٢٦ - انظر: سنن أبي داود ١/١٨٩ وسنن النسائي ٢/١٩٧..
٢٧ - في ع٢: ختمة. وفي ق: خاتمة..
٢٨ - انظر: هذا التوجيه في مجاز القرآن ١/٦ و١/٢٠، وجامع البيان ١/١٠٨. والمحرر الوجيز ١/٦١..
٢٩ - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أَنْزَلَ الله في التَّوْرَاةِ ولا فِي الإنجِيلِ مِثلَ أُمِ القُرآنِ وَهيَ السَّبْعُ المَثَانِي"..
٣٠ - انظر: مثله في جامع البيان ١/١٠٨ وتفسير القرطبي ١/١١٢..
٣١ - في ع٣: ذكر. وهو خطأ..
٣٢ - في ع١، ع٢، ح، ع٣: بالعبادة لله..
٣٣ - سقط من ع٣..
٣٤ - في ع٢ ح، ع٣: الديانات..
٣٥ - في ق، ع٣: مما..
٣٦ - انظر: تفسير القرطبي ١/١١٢..
٣٧ - في ع٢: أنزل..
٣٨ - سقط من ق..
٣٩ - في ق: به..
٤٠ - في ع٣: صلى الله عليه وسلم..
٤١ - في ق، ع١: ومعناه ما..
٤٢ - قوله: "وهو مروي" إلى "من المثاني" سقط من ع٢..
٤٣ - انظر هذا التعليل في جامع البيان ١/١١٠..
٤٤ - في ق: لأنها..
٤٥ - في ع٣: يعطيها. وهو خطأ..
٤٦ - في ع٢: صلى الله عليه وسلم..
٤٧ - هو أبو المنذر، أبي بن كعب بن قيس، سيد القراء، قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما. (ت ٢٢هـ). انظر: طبقات ابن خياط ٨٨، وطبقات ابن سعد ٣/٤٩٨ وتذكرة الحفاظ ١/١٦..
٤٨ - انظر: صحيح البخاري ٥/١٠٣ و٥/١٤٦ وسنن الترمذي ٥/٤٥ وسنن النسائي ٢/١٣٩ ومسند أحمد ٤/٢١١..
٤٩ - في ع١، ع٣: عني. وفي ع٢: عن. وفي ق: أعني..
٥٠ - سقط حرف الواو من ع٢، ع٣..
٥١ - في ع٢، ق، ع٣: المبين..
٥٢ - في ق: وحدة لأنها نزلت في معاني..
٥٣ - في ع٢: بسم..
٥٤ - في ع٢، ع٣: السورة..
٥٥ - في ع١، ع٢: المبين. وهو تصحيف. والمثون هي من سورة يونس إلى سورة الأحزاب. انظر: البرهان ١/٢٤٤ والإتقان ١/٦٥..
٥٦ - في ع٢: أو..
٥٧ - انظر: هذا التوجيه في جامع البيان ١/١٠٣..
٥٨ - في ع٢، ح، ق، ع٣: المبين..
٥٩ - تكون المثاني، على هذا التقسيم الذي ذكره مكي، من سورة سبأ إلى سورة الزمر. وقد تسمى سور القرآن كلها مثاني لقول الله تعالى: (كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ) [الزمر: ٢٢]، لأن الأحكام والقصص تثنى فيها. انظر: البرهان ١/٢٤٥..
٦٠ - في ع٢، ع٣، المبين. وهو تصحيف..
٦١ - في ع١، مبدي..
٦٢ - في ع٢، ع٣: حميم. والحاميم هي السور التي تبتدئ بالحرفين الحاء والميم، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف..
٦٣ - في ع٢، ع٣: آل حاميم..
٦٤ - في ق: إليها هذه السورة. وفي ع١: إليه هذه السورة..
٦٥ - في ق: الله..
٦٦ - والقول لابن مسعود في البرهان ١/٢٤٨..
٦٧ - يبتدئ المفصل من سورة محمد. وقد عزا الماوردي هذا القول إلى الأكثرين. انظر: الإتقان ١/٦٥..
٦٨ - في ع٢، ح، ع٣: فصله..
٦٩ - في ع٢: بسم..
٧٠ - انظر: مثله في جامع البيان: ١/١٠٤..
قال أبو محمد: نذكر في هذا الموضع جملة من علل النحويين في ﴿بِسمِ الله الرحمن الرَّحِيمِ﴾، ونستقصي إن شاء الله ذلك في سورة النمل إذ هي بعض آية هناك بإجماع.
فمن ذلك أن في كسر الباء قولين:
- أحدهما: إنها كسرت لتكون حركتها مشبهة لعملها.
القول الثاني: إنها كسرت ليفرق بين ما لا يكون إلا " [حرفاً وبين ما] قد يكون اسماً نحو الكاف، وكذلك لام الجر.
وأصل الحروف التي تدخل للمعاني أن تكون مفتوحة لخفة الفتحة نحو حروف العطف وألف الاستفهام وشبهه.
ولكن خرجت الباء واللام عن الأصل للعلة التي ذكرنا.
ويدل على أن أصلها الفتح أنها تفتح مع المضمر إذ قد أمن اللبس لأن علامة المجرور خلاف علامة المرفوع. تقول: " هذا له وهذا لك "، وأيضاً فإن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها. هذا أصل مجمع عليه في كلام العرب، وسترى منه أشياء فيما بعد إن شاء الله.
ومن ذلك أن " اسما " فيه أربع لغات: " اسم " بكسر الألف وبضمها، و " سِم " بضم السين وبكسرها. فَمن ضَم الألف في الابتداء جعله من " سما يسمو " إذ ارتفع " كدعا يدعو ". ومَن كسرها جعله من [سَميَ يَسْمَى] " كرَضِيَ يَرْضَى ".
فلما تغير آخره غير أوله بالسكون، فاحتيج إلى ألف وصل ليوصل بها إلى النطق بالساكن وهو السين المغيرة إلى السكون ".
واختلف في كسرة الألف المجتلبة. فقيل: اجتلبت ساكنة وبعدها ساكن فكسرت لالتقاء الساكنين.
وقيل: بل اجتلبت مكسورة، وإنما ضمت إذا كان الثالث من الفعل مضموماً لاستثقال الخروج من كسر إلى ضم /، وضمت الألف إذا كان الثالث من الفعل مضموماً ليخرج الناطق من ضم إلى ضم، نحو: " أُقْتل، أُخْرج "، فذلك أسهل من الخروج من كسر إلى ضم.
و" اسم " عند البصريين مشتق من السمو؛ يدل على ذلك قولهم في التصغير " سمي ". فرجعت اللام المحذوفة إلى أصلها، ورجعت السين إلى حركتها لأن التصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها.
وقال الكوفيون: " هو مشتق من السمة وهي العلامة لأن صاحبه يعرف به، وليس يسمو به، كما ذكر البصريون أن اشتقاقه من السمو وهو العلو ".
قال أبو محمد: وقول الكوفيين قول يساعده المعنى ويبطله التصريف
والباء من ﴿بِسمِ الله﴾ متعلقة بمحذوف. ذلك المحذوف خبر ابتداء مضمر قامت الباء وما اتصل بها مقامه، فهي وما بعدها في موضع رفع إذ سدت مسد الخبر للابتداء المحذوف، تقديره: " ابتدائي ثابت بسم الله " أو " مستقر بسم الله "، ثم حذف الخبر وقامت الباء وما بعدها مقامه، وهذا مذهب البصريين.
وقال الكوفيون: " الباء متعلقة بفعل محذوف، وهي ما بعدها في موضع نصب بذلك الفعل "، تقديره عندهم: " ابتدأت بسم الله ".
والاسم هو المسمى عند أهل السنة. قال أبو عبيدة: " معنى باسم الله:
وقال: " اسم الشيء هو الشيء ".
ودل على ذلك قوله: " ﴿سَبِّحِ اسم رَبِّكَ﴾ [الأعلى: ١] أي سبح ربك، أي نزه ربك.
واختلف النحويون في علة حذف الألف من الخط في ﴿بِسمِ الله﴾؛ فقال الكسائي والفراء: " حذفت لكثرة الاستعمال ".
وقال الأخفش " حذفت لعدمها من اللفظ. ويلزمه ذلك في كل ألف وصل لأنها معدومة أبداً في اللفظ في الوصل، لكنه قال: " مع كثرة الاستعمال بجعل حذفها لاجتماع العلتين ".
