تفسير سورة الجمعة

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة الجمعة
قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم)
قال ابن كثير: يخبر تعالى انه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، أي: من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها، كما قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده).
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة، حدثنا الأسود بن قيس، حدثنا سعيد ابن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا". يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
(الصحيح ٤/١٥١- ك الصوم، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نكتب ولا نحسب" ح ١٩١٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) قال: كان هذا الحي من العرب أمة أمية، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدا رحمة وهدى يهديهم به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي: السنة.
قوله تعالى (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " كنا جلوسا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأُنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم) قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يُراجعْه حتى سأل ثلاثا- وفينا سلمان الفارسي، وَضَعَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على سلمان- ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال- أو رجل من هؤلاء".
(الصحيح ٨/٥١٠- ك التفسير- سورة الجمعة، (الآية) ح ٤٨٩٧)، (وصحيح مسلم ٤/١٩٧٢-١٩٧٣- ك فضائل الصحابة، ب فضل فارس بنحوه).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم.
قال ابن أبي عاصم: ثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا أبو محمد عيسى بن موسى، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال رجالا ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرأ: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم".
وصحح إسناده الألباني (السنة ١/١٣٤ ح ٣٠٩)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد (مجمع الزوائد ١٠/٤٠٨).
قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يحمل أسفارا) قال: يحمل كتبا لا يدرى ما فيها، ولا يعقلها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (كمثل الحمار يحمل أسفارا) يقول: كتبا. والأسفار: جمع سفر، وهي الكتب العظام.
قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
قال ابن كثير: أي: إن كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين (إن كنتم صادقين) فيما تزعمونه. قال الله تعالى (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) أي: بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور (والله عليم بالظالمين). وقد قدمنا في سورة البقرة الكلام على هذه المباهلة لليهود، حيث قال تعالى (قل إن كانت لكم
الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين. ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون).
قال ابن كثير: وقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون). كقوله تعالى في سورة النساء (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله)
قال البخاري: حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: "كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فلما كان عثمان - رضي الله عنه - وكثر الناس - زاد النداءَ الثالث على الزوراء".
(الصحيح ٢/٤٥٧- ك الجمعة، ب الأذان يوم الجمعة ح ٩١٢).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن سُمّى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
(الصحيح ٢/٤٢٥-٤٢٦- ك الجمعة، ب فضل الجمعة ح ٨٨١).
وانظر حديث أبي هريرة المتقدم في تفسير سورة البقرة آية (٢١٣) وهو حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة... ".
قال البخاري: حدثنا مسدد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: أخبرنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم: "في يوم الجمعة ساعة لا يُوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه. وقال بيده، قلنا: يُقللها، يُزهّدها".
(الصحيح ١١/٢٠٢- ك الدعوات، ب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة ح ٦٤٠٠)، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الجمعة، ب في الساعة التي في يوم الجمعة ح ٨٢٥).
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أنا ابن جريج: أخبرني العلاء ابن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي عبد الله إسحاق أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طائرا وكرجل قدم بيضة فإذا قعد الإمام طويت الصحف".
(المسند ٢/٢٧٢)، وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح ٣/١١٤ ح ١٧٢٧- ك الجمعة، ب ذكر فضل يوم الجمعة…) وقال محققه: إسناده صحيح.
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا الحسين بن علي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خلق آدم.
وفيه النفخة. وفيه الصعقة. فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ". فقال رجل: يا رسول الله! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني بليت؟ فقال: "إن الله قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
(السنن - إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في فضل الجمعة ح ١٠٨٥- الجنائز، ب ذكر وفاته
ودفنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ١٦٣٦) وفيه عن أوس بن أوس وهو الصواب كما سبق. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من طريق الحسين بن علي به على الصواب (المسند ٤/٨)، (السنن - الوتر، ب ما جاء في الاستغفار)، (السنن - الجمعة، ب إكثار الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة ٣/٩١، ٩٢)، قال ابن كثير: وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والنووي في الأذكار (التفسير ٦/٤٦٤)، وقال الألبانى: صحيح (صحيح ابن ماجة ١/١٧٩).
488
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) والسعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) قال: النداء عند الذكر عزيمة.
قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
قال البخاري: حدثني حفص بن عمر، حدثنا خالد بن عبد الله: حدثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أقبلتْ عيرّ يوم الجمعة - ونحن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فثار الناسُ إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها).
(الصحيح ٨/٥١١ - ك التفسير- سورة الجمعة ح ٤٨٩٩)، ومسلم (الصحيح ٥٩٠٢ ح ٨٦٣- ك الجمعة، ب في قوله تعالى (الآية) نحوه).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة.
قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن".
(الصحيح ٢/٩٢٠- ك الجمعة، ب الخطبة قائماً ح ٩٢٠).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: اللهو: الطبل.
489
Icon