بسم الله القيوم الشهيد الذي لا يعزب شيء عن علمه، ولا يكون شيء إلا بإذنه، الرحمان الذي عمت رحمته الموجودات، وطبع في مرائي القلوب عظمته فتعالت تلك السبحات، وأجرى على الألسنة ذكره في العبادات والعادات، الرحيم الذي تمت نعمته بتخصيص أهل ولايته بأرضي العبادات
قال شيخنا الإمام المحقق أبو الفضل محمد بن العلامة القدوة أبى عبد الله محمد ابن العلامة القدوة أبي القاسم محمد المشدالي٢ المغربي٣البجائي٤ المالكي علامة الزمان سقى٥ الله عهده سحائب الرضوان، وأسكنه أعلى٦ الجنان : الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات ﴿ وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات-٧ ﴾ في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه٨ من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل٩ يدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها ؛ فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، وإذا١٠ فعلته تبين لك إن شاء الله١١ وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة سورة والله الهادي – انتهى. وقد ظهر لي باستعمالي لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة سبأ في السنة العاشرة من ابتدائي في عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها لأن اسم كل شيء تظهر١٢ المناسبة بينه وبين مسماه عنوانه الدال إجمالا على تفصيل ما فيه، وذلك هو الذي أنبأ به آدم عليه الصلاة والسلام١٣ عند العرض على الملائكة عليهم الصلاة والسلام١٤، ومقصود كل سورة هاد إلى تناسبها١٥ ؛ فاذكر المقصود من كل سورة، وأطبق بينه وبين اسمها، وأفسر كل بسملة بما يوافق مقصود السورة، ولا أخرج عن معاني كلماتها١٦ ؛ فالفاتحة١٧ اسمها " أم الكتاب " و " الأساس " و " المثاني١٨ " و " الكنز " ﴿ و " الشافية " ١٩ ﴾ و " الكافية " و " الوافية " ﴿ و " الواقية " ٢٠ ﴾ و " الرقية " و " الحمد " و " الشكر " و " الدعاء " و " الصلاة " ؛ فمدار هذه الأسماء٢١ كما ترى٢٢ على٢٣ أمر خفي كاف لكل مراد وهو المراقبة التي سأقول إنها٢٤ مقصودها فكل شيء لا يفتتح بها لا اعتداد به، وهي أم كل خير، وأساس كل معروف، ولا يعتد بها إلا إذا ثنيت٢٥ فكانت دائمة التكرار، وهي كنز لكل شيء٢٦ شافية لكل داء، كافية لكل هم٢٧، وافية٢٨ بكل مرام، واقية من كل سوء، رقية لكل ملم، وهي إثبات للحمد الذي/ هو الإحاطة بصفات الكمال، وللشكر٢٩ الذي هو تعظيم المنعم، وهي عين٣٠ الدعاء فإنه التوجه إلى المدعو، وأعظم بجامعها الصلاة٣١.
إذا تقرر٣٢ ذلك فالغرض٣٣ الذي سيقت له الفاتحة و هو إثبات استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة، وباستحقاق العبادة والاستعانة، بالسؤال في المن بإلزام صراط الفائزين والإنقاذ٣٤ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله، ومدار ذلك كله مراقبة العباد لربهم٣٥، لإفراده بالعبادة٣٦، فهو مقصود الفاتحة بالذات وغيره وسائل إليه، فإنه لا بد في ذلك من إثبات إحاطته تعالى بكل شيء ولن يثبت حتى يعلم أنه المختص بأنه الخالق الملك المالك، لأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب نصب الشرائع، والمقصود٣٧ من نصب الشرائع جمع الخلق على الحق، والمقصود من جمعهم تعريفهم الملك٣٨ وبما يرضيه٣٩، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا.