حكى ابن زيد أنه يقال: " سِمٌ " و " سُمٌ "، ثم أسكنت السين إذ ليس في الكلام فعل على مذهب من ضم السين وأسكنت على مذهب مَن كسر السين استخفافاً.
وقيل: حذفت الألف للزوم الباء هذا الاسم في الابتداء، فإن كتبت " بسم الرحمن " أو " بسم الخالق " و ﴿اقرأ باسم رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]، فالأخفش والكسائي يكتبان هذا وما أشبهه بغير ألف " كبسم الله ". والفراء يكتبه بألف إذ لم يكثر استعماله، ككثرة استعمال " بسم الله ". ولا يحسن الحذف للألف من الخط عند جميعهم إلا مع الباء.
لو قلت: " لاسم الله حلاوة " أو قلت: " ليس اسم كاسم الله "، لم يجز حذف الألف مع غير الباء من حروف الجر،
والحمد لله معناه الثناء الكامل. والشكر الشامل لله يكون لأفعاله الحسنة وفضائله الكاملة، والحمد أعم من الشكر وأمدح. ورفعه بالابتداء، " وَلِلَّهِ " في موضع الخبر تقديره: " الحمد ثابت لله " أو " مستقر لله ". فاللام متعلقة بهذا المحذوف الذي قامت اللام وما بعدها مقامه.
والنصب جائز في الحمد في الكلام على المصدر، لكن الرفع فيه أعم لأن معناه إذا رفعتَه جميع " الحمد مني ومن جميع الخلق لله " وإذا نصبت فمعناه: " أحمد الله حمداً "، فإنما هو حمد منك لله لا غير. فالرفع يدل على أن الحمد منك ومن غيرك لله، فهو أعم وأكمل، فلذلك أجمع القراء على رفعه في جميع ما وقع في القرآن من لفظ ﴿الحمد للَّهِ﴾، إذ لم يكن قبله عامل فإذا كان " الحمد " مبتدأ، و " لله " خبر، وهو في اللفظ بمنزلة قولك: " المال لزيد " في حكم الإعراب، وليس مثله في المعنى لأنك إذا قلت: " الحمد لله " أخبرت بهذا، وأنت معتمد أن تكون حامداً لله داخلاً في جملة الحامدين طالباً للأجر على قولك، مقراً إذا رفعته أن جميع الحمد منك ومن غيرك لله
فأما علة حذف الألف الثانية من " الله " في الخط ففيها أيضاً اختلاف.
قال قطرب: " حذف استخفافاً إذ كان طرحها من الخط لا يلبس.
وقيل: إنما حذفت الألف على لغة مَن يقول قال: " الله بغير مد، كقول الشاعر:
أقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ الله.... وقيل: حذفت الثانية لأن الأولى تكتفي عنها، وتدل عليها.
وقيل: إنما حذفت لئلا يشبه خط " اللات " في قول من وقف عليه بالهاء.
وقدم ﴿الرحمن﴾ على ﴿الرَّحِيمِ﴾ لأن " الرحمن " اسم شريف مبني للمبالغة لا يتسمى به غير الله جل ذكره، والرحيم قد يوصف به الخلق فأخر لذلك.
وقيل: الرحيم، ولم يقل: الراحم، لأن فعيلا فيه مبالغة أيضاً تقارب مبالغة الرحمن، فقرن بالرحمن دون الراحم إذ الراحم لا مبالغة في بنيته لأنه يوصف بالراحم مَن رحم مرة في عمره، ولا يوصف بالرحيم إلا مَن تكررت منه الرحمة.
وقيل: إنما قدم الرحمن على الرحيم لأن النبي عليه السلام كان يكتب في كتبه " باسمك اللهم " حتى نزل: ﴿بِسْمِ الله مجراها﴾ [هود: ٤١] فكتب ﴿بِسمِ الله﴾، حتى نزل: ﴿قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن﴾ [الإسراء: ١١٠]، فكتب ﴿بِسمِ الله﴾، فسبق نزول الرحمن. ثم نزل: ﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم﴾ [النمل: ٣٠]. فكتب ذلك على ترتيب ما أنزل عليه ﷺ.
ومعنى ﴿الرحمن﴾: الرفيق بخلقه، ومعنى: ﴿الرَّحِيمِ﴾ العاطف على خلقه بالرزق وغيره.
