تفسير سورة العصر

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة العصر من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية، قاله ابن عباس والجمهور. وقيل : هي مدنية، وهي ثلاث آيات، وأربع عشرة كلمة، وثمانية وستون حرفا.

سورة العصر
مكية قاله ابن عباس والجمهور وقيل هي مدنية وهي ثلاث آيات وأربع عشر كلمة وثمانية وستون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة العصر (١٠٣): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)
قوله عزّ وجلّ: وَالْعَصْرِ قال ابن عباس: هو الدّهر قيل أقسم الله به لما فيه من العبر، والعجائب للنّاظر وقد ورد في الحديث «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» وذلك لأنهم كانوا يضيفون النّوائب والنّوازل إلى الدهر، فأقسم به تنبيها على شرفه وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النّوائب والنّوازل كان بقضاء الله وقدره، وقيل تقديره ورب العصر، وقيل أراد بالعصر اللّيل والنّهار لأنهما يقال لهما العصران، فنبه على شرف الليل والنهار لأنهما خزانتان لأعمال العباد، وقيل أراد بالعصر آخر طرفي النهار أقسم بالعشي كما أقسم بالضّحى، وقيل أراد صلاة العصر أقسم بها لشرفها ولأنها الصّلاة الوسطى في قول بدليل قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى لما قيل هي صلاة العصر والذي في مصحف عائشة رضي الله عنها وحفصة والصّلاة الوسطى صلاة العصر وفي الصحيحين «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر» وقال صلّى الله عليه وسلّم «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»، وقيل أراد بالعصر زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ نبه بذلك على أنه زمانه أفضل الأزمان وأشرفها، وجواب القسم قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أي لفي خسران ونقصان قيل أراد بالإنسان جنس الإنسان بدليل قولهم كثر الدرهم في أيدي الناس أي الدرهم وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران، لأن الخسران هو تضييع عمره وذلك لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون تلك السّاعة في طاعة أو معصية، فإن كانت في معصية فهو الخسران المبين الظاهر وإن كانت في طاعة، فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان بها فكان فعل غير الأفضل تضييعا وخسرانا، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران، وقيل إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة وحبها والإعراض عن الدّنيا ثم إن الأسباب الداعية إلى حب الآخرة خفية، والأسباب الدّاعية إلى حب الدّنيا ظاهرة، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدّنيا مستغرقين في طلبها، فكانوا في خسار وبوار قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم، وقيل أراد بالإنسان الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين فقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني فإنهم ليسوا في خسر، والمعنى أن كل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله تعالى فهو في
466
صلاح وخير وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك. وَتَواصَوْا أي أوصى بعض المؤمنين بعضا بِالْحَقِّ يعني بالقرآن والعمل بما فيه، وقيل بالإيمان والتّوحيد وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ أي على أداء الفرائض وإقامة أمر الله وحدوده، وقيل أراد أن الإنسان إذا عمر في الدّنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا الذين آمنوا، وعملوا الصّالحات فإنهم تكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم وهي مثل قوله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ والله سبحانه وتعالى أعلم.
467
وجواب القسم قوله تعالى :﴿ إن الإنسان لفي خسر ﴾ أي لفي خسران ونقصان. قيل : أراد بالإنسان جنس الإنسان، بدليل قولهم : كثر الدرهم في أيدي الناس، أي الدراهم، وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران ؛ لأن الخسران هو تضييع عمره، وذلك لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون تلك السّاعة في طاعة أو معصية، فإن كانت في معصية فهو الخسران المبين الظاهر، وإن كانت في طاعة فلعل غيرها أفضل، وهو قادر على الإتيان بها، فكان فعل غير الأفضل تضييعاً وخسراناً، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران. وقيل : إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة وحبها والإعراض عن الدّنيا، ثم إن الأسباب الداعية إلى حب الآخرة خفية، والأسباب الدّاعية إلى حب الدّنيا ظاهرة، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدّنيا، مستغرقين في طلبها، فكانوا في خسار وبوار، قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم. وقيل : أراد بالإنسان الكافر، بدليل أنه استثنى المؤمنين فقال تعالى :﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ﴾.
فقال تعالى :﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ﴾ يعني فإنهم ليسوا في خسر، والمعنى أن كل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله تعالى فهو في صلاح وخير، وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك. ﴿ وتواصوا ﴾ أي أوصى بعض المؤمنين بعضاً ﴿ بالحق ﴾ يعني بالقرآن والعمل بما فيه، وقيل : بالإيمان والتّوحيد ﴿ وتواصوا بالصبر ﴾ أي على أداء الفرائض، وإقامة أمر الله وحدوده، وقيل : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدّنيا وهرم لفي نقص وتراجع، إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات، فإنهم تكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم، وهي مثل قوله :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجر غير ممنون ﴾[ التين : ٤-٦ ] والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon