تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - استدراكٌ في بحث البسملة: والباء (١) في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾: حرف خافض يخفض ما بعده، مثل: من وعن، والمتعلق به مضمر محذوف؛ لدلالة الكلام عليه، تقديره: أبدأ باسم الله أو باسم الله أبدأ أو أقرأ. وإنما طوّلت الباء في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾، وأسقطت الألف؛ طلبا للخفة، وقيل: لمّا أسقطوا الألف عوضوا طولها عن الألف المحذوفة، وأثبتت الألف في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، وقوله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾؛ لقلّة استعماله. وقيل: إنّما طوّلوا الباء؛ لأنّهم أرادوا أن يستفتحوا كتاب الله بحرف معظم. وقيل: الباء حرف منخفض
الصورة، فلمّا اتصل باسم الله ارتفع واستعلى، وقيل: إنّ عمر بن عبد العزيز كان يقول لكتّابه: طوّلوا الباء من ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأظهروا السين، ودوّروا الميم؛ تعظيما لكتاب الله تعالى.
والاسم: هو المسمى عينه، وذاته، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى﴾، ثمّ نادى الاسم فقال: ﴿يا يَحْيى﴾، وقال: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾، و ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾، وهذا القول ليس بقوي. والصحيح المختار: أنّ الاسم غير المسمى، وغير التسمية، فالاسم: ما تعرف به ذات الشيء، وذلك؛ لأنّ الاسم هو الأصوات المقطّعة، والحروف المؤلّفة على ذات ذلك الشيء، فثبت بهذا أنّ الاسم غير المسمى، وأيضا: قد تكون الأسماء كثيرة، والمسمّى واحد، كقوله
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - استدراكٌ في بحث البسملة: والباء (١) في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾: حرف خافض يخفض ما بعده، مثل: من وعن، والمتعلق به مضمر محذوف؛ لدلالة الكلام عليه، تقديره: أبدأ باسم الله أو باسم الله أبدأ أو أقرأ. وإنما طوّلت الباء في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾، وأسقطت الألف؛ طلبا للخفة، وقيل: لمّا أسقطوا الألف عوضوا طولها عن الألف المحذوفة، وأثبتت الألف في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، وقوله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾؛ لقلّة استعماله. وقيل: إنّما طوّلوا الباء؛ لأنّهم أرادوا أن يستفتحوا كتاب الله بحرف معظم. وقيل: الباء حرف منخفض
الصورة، فلمّا اتصل باسم الله ارتفع واستعلى، وقيل: إنّ عمر بن عبد العزيز كان يقول لكتّابه: طوّلوا الباء من ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأظهروا السين، ودوّروا الميم؛ تعظيما لكتاب الله تعالى.
والاسم: هو المسمى عينه، وذاته، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى﴾، ثمّ نادى الاسم فقال: ﴿يا يَحْيى﴾، وقال: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾، و ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾، وهذا القول ليس بقوي. والصحيح المختار: أنّ الاسم غير المسمى، وغير التسمية، فالاسم: ما تعرف به ذات الشيء، وذلك؛ لأنّ الاسم هو الأصوات المقطّعة، والحروف المؤلّفة على ذات ذلك الشيء، فثبت بهذا أنّ الاسم غير المسمى، وأيضا: قد تكون الأسماء كثيرة، والمسمّى واحد، كقوله
(١) الخازن.
48
تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾، وقد يكون الاسم واحدا، والمسمّيات به كثيرة، كالأسماء المشتركة، وذلك يوجب المغايرة، وأيضا فقوله: ﴿فَادْعُوهُ بِها﴾ أمر أن يدعى الله تعالى بأسمائه، فالاسم آلة الدعاء، والمدعو هو الله تعالى، فالمغايرة حاصلة بين ذات المدعو، وبين اللفظ المدعو به.
وأجيب عن قوله تعالى: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى﴾ بأنّ المراد: ذات الشخص المعبّر عنه بيحيى، لا نفس الاسم. وأجيب عن قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ و ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾: بأنّ معنى هذه الألفاظ: يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى، وإضافة الشيء إلى نفسه محال. وقيل: كما يجب تنزيه ذاته تعالى عن النقص فكذلك يجب تنزيه أسمائه.
وكون الاسم غير التسمية، هو أنّ التسمية: عبارة عن تعيين اللفظ المعيّن؛ لتعريف ذات الشيء، والاسم عبارة عن تلك اللفظة المعينة، والفرق ظاهر مما ذكرنا. واختلفوا في اشتقاق الاسم كما مرّ، فقال البصريون: من السموّ، وهو العلوّ، فاسم الشيء ما علاه حتى ظهر به، وعلا عليه، فكأنه علا على معناه، وصار علما له. وقال الكوفيون: من السمة، وهي العلامة، فكأنّه علامة لمسمّاه.
وحجة البصريين: لو كان الاسم اشتقاقه من السمة؛ لكان تصغيره وسيما، وجمعه أو ساما، وأجمعوا على أنّ تصغيره سميّ، وجمعه أسماء، وآسام.
﴿اللَّهِ﴾: هو اسم (١) خاص لله تعالى، تفرّد به البارىء سبحانه وتعالى، ليس بمشتقّ، ولا يشركه فيه أحد، وهو الصحيح المختار. دليله قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾. وقيل: هو مشتق من أله يأله إلاهة من باب فتح، مثل: عبد الرجل يعبد عبادة. دليله قوله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾؛ أي: وعبادتك على قراءة قرّاء كسر الهمزة. ومعناه: المستحق للعبادة دون غيره. وقيل: من الوله، وهو الفزع؛ لأن الخلق يولهون إليه؛ أي: يفزعون إليه في حوائجهم. قال بعضهم:
وأجيب عن قوله تعالى: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى﴾ بأنّ المراد: ذات الشخص المعبّر عنه بيحيى، لا نفس الاسم. وأجيب عن قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ و ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾: بأنّ معنى هذه الألفاظ: يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى، وإضافة الشيء إلى نفسه محال. وقيل: كما يجب تنزيه ذاته تعالى عن النقص فكذلك يجب تنزيه أسمائه.
وكون الاسم غير التسمية، هو أنّ التسمية: عبارة عن تعيين اللفظ المعيّن؛ لتعريف ذات الشيء، والاسم عبارة عن تلك اللفظة المعينة، والفرق ظاهر مما ذكرنا. واختلفوا في اشتقاق الاسم كما مرّ، فقال البصريون: من السموّ، وهو العلوّ، فاسم الشيء ما علاه حتى ظهر به، وعلا عليه، فكأنه علا على معناه، وصار علما له. وقال الكوفيون: من السمة، وهي العلامة، فكأنّه علامة لمسمّاه.
وحجة البصريين: لو كان الاسم اشتقاقه من السمة؛ لكان تصغيره وسيما، وجمعه أو ساما، وأجمعوا على أنّ تصغيره سميّ، وجمعه أسماء، وآسام.
﴿اللَّهِ﴾: هو اسم (١) خاص لله تعالى، تفرّد به البارىء سبحانه وتعالى، ليس بمشتقّ، ولا يشركه فيه أحد، وهو الصحيح المختار. دليله قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾. وقيل: هو مشتق من أله يأله إلاهة من باب فتح، مثل: عبد الرجل يعبد عبادة. دليله قوله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾؛ أي: وعبادتك على قراءة قرّاء كسر الهمزة. ومعناه: المستحق للعبادة دون غيره. وقيل: من الوله، وهو الفزع؛ لأن الخلق يولهون إليه؛ أي: يفزعون إليه في حوائجهم. قال بعضهم:
ولهت إليكم في بلايا تنوبني | فألفيتكم فيها كرائم محتد |
(١) الخازن.
49
وقيل: أصله أله، يقال: ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فكأنّ الخلق يسكنون إليه ويطمئنّون بذكره. وقيل: أصله ولاه، فأبدلت الواو همزة، سمّي بذلك؛ لأنّ كلّ مخلوق واله نحوه: إمّا بالتحيّر، أو بالإرادة، ومن هذا قيل: الله محبوب كلّ الأشياء، يدلّ عليه قوله
تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾.
ومن خصائص هذا الاسم: أنّك إذا حذفت منه شيئا، بقي الباقي يدّل عليه، فإن حذفت الألف بقي لله، وإن حذفت اللام، وأثبتّ الألف بقي إله، وإن حذفتهما بقي له، وإن حذفت الألف واللامين معا، بقي هو، والواو عوض عن الضمّة.
وذهب بعضهم إلى أنّ هذا الاسم هو الاسم الأعظم؛ لأنّه يدّل على الذات، وباقي الأسماء تدلّ على الصفات.
﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر. وقيل: هما بمعنى؛ مثل: ندمان ونديم، ومعناهما: ذو الرحمة، وإنما جمع بينهما؛ للتأكيد. وقيل: ذكر أحدهما بعد الآخر؛ تطميعا لقلوب الراغبين إليه. وقيل: الرحمن فيه معنى العموم، والرحيم فيه معنى الخصوص. فالرحمن: بمعنى الرزاق في الدنيا، وهو على العموم لكافة الخلق المؤمن والكافر، والرحيم: بمعنى الغفور الكافي للمؤمنين في الآخرة، فهو على الخصوص؛ ولذلك قيل: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، ورحمة الله؛ إرادة الخير والإحسان لأهله. وقيل: هي ترك عقوبة من يستحق العقاب، وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحق، فهو على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل. وقيل: الرحمن بكشف الكروب، والرحيم بغفر الذنوب. وقيل: الرحمن بتبيين الطريق، والرحيم بالعصمة والتوفيق، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق أسمائه. اه. من الخازن.
٢ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: جنس الحمد، والثناء الحسن مستحقّ لله سبحانه وتعالى وحده، فلا يستحق لغيره؛ لأنّه الفاعل المختار. والأولى (١) من
تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾.
ومن خصائص هذا الاسم: أنّك إذا حذفت منه شيئا، بقي الباقي يدّل عليه، فإن حذفت الألف بقي لله، وإن حذفت اللام، وأثبتّ الألف بقي إله، وإن حذفتهما بقي له، وإن حذفت الألف واللامين معا، بقي هو، والواو عوض عن الضمّة.
وذهب بعضهم إلى أنّ هذا الاسم هو الاسم الأعظم؛ لأنّه يدّل على الذات، وباقي الأسماء تدلّ على الصفات.
﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر. وقيل: هما بمعنى؛ مثل: ندمان ونديم، ومعناهما: ذو الرحمة، وإنما جمع بينهما؛ للتأكيد. وقيل: ذكر أحدهما بعد الآخر؛ تطميعا لقلوب الراغبين إليه. وقيل: الرحمن فيه معنى العموم، والرحيم فيه معنى الخصوص. فالرحمن: بمعنى الرزاق في الدنيا، وهو على العموم لكافة الخلق المؤمن والكافر، والرحيم: بمعنى الغفور الكافي للمؤمنين في الآخرة، فهو على الخصوص؛ ولذلك قيل: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، ورحمة الله؛ إرادة الخير والإحسان لأهله. وقيل: هي ترك عقوبة من يستحق العقاب، وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحق، فهو على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل. وقيل: الرحمن بكشف الكروب، والرحيم بغفر الذنوب. وقيل: الرحمن بتبيين الطريق، والرحيم بالعصمة والتوفيق، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق أسمائه. اه. من الخازن.
٢ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: جنس الحمد، والثناء الحسن مستحقّ لله سبحانه وتعالى وحده، فلا يستحق لغيره؛ لأنّه الفاعل المختار. والأولى (١) من
(١) عمدة التفاسير.
50
الاحتمالات التسعة، الجارية في جملة الحمدلة؛ أن تكون (أل) جنسية، واللام للاستحقاق كما في حلّنا؛ لأنّه يلزم من استحقاق الجنس استحقاق الإفراد؛ أي: جنس الحمد مستحقّ لله سبحانه؛ وذلك لأنّ (أل) في ﴿الْحَمْدُ﴾: إمّا جنسيّة؛ أي: جنس الحمد، أو استغراقية؛ أي: كلّ الحمد بأنواعه، أو للعهد؛ أي: الحمد المعهود، وهو حمد الله لنفسه، وحمد عباده له، واللام في ﴿لِلَّهِ﴾: إما للاستحقاق، أو للملك، أو للاختصاص، فهذه ثلاثة في الثلاثة الأولى بتسعة. وقال النسفي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ لفظه خبر، كأنّه سبحانه يخبر (١)، أنّ المستحقّ للحمد هو الله تعالى، ومعناه الأمر؛ أي: قولوا: الحمد لله، وفيه تعليم الخلق كيف يحمدونه.
