تفسير سورة الجمعة

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الجمعة
مدنية، عددها إحدى عشرة آية كوفية

قوله: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ﴾ يعني يذكر الله ﴿ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ من شىء غير كفار الجن والإنس، ثم نعت الرب نفسه، فقال: ﴿ ٱلْمَلِكِ ﴾ الذي يملك كل شىء ﴿ ٱلْقُدُّوسِ ﴾ الطاهر ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ في ملكه ﴿ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [آية: ١] في أمره ﴿ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ ﴾ يعني العرب الذين لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون بأيديهم ﴿ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ فهو النبي صلى الله عليه سلم ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ﴾ يعني يقرأ عليهم ﴿ آيَاتِهِ ﴾ يعني آيات القرآن ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ يعني ويصلحهم فيوحدونه ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعني ولكي يعلمهم ما يتلو من القرآن ﴿ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾ وموعظ القرآن الحلال والحرام ﴿ وَإِن ﴾ يعني وقد ﴿ كَانُواْ مِن قَبْلُ ﴾ أن يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢] يعني بين وهو الشرك ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ﴾ الباقين من هذه الأمة ممن بقي منهم ﴿ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾ يعني بأوائلهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٣] في أمره. ثم قال: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾ يعني الإسلام ﴿ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾ يقول: فضل الله الإسلام يعطيه من يشاء ﴿ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ﴾ الإسلام ﴿ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٤] يعني الفوز بالنجاة والإسلام.
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ﴾ يعني اليهود تحملوا العمل بما في التوراة فقرءوها ﴿ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾ يقول: لم يعلموا بما فيها ﴿ كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾ يقول: كمثل الحمار يحمل كتاباً لا يدري ما فيه، كذلك اليهود حين لم يعملوا بما في التوراة، فضرب الله لهم مثلاً، فقال: ﴿ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعني القرآن ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ﴾ إلى دينه من الضلالة ﴿ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٥] في علمه.
قوله تعالى: ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ ﴾ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود المدينة يدعوهم إلى الإسلام، فكتب يهود المدينة إلى يهود خيبر أن محمداً يزعم أنه نبى، وأنه يدعونا وإياكم إلى دينه، فإن كنتم تريدون متابعته فاكتبوا إلينا ببيان ذلك، وإلا فأنتم ونحن على أمر واحد لا نؤمن بمحمد، ولا نتبعه، فغضبت يهود خيبر، فكتبوا إلى يهود المدينة كتاباً قبيحاً، وكتبوا أن إبراهيم كان صديقاً نبياً، وكان من بعد إبراهيم إسحاق صديقاً نبياً، وكان من بعد إسحاق يعقوب صديقاً نبياً، وولد يعقوب اثنا عشر، فولد لكل رجل منهم أمة من الناس، ثم كان من بعدهم موسى، ومن بعد موسى عزيز، فكان موسى يقرأ التوراة من الألواح. وكان عزيز يقرؤها ظاهراً، ولولا أنه كان ولداً لله ونبيه وصفيه لم يعطه ذلك، فنحن وأنتم سبطه، وسبط من اتخذه الله خليلاً، ومن سبط من كلمه الله تكليماً، فنحن أحق بالنبوة والرسالة من محمد صلى الله عليه سلم، ومتى كان الأنبياء من جزائر العرب؟ ما سمعنا بنبي قط كان من العرب إلا هذا الرجل الذي تزعمون، على أنا نجد ذكره في التوراة فإن تبعتموه صغركم ووضعكم فنحن أبناء الله وأحباؤه. فقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ ﴾ لليهود ﴿ إِن زَعمْتُمْ ﴾ يعني إذ زعمتم ﴿ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ ﴾ في الآخرة ﴿ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ ﴾ وأحباؤه ﴿ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٦] بأنكم أولياؤه وأحباؤه، وأن الله ليس بمعذبكم، ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ ﴾ من ذنوبهم وتكذيبهم بالله ورسوله ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٧] يعني اليهود.
قُلْ } لهم يا محمد ﴿ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ﴾ يعني تكرهونه ﴿ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ﴾ لا محالة ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ ﴾ في الآخرة ﴿ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾ يعني عالم كل غيب وشاهد كل نجوى ﴿ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨].
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ ﴾ يقول: إذا نودي إلى الصلاة والمن هاهنا صلة ﴿ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ ﴾ يعني إذا جلس الإمام على المنبر ﴿ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ يقول: فامضوا إلى الصلاة المكتوبة ﴿ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ ﴾ يعني الصلاة ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ من البيع والشراء ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٩].
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ ﴾ من يوم الجمعة ﴿ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ فهذه رخصة بعد النبي وأحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة، فمن شاء خرج إلى تجارة، ومن شاء لم يفعل، فذلك قوله: ﴿ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني الرزق ﴿ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ باللسان ﴿ لَّعَلَّكُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ تُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ١٠].
قوله: ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ﴾ وذلك" أن العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق، فخرج الناس من المسجد غير اثنى عشر رجلاً وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظروا كم في المسجد "؟ فقالوا: اثنا عشر رجلاً وامرأة، ثم جاءت عير أخرى، فخرجوا غير اثنى عشر رجلاً وامرأة، ثم أن دحية بن خليفة الكلبي من بني عامر بن عوف أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم، وكان يحمل معه أنواع التجارة، وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والتصفيق، ووافق قدومه يوم الجمعة، والنبى صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب، فخرج إليه الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظروا كم بقي في المسجد: فقالوا: اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا هؤلاء لقد سوَّمت لهم الحجارة ". فأنزل الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً ﴾ على المنبر ﴿ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ ﴾ يعني من الطبل والتصفيق ﴿ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ ﴾ التي جاء بها دحية ﴿ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ [آية: ١١] من غيره. حدثنا عبدالله، قال حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: كان في الأثني عشر أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما.
Icon