ويقال سورة سبّح : هي تسع عشرة آية وهي مكية في قول الجمهور. وقال الضحاك : هي مدنية. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله. وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال :«أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فما جاء حتى قرأت ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ في سورة مثلها ». وأخرج أحمد والبزار وابن مردويه عن علي قال :«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة :﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ ». أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾، و﴿ هل أتاك حديث الغاشية ﴾، وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعاً » وفي لفظ «وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما » وفي الباب أحاديث. وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يقرأ في الظهر ب ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ ». وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال :«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾، و﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾، و﴿ قل هو الله أحد ﴾ ». وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح، وفي الثانية ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾، وفي الثالثة ﴿ قل هو الله أحد ﴾ والمعوذتين »، وفي الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : هلا صليت ب ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾، ﴿ والشمس وضحاها ﴾، ﴿ والليل إذا يغشى ﴾ ».
ﰡ
ويقال: سورة سبّح، وهي تسع عشرة آية وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عمير وابن أمّ مكتوم، فجعلا يقرئاننا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور مِثْلِهَا». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. وأخرجه أحمد عن وكيع عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن عليّ. وأخرج أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَرَأَهُمَا جَمِيعًا» وَفِي لَفْظٍ «وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَرَأَهُمَا» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى».
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوَتْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِسَبِّحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ: «هَلَّا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ١٩]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا | وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ |
قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا | سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا تَكْبِيرًا |
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: قَدَّرَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ، وَهَدَى لِلرُّشْدِ وَالضَّلَالَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاعِيهَا. وَقِيلَ: قَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ وَأَقْوَاتَهُمْ، وَهَدَاهُمْ لِمَعَايِشِهِمْ إِنْ كَانُوا إِنْسًا، وَلِمَرَاعِيهِمْ إِنْ كَانُوا وَحْشًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: جُعِلَ لِكُلِّ دَابَّةٍ مَا يُصْلِحُهَا وَهَدَاهَا لَهُ. وَقِيلَ: خَلَقَ الْمَنَافِعَ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهَدَى الْإِنْسَانَ لِوَجْهِ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَدَّرَ مُدَّةَ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، ثُمَّ هَدَاهُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الرَّحِمِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: قَدَّرَ فَهَدَى وَأَضَلَّ، فَاكْتُفِيَ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا. وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَعْيِينِ فَرْدٍ أَوْ أَفْرَادٍ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَدَّرَ وَهَدَى إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ، إِمَّا عَلَى الْبَدَلِ أَوْ عَلَى الشُّمُولِ، وَالْمَعْنَى: قَدَّرَ أَجْنَاسَ الْأَشْيَاءِ وَأَنْوَاعَهَا وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالَهَا وَأَقْوَالَهَا وَآجَالَهَا، فَهَدَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى مَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي لَهُ، وَيَسَّرَهُ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَلْهَمَهُ إِلَى أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى صِفَةٌ أُخْرَى لِلرَّبِّ، أَيْ: أَنْبَتَ الْعُشْبَ وَمَا تَرْعَاهُ النَّعَمُ مِنَ النَّبَاتِ الْأَخْضَرِ فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى أَيْ: فَجَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَخْضَرَ غُثَاءً، أَيْ: هَشِيمًا جَافًّا كَالْغُثَاءِ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ السَّيْلِ، أَحَوَى: أَيِ: أَسْوَدَ بَعْدَ اخْضِرَارِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَأَ إِذَا يَبِسَ اسْوَدَّ. قَالَ قَتَادَةُ: الْغُثَاءُ:
الشَّيْءُ الْيَابِسُ، وَيُقَالُ لِلْبَقْلِ وَالْحَشِيشِ إِذَا انْحَطَمَ وَيَبِسَ: غُثَاءٌ وَهَشِيمٌ. قال امرؤ القيس:
كأنّ ذرا رأس المجيمر غدوة | من السّيل والأغثاء فلكة مغزل «١» |
لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةُ لعس | وفي اللّثات وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ «١» |
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ لَمْ يَفْرَغْ جِبْرِيلُ مِنْ آخِرِ الْآيَةِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَّلِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا، فَنَزَلَتْ: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْمَفَاعِيلِ، أَيْ: لَا تَنْسَى مِمَّا تَقْرَؤُهُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَنْسَاهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ لَمْ يَشَأْ سُبْحَانَهُ أَنْ يَنْسَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَقَوْلِهِ: خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ «٢» وَقِيلَ: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَنْسَى ثُمَّ تَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَنْ قَدْ نَسِيَ وَلَكِنَّهُ يَتَذَكَّرُ وَلَا يَنْسَى شَيْئًا نِسْيَانًا كُلِّيًّا. وَقِيلَ بِمَعْنَى النَّسْخِ: أَيْ إِلَّا مَا شَاءَ الله أن ينسخه مما نسخ تِلَاوَتَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى فَلَا تَنْسَى: فَلَا تَتْرُكِ الْعَمَلَ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَهُ لِنَسْخِهِ وَرَفْعِ حُكْمِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إِنْزَالَهُ. وَقِيلَ: «لَا» فِي قَوْلِهِ:
فَلا تَنْسى لِلنَّهْيِ. وَالْأَلِفُ مَزِيدَةٌ لِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا «٣» يَعْنِي فَلَا تَغْفُلْ قِرَاءَتَهُ وَتَذَكَّرْهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: يَعْلَمُ مَا ظَهَرَ وَمَا بَطَّنَ وَالْإِعْلَانَ وَالْإِسْرَارَ، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَا قِيلَ إِنَّ الْجَهْرَ مَا حَفِظَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَمَا يَخْفَى هُوَ مَا نُسِخَ مِنْ صَدْرِهِ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ أَيْضًا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْجَهْرَ: هُوَ إِعْلَانُ الصَّدَقَةِ، وَمَا يَخْفَى، هُوَ إِخْفَاؤُهَا، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ أَيْضًا مَا قِيلَ: إِنَّ الْجَهْرَ جَهْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ مَعَ قِرَاءَةِ جِبْرِيلَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَفَلَّتَ عَلَيْهِ، وَمَا يَخْفَى مَا فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَدْعُوهُ إِلَى الْجَهْرِ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى مَعْطُوفٌ عَلَى «سَنُقْرِئُكَ»، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: أَيْ نُهَوِّنُ عَلَيْكَ عَمَلَ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: نُوَفِّقُكَ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ، وَقِيلَ: لِلشَّرِيعَةِ الْيُسْرَى، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّهْلَةُ، وَقِيلَ: نُهَوِّنُ عَلَيْكَ الْوَحْيَ حَتَّى تَحْفَظَهُ وَتَعْمَلَ له، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ، أَيْ: نُوَفِّقُكَ لِلطَّرِيقَةِ الْيُسْرَى فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهِمَا الَّتِي تَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى أَيْ: عِظْ يَا مُحَمَّدُ النَّاسَ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَأَرْشِدْهُمْ إِلَى سُبُلِ الْخَيْرِ وَاهْدِهِمْ إِلَى شَرَائِعِ الدِّينِ. قَالَ الْحَسَنُ: تَذْكِرَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَحُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: إن نفعت أو لم تنفع، لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث مبلّغا للإعذار والإنذار، فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ كَقَوْلِهِ:
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٤» الْآيَةَ. قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: التَّذْكِيرُ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ ينفع، فالمعنى: إن نفعت
«الشنب» : برودة وعذوبة في الفم، ورقّه في الأسنان.
(٢). هود: ١٠٧. [.....]
(٣). الأحزاب: ٦٧.