٢ ن م و ظ، وفي الأصل: المسدالي، وفي مد: المبشر إلى، ترجم له في معجم المؤلفين ١١/٢٥٩ وقال: محمد ابن محمد ابن أبي القاسم ابن محمد بن عبد الصمد ابن حسن بم عبد المحسن المشدالي، البجائي، المغربي، المالكي، فاضل؛ ولد بعد سنة ٨٢٠هـ، وتوفي بعينتات (سنة ٨٦٥ هـ) من آثاره شرح جمل الخونجي في المنطق ـ انتهى. /.
٣ من م ومد ظ، وفي الأصل: العربي، قال أبو سعد في الأنساب (البجاوي) ٢/٨٨: وهذه النسبة إلى بجاية وهي من بلاد المغرب، وعلق عليه شيخنا عبد الرحمان المعلمي اليمائي رحمه الله وقال: وقع لأبي سعد رحمه الله في فصل (البجاوي) أوهام الأول قوله أنه نسبة إلى بجاية، وهذا وإن جاز عربية فلم نعلمه استعمل و (بجاية) الموجودة بلدة بساحل المغرب بنيت في حدود سنة ٤٥٧ ونسب إليها من نسب بعد ذلك ﴿البجائي﴾ الخ..
٤ في م و مد: البجاوي، وفي ظ: البجاي، وفي الأصل: البخاري..
٥ ي الأصل والنسخ الأخرى : يبقى - كذا.
٦ ن م ومد وظ، وفي الأصل: عالي.
٧ يد من م و مد وظ.
٨ ن م وظ، وفي الأصل يستبقه، وفي مد يستبقه.
٩ ي م وظ ومد: الغليل – كذا بالغين المعجمة.
١٠ ي م ومد/ فإذا.
١١ يد في م: تعالى.
١٢ ي م وظ ومد: تلحظ.
١٣ يست في م ومد وظ.
١٤ يست في م وظ ومد.
١٥ ي م: متناسبها.
١٦ يست في ظ، ولفظ "لا" في "لا أخرج" ليس في م.
١٧ ي تفسير عرائس البيان: سمى الفاتحة لأنها مفتاح أبواب خزائن أسرار الكتاب، ولأنها مفتاح كنوز لطائف الخطاب، بانجلائها ينكشف جميع القرآن لأهل البيان لأن من عرف معانيها يفتح بها أقفال المتشابهات، ويقتبس بسنائها أنوار الآيات –انتهى..
١٨ ي مد: المباني – كذا..
١٩ يد من م ومد وظ، لأن المنصف فسرها بعد أسطر بقوله: شافية..
٢٠ قط من الأصل والنسخ الأخرى وقد فسرها المصنف بعد قوله: واقية من كل سوء، فزدناه.
٢١ يست في مد.
٢٢ يست في مد.
٢٣ ي م: عين.
٢٤ يس فيم.
٢٥ ن م ومد وظ، وفي الأصل: ثبتت، خطأ عن قلم الناسخ وهو تفسير "المثاني".
٢٦ ن مد، وفي الأصل وم وظ: منى- كذا.
٢٧ ي مد وظ: مهم.
٢٨ ن م و مد، وفي الأصل : كافية - كرره الكاتب.
٢٩ ي م وظ: الشكر.
٣٠ ي مد: غير.
٣١ يد في الأصل: الذي – كذا وليس في م ومد وظ فحذفناه.
٣٢ ي ظ: تقررت.
٣٣ وفي تفسير المهائمي ما نصه: ومعرفة أسمائه بأنها الوسائظ القريبة له بينه وبين خلقه بها يربى ويرحم ويفضل، ومعرفة توحيده بأنه رب كل شيء ما عداه، ومعرفة استحقاقه للعبادة بأنه المنعم المتفضل المرجوع إليه، ومعرفة استحقاق افتقار العبد إليه ابتداء بأنه الرب ووسطا بأنه الرحمان الرحيم وانتهاء بأنه ملك يوم الدين، ومعرفة النبوة والولاية والإيمان والإنعام، ومعرفة الكفر والبدعة والفسق بالغضب والضلالة، ومعرفة السعادة والشقاوة بذلك أيضا- الخ.
٣٤ ي الأصل بالفاء الموحدة، والصواب بالقاف المثناة..
