بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أمّ الكتاب (١)مجاز تفسير ما فى سورة «الحمد» وهى «أم الكتاب» لأنه يبدأ بكتابتها فى المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة فى الصلاة وإنما سمّيت سورة لا تهمز، لأن مجازها من سورة البناء أي منزلة ثم منزلة، ومن همزها جعلها قطعة من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمّى قرآنا. قال النّابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة | ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (٢) |
هذه ليست من تلك.
فمجاز تفسير قوله «بسم الله» مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم الله قبل كل شىء وأول شىء ونحو ذلك، قال عبد الله بن رواحة:
بسم الإله وبه بدينا | ولو عبدنا غيره شقينا |
ابن الخزرج الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور يكنى أبا محمد، ويقال: كنيته أبو رواحة. ترجمته فى الإصابة ٤/ ٤٤٨، رقم ٠٩٠٤٤- والرجز من كلمة روى بعضها البخاري فى غزوة الخندق، ومسلم فى غزوة الأحزاب، كان رسول الله - ﷺ - يرتجز بها فى يوم الأحزاب إذ كان ينقل تراب الخندق، وورد أيضا فى الجمهرة ٣/ ٢٠٢، اللسان (بدا). العيني ٤/ ٢٨.
«الرّحمن» مجازه ذو الرحمة، و «الرّحيم» مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، «١» قال برج بن مسهر الطائىّ، جاهلى:
وندمان يزيد الكأس طيبا... سقيت وقد تغوّرت النجوم
«٢» وقال النعمان بن نضلة، عدوىّ من عدى قريش:
فإن كنت ندمانى فبالأكبر اسقني... ولا تسقنى بالأصغر المتثلم
«٣»
(٢) برج: هو برج بن مسهر بن الجلاس أحد بنى جديلة ثم أحد بنى طريف بن عمرو ابن ثمامة، شاعر عاش فى عهد بنى أمية، له ترجمة فى المؤتلف ٦١، وأخباره مع أخبار الحصين بن الحمام فى الأغانى ١٢/ ١٢١. - والبيت فى الطبري ١/ ٤٤، المؤتلف ٦١، الأغانى ١٢/ ١٢١، اللسان (عرق)، وشواهد المغني ٩٨.
(٣) النعمان: هو النعمان بن عدى بن نضلة كان عاملا على ميسان فى عهد عمر رضى الله عنه فعزله. انظر خبره فى السيرة (جوتنجن) ٧٨٦ والسمط ٧٤٥ والاستيعاب ٣/ ٥٦٣ وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ٠١١٧- والبيت مذكور فى ترجمته، وفى الاشتقاق ٨٦ والعقد الفريد ٤/ ٣٣٩ والقرطبي ١٣/ ١٤٩ واللسان والتاج (ندم) ونهاية الأرب ٤/ ١٠١.
رزينا أبا زيد ولا حىّ مثله... وكان أبو زيد أخى ونديمى»
وقال حسّان بن ثابت:
لا أخدش الخدش ولا... يخشى نديمى إذا انتشيت يدى «٢»
«رَبِّ الْعالَمِينَ» (١) أي المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثلهم فى العالمينا «٣»
وواحدهم عالم، وقال العجّاج:
فخندف هامة هذا العالم «٤»
«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» «٥» (٢) نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه:
(٢) ديوانه ١١٢.
(٣) البيت فى الجزء الثاني من ديوانه رقم ٦٣.
(٤) ديوانه ٦٠- السمط ٤٥٧، القرطبي ١/ ١٢٠.
(٥) «الدين... تدان» (ص ٢٣ س ٣) : أورد هذا الكلام فى فتح الباري ٨/ ١١٩، منسوبا إلى أبى عبيدة، وهو فى البخاري باختلاف يسير. وانظره فى عمدة القاري ٨/ ٤٥٨.