(٤). النحل: ٨١.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى وَمَنْ لَا تَنْفَعُهُ فَقَالَ: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أَيْ: سَيَتَّعِظُ بِوَعْظِكَ مَنْ يخشى الله فيزداد بالتّذكير خشية وصلاحا يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
أي: ويتجنّب الذِّكْرَى وَيَبْعُدُ عَنْهَا الْأَشَقَى مِنَ الْكُفَّارِ لِإِصْرَارِهِ على الكفر بالله وانهما كه فِي مَعَاصِيهِ. ثُمَّ وَصَفَ الْأَشْقَى فَقَالَ: الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أَيِ: الْعَظِيمَةَ الْفَظِيعَةَ لِأَنَّهَا أَشَدُّ حَرًّا مِنْ غَيْرِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: النَّارُ الْكُبْرَى: نَارُ جَهَنَّمَ، وَالنَّارُ الصُّغْرَى: نَارُ الدُّنْيَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ السُّفْلَى مِنْ أَطْبَاقِ النَّارِ. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أَيْ: لَا يَمُوتُ فِيهَا فَيَسْتَرِيحُ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَا يَحْيَا حَيَاةً يَنْتَفِعُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا مَا لِنَفْسٍ لَا تَمُوتُ فَيَنْقَضِي | عَنَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاةً لَهَا طَعْمٌ |
وَقِيلَ: ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقِيلَ: ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فَصَلَّى، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ بَعْدَ زَكَاةٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا صَلَاةُ الْعِيدِ، كما أن المراد بالتزكي في الآية زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لأن السورة مكية، ولم
(٢). النساء: ١٠١.
(٣). البقرة: ٢٣٠.
تَتَابَعَتْ كُتُبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَتَابَعَتْ كُتُبُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: قَدْ أَفْلَحَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ بِضَمِّ الْحَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَهَارُونُ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِسُكُونِهَا فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِبْراهِيمَ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الرَّاءِ وَبِالْيَاءِ بَعْدَ الْهَاءِ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ بِحَذْفِهِمَا وَفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو مُوسَى وَابْنُ الزُّبَيْرِ «إِبْرَاهَامَ» بِأَلِفَيْنِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَلَا مَطْعَنَ فِي إِسْنَادِهِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» : قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خُولِفَ فِيهِ وَكِيعٌ، فَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَفِي لَفْظٍ لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْهُ قَالَ: «إِذَا قَرَأْتَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى». وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي «الْمَصَاحِفِ» عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَزِيدُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا أَمَرَنَا بِشَيْءٍ فَقُلْتُهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قرأ في الجمعة بسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ
فَجَعَلَهُ غُثاءً قَالَ: هَشِيمًا أَحْوى قَالَ: مُتَغَيِّرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَذْكِرُ الْقُرْآنَ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَى، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ كَفَيْنَاكَ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ يَقُولُ: إِلَّا مَا شِئْتُ أَنَا فَأُنْسِيكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى قَالَ: لِلْخَيْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى قَالَ: الْجَنَّةُ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قَالَ:
«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إله إلا الله، وخلع الْأَنْدَادَ، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قَالَ:
هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالِاهْتِمَامُ بِمَوَاقِيتِهَا». قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قَالَ:
مِنَ الشِّرْكِ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ قَالَ: وَحَّدَ اللَّهَ فَصَلَّى قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قَالَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابن عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَيَتْلُوَ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى- وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى». وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَقَالَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قَالَ: هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ» وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الترمذي حديثا من طريقه، وخطىء فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى- وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ثُمَّ يَقْسِمُ الْفِطْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ» وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ النُّزُولِ، بَلْ فِيهِمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهَا مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّزَكِّي، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ تَكُنْ فِي مَكَّةَ صَلَاةُ عِيدٍ وَلَا فِطْرَةٌ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قَالَ: أَعْطَى صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قَالَ: خَرَجَ إِلَى الْعِيدِ وَصَلَّى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى- وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى لِلْفِطْرِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لِلزَّكَاةِ كُلِّهَا. ثُمَّ عَاوَدْتُهُ فَقَالَ لِي: وَالصَّدَقَاتُ
نسخت هذا السُّورَةُ مِنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَفِي لَفْظِ: هَذِهِ السُّورَةِ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ؟ قَالَ:
مائة كتاب وأربعة كتب» الحديث.
كأنّ ذرى رأس المجمر غدوة | من السيل والأغثاء فلكة مغزل |
لمياء في شفتيها حوة لعس | وفي اللثات وفي أنيابها شنب |
ألا ما لنفس لا تموت فينقضي | عناها ولا تحيى حياة لها طعم |