٣٥ زيد في م/ والمقصود من جمعهم تعريفهم بالملك وبما يرضيه وهو إفراده بالعبادة وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة (ولا حاجة إلى هذه الزيادة لأن المصنف قد حررها بعد أسطر، وهو على محلها)..
٣٦ يست في ظ.
٣٧ يس في م وظ.
٣٨ ي م ومد وظ: بالملك.
٣٩ يد في م ومد: وهو إفراده بالعبادة.
ولما كانت مرتبة الربوبية لا تستجمع الصلاح إلا بالرحمة اتبع ذلك بصفتي ﴿الرحمن الرحيم﴾ ترغبياً في لزوم حمده، وهي تتضمن تثنية تفصيل ما شمله الحمد أصلاً؛ وسيأتي سر لتكرير هاتين الصفتين
ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لا يكون مالكاً وكانت الربوبية لا تتم إلا بالمِلك المفيد للعزة المقرون بالهيبة المثمرة للبطش والقهر المنتج لنفوذ الأمر اتبع ذلك بقوله: ﴿مالِك يوم الدين﴾ ترهيباً من سطوات مجده. قال الحرالّي: واليوم مقدار ما يتم فيه أمر ظاهر،
﴿وسيجزيهم وصفهم﴾ [الأنعام: ١٩٣] و ﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾ [السجدة: ١٧]. [الأحقاف: ٤]، [الواقعة: ٢٤] وبه تم انتهاء
قال الحرالي: وهذه الآيات أي هذه وما بعدها مما جاء كلام الله فيه جارياً على لسان خلقه فإن القرآن كله كلام الله لكن منه ما هو كلام الله عن نفسه ومنه ما هو كلام الله عما كان يجب أن ينطق على اختلاف
«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» ثم تلا هذه السورة؛ فجاءت الآيات الثلاث الأول بحمد الله تعالى نفسه، فإذا تلاها العبد قبل الله منه تلاوة عبده كلامه وجعلها منه حمداً وثناء وتمجيداًَ، وجاءت هذه الآيات على لسان خلقه فكان ظاهرها التزام عُهَد العبادة وهو ما يرجع إلى العبد وعمادها طلب المعونة من الله سبحانه وهو
﴿ووجدك ضالاً فهدى﴾ [الضحى: ٦] وأما من هدى وجهة ما
قال الحرالي: ﴿المغضوب عليهم﴾ الذين ظهر منهم المراغمة وتعمد
قال الأصبهاني: فإن القرآن معجز والركن الأبين الإعجاز يتعلق بالنظم والترتيب. انتهى. والحاصل أنه لما رفعت تلك الصفات العلية لمخاطبها الحجب وكشفت له بسمو مجدها وعلو جدها وشرف حمدها جلائل الستر وأشرقت به رياض الكرم ونشرت له لطائف عواطفها بسط البر والنعم ثم اخترقت به مهامه العظمة والكبرياء وطوت في تيسيرها له مفاوز الجبروت والعز وأومضت له بوارق
فكشف له الشهود في حضرات المعبود عن طرق عديدة ومنازل سامية بعيدة ورأى أحوالاً جمة وأودية مدلهمة وبحاراً مغرقة وأنواراً هادية وأخرى محرقة، ورأى لكل أهلاً قد أسلكوا فجاء تارة حزناً وأخرى سهلاً، وعلم أن لا نجاة إلا بهدايته ولا عصمة بغير عنايته ولا سعادة إلا برحمته ولا سلامة لغير أهل نعمته؛ فلما أشرق واستنار
ولما طلب أشرف طريق سأل أحسن رفيق فقال: ﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ ولما كانت النعمة قد تخص الدنيوية عينها واستعاذ من أولئك الذين شاهدهم في التيه سائرين وعن القصد عائرين جائرين أو حائرين فقال: ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.