و ﴿الْحَمْدُ﴾ لغة (٢): هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
وعرفا: فعل يدلّ على تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، سواء كان قولا باللسان؛ بأن يثني عليه به، أو اعتقادا بالجنان، بأن يعتقد اتصافه بصفات الكمال، أو عملا وخدمة بالأعضاء، والأركان؛ بأن يجهد نفسه في طاعته، فمورد العرفي؛ أي: محلّه عامّ، ومتعلّقه؛ أي: سببه الباعث عليه، وهو النعمة خاصّ، والشكر: مقابلة النعمة قولا، وعملا، واعتقادا، قال بعضهم:
يعني: أنّ الشكر هو الاعتراف بالفضل، إزاء نعمة صدرت من المشكور، بالقلب، أو باللسان، أو باليد، أو غيرها من الأعضاء، كما في البيت: يريد الشاعر أنّ يدي، ولساني، وقلبي لكم فليس في القلب إلّا نصحكم ومحبتكم، ولا في اللسان، إلّا الثناء عليكم ومدحكم، ولا في اليد، وسائر الجوارح، والأعضاء؛ إلّا مكافأتكم وخدمتكم.
و ﴿الْحَمْدُ﴾ لغة (٢): هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
وعرفا: فعل يدلّ على تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، سواء كان قولا باللسان؛ بأن يثني عليه به، أو اعتقادا بالجنان، بأن يعتقد اتصافه بصفات الكمال، أو عملا وخدمة بالأعضاء، والأركان؛ بأن يجهد نفسه في طاعته، فمورد العرفي؛ أي: محلّه عامّ، ومتعلّقه؛ أي: سببه الباعث عليه، وهو النعمة خاصّ، والشكر: مقابلة النعمة قولا، وعملا، واعتقادا، قال بعضهم:
وما كان شكري وافيا بنوالكم | ولكنني حاولت في الجهد مذهبا |
أفادتكم النعماء منّي ثلاثة | يدي ولساني والضمير المحجّبا |
(١) النسفي.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
51
والمدح: هو الثناء على الجميل مطلقا. تقول: حمدت زيدا على علمه، وكرمه، ولا تقول: حمدته على حسنه، بل مدحته. وقيل: هما أخوان. والشكر أعمّ منهما من وجه، وأخصّ من آخر. وقيل: الحمد باللسان قولا، والشكر بالأركان فعلا، والذمّ نقيض الحمد، والكفران نقيض الشكر، والثناء يستعمل في المدح، والذّم على السواء، فيقال: أثنى لله عليه شرّا كما يقال: أثنى عليه خيرا.
ورفعه بالابتداء، وخبره ﴿لِلَّهِ﴾، وأصله النصب، وقد قرىء به؛ لأنّه من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة أقيمت مقامها، لا تكاد تستعمل معها، كسقيا لك، ورعيا لك. وإنّما عدل عنه إلى الرفع؛ ليدلّ على عموم الحمد، وثباته دون تجدده، وحدوثه، ولهذا أجمع (١) عليها القرّاء السبعة. وقراءة النصب تحتاج إلى عامل مقدر من مادة الحمد، واللام عليها؛ للتبيين، تقديره: أحمد لله، أو حمدت لله، فيتخصّص الحمد؛ بتخصيص فاعله، وأشعر بالتجدد والحدوث، واللام متعلّقة بالعامل المحذوف: ك: لام سقيا لك، وقدر بعضهم عاملا للنصب فعلا غير مشتق من الحمد؛ أي: أقول الحمد لله، أو إلزموا الحمد لله، كما حذفوا من نحو: اللهم وضبعا وذئبا، والأول هو الصحيح؛ لدلالة اللفظ عليه، وقرىء ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ (٢) باتباع الدال اللام، وبالعكس تنزيلا لهما، من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة. قال الشيخ داود القيصري (٣): الحمد قوليّ، وفعليّ، وحاليّ، أمّا القولي: فحمد اللسان، وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه، على لسان أنبيائه عليهم السلام، وأمّا الفعليّ: فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات، والخيرات؛ ابتغاء لوجه الله تعالى، وتوجها إلى جنابه الكريم؛ لأنّ الحمد كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كلّ عضو، بل على كلّ عضو، كالشكر، وعند كلّ حال من الأحوال، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «الحمد لله على كلّ حال»، وذلك لا يمكن، إلّا باستعمال كلّ عضو فيما خلق لأجله، على الوجه
ورفعه بالابتداء، وخبره ﴿لِلَّهِ﴾، وأصله النصب، وقد قرىء به؛ لأنّه من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة أقيمت مقامها، لا تكاد تستعمل معها، كسقيا لك، ورعيا لك. وإنّما عدل عنه إلى الرفع؛ ليدلّ على عموم الحمد، وثباته دون تجدده، وحدوثه، ولهذا أجمع (١) عليها القرّاء السبعة. وقراءة النصب تحتاج إلى عامل مقدر من مادة الحمد، واللام عليها؛ للتبيين، تقديره: أحمد لله، أو حمدت لله، فيتخصّص الحمد؛ بتخصيص فاعله، وأشعر بالتجدد والحدوث، واللام متعلّقة بالعامل المحذوف: ك: لام سقيا لك، وقدر بعضهم عاملا للنصب فعلا غير مشتق من الحمد؛ أي: أقول الحمد لله، أو إلزموا الحمد لله، كما حذفوا من نحو: اللهم وضبعا وذئبا، والأول هو الصحيح؛ لدلالة اللفظ عليه، وقرىء ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ (٢) باتباع الدال اللام، وبالعكس تنزيلا لهما، من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة. قال الشيخ داود القيصري (٣): الحمد قوليّ، وفعليّ، وحاليّ، أمّا القولي: فحمد اللسان، وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه، على لسان أنبيائه عليهم السلام، وأمّا الفعليّ: فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات، والخيرات؛ ابتغاء لوجه الله تعالى، وتوجها إلى جنابه الكريم؛ لأنّ الحمد كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كلّ عضو، بل على كلّ عضو، كالشكر، وعند كلّ حال من الأحوال، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «الحمد لله على كلّ حال»، وذلك لا يمكن، إلّا باستعمال كلّ عضو فيما خلق لأجله، على الوجه
(١) البحر المحيط.
(٢) البيضاوي.
(٣) روح البيان.
(٢) البيضاوي.
(٣) روح البيان.
52
المشروع؛ عبادة للحق تعالى وانقيادا لأمره، لا طلبا لحظوظ النفس، ومرضاتها.
وأما الحاليّ: فهو الذي يكون بحسب الروح، والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية، والعملية، والتخلّق بالأخلاق الإلهية؛ لأنّ الناس مأمورون بالتخلّق بأخلاق الله تعالى، بلسان الأنبياء عليهم السلام؛ لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم.
وورد في الأثر (١): (الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده). وقد جعله رأس الشكر؛ لأنّ ذكر النعمة باللسان، والثناء على من أسداها، يشهرها بين الناس، ويجعل صاحبها القدوة المؤتسى به، أمّا الشكر بالقلب: فهو خفيّ قلّ من يعرفه، وكذلك الشكر بالجوارح مبهم لا يستبين لكثير من الناس.
﴿لِلَّهِ﴾ الله (٢): علم على المعبود بحقّ، المستجمع لجميع صفات الكمال، عربي، مرتجل، جامد، أي: غير مشتقّ، وهو الصحيح. وعند الزمخشري: أنّه اسم جنس صار علما بالغلبة من أله بمعنى: تحيّر. والإله: هو المعبود سواء بحقّ، أم بباطل، ثمّ غلب في عرف الشرع على المعبود بحقّ، وهو الذات الواجب الوجود. اه. كرخي.
وقد ورد في فضل ﴿الْحَمْدُ﴾ أحاديث (٣):
منها: ما أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم، وصححه، والبخاري في «الأدب المفرد» عن الأسود بن سريع قال: قلت: يا رسول الله! ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّك يحبّ الحمد».
وأخرج الترمذي وحسّنه، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».
وأخرج ابن ماجه، والبيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما
وأما الحاليّ: فهو الذي يكون بحسب الروح، والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية، والعملية، والتخلّق بالأخلاق الإلهية؛ لأنّ الناس مأمورون بالتخلّق بأخلاق الله تعالى، بلسان الأنبياء عليهم السلام؛ لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم.
وورد في الأثر (١): (الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده). وقد جعله رأس الشكر؛ لأنّ ذكر النعمة باللسان، والثناء على من أسداها، يشهرها بين الناس، ويجعل صاحبها القدوة المؤتسى به، أمّا الشكر بالقلب: فهو خفيّ قلّ من يعرفه، وكذلك الشكر بالجوارح مبهم لا يستبين لكثير من الناس.
﴿لِلَّهِ﴾ الله (٢): علم على المعبود بحقّ، المستجمع لجميع صفات الكمال، عربي، مرتجل، جامد، أي: غير مشتقّ، وهو الصحيح. وعند الزمخشري: أنّه اسم جنس صار علما بالغلبة من أله بمعنى: تحيّر. والإله: هو المعبود سواء بحقّ، أم بباطل، ثمّ غلب في عرف الشرع على المعبود بحقّ، وهو الذات الواجب الوجود. اه. كرخي.
وقد ورد في فضل ﴿الْحَمْدُ﴾ أحاديث (٣):
منها: ما أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم، وصححه، والبخاري في «الأدب المفرد» عن الأسود بن سريع قال: قلت: يا رسول الله! ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّك يحبّ الحمد».
وأخرج الترمذي وحسّنه، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».
وأخرج ابن ماجه، والبيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما
(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) الشوكاني.
(٢) الفتوحات.
(٣) الشوكاني.
53
أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلّا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ».
وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول»، والقرطبي في «تفسيره» عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنّ الدنيا كلّها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثمّ قال: الحمد لله لكان الحمد أفضل من ذلك»، قال القرطبي: معناه: لكان إلهامه الحمد، أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى.
وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة، إلّا كان الحمد أفضل منها».
وأخرج عبد الرزاق في «المصنف» نحوه عن الحسن مرفوعا.
وأخرج مسلم، والنسائي، وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان» الحديث.
وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي وحسّنه، وابن مردويه، عن رجل من بني سليم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، والطهور نصف الإيمان، والصوم نصف الصبر».
وغير ذلك من الأحاديث الواردة.
وفي «القرطبي» (١): اختلف العلماء: أيّما أفضل؟ قول العبد: الحمد لله ربّ العالمين أو قوله: لا إله إلّا الله؟ فقالت طائفة: قول الحمد لله ربّ العالمين أفضل؛ لأنّ في ضمنه التوحيد الذي هو لا إله إلّا الله، ففي قوله: الحمد لله توحيد، وحمد، وفي قوله: لا إله إلّا الله
توحيد فقط. وقالت طائفة: لا إله إلّا الله أفضل؛ لأنّها تدفع الكفر، والإشراك، وعليها يقاتل الخلق. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله». واختار هذا القول ابن عطيّة. قال: ويدّل على ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل ما قلت أنا، والنبيون من قبلي: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له». متفق عليه.
وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول»، والقرطبي في «تفسيره» عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنّ الدنيا كلّها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثمّ قال: الحمد لله لكان الحمد أفضل من ذلك»، قال القرطبي: معناه: لكان إلهامه الحمد، أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى.
وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة، إلّا كان الحمد أفضل منها».
وأخرج عبد الرزاق في «المصنف» نحوه عن الحسن مرفوعا.
وأخرج مسلم، والنسائي، وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان» الحديث.
وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي وحسّنه، وابن مردويه، عن رجل من بني سليم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، والطهور نصف الإيمان، والصوم نصف الصبر».
وغير ذلك من الأحاديث الواردة.
وفي «القرطبي» (١): اختلف العلماء: أيّما أفضل؟ قول العبد: الحمد لله ربّ العالمين أو قوله: لا إله إلّا الله؟ فقالت طائفة: قول الحمد لله ربّ العالمين أفضل؛ لأنّ في ضمنه التوحيد الذي هو لا إله إلّا الله، ففي قوله: الحمد لله توحيد، وحمد، وفي قوله: لا إله إلّا الله
توحيد فقط. وقالت طائفة: لا إله إلّا الله أفضل؛ لأنّها تدفع الكفر، والإشراك، وعليها يقاتل الخلق. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله». واختار هذا القول ابن عطيّة. قال: ويدّل على ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل ما قلت أنا، والنبيون من قبلي: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له». متفق عليه.
(١) الجمل.
54
ولمّا ذكر سبحانه، استحقاقه الذاتي بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات، أردفه بأسماء الصفات، فقال: ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ جمعا بين الاستحقاقين، وهو؛ أي: رب العالمين، كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتي، والصفاتي، والدنيوي، والأخروي؛ أي: مالك جميع من في السموات، والأرض، وغيرهما من ملك، وإنس، وجنّ، وغيرهم، ومعبودهم. والربّ يأتي لعدّة معان، مجموعة (١) في قول بعضهم نظما من بحر الطويل:
قال البيضاوي: الربّ في الأصل: مصدر بمعنى التربية، والإصلاح، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثمّ وصف به للمبالغة، كالصوم، والعدل.
وقيل: هو وصف من ربّه يربّه، فهو ربّ، كقولهم: نمّ ينمّ نمّا ونميمة، فهو نمّ.
سمّي به المالك؛ لأنّه يحفظ ما يملكه، ويربّيه، ويصلحه. وقيل: هو اسم فاعل حذفت ألفه، فأصله: رابّ، كما قالوا: رجل بارّ، وبرّ.
وعبارة المراغي: والربّ (٢): هو السيّد المربّي الذي يسوس من يربيه، ويدبر شؤونه، وتربية الله للناس نوعان: تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشدّ، وتنمية قواهم النفسية، والعقلية، وتربية دينية تهذيبية، تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم؛ ليبلّغوا للناس ما به تكمل عقولهم، وتصفو نفوسهم، وليس لغيره تعالى أن يشرع للناس عبادة، ولا أن يحل شيئا، ويحرّم آخر إلّا بإذن منه.
ويطلق الرّب: على الناس، فيقال: ربّ الدار، وربّ هذه الأنعام، كما قال
قريب محيط مالك ومدبّر | مربّ كثير الخير والمولي للنعم |
وخالقنا المعبود جابر كسرنا | ومصلحنا والصاحب الثابت القدم |
وجامعنا والسيّد احفظ فهذه | معان أتت للرّب فادع لمن نظم |
وقيل: هو وصف من ربّه يربّه، فهو ربّ، كقولهم: نمّ ينمّ نمّا ونميمة، فهو نمّ.
سمّي به المالك؛ لأنّه يحفظ ما يملكه، ويربّيه، ويصلحه. وقيل: هو اسم فاعل حذفت ألفه، فأصله: رابّ، كما قالوا: رجل بارّ، وبرّ.
وعبارة المراغي: والربّ (٢): هو السيّد المربّي الذي يسوس من يربيه، ويدبر شؤونه، وتربية الله للناس نوعان: تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشدّ، وتنمية قواهم النفسية، والعقلية، وتربية دينية تهذيبية، تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم؛ ليبلّغوا للناس ما به تكمل عقولهم، وتصفو نفوسهم، وليس لغيره تعالى أن يشرع للناس عبادة، ولا أن يحل شيئا، ويحرّم آخر إلّا بإذن منه.
ويطلق الرّب: على الناس، فيقال: ربّ الدار، وربّ هذه الأنعام، كما قال
(١) البيجوري على السلم.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
55
تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام في مولاه عزيز مصر: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوا﴾ يَ وقوله: ﴿ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ﴾ وكقول عبد المطلب يوم الفيل لأبرهة قائد النجاشي: أمّا الإبل: فأنا ربّها، وأما البيت: فإنّ له ربّا يحميه.
وعبارة «الروح»: والرّب: (١) بمعنى التربية، والإصلاح، أمّا في حقّ العالمين: فيربّيهم بأغذيتهم، وسائر أسباب بقاء وجودهم، وأمّا في حقّ الإنسان:
فيربّيه تارة بأطواره، وفيض قوى أنواره في أعضائه. فسبحان من أسمع بعظم، وبصّر بشحم، وأنطق بلحم، وأخرى بترتيب
غذائه في النبات بحبوبه، وثماره، وفي الحيوان بلحومه، وشحومه، وفي الأراضي بأشجاره، وأنهاره، وفي الأفلاك بكواكبه، وأنواره، وفي الزمان بسكونك، وتسكين الحشرات، والحركات المؤذية في الليالي، وحفظك، وتمكينك من ابتغاء فضله في النهار. فيا هذا! يربّيك كأنّه ليس له عبد سواك، وأنت لا تخدمه، أو تخدمه كأنّ لك ربّا غيره. انتهى.
وقرأ زيد بن عليّ، وطائفة (٢): ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ بالنصب على المدح، وهي فصيحة، لولا خفض الصفات بعدها، وضعّفت إذ ذاك، على أنّ الأهوازي حكى في قراءة زيد بن عليّ أنّه قرأ: ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ بنصب الثلاثة، فلا ضعف إذ ذاك، وإنّما ضعّفت قراءة نصب رب، وخفض الصفات بعدها؛ لأنّهم نصّوا على أنّه لا إتباع بعد القطع في النعوت، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلا، ولا سيّما على مذهب الأعلم، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة، وحسّن ذلك على مذهب غيره، كونه وصفا خاصّا، وكون البدل على نيّة تكرار العامل، فكأنّه مستأنف من جملة أخرى، فحسن النصب. وقول من زعم:
أنّه نصب رب بفعل دلّ عليه الكلام قبله، كأنّه قيل: نحمد الله ربّ العالمين.
ضعيف؛ لأنّه مراعاة التوهّم، وهو من خصائص العطف، ولا ينقاس فيه.
دقيقة: (٣) في لفظ ربّ خصوصيّة لا توجد في غيره من أسمائه تعالى، وهي:
وعبارة «الروح»: والرّب: (١) بمعنى التربية، والإصلاح، أمّا في حقّ العالمين: فيربّيهم بأغذيتهم، وسائر أسباب بقاء وجودهم، وأمّا في حقّ الإنسان:
فيربّيه تارة بأطواره، وفيض قوى أنواره في أعضائه. فسبحان من أسمع بعظم، وبصّر بشحم، وأنطق بلحم، وأخرى بترتيب
غذائه في النبات بحبوبه، وثماره، وفي الحيوان بلحومه، وشحومه، وفي الأراضي بأشجاره، وأنهاره، وفي الأفلاك بكواكبه، وأنواره، وفي الزمان بسكونك، وتسكين الحشرات، والحركات المؤذية في الليالي، وحفظك، وتمكينك من ابتغاء فضله في النهار. فيا هذا! يربّيك كأنّه ليس له عبد سواك، وأنت لا تخدمه، أو تخدمه كأنّ لك ربّا غيره. انتهى.
وقرأ زيد بن عليّ، وطائفة (٢): ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ بالنصب على المدح، وهي فصيحة، لولا خفض الصفات بعدها، وضعّفت إذ ذاك، على أنّ الأهوازي حكى في قراءة زيد بن عليّ أنّه قرأ: ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ بنصب الثلاثة، فلا ضعف إذ ذاك، وإنّما ضعّفت قراءة نصب رب، وخفض الصفات بعدها؛ لأنّهم نصّوا على أنّه لا إتباع بعد القطع في النعوت، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلا، ولا سيّما على مذهب الأعلم، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة، وحسّن ذلك على مذهب غيره، كونه وصفا خاصّا، وكون البدل على نيّة تكرار العامل، فكأنّه مستأنف من جملة أخرى، فحسن النصب. وقول من زعم:
أنّه نصب رب بفعل دلّ عليه الكلام قبله، كأنّه قيل: نحمد الله ربّ العالمين.
ضعيف؛ لأنّه مراعاة التوهّم، وهو من خصائص العطف، ولا ينقاس فيه.
دقيقة: (٣) في لفظ ربّ خصوصيّة لا توجد في غيره من أسمائه تعالى، وهي:
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) هداية الطالب.
(٢) البحر المحيط.
(٣) هداية الطالب.
56
أنك إذا قرأته طردا كان من أسمائه تعالى، وإن قلبته كان من أسمائه تعالى. انتهت.
وقوله: ﴿الْعالَمِينَ﴾: اسم جمع لعالم بفتح اللام، لا جمع له؛ لعدم العلمية، أو الوصفية فيه، وقيل: جمع له شاذ. قال في «الكشاف»: ساغ ذلك لوجود معنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم. وفي البيضاوي: والعالم:
اسم لما يعلم به، كالخاتم، والقالب، من العلامة؛ لأنّه علامة على صانعه. وهو كلّ (١) ما سوى الله تعالى من الجواهر، والأعراض، فإنّها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدلّ على وجوده؛ لأنّها محدثة، وكلّ محدث له صانع، فالعالم له صانع. وإنّما جمعه؛ ليشمل جميع ما تحته من الأجناس المختلفة، وغلّب العقلاء منهم، فجمعه بالياء والنون، كسائر أوصافهم. اه.
فإن قلت (٢): لم جمع العالمين جمع قلّة، مع أنّ المقام مستدع للإتيان بجمع الكثرة، كالعوالم؟
قلت: تنبيها على أنهم، وإن كثروا فهم قليلون في جانب عظمته تعالى، وكبريائه.
فإن قلت: الجمع يقتضي اتفاق الأفراد في الحقيقة، وهي هنا مختلفة.
قلنا: بل هي متفقة من حيث إنّ كلّا منها علامة يعلم بها الخالق، والاختلاف إنما عرض بواسطة أسمائها. اه. كرخي.
وقيل (٣): اسم وضع لذوي العلم من الملائكة، والثقلين، وتناوله لغيره على سبيل الاستتباع. وقيل: عنى به الناس ههنا، فإنّ كلّ واحد منهم عالم من حيث، إنّه يشمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض، يعلم بها الصانع، كما يعلم بما أبدعه في العالم، ولذلك سوّى بين النظر فيهما، حيث قال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾.
وقد جرت (٤) عادتهم، على أن لا يطلقوا هذا اللفظ، إلّا على كلّ جماعة
وقوله: ﴿الْعالَمِينَ﴾: اسم جمع لعالم بفتح اللام، لا جمع له؛ لعدم العلمية، أو الوصفية فيه، وقيل: جمع له شاذ. قال في «الكشاف»: ساغ ذلك لوجود معنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم. وفي البيضاوي: والعالم:
اسم لما يعلم به، كالخاتم، والقالب، من العلامة؛ لأنّه علامة على صانعه. وهو كلّ (١) ما سوى الله تعالى من الجواهر، والأعراض، فإنّها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدلّ على وجوده؛ لأنّها محدثة، وكلّ محدث له صانع، فالعالم له صانع. وإنّما جمعه؛ ليشمل جميع ما تحته من الأجناس المختلفة، وغلّب العقلاء منهم، فجمعه بالياء والنون، كسائر أوصافهم. اه.
فإن قلت (٢): لم جمع العالمين جمع قلّة، مع أنّ المقام مستدع للإتيان بجمع الكثرة، كالعوالم؟
قلت: تنبيها على أنهم، وإن كثروا فهم قليلون في جانب عظمته تعالى، وكبريائه.
فإن قلت: الجمع يقتضي اتفاق الأفراد في الحقيقة، وهي هنا مختلفة.
قلنا: بل هي متفقة من حيث إنّ كلّا منها علامة يعلم بها الخالق، والاختلاف إنما عرض بواسطة أسمائها. اه. كرخي.
وقيل (٣): اسم وضع لذوي العلم من الملائكة، والثقلين، وتناوله لغيره على سبيل الاستتباع. وقيل: عنى به الناس ههنا، فإنّ كلّ واحد منهم عالم من حيث، إنّه يشمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض، يعلم بها الصانع، كما يعلم بما أبدعه في العالم، ولذلك سوّى بين النظر فيهما، حيث قال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾.
وقد جرت (٤) عادتهم، على أن لا يطلقوا هذا اللفظ، إلّا على كلّ جماعة
(١) البيضاوي.
(٢) الفتوحات.
(٣) البيضاوي.
(٤) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) البيضاوي.
(٤) المراغي.
57
متمايزة لأفرادها صفات تقرّبها من العقلاء، إن لم تكن منهم، فيقولون: عالم الإنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات، ولا يقولون: عالم الحجر، ولا عالم التراب. ذلك أنّ هذه العوالم هي التي يظهر فيها معنى التربية الذي يفيده لفظ ربّ، إذ يظهر فيها الحياة، والتغذية، والتوالد.
وخلاصة معنى الآية: أنّ كلّ ثناء فهو لله تعالى، إذ هو مصدر جميع الكائنات، وهو الذي يسوس العالمين، ويربّيهم من مبدئهم إلى نهايتهم، ويلهمهم ما فيه خيرهم، وصلاحهم، فلله الحمد على ما أسدى، والشكر له على ما أولى.
وفي «الخازن»: واختلف في مبلغ عددهم، فقيل: لله ألف عالم، ستمائة عالم في البحر، وأربعمائة في البرّ. وقيل: ثمانون ألف عالم، أربعون ألفا في البرّ، ومثلهم في البحر. وقيل: ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد، وما العمران في الخراب إلّا كفسطاط في صحراء، قاله: وهب بن منبه.
الفسطاط: الخيمة. اه.
وفي «الروح»: وقال الضحاك: لله ثلاثمائة وستّون عالما، ثلاثمائة منهم:
عراة حفاة لا يعرفون خالقهم، وهم حشو جهنم. وستّون عالما: يلبسون الثياب، مرّ بهم ذو القرنين، وكلّمهم. وقال كعب الأحبار: لا يحصى؛ لقوله تعالى: ﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ الله تعالى خلق الخلق أربعة أصناف:
الملائكة، والشياطين، والجنّ، والإنس، ثمّ جعل هؤلاء عشرة أجزاء، تسعة منهم الملائكة، وواحد الثلاثة الباقية، ثمّ جعل هذه الثلاثة، عشرة أجزاء، تسعة منهم الشياطين، وجزء واحد الجنّ والإنس، ثمّ جعلهما عشرة أجزاء، فتسعة منهم الجنّ، وواحد الإنس، ثمّ جعل الإنس مائة وخمسة وعشرين جزءا، فجعل مائة جزء في بلاد الهند، منهم ساطوح، وهم: أناس رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب، وماسوخ وهم: أناس آذانهم كآذان الفيلة، ومالوف، وهم: أناس لا يطاوعهم أرجلهم، يسمّون دوال باي، ومصير كلّهم إلى النار. وجعل اثني عشر
وخلاصة معنى الآية: أنّ كلّ ثناء فهو لله تعالى، إذ هو مصدر جميع الكائنات، وهو الذي يسوس العالمين، ويربّيهم من مبدئهم إلى نهايتهم، ويلهمهم ما فيه خيرهم، وصلاحهم، فلله الحمد على ما أسدى، والشكر له على ما أولى.
