بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأعلىوهي مكية وفي رواية الضحاك أنها مدنية، والأصح هو الأول، والله أعلم.
ﰡ
وروى أَبُو صَالح، عَن ابْن عَبَّاس أَن مَعْنَاهُ: صل بِأَمْر رَبك، وَقيل: صل لِرَبِّك المتعالي.
وَفِي الْآيَة دَلِيل أَن الِاسْم والمسمى وَاحِد؛ لِأَن الْمَعْنى سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي قِرَاءَة أبي: " سُبْحَانَ رَبك الْأَعْلَى ".
وَقَالَ الشَّاعِر:
(إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا | وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر) |
وروى إِسْرَائِيل، عَن ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة، عَن أَبِيه، عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - " أَن الني كَانَ يحب سُورَة سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الترابي، أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد بن حمويه، أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن خُزَيْمٌ الشَّاشِي، أخبرنَا عبد ابْن حميد، أخبرنَا وَكِيع، عَن إِسْرَائِيل الْخَبَر.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - " أَن رَسُول الله كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى من الْوتر ﴿سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى﴾، وَفِي الثَّانِيَة: ﴿قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ﴾ فِي الثَّالِثَة: سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين ".
وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَنهم كَانُوا إِذا قرءوا سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى قَالُوا: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى امتثالا لِلْأَمْرِ.
[وَالْأولَى] أَن يَقُول كَذَلِك.
[و] من الْمَعْرُوف عَن عقبَة بن عَامر أَنه قَالَ: لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى﴾ قَالَ النَّبِي: " اجعلوه فِي سُجُودكُمْ، وَلما نزل قَوْله: " سبح اسْم رَبك الْعَظِيم " قَالَ: اجعلوه فِي ركوعكم ".
وَقَوله: ﴿الَّذِي خلق فسوى﴾ أَي: خلقك وجعلك رجلا سويا.
وَقيل: قدر خلق كل شَيْء، وهداه إِلَى مَا يصلحه، وَهَذَا فِي الْحَيَوَانَات.
وَقيل: هداه إِلَى رزقه، كالطفل يَهْتَدِي إِلَى الثدي، وَيفتح فَاه حِين يُولد طلبا للثدي، والفرخ يطْلب الرزق من أمه وَأَبِيهِ وَكَذَلِكَ كل شَيْء.
وَقَالَ مُجَاهِد: هدى الْإِنْسَان لسبيل الْخَيْر، وَالشَّر والسعادة والشقاوة.
وَيُقَال: فِي الْآيَة حذف، وَالْمعْنَى: وَهدى وأضل.
قَالَ الشَّاعِر:
﴿فَجعله غثاء﴾ أَي: يَابسا.
والغثاء هُوَ مَا حمله السَّيْل من النَّبَات الْيَابِس والحشيش، والطفاط مَا أَلْقَاهُ الْقدر من الزّبد، والأحوى الْأسود، والحوة (السوَاد).
وَإِنَّمَا سَمَّاهُ أحوى؛ لِأَن كل أَخْضَر يضْرب إِلَى السوَاد إِذا اشتدت خضرته.
قَالَ ذُو الرمة:
(وَقد ينْبت المرعى على دِمنِ الثرى | وَتبقى حزازات النُّفُوس كَمَا هيا) |
(لمياء فِي شفتيها حوة لعس | وَفِي اللثات وَفِي أنيابها شنب) |
وَالْمعْنَى: أَنَّك كفيت النسْيَان، (فَلم ينس) بعد ذَلِك.
وَعَن بَعضهم: أَن قَوْله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ الله﴾ ذكر مَشِيئَته على التَّعْلِيم حَتَّى يقرن لفظ الْمَشِيئَة بِجَمِيعِ أَقْوَاله مثل قَوْله: ﴿لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله [آمِنين] ﴾ قد قَالَ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ الله﴾ يَعْنِي: أَن تنسى، وَلم يَشَأْ.
مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك﴾ وَلم يَشَأْ، ذكره ابْن فَارس.
وَقَوله: ﴿إِنَّه يعلم الْجَهْر وَمَا يخفى﴾ أَي: السِّرّ والعلن، وَيُقَال: مَا فِي الْقلب، وَمَا على اللِّسَان.
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: ﴿إِن نَفَعت الذكرى﴾ إِذْ نَفَعت الذكرى، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وخافون إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ وَمَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَالْوَجْه الثَّانِي: ذكر بِكُل حَال، فقد نَفَعت الذكرى، فَهُوَ تَعْلِيق بمتحقق وَالْمعْنَى: إِن نَفَعت، وَقد نَفَعت.
وَقيل: هُوَ على الْعُمُوم وَالْمعْنَى: من يخْشَى الله.
وَقَوله: ﴿يصلى النَّار الْكُبْرَى﴾ أَي: يدْخل النَّار الْكُبْرَى.
قَالَ سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: هُوَ الطَّبَق الْأَسْفَل من جَهَنَّم.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير: آمن ووحد ربه.
وَعَن عَطاء: أَي أعْطى زَكَاة مَاله.
[و] قَالَ ابْن مَسْعُود من لم يزك لم تقبل الصَّلَاة مِنْهُ.
وَعَن ابْن عمر: أَنَّهَا صَدَقَة الْفطر.
وَهُوَ قَول عمر بن عبد الْعَزِيز.
وَكَانَ ابْن عمر يَقُول لنافع حِين يصبح يَوْم الْعِيد: أخرجت زَكَاة الْفطر؟ فَإِن قَالَ: نعم، توجه إِلَى الصَّلَاة، وَإِن قَالَ: لَا، يَأْمُرهُ بِالْإِخْرَاجِ، ثمَّ يتَوَجَّه، وَهَذَا على القَوْل الَّذِي قُلْنَا أَن السُّورَة مَدَنِيَّة، فَأَما إِذا قُلْنَا: مَكِّيَّة، وَهُوَ الْأَصَح، فَلَا يرد هَذَا القَوْل؛ لِأَن صَدَقَة الْفطر لم تكن وَاجِبَة بِمَكَّة، وَإِنَّمَا وَجَبت بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ صَلَاة الْعِيد، إِنَّمَا صليت بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْن مَسْعُود: عجلت لَهُم الدُّنْيَا، وغيبت عَنْهُم الْآخِرَة، فَاخْتَارُوا الدُّنْيَا على الْآخِرَة، وَلم عاينوا الْآخِرَة مَا اخْتَارُوا عَلَيْهَا شَيْئا.
وروى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من أحب دُنْيَاهُ أضرّ بآخرته، وَمن أحب آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا مَا يبْقى على مَا يفنى ".
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية (١) وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة (٢) عاملة ناصبة (٣) تصلى نَارا حامية (٤) ﴾.تَفْسِير سُورَة الغاشية
وَهِي مَكِّيَّة بِالْإِجْمَاع