وقد أشير في أم الكتاب. كما قال العلامة سعد الدين مسعود ابن عمرو التفتازاني الشافعي. إلى جميع النعم فإنها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولاً وإلى إيجاد وإبقاء ثانياً في دار الفناء والبقاء، أما الإيجاد الأول فبقوله ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ فإن الإخراج من العدم إلى الوجود أعظم تربية، وأما الإبقاء الأول فبقوله: ﴿الرحمن الرحيم﴾ أي المنعم بجلائل النعم ودقائقها التى بها البقاء، وأما الإيجاد الثاني فبقوله: {مالك
ثم جاء التصدير بالحمد بعد الفاتحة في أربع سور أشير في كل سورة منها إلى نعمة من هذه النعم ترتيبها. انتهى، وسيأتي في أول كل سورة من الأربع ما يتعلق بها من بقية كلامه إن شاء الله تعالى، وهذا يرجع إلى أصل مدلول الحمد فإن مادته بكل ترتيب تدور على بلوغ الغاية ويلزم منه الاتساع والإحاطة والاستدارة فيلزمها مطأطأة الرأس وقد يلزم الغاية الرضا فيلزمه الشكر وسيبين وينزل على الجزئيات في سورة النحل إن شاء الله تعالى، ثم في أول سبأ تحقيق ما قاله الناس فيه وفي النسبة بينه وبين الشكر فقد بان سر الافتتاح من حيث تصديرها بالحمد جزئياً فكلياً الذي كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه فهو أجذم؛ وتعقبه بمدح المحمود بما ذكر من
قال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل في آخر الباب التاسع منه: ولننه هذه الأبواب بذكر القرآن ومحتواه على الكتب وجمعه وقراءته وبيانه وتنزيله وإنزاله وحكيمه ومبينه ومجيده وكريمه وعظيمه ومرجعه إلى السبع المثاني والقرآن العظيم أم القرآن ومحتواها عليه، فنذكر جميع ذلك في الباب العاشر، الباب العاشر في محل أم القرآن من القرآن ووجه محتوى القرآن على جميع الكتب والصحف المتضمنة لجميع الأديان.
اعلم أن الله سبحانه جمع نبأه العظيم كله عن شأنه العظيم في السبع المثاني أم القرآن وأم الكتاب وكنزها تحت عرشه ليظهرها في الختم عند تمام أمر الخلق وظهور بادىء الحمد بمحمد، لأنه تعالى يختم بما به بدأ ولم يظهرها قبل ذلك، لأن ظهورها
ففي التوراة أحكام الله على عباده في الدنيا بالحدود والمصائب والضراء والبأساء، وفي القرآن منها ما شاء الله وما يظهره الفقه من الحدود، ومعارف الصوفية من مؤاخذة المصائب؛ وفي الإنجيل أصول تلك الأحكام والإعلام بأن المقصود بها ليست هي بل ما وراءها من أمر الملكوت، وفي القرآن منها ما شاء الله مما يظهره العلم والحكمة الملكوتية، وفي الزبور تطريب الخلق وجداً وهم عن أنفسهم إلى ربهم، وفي الفرآن منه ما شاء الله مما تظهره الموعظة الحسنة، ثم أنهى
﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ [المائدة: ٣] الآية، بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وإن إلى ربك المنتهى.
ووجه فوت أم القرآن للقرآن أن القرآن مقصود تنزيله التفصيل والجوامع، فيه نجوم مبثوثة غير منتظمة، واحدة إثر واحدة، والجوامع في أم القرآن منتطمة واحدة بعد واحدة إلى تمام السبع على وفاء لا مزيد فيه ولا نقص عنه؛ أظهر تعالى بما له سورة صورة تجليه من بدء الملك إلى ختم الحمد، وبما لعبده مصورة تأديه من براءته من الضلال إلى هدى الصراط المستقيم، ﴿ووجدك ضالاً فهدى﴾ [الضحى: ٧] وبما بينه وبينه قيام ذات الأمر والخلق فكان ذلك هو القرآن
﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ [الدخان: ٣] أي إلى سماء الدنيا ﴿ونزلناه تنزيلاً﴾ [الإسراء: ١٠٦] وعلى لسانه في أمد أيام النبوة، وقال في تفسيره: القرآن باطن وظاهره محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت عائشة رضى الله عنها: كان خلقه القرآن، فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صورة باطن سورة القرآن، فالقرآن باطنه وهو ظاهره ﴿نزل به الروح الأمين * على قلبك﴾ [الشعراء: ١٩٤].