وقيل: إنما جيء بالرحيم ليعلم الخلق أن ﴿الرحمن الرَّحِيمِ﴾ على اجتماعهما لم يتسم بهما غير الله جل ذكره، لأن الرحمن على انفراده قد تسمى به مسيلمة الكذاب لعنه الله، و ﴿الرَّحِيمِ﴾ على انفراده قد يوصف به المخلوق. فكرر الرحيم بعد الرحمن، وهما صفتان لله أو اسمان، ليعلم الخلق ما انفرد به الله تعالى ذكره من
وهذا القول هو معنى قول عطاء لأنه قال: " لما اختُزِلَ الرحمن من أسمائه - أي تسمى به غيره -، صار لله الرحمن الرحيم ".
والألف واللام في ﴿الرَّحِيمِ﴾ للتعريف، وإنما اختيرا للتعريف، لأن الهمزة تختل بالتسهيل والحذف والبدل وبإلقاء حركتها على ما قبلها، واللام تدغم في أكثر الحروف وكلاهما من الحروف الزوائد.
في وصل ﴿الرَّحِيمِ﴾ بـ ﴿الحمد﴾، عند النحويين ثلاثة أوجه:
- أحدهما: أن تقول " الرَّحِيْمِ. الحَمْدُ لله " فتكسر الميم وتقف عليها وتقطع ألف الحمد. وهذا مستعمل عند القراء حسن، وهو مروي عن النبي
- والثاني: أن تقول: " الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لله "، فَتَصِل الألف وتعرب الرحيم بحقه من الإعراب فتكون الكسرة خفضاً، وإن شئت قدرت أنك وقفت على الرحيم بالإسكان، ثم وصلت فكسرت الميم لسكونها وسكون لام الحمد بعدها، ولا يعتد بألف الوصل لسقوطها في درج الكلام.
وهذان الوجهان حسنان مستعملان في القراءة.
- والوجه الثالث: حكاه الكسائي سماعاً من العرب، أن تقول: " الرَّحِيمَِ الحَمْدُ " فتح الميم ووصل الألف وذلك أنك تقدر أنك أسكنت الميم للوقف عليها وقطعت ألف الحمد للابتداء بها، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفتها فانفتحت الميم. ولا يقرأ بهذا.
وقد ذكر الفراء هذا التقدير في قوله تعالى: ﴿الم * الله﴾ [آل عمران: ١ - ٢] وذكره غيره.
والألف الأول من اسم " الله " تحذف من الخط مع اللام، تقول: " لله الحجة، ولله الأمر "، فإن قلت: " بالله أتق "، و " ليس كالله أحد "؛ لم يجز حذف الألف من الخط، وعلة حذفها من الخط مع اللام، دون سائر حروف الجر، أنَّ اللام مع الألف يصيران حرفاً واحداً في رأي العين. والألف مع اللام الثانية بمنزلة " قَدْ " لأنهما زيدا معاً للتعريف لا يفترقان. فلو أثبتت الألف مع اللام الأولى، كنت قد فصلتها مع اللام الأولى من اللام الثانية.
وقيل: إنما حذفت الألف من الخط مع اللام، لئلا تصير " لا " فتشبه النفي. فإن كانت الألف مقطوعة لم تحذف الألف مع اللام، ولا مع غيرها من حروف الجر في الخط نحو قولك: " لألواحك حُسْنٌ، ولألواحِك بياض "، وإنما ذلك، لأن الألف في هذا ليست مع اللام للتعريف إذ اللام أصلية فجاز انفصالها من اللام الثانية مع اللام الأولى.
الرب المالك. فمعناه: مالك العالمين.
وقيل: الرب السيد.
وقيل: المصلح، يقال: " رَبَّه يَرُبُّه رَبّاً " إذا أصلحه. ويقال على التكثير: رَبَّتَهُ وِرَِبَّاهُ ورَبَّبَهُ.
فالذين يقولون: " رَبَّتَه " بالتاء، أصله عندهم رَبَّبَهُ ثم أبدلوا من الباء الثالثة " ياء "، كما يقال، تقَضَّيْتُ " في " تَقَضَّضْتُ " ثم أبدلوا من الياء تاء. كما أبدلوا من الواو تاء في " تُراتٍ "، و " تُجاهٍ " و " تولج " وأصله " وولج " على " فوعل، من " ولجت ". وبدل التاء من الياء قليل شاذ، وهو في الواو كثير.