وفي «الخازن»: واختلف في مبلغ عددهم، فقيل: لله ألف عالم، ستمائة عالم في البحر، وأربعمائة في البرّ. وقيل: ثمانون ألف عالم، أربعون ألفا في البرّ، ومثلهم في البحر. وقيل: ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد، وما العمران في الخراب إلّا كفسطاط في صحراء، قاله: وهب بن منبه.
الفسطاط: الخيمة. اه.
وفي «الروح»: وقال الضحاك: لله ثلاثمائة وستّون عالما، ثلاثمائة منهم:
عراة حفاة لا يعرفون خالقهم، وهم حشو جهنم. وستّون عالما: يلبسون الثياب، مرّ بهم ذو القرنين، وكلّمهم. وقال كعب الأحبار: لا يحصى؛ لقوله تعالى: ﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ الله تعالى خلق الخلق أربعة أصناف:
الملائكة، والشياطين، والجنّ، والإنس، ثمّ جعل هؤلاء عشرة أجزاء، تسعة منهم الملائكة، وواحد الثلاثة الباقية، ثمّ جعل هذه الثلاثة، عشرة أجزاء، تسعة منهم الشياطين، وجزء واحد الجنّ والإنس، ثمّ جعلهما عشرة أجزاء، فتسعة منهم الجنّ، وواحد الإنس، ثمّ جعل الإنس مائة وخمسة وعشرين جزءا، فجعل مائة جزء في بلاد الهند، منهم ساطوح، وهم: أناس رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب، وماسوخ وهم: أناس آذانهم كآذان الفيلة، ومالوف، وهم: أناس لا يطاوعهم أرجلهم، يسمّون دوال باي، ومصير كلّهم إلى النار. وجعل اثني عشر
58
ﭛﭜ
ﰂ
جزءا منهم في بلاد الروم: النسطورية، والملكانية، والإسرائيليّة، كلّ من الثلاث أربع طوائف، ومصيرهم إلى النار جميعا. وجعل ستّة أجزاء منهم في المشرق: يأجوج ومأجوج، وترك خاقان، وترك حد خلخ، وترك خزر، وترك جرجير. وجعل ستّة أجزاء في المغرب: الزنج، والزّط، والحبشة، والنوبة، وبربر، وسائر كفار العرب، ومصيرهم إلى النار. وبقي من الإنس من أهل التوحيد جزء واحد، فجزأهم ثلاثا وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون على خطر، وهم أهل البدع والضلالات، وفرقة ناجية وهم أهل السنة والجماعة، وحسابهم على الله تعالى، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.
وفي الحديث: «إنّ اليهود افترقت إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين
فرقة، كلّهم في النار إلّا فرقة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هم من على ما أنا عليه وأصحابي».
يعني: ما أنا عليه وأصحابي من الاعتقاد، والفعل، والقول، فهو حقّ، وطريق موصل إلى الجنة، والفوز، والفلاح، وما عداه باطل. وطريق النار: إن كانوا إباحيين فهم خلود، وإلّا فلا. انتهى.
٣ - ﴿الرَّحْمنِ﴾؛ أي: المنعم بما لا يتصوّر صدور تلك النعمة من العباد.
﴿الرَّحِيمِ﴾؛ أي: المنعم بما يتصوّر صدور تلك النعمة من العباد، فلا يقال لغير الله: رحمن، ويقال لغيره من العباد: رحيم، وقد مرّ ذكرهما في البسملة، وهو دليل على أنّ البسملة ليست من (الفاتحة)، إذ لو كانت منها لما أعادهما؛ لخلّو الإعادة من الإفادة. اه. «نسفي». وقيل: كرّرهما (١) مع بقيّة الأوصاف؛ تعليلا لاستحقاقه الحمد. والمعنى عليه: وإنّما استحقّ الحمد من عباده؛ لكونه ربّا موجدا لهم، منعما عليهم بالنعم كلّها ظاهرها وباطنها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب. وقيل: كرّرهما (٢)؛ ليعلم أنّ العناية بالرحمة أكثر من غيرها من الأمور، وأنّ الحاجة إليه أكثر، فنبّه سبحانه
وفي الحديث: «إنّ اليهود افترقت إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين
فرقة، كلّهم في النار إلّا فرقة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هم من على ما أنا عليه وأصحابي».
يعني: ما أنا عليه وأصحابي من الاعتقاد، والفعل، والقول، فهو حقّ، وطريق موصل إلى الجنة، والفوز، والفلاح، وما عداه باطل. وطريق النار: إن كانوا إباحيين فهم خلود، وإلّا فلا. انتهى.
٣ - ﴿الرَّحْمنِ﴾؛ أي: المنعم بما لا يتصوّر صدور تلك النعمة من العباد.
﴿الرَّحِيمِ﴾؛ أي: المنعم بما يتصوّر صدور تلك النعمة من العباد، فلا يقال لغير الله: رحمن، ويقال لغيره من العباد: رحيم، وقد مرّ ذكرهما في البسملة، وهو دليل على أنّ البسملة ليست من (الفاتحة)، إذ لو كانت منها لما أعادهما؛ لخلّو الإعادة من الإفادة. اه. «نسفي». وقيل: كرّرهما (١) مع بقيّة الأوصاف؛ تعليلا لاستحقاقه الحمد. والمعنى عليه: وإنّما استحقّ الحمد من عباده؛ لكونه ربّا موجدا لهم، منعما عليهم بالنعم كلّها ظاهرها وباطنها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب. وقيل: كرّرهما (٢)؛ ليعلم أنّ العناية بالرحمة أكثر من غيرها من الأمور، وأنّ الحاجة إليه أكثر، فنبّه سبحانه
(١) عمدة التفاسير.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
59
وتعالى بتكرير ذكر الرحمة على كثرتها، وأنّه هو المتفضّل بها على خلقه. قال القرطبي: وصف سبحانه وتعالى نفسه بعد ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ بأنه ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾؛ لأنّه لمّا كان في اتصافه بربّ العالمين ترهيب، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمّن من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، كما قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ﴾، وقال: ﴿غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ﴾.
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد». انتهى.
وفي «روح البيان»: في التكرار وجوه:
أحدها: ما سبق من أنّ رحمتي البسملة ذاتيّتان، ورحمتي (الفاتحة) صفاتيتان.
والثاني: ليعلم أنّ التسمية ليست من (الفاتحة).
والثالث: أنّه ندب العباد إلى كثرة الذكر، فإنّ من علامة حبّ الله، حبّ ذكر الله. وفي الحديث: «من أحبّ شيئا أكثر ذكره».
والرابع: أنّه ذكر ربّ العالمين، فبيّن أنّ ربّ العالمين: هو الرحمن الذي يرزقهم في الدنيا، الرحيم: الذي يغفر لهم في العقبى، ولذلك ذكر بعده ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. يعني: أنّ الربوبية إمّا بالرحمانية: وهي رزق الدنيا، وإما بالرحيمية: وهي المغفرة في العقبى.
والخامس: أنّه ذكر الحمد، وبالحمد تنال الرحمة، فإنّ أول من حمد الله تعالى من البشر: آدم عليه السلام حين عطس، فقال: الحمد لله، وأجيب في الحال: يرحمك ربّك، ولذلك خلقه، فعلّم خلقه الحمد، وبين أنّهم ينالون رحمته بالحمد.
والسادس: أنّ التكرار للتعليل كما مرّ؛ لأنّ ترتيب الحمد على هذه الأوصاف أمارة علّيّة مأخذها، فالرحمانية، والرحيمية من جملتها؛ لدلالتهما على
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد». انتهى.
وفي «روح البيان»: في التكرار وجوه:
أحدها: ما سبق من أنّ رحمتي البسملة ذاتيّتان، ورحمتي (الفاتحة) صفاتيتان.
والثاني: ليعلم أنّ التسمية ليست من (الفاتحة).
والثالث: أنّه ندب العباد إلى كثرة الذكر، فإنّ من علامة حبّ الله، حبّ ذكر الله. وفي الحديث: «من أحبّ شيئا أكثر ذكره».
والرابع: أنّه ذكر ربّ العالمين، فبيّن أنّ ربّ العالمين: هو الرحمن الذي يرزقهم في الدنيا، الرحيم: الذي يغفر لهم في العقبى، ولذلك ذكر بعده ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. يعني: أنّ الربوبية إمّا بالرحمانية: وهي رزق الدنيا، وإما بالرحيمية: وهي المغفرة في العقبى.
والخامس: أنّه ذكر الحمد، وبالحمد تنال الرحمة، فإنّ أول من حمد الله تعالى من البشر: آدم عليه السلام حين عطس، فقال: الحمد لله، وأجيب في الحال: يرحمك ربّك، ولذلك خلقه، فعلّم خلقه الحمد، وبين أنّهم ينالون رحمته بالحمد.
والسادس: أنّ التكرار للتعليل كما مرّ؛ لأنّ ترتيب الحمد على هذه الأوصاف أمارة علّيّة مأخذها، فالرحمانية، والرحيمية من جملتها؛ لدلالتهما على
60
أنّه مختار في الإحسان لا موجب، وفي ذلك استيفاء أسباب استحقاق الحمد، من فيض الذات بربّ العالمين، وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم، ولا خارج عنهما في الدنيا، وفيض الأثوبة لطفا، والأجزية عدلا في الآخرة، ومن هذا يفهم وجه ترتيب الأوصاف الثلاثة.
والفرق بين الرَّحْمنِ والرَّحِيمِ: إمّا باختصاص الحق بالأوّل، أو بعمومه، أو بجلائل النعم، فعلى الأول: هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد، والرحيم: بما يتصور صدوره منهم، فذا كما روي عن ذي النون المصري - رحمة الله تعالى - قال: وقعت ولولة في قلبي، فخرجت إلى شطّ النيل، فرأيت عقربا يعدو، فتبعته، فوصل إلى ضفدع على الشطّ، فركب ظهره، وعبر به النيل، فركبت السفينة واتبعته، فنزل، وعدا إلى شابّ نائم، وإذا أفعى بقربه تقصده، فتواثبا، وتلادغا، وماتا، وسلم النائم.
ويحكى: أنّ ولد الغراب إذا خرج من القشر يكون كلحم أحمر، ويفرّ الغراب منه، فيجتمع عليه البعوض، فيلتقمه إلى أن ينبت ريشه، فعند ذلك تعود الأمّ إليه، ولهذا قيل: يا رازق النّعاب في عشّه!
وأمّا على أنّ الرحمن عامّ، فقيل: كيف ذلك وقلّما يخلو أحد، بل حالة له عن نوع بلوى؟ قلنا: الحوادث منها ما يظنّ أنّه رحمة ويكون نقمة، وبالعكس، قال الله تعالى: ﴿فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، فالأول كما قال الشاعر:
وكلّ منها في الظاهر نعمة، والثاني: كحبس الولد في المكتب، وحمله على التعلّم بالضرب، وكقطع اليد المتآكلة، فالأبله يعتبر الظواهر، والعاقل ينظر إلى السرائر، فما من بليّة ومحنة إلّا وتحتها رحمة ومنحة، وترك الخير الكثير للشر القليل شرّ كبير، فالتكاليف؛ لتطهير الأرواح عن العلائق الجسمانية، وخلق النار؛ لصرف الأشرار إلى أعمال الأبرار، وخلق الشيطان؛ لتميّز المخلصين من العباد، فشأن المحقق أن يبني على الحقائق، كالخضر عليه السلام في قصّة
والفرق بين الرَّحْمنِ والرَّحِيمِ: إمّا باختصاص الحق بالأوّل، أو بعمومه، أو بجلائل النعم، فعلى الأول: هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد، والرحيم: بما يتصور صدوره منهم، فذا كما روي عن ذي النون المصري - رحمة الله تعالى - قال: وقعت ولولة في قلبي، فخرجت إلى شطّ النيل، فرأيت عقربا يعدو، فتبعته، فوصل إلى ضفدع على الشطّ، فركب ظهره، وعبر به النيل، فركبت السفينة واتبعته، فنزل، وعدا إلى شابّ نائم، وإذا أفعى بقربه تقصده، فتواثبا، وتلادغا، وماتا، وسلم النائم.
ويحكى: أنّ ولد الغراب إذا خرج من القشر يكون كلحم أحمر، ويفرّ الغراب منه، فيجتمع عليه البعوض، فيلتقمه إلى أن ينبت ريشه، فعند ذلك تعود الأمّ إليه، ولهذا قيل: يا رازق النّعاب في عشّه!