«الدِّينِ» (٢) الحساب والجزاء، يقال فى المثل: «كما تدين تدان»، «١» وقال ابن نفيل
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل | واعلم بأنّ كما تدين تدان «٢» |
شطّت مزار العاشقين فأصبحت | عسرا علىّ طلا بك ابنة مخرم «٣» |
(٢) ابن نفيل: هو يزيد بن الصعق الكلابي، واسم الصعق: عمرو بن خويلد ابن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقال أبو عبيدة (النقائض ٧٥٩) : وإنما سمى الصعق لقدومه بالموسم، فهبت الريح فألقت فى فيه التراب فلعنها فرمى بصاعقة فمات. انظر ترجمته فى معجم المرزباني ٤٩٤.
- والبيت فى الكامل ١٨٥، والطبري ١/ ٥١، والجمهرة ٢/ ٣٠٦، واللسان، والتاج (دين).
(٣) هذا البيت من معلقته وهو فى ديوانه فى الستة ٤٥ وشرح العشر ٩١.
يا لهف نفسى كان جدّة خالد | وبياض وجهك للتّراب الأعفر «١» |
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى «٢»
ولو بدأت بالفعل لم يجز كقولك: أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية فى آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.
«الصِّراطَ» (٥) : الطريق، المنهاج الواضح، قال:
فصدّ عن نهج الصّراط القاصد «٣»
وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط | إذا اعوجّ الموارد مستقيم «٤» |
(٢) ديوانه ٤٠، الجمهرة ٣/ ١٦٣، واللسان، التاج (ملق) [.....]
(٣) الشطر فى الطبري ١/ ٥٦ والقرطبي ١/ ١٢٨.
(٤) ديوانه ٥٠٧- والطبري ١/ ٥٦ والجمهرة ٢/ ٣٣٠ واللسان (سرط) والقرطبي ١/ ١٢٨.
وطئنا أرضهم بالخيل حتى | تركناهم أذلّ من الصراط «١» |
فى بئر لا حور سرى وما شعر «٣»
(٢) «ولا من حروف... إلخ» قال الطبري ١/ ٦١: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ببيت العجاج... ويتأول معنى: «فى بئر لا حور سرى» أي فى بئر هلكة وإن «لا» بمعنى الإلغاء والصلة، ويعتل أيضا لذلك بقول أبى النجم.. يعنى الطبري بهذا القول أبا عبيدة ويروى تفسير هذه الآية كلها مع ما استشهد به ويرد القول عليه ويصوب أقوال بعض النحويين الكوفيين. وسترى كثيرا أنه يروى قول أبى عبيدة، أو يرد عليه ولا يصرح باسمه، يقول مثلا: «قال بعض أهل البصرة»، «وبعض أهل الغريب من أهل البصرة»، «وبعض أهل العلم بالعربية» ولا يسميه إلا فى مواضع يسيرة جدا، وسترى الطبري كثيرا ما يتطاول عليه، وينسبه إلى الجهل بتأويل أهل التأويل أو ما يشبه ذلك، وهو أحيانا يضرب فى حديد بارد وينفخ فى غير ضرم.
(٣) ديوانه ١٦- والطبري ١/ ٦١ والجمهرة ٢/ ١٤٦ واللسان والتاج (صور) والخزانة ٢/ ٩٥.
فما ألوم البيض ألا تسخرا | لمّا رأين الشّمط القفندرا «١» |
ويلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه | وللهو داع دائب غير غافل «٢» |
(٢) هذا البيت للأحوص وهو فى الكامل مع آخر قبله ٤٩ والقرطبي ١/ ٦٢ ونقله أبو على الفارسي فى الحجة (م) ١/ ١١٠ من إنشاد أبى عبيدة.
(٣) «والمعنى... خير» : قال الطبري ١/ ٦٢: كان بعض أهل البصرة (يريد أبا عبيدة) يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج... وحكى عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول غير» التي مع «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» أنها بمعنى «سوى» فكان معنى الكلام عنده:
«اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم» انتهى. تفسير أبى عبيدة «غير» ب «سوى» حكى عنه فى اللسان (غير) أيضا ولكنه لم يرد فى النسخ التي فى أيدينا وقد رد هذا التفسير على قائله فى معانى القرآن للفراء (٢ آ) دون التصريح باسمه.
فإنك لو أبصرت مصرع خالد | بجنب السّتار بين أظلم فالحزم «١» |
إذا لرأيت النّاب غير رزيّة | ولا البكر لاضطمّت يداك على غنم] |