و ﴿العالمين﴾ جمع عالم. والعالم هو جميع الخلق الموجود في كل زمان. وروى
﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾. قال: " العالمون ثمانية عشر ألف ملك في نواحي الأرض الأربع، في كل ناحية أربعة آلاف ملك وخمسمائة ملك مع كل ملك منهم عدد الجن والإنس، فبهم يدفع الله العذاب عن أهل الأرض ".
قد تقدم الكلام عليه في التسمية. وإنما كرر، وقد تقدم ذكره في التسمية، لأن الأول ليس بآية من الحمد، وهذا آية، فلذلك وقع التكرير في آيتين متجاورتين. وهذا مما يدل على أن ﴿بِسمِ الله الرحمن الرَّحِيمِ﴾ ليس بآية من الحمد، إذ لو كانت آية كما يقول المخالف لكنا قد أتينا بآيتين متجاورتين متكررتين بمعنى، وهذا لا يوجد في كتاب الله جل ذكره إلا بفصول تفصل بين الأولى والثانية، أو بكلام يعترض بين الأولى والثانية.
- فإن قيل: قد فصل في هذا بـ ﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾.
- فالجواب إن " الرحمن الرحيم " في الحمد مؤخر يراد به التقديم، وإنما تقديره: "
الدين الجزاء في هذا الموضع.
وقد يكون الدين التوحيد، نحو قوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ [آل عمران: ١٩].
ويكون الدين الحكم، نحو قوله: ﴿رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله﴾ [النور: ٢] أي في حكمه. ويكون
وقال مجاهد، " الدين الحساب "، كما قال: ﴿غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ [الواقعة: ٨٦]. أي غير محاسبين.
ويكون الدين العادة، ولم يقع في القرآن.
وقد روى الزهري أن النبي ﷺ قرأ (مالك) بألف. وأبو بكر، وعمر، وعثمان، كذلك قرأوها وبذلك قرأ علي، وابن مسعود، وأُبي، ومعاذ بن جبل وطلحة، والزبير.
وقد بَيَّنا كشف وجوه القراءات في كتاب: " الكشف عن وجوه القراءات "، فأغنانا ذلك عن الكلام فيها في هذا الكتاب.
فأما من قرأ، ﴿مالك يَوْمِ الدين﴾، فهم الأكثر من القراء وشاهده إجماعهم على ﴿مَلِكِ الناس﴾ [الناس: ٢] بغير ألف.
اختلف النحويون في " إياك وإياه وإياي "؛ فللبصريين فيها قولان:
- أحدهما: أن " إيا " اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف. ولا يعرف في كلام العرب اسم مضمر مضاف إلى ما بعده غير هذا.
وحكى الخليل عن العرب: " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب ". فأضاف " إيا " إلى الشواب للبيان.
وللكوفيين في هذا أيضاً ثلاثة أقوال.
- حكى ابن كيسان وغيره. عنهم أن " إياك " بكماله اسم مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره، فتقول: " إياه وإياك وإياي ".
- والقول الثاني: إن الكاف والهاء والياء، هن الاسم المضمر في " إياك وإياه وإياي "، لكنه اسم لا يقوم بنفسه ولا ينفرد ولا يكون إلا متصلاً بما قبله من الأفعال، فلما تقدم على الفعل لم يقم بنفسه فجعل " إيا " عماداً له ليتصل به، ولو أخرت لا تصل المضمر بالفعل واستغنيت عن " إيا " فقلت: " نعبده "
- والقول الثالث: حكاه أيضاً ابن كيسان؛ وهو أن " إيا " اسم مبهم يكنى به عن المنصوب وزيدت إليه الكاف والهاء والياء في: إياك وإياه وإياي ". " ليعلم المخاطب من الغائب من المُخْبِر عن نفسه ولا موضع للكاف والهاء والياء من الإعراب، فهي كالكاف في " ذلك " وأرأيتك زيداً ما صنع ". ذكر معنى جميع ذلك ابن كيسان في كتابه في تفسير القرآن وإعرابه ومعانيه.
والعبادة في اللغة التذلل بالطاعة والخضوع.
فمعنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: نذل لك ونخضع بالعبادة لك ونستعين بك على ذلك.