وأمّا على أنّ الرحمن عامّ، فقيل: كيف ذلك وقلّما يخلو أحد، بل حالة له عن نوع بلوى؟ قلنا: الحوادث منها ما يظنّ أنّه رحمة ويكون نقمة، وبالعكس، قال الله تعالى: ﴿فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، فالأول كما قال الشاعر:
إنّ الشباب والفراغ والجده | مفسدة للمرء أيّ مفسده |
61
موسى معه. فكلّ ما يكره الطبع فتحته أسرار خفيّة، وحكمة بالغة. وأمّا على أنّ الرحمن لجلائل النعم: فإنّما أتبعه بالرحيم؛ لدفع توهم أن يكون طلب العبد الشيء اليسير سوء أدب، كما قيل لبعضهم: جئتك لحاجة يسيرة. قال: أطلب لها رجلا يسيرا، فكأنّ الله سبحانه يقول: لو اقتصرت على الرحمن؛ لاحتشمت عنّي، ولكنّي رحيم فاطلب منّي حتى شراك نعلك، وملح قدرك. انتهى.
وعبارة المراغي هنا: وقد ذكر سبحانه هذين الوصفين؛ ليبيّن لعباده أن ربوبيته ربوبيّة رحمة وإحسان، ليقبلوا على عمل ما يرضيه، وهم مطمئنو النفوس منشرحو الصدور، لا ربوبيّة جبروت وقهر لهم. والعقوبات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، لمن تعدّى حدوده، وانتهك حرماته، هي قهر في الظاهر، ورحمة في الحقيقة؛ لأنها تربية للناس وزجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادّة التي شرعها لهم، إذ في اتباعها سعادتهم ونعيمهم، وفي تجاوزها شقاؤهم وبلاؤهم، ألا ترى إلى الوالد الرؤوف كيف يربّي أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع، والإحسان إليهم إذا لزموا الجادّة، فإذا هم حادوا عن الصراط السويّ، لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا؟. قال أبو تمّام:
٤ - ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾؛ أي: مالك الأمور ومدبّرها، وقاضيها يوم المجازاة للعباد على أعمالهم؛ بإثابة المؤمنين، وعقاب الكافرين، وهو يوم القيامة. هذا على قراءة الألف، وقرىء بلا ألف، والمعنى حينئذ؛ أي: ذي الملك، والسلطنة، والقهر في ذلك اليوم؛ لأنّه لا ملك ظاهر فيه لأحد إلّا لله تعالى بدليل ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ﴾، أمّا في الدنيا: ففيها الملك ظاهرا لكثير من الناس، فتحصّل:
أنّ وصف الملكيّة ثابت له تعالى أزلا، وظهوره يكون يوم القيامة؛ لإقرار جميع الخلق به.
واختلف في أيّ القراءتين أبلغ وأولى؟ فقيل: ملك بلا ألف؛ لأنّه أعمّ وأبلغ من مالك، إذ كلّ ملك مالك ولا عكس؛ ولأنّ أمر الملك نافذ على
وعبارة المراغي هنا: وقد ذكر سبحانه هذين الوصفين؛ ليبيّن لعباده أن ربوبيته ربوبيّة رحمة وإحسان، ليقبلوا على عمل ما يرضيه، وهم مطمئنو النفوس منشرحو الصدور، لا ربوبيّة جبروت وقهر لهم. والعقوبات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، لمن تعدّى حدوده، وانتهك حرماته، هي قهر في الظاهر، ورحمة في الحقيقة؛ لأنها تربية للناس وزجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادّة التي شرعها لهم، إذ في اتباعها سعادتهم ونعيمهم، وفي تجاوزها شقاؤهم وبلاؤهم، ألا ترى إلى الوالد الرؤوف كيف يربّي أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع، والإحسان إليهم إذا لزموا الجادّة، فإذا هم حادوا عن الصراط السويّ، لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا؟. قال أبو تمّام:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما | فليقس أحيانا على من يرحم |
أنّ وصف الملكيّة ثابت له تعالى أزلا، وظهوره يكون يوم القيامة؛ لإقرار جميع الخلق به.
واختلف في أيّ القراءتين أبلغ وأولى؟ فقيل: ملك بلا ألف؛ لأنّه أعمّ وأبلغ من مالك، إذ كلّ ملك مالك ولا عكس؛ ولأنّ أمر الملك نافذ على
62
المالك في ملكه حتى لا يتصرّف المالك إلّا عن تدبير الملك؛ ولأنّه قراءة أهل الحرمين؛ ولقوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ﴾؛ ولما فيه من التعظيم. وقيل: المالك أبلغ لما فيه من زيادة البناء، فيكون أكثر ثوابا؛ لأنّه أكثر حروفا؛ ولأنّه أوسع بابا من ملك؛ لأنّه يقال: مالك العبد والدابة، ولا يقال: ملك هذه الأشياء. وقيل: هما بمعنى واحد، مثل: فرهين، وفارهين.
وعبارة المراغي هنا: قرأ بعض القراء ﴿مالك﴾ بالألف، وبعض آخر ﴿ملك﴾ بلا ألف، والفارق بينهما: أنّ المالك: هو ذو الملك بكسر الميم، والملك: هو ذو الملك بضمّ الميم، وقد جاء في الكتاب الكريم ما يعاضد كلّا من القراءتين، فيعاضد الأولى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾، ويعاضد الثانية قوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾.
قال الراغب: والقراءتان وإن رويتا عن جمع كثير من الصحابة فالثانية يعني: ملك بلا ألف يكنفها من الجلال والروعة، وإثارة الخشية ما لا يوجد مثله في القراءة الأولى يعني: مالك بالألف، فهي تدلّ على أنّه سبحانه هو المتصرّف في شؤون العقلاء بالأمر والنهي والجزاء، ومن ثمّ يقال: ملك الناس، ولا يقال:
ملك الدابة، وملك العبد، وملك الدار.
فائدة: والفرق بين ﴿الْمُلْكُ﴾ بضمّ الميم، و ﴿الْمِلْكُ﴾ بكسرها: أنّ الملك بضمّ الميم: عبارة عن السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، والغلبة التامة، والقدرة على التصرّف الكلّي بالأمر والنهي. والملك بكسر الميم: عبارة عن السلطنة، والتصرف غير التامّين. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه:
أنّ الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله كما في الشوكاني.
﴿يَوْمِ﴾ واليوم في العرف: عبارة عمّا بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان. وفي الشرع: عمّا بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس، والمراد هنا:
مطلق الوقت؛ لعدم الشمس والفجر ثمّ. و ﴿الدِّينِ﴾: الجزاء إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، ومنه قولهم: كما تدين تدان، وبيت الحماسة:
ولم يبق سوى العدوا... ن دنّاهم كما دانوا
وعبارة المراغي هنا: قرأ بعض القراء ﴿مالك﴾ بالألف، وبعض آخر ﴿ملك﴾ بلا ألف، والفارق بينهما: أنّ المالك: هو ذو الملك بكسر الميم، والملك: هو ذو الملك بضمّ الميم، وقد جاء في الكتاب الكريم ما يعاضد كلّا من القراءتين، فيعاضد الأولى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾، ويعاضد الثانية قوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾.
قال الراغب: والقراءتان وإن رويتا عن جمع كثير من الصحابة فالثانية يعني: ملك بلا ألف يكنفها من الجلال والروعة، وإثارة الخشية ما لا يوجد مثله في القراءة الأولى يعني: مالك بالألف، فهي تدلّ على أنّه سبحانه هو المتصرّف في شؤون العقلاء بالأمر والنهي والجزاء، ومن ثمّ يقال: ملك الناس، ولا يقال:
ملك الدابة، وملك العبد، وملك الدار.
فائدة: والفرق بين ﴿الْمُلْكُ﴾ بضمّ الميم، و ﴿الْمِلْكُ﴾ بكسرها: أنّ الملك بضمّ الميم: عبارة عن السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، والغلبة التامة، والقدرة على التصرّف الكلّي بالأمر والنهي. والملك بكسر الميم: عبارة عن السلطنة، والتصرف غير التامّين. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه:
أنّ الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله كما في الشوكاني.
﴿يَوْمِ﴾ واليوم في العرف: عبارة عمّا بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان. وفي الشرع: عمّا بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس، والمراد هنا:
مطلق الوقت؛ لعدم الشمس والفجر ثمّ. و ﴿الدِّينِ﴾: الجزاء إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، ومنه قولهم: كما تدين تدان، وبيت الحماسة:
ولم يبق سوى العدوا... ن دنّاهم كما دانوا
63
أي: مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء، وأضاف اسم الفاعل إلى الظرف؛ إجراء له مجرى المفعول به على الاتّساع، كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار.
والمعنى: مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء، فإضافة اليوم إلى الدين لأدنى ملابسة، كإضافة سائر الظروف إلى ما وقع فيها من الحوادث؛ كيوم الأحزاب، ويوم الفتح، وتخصيصه؛ إمّا لتعظيمه وتهويله، أو لبيان تفرّده بإجراء الأمر فيه، وانقطاع العلائق بين الملّاك والأملاك حينئذ بالكلّية، ففي ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض، ولا مجاز غيره تعالى. وأصل الملك والملك: الربط، والشدّة، والقوّة، فلله في الحقيقة؛ القوّة الكاملة، والولاية النافذة، والحكم الجاري، والتصرّف الماضي، وهو للعباد مجاز، إذ لملكهم بداية ونهاية، وعلى البعض لا على الكلّ، وعلى الجسم لا العرض، وعلى النّفس لا النّفس، وعلى الظاهر لا الباطن، وعلى
الحيّ لا الميّت، بخلاف المعبود الحقّ، إذ ليس لملكه زوال، ولا لملكه انتقال.
وقال في «تفسير الإرشاد»: قرأ أهل الحرمين المحترمين ﴿مَلْكِ﴾ من الملك: الذي هو عبارة عن السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، والغلبة التامّة، والقدرة على التصرف الكلّي في أمور العامّة بالأمر والنهي، وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين. انتهى. ولكلّ قراءة وجوه ترّجحها كما ذكرنا سابقا.
ويحكى عن أبي عبد الله، محمد بن شجاع الثّلجيّ - رحمه الله تعالى - أنّه قال: كان من عادتي قراءة ﴿مالك﴾، فسمعت من بعض الأدباء أنّ ﴿ملك﴾ أبلغ، فتركت عادتي وقرأت ﴿مَلِك﴾، فرأيت في المنام قائلا يقول: لم نقصت من حسناتك عشرا، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ القرآن كتب له بكلّ حرف عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات»؟.
فانتبهت فلم أترك عادتي حتى رأيت ثانيا في المنام أنّه قيل لي: لم لا تترك هذه العادة، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا القرآن فخما مفخّما»؛ أي: عظيما معظّما. فأتيت قطربا، وكان إماما في اللغة، فسألته ما بين المالك والملك من الفرق؟ فقال: بينهما فرق كثير، أمّا المالك: فهو الذي ملك شيئا من الدنيا، وأما
والمعنى: مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء، فإضافة اليوم إلى الدين لأدنى ملابسة، كإضافة سائر الظروف إلى ما وقع فيها من الحوادث؛ كيوم الأحزاب، ويوم الفتح، وتخصيصه؛ إمّا لتعظيمه وتهويله، أو لبيان تفرّده بإجراء الأمر فيه، وانقطاع العلائق بين الملّاك والأملاك حينئذ بالكلّية، ففي ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض، ولا مجاز غيره تعالى. وأصل الملك والملك: الربط، والشدّة، والقوّة، فلله في الحقيقة؛ القوّة الكاملة، والولاية النافذة، والحكم الجاري، والتصرّف الماضي، وهو للعباد مجاز، إذ لملكهم بداية ونهاية، وعلى البعض لا على الكلّ، وعلى الجسم لا العرض، وعلى النّفس لا النّفس، وعلى الظاهر لا الباطن، وعلى
الحيّ لا الميّت، بخلاف المعبود الحقّ، إذ ليس لملكه زوال، ولا لملكه انتقال.
وقال في «تفسير الإرشاد»: قرأ أهل الحرمين المحترمين ﴿مَلْكِ﴾ من الملك: الذي هو عبارة عن السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، والغلبة التامّة، والقدرة على التصرف الكلّي في أمور العامّة بالأمر والنهي، وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين. انتهى. ولكلّ قراءة وجوه ترّجحها كما ذكرنا سابقا.
ويحكى عن أبي عبد الله، محمد بن شجاع الثّلجيّ - رحمه الله تعالى - أنّه قال: كان من عادتي قراءة ﴿مالك﴾، فسمعت من بعض الأدباء أنّ ﴿ملك﴾ أبلغ، فتركت عادتي وقرأت ﴿مَلِك﴾، فرأيت في المنام قائلا يقول: لم نقصت من حسناتك عشرا، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ القرآن كتب له بكلّ حرف عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات»؟.
فانتبهت فلم أترك عادتي حتى رأيت ثانيا في المنام أنّه قيل لي: لم لا تترك هذه العادة، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا القرآن فخما مفخّما»؛ أي: عظيما معظّما. فأتيت قطربا، وكان إماما في اللغة، فسألته ما بين المالك والملك من الفرق؟ فقال: بينهما فرق كثير، أمّا المالك: فهو الذي ملك شيئا من الدنيا، وأما
64
الملك: فهو الذي يملك الملوك.