وقال في تفسير الفاتحة: وكانت سورة الفاتحة أمّاً للقرآن، لأن القرآن جميعه مفصل من مجملها، فالآيات الثلاث الأول شاملة لكل معنى تضمنته الأسماء الحسنى والصفات العلى، فكل ما في القرآن من ذلك فهو مفصل من جوامعها، والآيات الثلاث الأخر من قوله:
ومن أنفع الأمور في ذوق هذا المشرب استجلاء الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة
مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب هدى ليتبع يفي كل ما قال، وأعظم ما يهدي إليه الإيمالن بالغيب، ومجمعه الإيمان بالآخرة، فمداره الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة التي مجارها الإيمان بالغيب فلذلك سميت بها السورة
وسميت الزهراء لإنارتها طريق الهداية والكفاية في الدنيا والآخرة، ولأيجابها إسفار الوجوه يفي يوم الجزاء لمن آمن بالغيب ولم يكن في شك مريب فيحال بينه وبين ما يشتهي، بالسنام لأنه ليس في الإيمان بالغيب بعد التوحيد الذي هو الأساس الذي يتبني عليه كل خير والمنتهى الذي هو غاية السير والعالي على كل غير بأعلى
بسم الله الذي نصب مع كونه باطنا دلائل الهدى حتى كان ظاهرا، " الرحمن " الذي أفاض رحمته على سائر خلقه بعد الإيجاد ببيان الطريق، " الرحيم " الذي خص أهل وده بالتوفيق. قال العلامة أبو الحسن الحرالي في كتاب العروة لمفتاح الباب المقفل في معنى ما رواه عن ابن وهب من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال: " كان الكتاب الأول ينزل من باب
قلت: عزاه شيخنا العلامة مقرئ زمانه شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري الدمشقي الشافعي في أوائل كتابه " النشر في
قال الحرالي: في حديث آخر من طريق ابن عمر رضي الله عنهما: إن الكتب كانت تنزل من باب واحد وإن هذا القرآن أنزل من
المتخلق به جامعا لانتهاء كل خلق وكمال أمر فلذلك (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قثم الكون وهو الجامع الكامل. ولذلك كان خاتما، وكان كتابه ختما، وبدأ المعاد من حد ظهوره، إنه هو يبدئ، ويعيد، فاستوفى
فأدنى تلك الحروف هو حرف إصلاح الدنيا، فلها حرفان،
ثم يلي هذين حرفا صلاح المعاد: أحدهما حرف الزجر والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهير منه لبعده عن حسناها، والثاني حرف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه بحسناها، وقد يتضرر على ذلك حال الدنيا، لأنه يأتي على كثير من حلالها لوجوب إيثار الآخرة لبقائها ىوكليتها على الدنيا لفنائها وجزئيتها، لكون خير الدنيا جزءاَ من ماله وشر الدنيا جزءا من سبعين جزءا ولا يؤثر
ثم يلي هذين حرفا صلاح الدين: أحدهما حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لغرض النفس في عاجل الدنيا ولا آجلها، والثاني حرف المتشابه الذي لا يبين للعبد فيه خطاب ربه من جهة قصور عقله من إدراكه ووجوب تسبيح ربه عن تمثل عبده إلى أن يؤيده الله بتأييده. والحروف الخمسة للاستعمال وهذا الحرف السادس للوقوف ليكون العبد قد وقف لله بقلبه عن حرف كما قد كان أقدم لله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه عند هذا الحرف السادس انتهاء ما تقدم من طوقه وعلمه في تلك الحروف ابتداء، وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدمة كلها وتمامها
فهذه الحروف الستة يشترك فيها القرآن مع سائر الكتب ويزيد عليها تمامها وبركة جمعها، ويختص القرآن بالحرف السابع الجامع مبين المثل الأعلى ومظهر اللمثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهو حرف المثل. وعن جمعه وكمال جمعه لمحمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في قلبه وقراءته على لسانه وبيانه في ذاته ظهرت عليه خواص خلقه الكريم وخلقه العظيم، ولا ينال إلا موهبة من الله تعالى لعبده بال واسطة والستة تتنزل بتوسطات من استواء الطبع وصفاء العقل بمثابة وحي النبي وإلهام الولي.
ولما كان حرف الحمد هو سابعها الجامع افتتح الله به سبحانه وتعالى الفاتحة أم القرآن وأم الكتاب وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثها في القرآن كما جمع في القرآن ما بث في جميع الكتب المتقدمة، كفضة ثقلت على مريد السفر فابتاع بها ذهبا فذلك مثل القرآن ثم ثقل عليه الذهب فابتاع به جواهرا، فذلك مثل أم القرآن فأذن كمال الحروف التي أنزل عليها القرآن موجودة في جوامع
والآية الثالثة تشتمل على أمر المللك القيم على حرفي الأمر والنهي
ولما ابتئت الفاتحة أم القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئ القرآن بالحرف السادس المعجوز عنه وهو حرف المتشابه، لأنه
وهذا إنما وقع ترتيبه هكذا في القرآن المتلو، وأما تنزيله يفي ترتيب البيان فإن أ، ل ما نزل على النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هو حرف المحكم وهو قوله سبحانه وتعالى) اقرأ باسم ربك الذي خلق
ولما كان الذي ابتدئت به السور من ذلك شطر حروف المعجم كان كأنه قيل من زعم أن القرآن ليس كلام الله فليأخذ الشطر الآخر ويركب عليه كلاما يعارضه به، نقل ذلك الزركشي في البرهان عن القاضي أبي بكر قال: وقد علم ذلك بعض أرباب الحقائق، وجمعها
ولما كانت حروف المعجم تسعة وعشرين حرفا بالهمزة وكان أحد شطرها على التحرير متعذرا فقسمت خمسة عشر وأربعة عشر، وأخذ الأقل من باب الأنصاف وفرق في تسع وعشرين سورة
وقال الحرالي في تفسيره: " الف " اسم للقائم الأعلى المحيط ثم لكل مستخلف في القيام كآدم والكعبة، " ميم " اسم للظاهر الأعلى الذي من أظهرة ملك يوم الدين، واسم للظاهر الكامل المؤتى جوامع الكلم محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). ثم لكل ظاهر دون ذلك كالسماء والفلك والأرض " لام " اسم لما بين باطن الإلهية التي هي محار العقول التي هي وصل تنزل ما بينهما كاللطيف ونحوه، ثم للوصل الذي كالملائكة وما تتولاه من أمر الملكوت، وهذه الألفاظ عند انعجام معناها تسمى حروفا، والحرف طرف الشيء الذي لا يؤخذ منفردا وطرف القول الذي لا يفهم وحده، وأحق ما تسمى حروفا إذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم
وأما حقيقتها فهي جوامع أصلها في ذمر أول من كلام الله تعالى فنزلت إلى الكلم العربية وترجمت بها ونظم منها هذا القرآن العربي المبين، فهي في الكنب العلوية الملكوتية المترتبة في الجمع والتفصيل آية وكلم وذات كتاب، فلما نزلت إلى غاية مفصل القرآن أبقيت
وإن شئت قلت: مقصود هذه السورة وصف الكتاب فقط وما عدا ذلك فتوابع ولوازم ولن يثبت أنه هدى إلا بإثبات أ، هـ حق معنى ونظما، ولما كان المعنى أهم قدم الاستدلال عليه فأخبر من تماديهم على الكفر بما يكون تكذيبهم به تصديقا له، واتبع ذلك بذكر المنافقين إعلاما بأن المنفي الإيمان بالقلب وأنه لا عبرة باللسان إذا تجرد عنه،