وإنما قدم ﴿نَعْبُدُ﴾ على ﴿نَسْتَعِينُ﴾ وقد علم أن الاستعانة قبل العبادة، والعمل لا يقوم إلا بعون الله، لأن العبادة لا سبيل إليها إلا بالمعونة، والمعان على العبادة لا يكون إلا عابداً. فكل واحد مرتبط بالآخر: لا عمل إلا بمعونة ولا معونة إلا تتبعها عبادة، فلم يكن أحدهما أولى بالتقديم من الآخر، وأيضاً فإن الواو لا توجب ترتيباً عند أكثر النحويين.
وأما علة تكرير ﴿إِيَّاكَ﴾ فمن أجل اختلاف الفعلين إذ أحدهما عبادة والآخر
وقيل: كرر للتأكيد كما تقول: " المال بين زيد وعمرو، بين زيد وبين عمرو "، فتعيد " بين " للتأكيد.
قوله: ﴿نَسْتَعِينُ﴾.
أصله " نَسْتَعْوِنُ " على وزن " نَسْتَفْعِلُ " من العون. والمصدر منه استعانة، وأصله استعواناً، فقلبت حركة الواو على العين، فلما انفتح ما قبل الواو - وهي في نية حركة - انقلبت ألفاً، فالتقى ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين. فقيل: المحذوفة الثانية لأنها زائدة، والأولى أصلية. وقيل: بل المحذوفة الأولى لأن الثانية تدل على معنى ولزمته الهاء عوضاً من الألف المحذوفة.
والنون الأولى في ﴿نَسْتَعِينُ﴾ يجوز فيها الكسر لغة مشهورة وكذلك التاء والهمزة في قولك: " أنْتَ تَسْتَعِين وأنا أسْتَعينُ ". وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو مما يأتي من الثلاثي على " فَعِلَ، يَفْعَلُ " بفتح العين في المستقبل،
معناه ثبتنا، لأنهم كانوا مهتدين، وإنما هو رغبة إلى الله أن يثبتنا على ذلك حتى يأتي الموت ونحن عليه.
وقيل: معناه ألهمنا الثبات على الصراط المستقيم، وهو دين الإسلام، وهو مروي عن ابن عباس.
و" هَدَى " يكون بمعنى: " أَرْشَد "، نحو قوله: ﴿واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط﴾ [ص: ٢٢]، أي أرشدنا.
ويكون بمعنى " بَيَّنَ " كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧]، أي بينّا لهم الصواب من الخطأ، فاستحبوا الخطأ.
ويكون بمعنى " أَلْهَمَ " كقوله: ﴿ثُمَّ هدى﴾ [طه: ٥٠]، أي ألهم الذَّكَر من الحيوان إلى إتيان الأنثى.
والصراط المستقيم كتاب الله. وهو مروي عن النبي [عليه السلام].
وقال ابن عباس: " هو الطريق إلى الله تعالى ".
وعن جماعة من الصحابة أنه الإسلام.
وقال جابر بن عبد الله: " هو الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض ".
وعن أبي العالية أنه: " رسول الله ﷺ وصاحباه ابو بكر
وهو قول الحسن.
وأصله الطريق الواضح.
وقال ابن الحنفية: " هو دين الله تعالى ".
وسمي مستقيماً لأنه لا عوج فيه ولا خطأ.
وقيل: سمي بذلك لاستقامته بأهله إلى الجنة.
وأصل ﴿المستقيم﴾: " الْمُسْتَقْوِم "، فألقيت حركة الواو على القاف وبقيت الواو ساكنة فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. كما قالوا ميزان، وهو من الوزن. وأصله " مِوْزَان "، ثم قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وكذلك يقلبون الياء واواً
قوله: ﴿صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾.
صراط بدل من الأول.
والذين أنعم عليهم هم الأنبياء صلوات الله عليهم والصدِّيقون والصالحون بدلالة قوله: ﴿فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين﴾ [النساء: ٦٩].
وقيل: هم أصحاب النبي [عليه السلام]، قاله الحسن.
وقيل: هم المؤمنون من بني إسرائيل الذين لم يغيروا ولا بدلوا، بدليل قوله: ﴿يابني إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]. فلذلك قال هنا: ﴿صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾.
وقيل: هم المسلمون.
وقال أبو العالية: " هم محمد [عليه السلام] وأبو بكر وعمر ".
وقال ابن عباس: " هم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا ".
وهذا دعاء أمر الله تعالى رسول الله ﷺ والمؤمنين أن يدعوا به وألا يكونوا مثل المغضوب عليهم - وهم اليهود -، ولا مثل الضالين - وهم النصارى -، ولا على صراطهم.
ودخلت " لا " في قوله: ﴿وَلاَ الضآلين﴾ لئلا يتوهم أن ﴿الضآلين﴾ عطف على ﴿الذين﴾ في قوله: ﴿صِرَاطَ الذين﴾. فبدخول " لا " امتنع أن يتوهم متوهم ذلك إذ لا تقع " لا " إلا بعد نفي أو ما هو في معنى النفي.
وقيل: " لا " زائدة.
وقيل: هي تأكيد بمعنى: " غير ".
والغضب من الله البعد من رحمته. والضلال الحيرة.
" و ﴿غَيْرِ المغضوب﴾ " خفض على النعت " للذين " من قوله ﴿صِرَاطَ الذين﴾، وحَسَنٌ ذلك لأنه شائع لا يراد به جمع بعينه فصار كالنكرة، فجاز نعته " بغير "، و " غير " نكرة وإن أضيفت إلى معرفة. ويجوز أن تخفض " غير " على البدل من [الذين. وقد قرئ] بالنصب على الحال أو على الاستثناء، وقد شرحت هذا في كتاب: " مشكل الإعراب " بأشبع من هذا.
ويقول المأموم إذا سمع ﴿وَلاَ الضآلين﴾: آمين. ويقولها وحده. واختلف في قول الإمام إياها عن مالك.
وقيل: هو دعاء بمعنى: " اللَّهم استجب ".
وقال ابن عباس والحسن: " معنى " آمين ": كذلك يكون ".
وهي تمد وتقصر لغتان.
والمؤمن داع. فقد قال الله لموسى وهارون: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩]. وموسى كان هو الداعي، وهارون يؤمن، والمؤمن إذا قال: " اللهم استجب " فهو داع بالإجابة، وهو مبني لوقوعه موقع الدعاء / وبني على حركة لالتقاء الساكنين وكان / الفتح أولى به لأن قبل آخره ياء.
وروى أبو هريرة عن النبي [عليه السلام] قال: " إِذَا قَالَ الإمَامُ {غَيْرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البقرة مدنيةروى عن النبي - ﷺ - أنه قال: "أُعْطيتُ البَقَرَةَ مِنَ الذِكْرِ الأَوَّلِ وأعْطِيْتُ طَهَ
وَالطَوَاسِينَ من ألْوَاحِ مُوسى. وأعْطِيْتُ فَاتِحَةَ الكِتَاب وَخَواتيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، وأُعْطِيْتُ المُفَصَّلَ نَافِلَةً ".
وروي عنه أنه قال: "تَجيءُ الْبقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنهما غَمَامَتَانِ أوْ غَيَايَتَانِ ". والغياية والغمامة واحد.
فبهذا الحديث وأمثاله، استجاز الناس أن يقولوا: سورة البقرة وسورة كذا
وسورة كذا.
وهذا إضافة لفظ، لا إضافة ملك، ولا إضافة نوع إلى جنسه، وهو بمنزلة
قولك. "باب الدار وسرج الدابة" ومثله قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ).
فأضاف القول إليه لأنه هو ينزل به، وهو جبريل - عليه السلام -. وهذا من اتساع لغة العرب.
ومعنى سيدة آي القُرآن، عظيمة آي القرآن. وكل آي القرآن عظيم جليل، لا يفضل بعضه بعضاً لكن يعطي الله من الأجر والثواب على بعض ما لا يعطي على بعض، يفعل ما يشاء.
وروي أن النبي - ﷺ - سأل رجلا: "مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ فَقالَ: سُوْرَةُ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: وأَي الخَيْرِ أَبْقَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ؟ "
وقال الحسن: قال رسول الله [- عليه السلام -]: أيُّ الْقُرآنِ أعْظَمُ؟ قَالُوا: اللهُ ورَسولُهُ اعْلَمُ/ قَالَ: سُورَةُ البَقَرةِ. قَالَ فَأَيُّهَا أعْظَمُ؟، قَالُوا: اللهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: آيةُ الْكُرْسي ".