وفي «البيضاوي»: وإجراء (١) هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجدا للعالمين، ربّا لهم، منعما عليهم بالنعم كلّها ظاهرها وباطنها، عاجلها وآجلها، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب؛ للدلالة على أنّه الحقيق بالحمد لا أحد أحقّ به منه، بل لا يستحقّه على الحقيقة سواه، فإنّ ترتّب الحكم على الوصف يشعر بعلّيّته له، وللإشعار من طريق المفهوم على أنّ من لم يتّصف بتلك الصفات؛ لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد؛ ليكون دليلا على ما بعده، فالوصف الأول: لبيان ما هو الموجب للحمد، وهو الإيجاد والتربية، والثاني والثالث: للدلالة على أنّه مفضّل بذلك، مختار فيه، ليس يصدر منه لإيجاب بالذات، أو وجوب عليه قضيّة بسوابق الأعمال حتى يستحقّ به الحمد، والرابع:
لتحقيق الاختصاص، فإنّه مما لا يقبل الشركة، ولتضمين الوعد للحامدين، والوعيد للمعرضين. انتهى.
وفي «الروح»: والوجه في سرد الصفات الخمس كأنّه يقول: خلقتك فأنا إله، ثمّ ربّيتك بالنعم، فأنا ربّ، ثمّ عصيت فسترت عليك، فأنا رحمن، ثمّ تبت فغفرت، فأنا رحيم، ثمّ لا بدّ من الجزاء، فأنا مالك يوم الدين.
فعلم مما تقدم: أنّ يوم الدين هو يوم القيامة، سمّي به؛ لأنّه يدان فيه كلّ أحد، ويجازى على عمله. وقيل: الدين الشريعة. وقيل: الطاعة. والمعنى: يوم جزاء الدين، فالدين يطلق لغة: على الحساب، وعلى المكافأة، وعلى الشريعة وعلى الطاعة، وعلى الدين وعلى الجزاء، وهو المناسب هنا، وإنّما قال: (٢) ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ولم يقل: ﴿مالك الدين﴾؛ ليعلم أنّ للدين يوما معيّنا يلقى فيه كلّ عامل جزاء عمله.
وفي «البيضاوي»: وإجراء (١) هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجدا للعالمين، ربّا لهم، منعما عليهم بالنعم كلّها ظاهرها وباطنها، عاجلها وآجلها، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب؛ للدلالة على أنّه الحقيق بالحمد لا أحد أحقّ به منه، بل لا يستحقّه على الحقيقة سواه، فإنّ ترتّب الحكم على الوصف يشعر بعلّيّته له، وللإشعار من طريق المفهوم على أنّ من لم يتّصف بتلك الصفات؛ لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد؛ ليكون دليلا على ما بعده، فالوصف الأول: لبيان ما هو الموجب للحمد، وهو الإيجاد والتربية، والثاني والثالث: للدلالة على أنّه مفضّل بذلك، مختار فيه، ليس يصدر منه لإيجاب بالذات، أو وجوب عليه قضيّة بسوابق الأعمال حتى يستحقّ به الحمد، والرابع:
لتحقيق الاختصاص، فإنّه مما لا يقبل الشركة، ولتضمين الوعد للحامدين، والوعيد للمعرضين. انتهى.
وفي «الروح»: والوجه في سرد الصفات الخمس كأنّه يقول: خلقتك فأنا إله، ثمّ ربّيتك بالنعم، فأنا ربّ، ثمّ عصيت فسترت عليك، فأنا رحمن، ثمّ تبت فغفرت، فأنا رحيم، ثمّ لا بدّ من الجزاء، فأنا مالك يوم الدين.
فعلم مما تقدم: أنّ يوم الدين هو يوم القيامة، سمّي به؛ لأنّه يدان فيه كلّ أحد، ويجازى على عمله. وقيل: الدين الشريعة. وقيل: الطاعة. والمعنى: يوم جزاء الدين، فالدين يطلق لغة: على الحساب، وعلى المكافأة، وعلى الشريعة وعلى الطاعة، وعلى الدين وعلى الجزاء، وهو المناسب هنا، وإنّما قال: (٢) ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ولم يقل: ﴿مالك الدين﴾؛ ليعلم أنّ للدين يوما معيّنا يلقى فيه كلّ عامل جزاء عمله.
(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
65
والناس وإن كانوا يلاقون جزاء أعمالهم في الدنيا باعتبارهم أفرادا من بؤس وشقاء، جزاء تفريطهم في أداء الحقوق والواجبات التي عليهم، فربّما يظهر ذلك في بعض دون بعض، فإنّا نرى كثيرا من المنغمسين في شهواتهم، يقضون أعمارهم وهم متمتّعون بلذّاتهم. نعم: إنّهم لا يسلمون من المنغّصات، وربّما أتتهم الجوائح في أموالهم، واعتلّت أجسامهم، وضعفت عقولهم، ولكن لا يكون جزاء كاملا لما اقترفوه من عظيم الموبقات، وكبير المنكرات. كذلك نرى كثيرا من المحسنين، يبتلون بهضم حقوقهم، ولا ينالون ما يستحقّون من حسن الجزاء. نعم: إنّهم ينالون بعض الجزاء براحة ضمائرهم، وسلامة أجسامهم، وصفاء ملكاتهم، وتهذيب أخلاقهم، ولكن ليس هذا كلّ ما يستحقّون من الجزاء، فإذا جاء ذلك اليوم، استوفى كلّ عامل جزاء عمله كاملا، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، جزاء وفاقا لما عملوا ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
أمّا الناس باعتبارهم أمما وجماعات: فيظهر جزاؤهم في الدنيا ظهورا تامّا، فما من أمّة انحرفت عن الصراط السويّ، ولم تراع سنّة الله في الخليقة، إلّا حلّ بها ما تستحق من الجزاء من فقر بعد غنى، وذلّ بعد عزّة، ومهانة بعد جلال وهيبة.
فائدة: (١) ومن لطائف ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: أنّ مخالفة الملك تؤول إلى خراب العالم وفناء الخلق، فكيف مخالفة ملك الملوك؟ كما قال تعالى: ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ والطاعة سبب المصالح، كما قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى﴾، فعلى الرعيّة مطاوعة الملوك، وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك؛ لتنتظم مصالح العالم. ومن لطائفه أيضا: أنّ ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يبيّن أنّ كمال ملكه بعدله حيث قال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾، فالملك المجازي إن كان عادلا كان حقّا، فدرّت الضروع، ونمت
أمّا الناس باعتبارهم أمما وجماعات: فيظهر جزاؤهم في الدنيا ظهورا تامّا، فما من أمّة انحرفت عن الصراط السويّ، ولم تراع سنّة الله في الخليقة، إلّا حلّ بها ما تستحق من الجزاء من فقر بعد غنى، وذلّ بعد عزّة، ومهانة بعد جلال وهيبة.
فائدة: (١) ومن لطائف ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: أنّ مخالفة الملك تؤول إلى خراب العالم وفناء الخلق، فكيف مخالفة ملك الملوك؟ كما قال تعالى: ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ والطاعة سبب المصالح، كما قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى﴾، فعلى الرعيّة مطاوعة الملوك، وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك؛ لتنتظم مصالح العالم. ومن لطائفه أيضا: أنّ ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يبيّن أنّ كمال ملكه بعدله حيث قال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾، فالملك المجازي إن كان عادلا كان حقّا، فدرّت الضروع، ونمت
(١) روح البيان.
66
الزروع. وإن كان جائرا كان باطلا، فارتفع الخير.
قرأ (١) ﴿مالِكِ﴾ على وزن فاعل بالخفض عاصم، والكسائي، وخلف في اختياره، ويعقوب، وهي قراءة العشرة المبشرة إلّا طلحة، والزبير، وقراءة كثير من الصحابة منهم: أبيّ، وابن مسعود، ومعاذ، وابن عباس، والتابعين منهم: قتادة، والأعمش. وقرأ ملك على وزن فعل بالخفض باقي السبعة، وزيد، وأبو الدرداء، وابن عمر، والمسور، وكثير من الصحابة والتابعين. وقرأ ﴿مَلْكِ﴾ على وزن سهل: أبو هريرة، وعاصم الجحدري، ورواها الجعفي، وعبد الوارث، عن أبي عمرو، وهي لغة بكر بن وائل. وقرأ ﴿ملكي﴾ بإشباع كسرة الكاف: أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع. وقرأ ﴿مِلك﴾ على وزن عجل: أبو عثمان النهدي، والشعبي، وعطيّة، ونسبها ابن عطية إلى أبي حياة. وقال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك، وأبو نوفل، عمر بن مسلم بن أبي عدي ﴿مَلِكَ يوم الدين﴾ بنصب الكاف من غير ألف، وجاء كذلك عن أبي حياة. انتهى. وقرأ كذلك إلّا أنّه رفع الكاف: سعد بن أبي وقاص، وعائشة، ومورّق العجليّ. وقرأ ﴿مَلَكَ﴾ فعلا ماضيا: أبو حياة، وأبو حنيفة، وجبير بن مطعم، وأبو عاصم، عبيد بن عمير الليثي، وأبو المحشر، عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون اليوم. وذكر ابن عطيّة: أنّ هذه قراءة يحيى بن يعمر، والحسن، وعليّ بن أبي طالب. وقرأ ﴿مالك﴾ بنصب الكاف: الأعمش، وابن السميقع، وعثمان بن أبي سليمان، وعبد الملك قاضي الهند. وذكر ابن عطيّة: أنّها قراءة عمر بن عبد العزيز، وأبي صالح السمان، وأبي عبد الملك الشاميّ. وروى ابن أبي عاصم، عن اليمان ﴿ملكا﴾ بالنصب والتنوين. وقرأ ﴿مالك﴾ برفع الكاف والتنوين: عون العقيليّ، ورويت، عن خلف بن هشام، وأبي عبيد، وأبي حاتم، وبنصب ﴿اليوم﴾. وقرأ ﴿مالك يوم﴾ بالرفع والإضافة: أبو هريرة، وأبو حياة، وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، ونسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح، عون بن
قرأ (١) ﴿مالِكِ﴾ على وزن فاعل بالخفض عاصم، والكسائي، وخلف في اختياره، ويعقوب، وهي قراءة العشرة المبشرة إلّا طلحة، والزبير، وقراءة كثير من الصحابة منهم: أبيّ، وابن مسعود، ومعاذ، وابن عباس، والتابعين منهم: قتادة، والأعمش. وقرأ ملك على وزن فعل بالخفض باقي السبعة، وزيد، وأبو الدرداء، وابن عمر، والمسور، وكثير من الصحابة والتابعين. وقرأ ﴿مَلْكِ﴾ على وزن سهل: أبو هريرة، وعاصم الجحدري، ورواها الجعفي، وعبد الوارث، عن أبي عمرو، وهي لغة بكر بن وائل. وقرأ ﴿ملكي﴾ بإشباع كسرة الكاف: أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع. وقرأ ﴿مِلك﴾ على وزن عجل: أبو عثمان النهدي، والشعبي، وعطيّة، ونسبها ابن عطية إلى أبي حياة. وقال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك، وأبو نوفل، عمر بن مسلم بن أبي عدي ﴿مَلِكَ يوم الدين﴾ بنصب الكاف من غير ألف، وجاء كذلك عن أبي حياة. انتهى. وقرأ كذلك إلّا أنّه رفع الكاف: سعد بن أبي وقاص، وعائشة، ومورّق العجليّ. وقرأ ﴿مَلَكَ﴾ فعلا ماضيا: أبو حياة، وأبو حنيفة، وجبير بن مطعم، وأبو عاصم، عبيد بن عمير الليثي، وأبو المحشر، عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون اليوم. وذكر ابن عطيّة: أنّ هذه قراءة يحيى بن يعمر، والحسن، وعليّ بن أبي طالب. وقرأ ﴿مالك﴾ بنصب الكاف: الأعمش، وابن السميقع، وعثمان بن أبي سليمان، وعبد الملك قاضي الهند. وذكر ابن عطيّة: أنّها قراءة عمر بن عبد العزيز، وأبي صالح السمان، وأبي عبد الملك الشاميّ. وروى ابن أبي عاصم، عن اليمان ﴿ملكا﴾ بالنصب والتنوين. وقرأ ﴿مالك﴾ برفع الكاف والتنوين: عون العقيليّ، ورويت، عن خلف بن هشام، وأبي عبيد، وأبي حاتم، وبنصب ﴿اليوم﴾. وقرأ ﴿مالك يوم﴾ بالرفع والإضافة: أبو هريرة، وأبو حياة، وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، ونسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح، عون بن
(١) البحر المحيط.
67
أبي شدّاد العقيلي ساكن البصرة. وقرأ ﴿مليك﴾ على وزن فعيل: أبيّ، وأبو هريرة، وأبو رجاء العطاردي. وقرأ مالِكِ بالإمالة البليغة: يحيى بن يعمر، وأيوب السختياني، وبين بين: قتيبة بن مهران، عن الكسائي، وجهل أبو علي الفارسيّ النقل في قراءة الإمالة، فقال: لم يمل أحد من القرّاء ألف مالك، وذلك جائز إلّا أنّه لا يقرأ بما يجوز إلّا أن يأتي بذلك أثر مستفيض، وذكر أيضا: أنّه قرىء في الشاذ ﴿ملّاك﴾ بالألف، وتشديد اللام، وكسر الكاف. فهذه ثلاث عشرة قراءة بعضها راجع إلى الملك، وبعضها إلى المالك، وهما راجعان إلى الملك، وهو الربط، ومنه: ملك العجين. ذكره أبو حيان.
٥ - ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾؛ أي: إيّاك لا غير نخصّ بالعبادة، ونوحّدك، ونطيعك خاضعين لك. وفيه (١) التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفائدة ذلك من أوّل السورة إلى هنا ثناء، والثناء في الغيبة أولى، ومن قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ دعاء، والخطاب في الدعاء أولى. وقيل: فيه مضمر تقديره: أي: قولوا إيّاك نعبد؛ أي:
إيّاك نخصّ بالعبادة، ونوحدك، ونطيعك خاضعين لك، والعبادة: أقصى غاية الخضوع والتذلّل، وسمّي العبد عبدا؛ لذلّته وانقياده. وقيل: (٢) العبادة: عبارة عن الفعل الذي يؤدّى به الفرض لتعظيم الله تعالى، فقول العبد: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ معناه: لا أعبد أحدا سواك، والعبادة: غاية التذلّل من العبد، ونهاية التعظيم للرب سبحانه وتعالى؛ لأنّه العظيم المستحقّ للعبادة، ولا تستعمل العبادة إلّا في الخضوع لله تعالى؛ لأنّه مولي أعظم النعم، وهي إيجاد العبد من العدم إلى الوجود، ثمّ هداه إلى دينه فكان العبد حقيقا بالخضوع، والتذلّل له. وقال ابن كثير: والعبادة في الشرع: عبارة عمّا يجمع كمال المحبّة والخضوع. اه.
وعبارة المراغي: والعبادة (٣) خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود اعتقادا بأنّ له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته؛ لأنّه أعلى من أن يحيط به
٥ - ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾؛ أي: إيّاك لا غير نخصّ بالعبادة، ونوحّدك، ونطيعك خاضعين لك. وفيه (١) التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفائدة ذلك من أوّل السورة إلى هنا ثناء، والثناء في الغيبة أولى، ومن قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ دعاء، والخطاب في الدعاء أولى. وقيل: فيه مضمر تقديره: أي: قولوا إيّاك نعبد؛ أي:
إيّاك نخصّ بالعبادة، ونوحدك، ونطيعك خاضعين لك، والعبادة: أقصى غاية الخضوع والتذلّل، وسمّي العبد عبدا؛ لذلّته وانقياده. وقيل: (٢) العبادة: عبارة عن الفعل الذي يؤدّى به الفرض لتعظيم الله تعالى، فقول العبد: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ معناه: لا أعبد أحدا سواك، والعبادة: غاية التذلّل من العبد، ونهاية التعظيم للرب سبحانه وتعالى؛ لأنّه العظيم المستحقّ للعبادة، ولا تستعمل العبادة إلّا في الخضوع لله تعالى؛ لأنّه مولي أعظم النعم، وهي إيجاد العبد من العدم إلى الوجود، ثمّ هداه إلى دينه فكان العبد حقيقا بالخضوع، والتذلّل له. وقال ابن كثير: والعبادة في الشرع: عبارة عمّا يجمع كمال المحبّة والخضوع. اه.
وعبارة المراغي: والعبادة (٣) خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود اعتقادا بأنّ له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته؛ لأنّه أعلى من أن يحيط به
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
68
فكره، أو يرقى إليه إدراكه.
فمن يتذلّل لملك لا يقال: إنّه عبده؛ لأن سبب التذلّل معروف، وهو إما؛ لخوف من جوره وظلمه، وإما؛ رجاء كرمه وجوده. وللعبادة صور وأشكال تختلف باختلاف الأديان والأزمان، وكلّها شرعت؛ لتنبيه الإنسان إلى ذلك السلطان الأعلى، والملكوت الأسمى؛ ولتقويم المعوجّ من الأخلاق، وتهذيب النفوس، فإن لم تحدث هذا الأثر لم تكن هي العبادة التي شرعها الدين.
هاك الصلاة: هب أنّ الله أمرنا بإقامتها، والإتيان بها كاملة، وجعل من آثارها: أنّها تنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، فإن لم يكن لها هذا الأثر في النفوس، كانت صورا من الحركات والعبارات، خالية من روح العبادة وسرّها، فاقدة جلالها وكمالها، وقد توعّد الله سبحانه فاعلها بالويل والثبور، فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾، فهم وإن سمّاهم مصلّين لأنهم أتوا بصورة الصلاة، وصفهم بالسهو عن حقيقتها ولبّها؛ وهو توجّه القلب إلى الله والإخبات إليه، وهو المشعر بعظمته. وفي الحديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلّا بعدا». وأنّها «تلفّ كما يلّف الثوب البالي، ويضرب بها وجهه».
﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي (١): منك لا من غيرك نطلب المعونة على عبادتك، وعلي جميع أمورنا دينا ودنيا. فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة، وما الحكمة فيه؟
قلنا: قدّمت العبادة على الاستعانة؛ لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة، أو قدّمها؛ لرعاية الفاصلة كما قدّم الرحمن، وإن كان الأبلغ لا يقدّم. اه. «نسفي».
وعبارة «الخازن» هنا: فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل
فمن يتذلّل لملك لا يقال: إنّه عبده؛ لأن سبب التذلّل معروف، وهو إما؛ لخوف من جوره وظلمه، وإما؛ رجاء كرمه وجوده. وللعبادة صور وأشكال تختلف باختلاف الأديان والأزمان، وكلّها شرعت؛ لتنبيه الإنسان إلى ذلك السلطان الأعلى، والملكوت الأسمى؛ ولتقويم المعوجّ من الأخلاق، وتهذيب النفوس، فإن لم تحدث هذا الأثر لم تكن هي العبادة التي شرعها الدين.
هاك الصلاة: هب أنّ الله أمرنا بإقامتها، والإتيان بها كاملة، وجعل من آثارها: أنّها تنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، فإن لم يكن لها هذا الأثر في النفوس، كانت صورا من الحركات والعبارات، خالية من روح العبادة وسرّها، فاقدة جلالها وكمالها، وقد توعّد الله سبحانه فاعلها بالويل والثبور، فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾، فهم وإن سمّاهم مصلّين لأنهم أتوا بصورة الصلاة، وصفهم بالسهو عن حقيقتها ولبّها؛ وهو توجّه القلب إلى الله والإخبات إليه، وهو المشعر بعظمته. وفي الحديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلّا بعدا». وأنّها «تلفّ كما يلّف الثوب البالي، ويضرب بها وجهه».
﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي (١): منك لا من غيرك نطلب المعونة على عبادتك، وعلي جميع أمورنا دينا ودنيا. فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة، وما الحكمة فيه؟
قلنا: قدّمت العبادة على الاستعانة؛ لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة، أو قدّمها؛ لرعاية الفاصلة كما قدّم الرحمن، وإن كان الأبلغ لا يقدّم. اه. «نسفي».
وعبارة «الخازن» هنا: فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل
(١) النسفي.
69
الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة؟
قلت: ذكروا فيه وجوها:
أحدها: أنّ هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، ونحن بحمد الله نجعل التوفيق والاستطاعة مع الفعل، فلا فرق بين التقديم والتأخير.
الثاني: أنّ الاستعانة نوع تعبّد، فكأنّه ذكر جملة العبادة أولا، ثمّ ذكر ما هو من تفاصيلها ثانيا.
الثالث: كأنّ العبد يقول: شرعت في العبادة فأنا أستعين بك على إتمامها، فلا يمنعني من إتمامها مانع.
والرابع: أنّ العبد إذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ حصل له الفخر، وذلك منزلة عظيمة، فيحصل بذلك العجب، فأردف ذلك بقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة.
وفي «النسفي»: وأطلقت الاستعانة؛ لتتناول كلّ مستعان فيه، ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات، ويكون قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ﴾ بيانا للمطلوب منه المعونة، فكأنّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ...﴾ الخ. اه.
والمجيء بالنون في الفعلين (١)؛ لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد. وقيل: إنّ المقام لمّا كان عظيما، لم يستقلّ به الواحد؛ استقصارا لنفسه، واستصغارا لها، فالمجيء بالنون؛ لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، وتقديم المعمول على العامل في الفعلين؛ لقصد الاختصاص. وقيل:
للاهتمام، والصواب أنّه لهما، ولا تزاحم بين المقتضيات.
وكرّر (٢) ﴿إِيَّاكَ﴾ للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة أيضا، والاستعانة: طلب العون، ويعدّى بالباء وبنفسه؛ أي: نطلب العون على عبادتك،
قلت: ذكروا فيه وجوها:
أحدها: أنّ هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، ونحن بحمد الله نجعل التوفيق والاستطاعة مع الفعل، فلا فرق بين التقديم والتأخير.
الثاني: أنّ الاستعانة نوع تعبّد، فكأنّه ذكر جملة العبادة أولا، ثمّ ذكر ما هو من تفاصيلها ثانيا.
الثالث: كأنّ العبد يقول: شرعت في العبادة فأنا أستعين بك على إتمامها، فلا يمنعني من إتمامها مانع.
والرابع: أنّ العبد إذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ حصل له الفخر، وذلك منزلة عظيمة، فيحصل بذلك العجب، فأردف ذلك بقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة.
وفي «النسفي»: وأطلقت الاستعانة؛ لتتناول كلّ مستعان فيه، ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات، ويكون قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ﴾ بيانا للمطلوب منه المعونة، فكأنّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ...﴾ الخ. اه.
والمجيء بالنون في الفعلين (١)؛ لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد. وقيل: إنّ المقام لمّا كان عظيما، لم يستقلّ به الواحد؛ استقصارا لنفسه، واستصغارا لها، فالمجيء بالنون؛ لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، وتقديم المعمول على العامل في الفعلين؛ لقصد الاختصاص. وقيل:
للاهتمام، والصواب أنّه لهما، ولا تزاحم بين المقتضيات.
وكرّر (٢) ﴿إِيَّاكَ﴾ للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة أيضا، والاستعانة: طلب العون، ويعدّى بالباء وبنفسه؛ أي: نطلب العون على عبادتك،
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
70
أو على ما لا طاقة لنا به، أو على محاربة الشيطان المانع من عبادتك، أو في أمورنا بما يصلحنا في ديننا ودنيانا، والجامع للأقاويل: نسألك أن تعيننا على أداء الحقّ وإقامة الفروض، وتحمّل المكاره وطلب المصالح. والضمير المستكن في ﴿نَعْبُدُ﴾، وكذا في ﴿نَسْتَعِينُ﴾ للقارىء، ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة، أو له ولسائر الموحدين، أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، وخلط حاجته بحاجتهم، لعلّها تقبل ببركتها، وتجاب، ولهذا شرعت الجماعة.
ثمّ قوله ﴿نَعْبُدُ﴾ يحتمل أن يكون من العبادة، كما عليه تفسيرنا السابق، أو من العبودة. والعبادة: هي العابدية، والعبودة: هي العبدية، فمن العبادة: الصلاة بلا غفلة، والصوم بلا غيبة، والصدقة بلا منّة، والحج بلا إراءة، والغزو بلا سمعة، والعتق بلا أذيّة، والذّكر بلا ملالة، وسائر الطاعات بلا آفة. ومن العبودة: الرضى بلا خصومة، والصبر بلا شكاية، واليقين بلا شبهة، والشهود بلا غيبة، والإقبال بلا رجعة، والإيصال بلا قطيعة.
وخلاصة ما في الآية: أنّ الله سبحانه وتعالى (١) قد أمرنا أن لا نعبد أحدا سواه. لأنّه المنفرد بالسلطان، فلا ينبغي أن يشاركه في العبادة سواه، ولا أن يعظم تعظيم المعبود غيره، كما أمرنا أن لا نستعين بمن دونه، ولا نطلب المعونة المتّمّمة للعمل، والموصلة إلى الثمرة المرجوّة إلّا منه فيما وراء الأسباب التي يمكننا كسبها وتحصيلها.
بيان هذا: أنّ الأعمال يتوقّف نجاحها على أسباب ربطتها الحكمة الإلهية بمسبّباتها، وجعلتها موصلة إليها، وعلى انتفاء موانع من شأنها أن تحول دونها، وقد أوتي الإنسان بما فطره الله عليه من العلم والمعرفة، كسب بعض الأسباب، ودفع بعض الموانع بقدر استعداده الذي أوتيه، وفي هذا القدر أمرنا أن نتعاون، ويساعد بعضنا بعضا، كما قال تعالى: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى
ثمّ قوله ﴿نَعْبُدُ﴾ يحتمل أن يكون من العبادة، كما عليه تفسيرنا السابق، أو من العبودة. والعبادة: هي العابدية، والعبودة: هي العبدية، فمن العبادة: الصلاة بلا غفلة، والصوم بلا غيبة، والصدقة بلا منّة، والحج بلا إراءة، والغزو بلا سمعة، والعتق بلا أذيّة، والذّكر بلا ملالة، وسائر الطاعات بلا آفة. ومن العبودة: الرضى بلا خصومة، والصبر بلا شكاية، واليقين بلا شبهة، والشهود بلا غيبة، والإقبال بلا رجعة، والإيصال بلا قطيعة.
وخلاصة ما في الآية: أنّ الله سبحانه وتعالى (١) قد أمرنا أن لا نعبد أحدا سواه. لأنّه المنفرد بالسلطان، فلا ينبغي أن يشاركه في العبادة سواه، ولا أن يعظم تعظيم المعبود غيره، كما أمرنا أن لا نستعين بمن دونه، ولا نطلب المعونة المتّمّمة للعمل، والموصلة إلى الثمرة المرجوّة إلّا منه فيما وراء الأسباب التي يمكننا كسبها وتحصيلها.
بيان هذا: أنّ الأعمال يتوقّف نجاحها على أسباب ربطتها الحكمة الإلهية بمسبّباتها، وجعلتها موصلة إليها، وعلى انتفاء موانع من شأنها أن تحول دونها، وقد أوتي الإنسان بما فطره الله عليه من العلم والمعرفة، كسب بعض الأسباب، ودفع بعض الموانع بقدر استعداده الذي أوتيه، وفي هذا القدر أمرنا أن نتعاون، ويساعد بعضنا بعضا، كما قال تعالى: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى
(١) المراغي.
71
الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}. فنحن نحضر الدواء مثلا؛ لشفاء المرضى، ونجلب السلاح والكراع، ونكثر الجند؛ لغلب العدوّ، ونضع في الأرض السماد، ونرويها ونقتلع منها الحشائش الضارّة؛ للخصب وتكثير الغلّة.
وفيما وراء ذلك مما حجب عنّا من الأسباب: يجب أن نفوّض أمره إلى الله تعالى، فنستعين به وحده، ونفزع إليه في شفاء مريضنا، ونصرنا على عدونا، ورفع الجوائح السماوية والأرضية عن مزارعنا، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه، وهو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا، كما قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وأرشد إلى أنّه قريب منّا، يسمع دعاءنا، كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
وفي ذكر الاستعانة بالله: إرشاد للإنسان إلى أنّه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب، فمن ترك الكسب فقد خالف الفطرة، ونبذ هدي الشريعة، وأصبح مذموما مدحورا لا متوكلا محمودا، وكذلك فيها إيماء إلى أنّ الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، وحسن التدبير، وتقليب الأمور على وجوهها، لا يستغني عن العون الإلهيّ، واللطف الخفي.
والاستعانة (١) بهذا المعنى ترادف التوكّل على الله، وهي من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى، وبها يكون المرء مع الله عبدا خاضعا مخبتا، ومع الناس حرّا كريما لا سلطان لأحد عليه لا حيّ ولا ميّت، وفي هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء، والدجّالين المخرّفين، وإطلاق العزائم من قيود الأفاكين الكاذبين.
إيّا (٢): تلحقه ياء المتكلم، وكاف المخاطب، وهاء الغائب، وفروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف، خلافا لزاعمه، وهل الضمير
وفيما وراء ذلك مما حجب عنّا من الأسباب: يجب أن نفوّض أمره إلى الله تعالى، فنستعين به وحده، ونفزع إليه في شفاء مريضنا، ونصرنا على عدونا، ورفع الجوائح السماوية والأرضية عن مزارعنا، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه، وهو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا، كما قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وأرشد إلى أنّه قريب منّا، يسمع دعاءنا، كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
وفي ذكر الاستعانة بالله: إرشاد للإنسان إلى أنّه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب، فمن ترك الكسب فقد خالف الفطرة، ونبذ هدي الشريعة، وأصبح مذموما مدحورا لا متوكلا محمودا، وكذلك فيها إيماء إلى أنّ الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، وحسن التدبير، وتقليب الأمور على وجوهها، لا يستغني عن العون الإلهيّ، واللطف الخفي.
والاستعانة (١) بهذا المعنى ترادف التوكّل على الله، وهي من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى، وبها يكون المرء مع الله عبدا خاضعا مخبتا، ومع الناس حرّا كريما لا سلطان لأحد عليه لا حيّ ولا ميّت، وفي هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء، والدجّالين المخرّفين، وإطلاق العزائم من قيود الأفاكين الكاذبين.
إيّا (٢): تلحقه ياء المتكلم، وكاف المخاطب، وهاء الغائب، وفروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف، خلافا لزاعمه، وهل الضمير
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
72
هو مع لواحقه، أو هو وحده واللواحق حروف تبيّن المراد به؟ أو هو واللواحق أسماء أضيف هو إليها، أو اللواحق وحدها، وإيّا زائدة لتتصل بها الضمائر.
أقوال ذكرت في كتب النحو.
وأما لغاته: فبكسر الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الجمهور، وبفتح الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الفضل الرقاشيّ، وبكسر الهمزة وتخفيف الياء، وبها قرأ عمرو بن فائد، عن أبيّ، وبإبدال الهمزة المكسورة هاء، وبإبدال الهمزة المفتوحة هاء، وبذلك قرأ ابن السوّار الغنويّ، وذهاب أبي عبيدة إلى أنّ (إيّا) مشتق ضعيف، وكان أبو عبيدة لا يحسن النّحو، وإن كان إماما في اللّغات وأيّام العرب.
وإضافة (إيّا) إلى الظاهر نادر، نحو: وإيّا الشوابّ، أو ضرورة، نحو: دعني وإيّا خالد، واستعماله تحذيرا معروف، وإياك والأسد. وقرأ الحسن، وأبو مجلز، وأبو المتوكل ﴿إيّاك يعبد﴾ بالياء مبنيا للمفعول، وهذه القراءة مشكلة؛ لأنّ إيّاك ضمير نصب ولا ناصب له، وتوجيهها أنّ فيها استعارة والتفاتا، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنّه قال: أنت، ثمّ التفت فأخبر عنه إخبار الغائب؛ لمّا كان ﴿إِيَّاكَ﴾ هو الغائب من حيث المعنى فقال: يعبد، فكأنّه قيل: هو يعبد؛ أي: ربّ العالمين الموصوف بما ذكر يعبد، وغرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة.
وعن بعض أهل مكة ﴿نَعْبُدُ﴾ بإسكان الدال. وقرأ زيد بن عليّ، ويحيى بن وثّاب، وعبيد بن عمير الليثيّ ﴿ونِعبد﴾ بكسر النون. وقرأ الجمهور ﴿نَسْتَعِينُ﴾ بفتح النون الأولى، وهي لغة الحجاز، وهي الفصحى. وقرأ عبيد بن عمير الليثيّ، وزرّ بن حبيش، ويحيى بن وثّاب، والنخعيّ، والأعمش بكسرها، وهي لغة قيس، وتميم، وأسد، وربيعة، وكذلك حكم حرف المضارعة في هذا الفعل وما أشبهه. وقال أبو جعفر الطّوسيّ: هي لغة هذيل. وانقلاب الواو ألفا في استعان ومستعان وياء في نستعين ومستعين والحذف في الاستعانة مذكور في علم التصريف، فراجعه.
أقوال ذكرت في كتب النحو.
وأما لغاته: فبكسر الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الجمهور، وبفتح الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الفضل الرقاشيّ، وبكسر الهمزة وتخفيف الياء، وبها قرأ عمرو بن فائد، عن أبيّ، وبإبدال الهمزة المكسورة هاء، وبإبدال الهمزة المفتوحة هاء، وبذلك قرأ ابن السوّار الغنويّ، وذهاب أبي عبيدة إلى أنّ (إيّا) مشتق ضعيف، وكان أبو عبيدة لا يحسن النّحو، وإن كان إماما في اللّغات وأيّام العرب.
وإضافة (إيّا) إلى الظاهر نادر، نحو: وإيّا الشوابّ، أو ضرورة، نحو: دعني وإيّا خالد، واستعماله تحذيرا معروف، وإياك والأسد. وقرأ الحسن، وأبو مجلز، وأبو المتوكل ﴿إيّاك يعبد﴾ بالياء مبنيا للمفعول، وهذه القراءة مشكلة؛ لأنّ إيّاك ضمير نصب ولا ناصب له، وتوجيهها أنّ فيها استعارة والتفاتا، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنّه قال: أنت، ثمّ التفت فأخبر عنه إخبار الغائب؛ لمّا كان ﴿إِيَّاكَ﴾ هو الغائب من حيث المعنى فقال: يعبد، فكأنّه قيل: هو يعبد؛ أي: ربّ العالمين الموصوف بما ذكر يعبد، وغرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة.
وعن بعض أهل مكة ﴿نَعْبُدُ﴾ بإسكان الدال. وقرأ زيد بن عليّ، ويحيى بن وثّاب، وعبيد بن عمير الليثيّ ﴿ونِعبد﴾ بكسر النون. وقرأ الجمهور ﴿نَسْتَعِينُ﴾ بفتح النون الأولى، وهي لغة الحجاز، وهي الفصحى. وقرأ عبيد بن عمير الليثيّ، وزرّ بن حبيش، ويحيى بن وثّاب، والنخعيّ، والأعمش بكسرها، وهي لغة قيس، وتميم، وأسد، وربيعة، وكذلك حكم حرف المضارعة في هذا الفعل وما أشبهه. وقال أبو جعفر الطّوسيّ: هي لغة هذيل. وانقلاب الواو ألفا في استعان ومستعان وياء في نستعين ومستعين والحذف في الاستعانة مذكور في علم التصريف، فراجعه.
73
وكرر ﴿إِيَّاكَ﴾ ليكون كلّ من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين، وكلّ منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه، بخلاف ما لو قال: إيّاك نعبد ونستعين، فإنّه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب العون؛ أي: وليطلب العون من غير أن يعيّن ممن يطلب منه، وفي قوله: ﴿نَعْبُدُ﴾ قالوا: ردّ على الجبرية، وفي ﴿نَسْتَعِينُ﴾ ردّ على القدرية، وقالوا: في قوله: ﴿إِيَّاكَ﴾ ردّ على الدهرية، والمعطلة، والمنكرين لوجود الصانع، فإنه خطاب لموجود حاضر، والله أعلم بأسرار كتابه.
٦ - ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، أي: أرشدنا إلى الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه، الذي هو دين الإسلام، وثبتنا على المنهاج الواضح الذي رضيته لنا، وهذا بيان للمعونة المطلوبة أوّلا، فكأنّه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا.
وإفراد لما هو المقصود الأعظم الذي هو الهداية وهي الدلالة بلطف.
والمراد زدنا هداية إليه، أو أدمنا مهديّين إليه، وإلا فنحن مهديّون بحمد الله تعالى. وفي «السمين»: وأصل هدى أن يتعدّى إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجرّ، وهو إمّا إلى أو اللام، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، ثمّ قد يتّبع فيه، فيحذف الحرف فيتعدى للثاني بنفسه، كما هنا، فأصل ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ﴾: اهدنا للصراط، أو إلى الصراط، ثم حذف الحرف ووصل الفعل إلى المفعول بنفسه، ووزن اهد: إفع، حذفت لامه وهي الياء؛ حملا للأمر على المضارع المجزوم، والمجزوم تحذف لامه إذا كان حرف علّة. والهداية: الإرشاد، والدلالة، والتبيين، كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ أي: بيّنا لهم، والإلهام: كقوله: ﴿الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾؛ أي: ألهمه لمصالحه، والدعاء: كقوله: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾؛ أي:
داع. وقال الراغب: الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهديّة؛ لأنّها تمال من مالك إلى مالك. والصراط: الطريق المستهل، وبعضهم لا يقيده بالمستهل، ومنه قول جرير:
٦ - ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، أي: أرشدنا إلى الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه، الذي هو دين الإسلام، وثبتنا على المنهاج الواضح الذي رضيته لنا، وهذا بيان للمعونة المطلوبة أوّلا، فكأنّه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا.
وإفراد لما هو المقصود الأعظم الذي هو الهداية وهي الدلالة بلطف.
والمراد زدنا هداية إليه، أو أدمنا مهديّين إليه، وإلا فنحن مهديّون بحمد الله تعالى. وفي «السمين»: وأصل هدى أن يتعدّى إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجرّ، وهو إمّا إلى أو اللام، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، ثمّ قد يتّبع فيه، فيحذف الحرف فيتعدى للثاني بنفسه، كما هنا، فأصل ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ﴾: اهدنا للصراط، أو إلى الصراط، ثم حذف الحرف ووصل الفعل إلى المفعول بنفسه، ووزن اهد: إفع، حذفت لامه وهي الياء؛ حملا للأمر على المضارع المجزوم، والمجزوم تحذف لامه إذا كان حرف علّة. والهداية: الإرشاد، والدلالة، والتبيين، كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ أي: بيّنا لهم، والإلهام: كقوله: ﴿الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾؛ أي: ألهمه لمصالحه، والدعاء: كقوله: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾؛ أي:
داع. وقال الراغب: الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهديّة؛ لأنّها تمال من مالك إلى مالك. والصراط: الطريق المستهل، وبعضهم لا يقيده بالمستهل، ومنه قول جرير: