أهداف سورة الأعلى
( سورة الأعلى مكية، وآياتها ١٩ آية، نزلت بعد سورة التكوير )
وهي أنشودة سماوية فيها تسبيح بحمد الله، وبيان دلائل قدرته، وإثبات الوحي الإلهي، وتقرير الجزاء في الآخرة. وبيان الوحدة بين الرسالات السماوية، واشتمال الرسالة المحمدية على اليسر والسماحة، وكل واحدة من هذه تحتها موحيات شتى ووراءها مجالات بعيدة المدى.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهماi.
وفي رواية للإمام أحمد، عن الإمام علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب هذه السورة : سبّح اسم ربك الأعلىii.
مع آيات السورة
١-٥- سبّح اسم ربك الأعلى* الذي خلق فسوّى* والذي قدّر فهدى* والذي أخرج المرعى* فجعله غثاء أحوى.
التسبيح هو التمجيد والتنزيه، واستحضار معاني الصفات الحسنى لله، والحياة بين إشاعاتها وفيوضاتها، وإشراقاتها ومذاقاتها الوجدانية بالقلب والشعور.
يقول الإمام محمد عبده : واسم الله هو ما يمكن لأذهاننا أن تتوجه إليه به، والله يأمرنا بتسبيح هذا الإسم، أي تنزيهه عن أن يكون فيه ما لا يليق به من شبه المخلوقات أو ظهوره في واحد منها بعينه، أو اتخاذه شريكا أو ولدا أو ما ينحو هذا النحو، فلا نوجه عقولنا إليه إلا بأنه خالق كل شيء، المحيط علمه بدقائق الموجوداتiii.
والخطاب في السورة موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه من التلطف والإيناس ما يجلّ عن التعبير، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينفذ هذا الأمر فور صدوره.
وحينما نزل قوله تعالى : فسبّح باسم ربك العظيم. ( الواقعة : ٧٤ ). قال صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في ركوعكم )، أي قولوا في الركوع : سبحان الله العظيم، ولما نزل قوله تعالى : سبّح اسم ربك الأعلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في سجودكم )iv، أي قولوا في السجود، سبحان ربي الأعلى.
الذي خلق فسوّى. الذي خلق كل شيء فسواه وأكمل صنعته، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه بلا تفاوت ولا اضطراب، كما تراه يظهر لك في خلق السماوات والأرض.
والذي قدّر فهدى. أي : قدر لكل حي ما يصلحه مدة بقائه، وهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع بما فيه منفعة له، ووجه الهرب مما يخشى غائلته.
( وكل شيء في الوجود سويّ في صنعته، كامل في خلقته، معه لأداء وظيفته، مقدر له غاية وجوده، وهو ميسر لتحقيق هذه الغاية من أيسر طريق، وجميع الأشياء مجتمعة كاملة التنسيق ميسرة، لكي تؤدي في تجمعها دورها الجماعي، مثلما هي ميسرة فرادى لكي تؤدي دورها الفردي )v.
جاء في كتاب ( العلم يدعو إلى الإيمان ) ما يأتي :
إن الطيور لها غريزة العودة إلى الوطن، فعصفور الهزار الذي عشش ببابك جنوبا في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه في الربيع التالي، وفي شهر سبتمبر تطير أسراب من معظم الطيور إلى الجنوب، وقد تقطع في الغالب نحو ألف ميل فوق أرض البحار، ولكنها لا تضل طريقها، والنحلة تجد خليتها مهما طمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار كل دليل يرى، وأنت إذا تركت حصانك العجوز وحده فإنه يلزم الطريق مهما اشتدت ظلمة الليل، وهو يقدر أن يرى ولو في غير وضوح، والبومة تستطيع أن ترى الفأر الدافئ اللطيف وهو يجري على العشب البارد مهما كانت ظلمة الليل، ونحن نقلب الليل نهارا بإحداث إشعاع في تلك المجموعة التي نسميها الضوء.
( والكلب بما أوتي من أنف فضولي، يستطيع أن يحس الحيوان الذي مر ). vi.
وسمك ( السلمون ) يمضي سنوات في البحر، ثم يعود إلى نهره الخاص به، والأكثر من ذلك أنه يصعد إلى جانب النهر الذي يصب عنده النهير الذي ولد فيه.. فما الذي يجعل السمك يرجع إلى مكان مولده بهذا التحديد ؟
إنه الله : الذي خلق فسوّى* والذي قدّر فهدى.
وقد سجل البشر كثيرا من إبداع الخلقة، في عوالم النبات والحشرات والطيور والحيوان، في هذا الوجود المشهود الذي لا نعرف عنه إلا أقل القليل، ووراءه عالم الغيب بما فيه من كمال وجلال، فسبحان الله الخلاّق العظيم.
والذي أخرج المرعى. والمرعى كل نبات، وما من نبات إلا وهو صالح لخلق من خلق الله، فهو هنا أشمل مما نعهده من مرعى أنعامنا، فالله خلق هذه الأرض، وقدّر فيها أقواتها لكل حيّ يدب فوق ظهرها أو يختبئ في جوفها، أو يطير في جوها، والنبات يتحايل على استخدام وكلاء لمواصلة وجوده، دون رغبة من جانبهم، كالحشرات التي تحمل اللقح من زهرة إلى أخرى، والرياح، وكل شيء يطير أو يمشي، ليوزع بدوره.
فجعله غثاء أحوى. والغثاء : الهشيم، أو الهالك البالي، والأحوى : الذي يميل لونه إلى السواد، فهو سبحانه قد أحكم كل شيء خلقه، ما يبقى وما يفنى.
( فنحن مأمورون أن نعرف الله جل شأنه، بأنه القادر العالم الحكيم، الذي شهدت بصفاته هذه آثاره في خلقه، التي ذكرها في وصف نفسه في قوله : الذي خلق فسوّى... إلخ. وألا ندخل في هذه الصفات معنى مما لا يليق به، كما أدخل الملحدون الذين اتخذوا من دونه شكاء أو عرّفوه بما يشبه خلقه، وإنما توجه إلينا الأمر بتسبيح الاسم دون تسبيح الذات، ليرشدنا إلى أن مبلغ جهدنا، ومنتهى ما تصل إليه عقولنا، أن نعرف الصفات بما يدل عليها، أما الذات فهي أعلى وأرفع من أن تتوجه عقولنا إليها إلا بما نلحظ من هذه الصفات التي تقوم عليها الدلائل، وترشد إليها الآيات، لهذه أمرنا، بتسبيح اسمه تكليفا لنا بما يسعه طوقنا، والله أعلم )vii.
٦، ٧- سنقرئك فلا تنسى* إلا ما شاء الله...
سننزل عليك كتابا تقرؤه، ولا تنسى منه شيئا بعد نزوله عليك.
وهي بشرى للنبي صلى الله عليه وسلم، تريحه وتطمئنه على هذا القرآن العظيم الجميل الحبيب إلى قلبه، الذي كان يندفع بعاطفة الحب له، وبشعور الحرص عليه، وبإحساس التبعة العظمى فيه، إلى ترديده آية آية وراء جبريل، وتحريك لسانه به خيفة أن ينسى حرفا منه، حتى جاءته هذه البشائر المطمئنة بأن ربه سيتكفل بهذا الأمر عنه.
إلا ما شاء الله... أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه، أما ما لا ينسخ فإنه محفوظ في قلبك.
إنه يعلم الجهر وما يخفى. وكأن هذا تعليل لما مرّ في هذا المقطع من الإقرار والحفظ والاستثناء، فكلها ترجع إلى حكمة يعلمها من يعلم الجهر وما يخفى، ويطلع على الأمر من جوانبه جميعا، فيقرر فيه ما تقتضيه حكمته المستندة على علمه بأطراف الأمر جميعا.
٨- ونيسّرك لليسرى. أي نوافقك للشريعة السمحة التي يسهل على النفوس قبولها، ولا يصعب على العقول فهمها.
يسر الشريعة الإسلامية
يسّر الله القرآن للقراءة وللعمل بأحكامه، ويسّر الشريعة، ويسّر الأحكام وجعلها في طاقة الناس، ولا حرج فيها ولا عنت، قال تعالى : ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر. ( القمر : ٢٢ ).
وقال سبحانه : وما جعل عليكم في الدّين من حرج... ( الحج : ٧٨ ).
وقال تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم... ( المائدة : ٦ ).
وقال تعالى : لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها... ( البقرة : ٢٨٦ ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم سهلا سمحا مؤلّفا محببا، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فكان أبعد الناس عنه، وكان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وهديه يعبر عن اختيار اليسر، وقلة التكلف في اللباس والطعام والفراش وكل أمور الحياة، فكان يلبس لكل موطن ما يناسبه، فلبس العمامة والقلنسوة في السلم، ولبس المغفر وغطى رأسه ووجهه بحلقات الحديد في الحرب.
جاء في ( زاد المعاد ) لشمس الدين أبى عبد الله محمد بن قيم الجوزية عن هديه صلى الله عليه وسلم في ملابسه والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنّها وأمر بها ورغ فيها وداوم عليها، وهي أن هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر، ولبس الجبة والقباء، والقميص والسراويل، والإزار والرداء، والخف والنعل، وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة...
وقال عن هديه في نومه وانتباهه : كان ينام على فراشه تارة، وعلى النطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رماله، وتارة على كساء أسود.
وقال في هديه في الطعام : وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام، لا يردّ موجودا، ولا يتكلف مفقودا، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
فقد أكل الحلوى والعسل –وكان يحبهما- وأكل الرطب والتمر، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد -وكان يحبه- ولم يكن يردّ طيبا ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر...
والأحاديث النبوية التي تحض على اليسر والسماحة، والرفق في تناول الأمور كثيرة جدا يصعب تقصيها، منها قوله صلى الله عليه وسلم :( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )viii. أخرجه البخاري.
( لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم )ix. أخرجه أبو داود.
( إذ هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبتx لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى )xi. أخرجه البخاري.
وفي التعامل يقول صلى الله عليه وسلم :( رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى )xii. أخرجه البخاري.
( المؤمن يألف ويؤلف )xiii. أخرجه الدارقطني.
( إن أبغض الرجال إلى الله الألدxiv الخصمxv. أخرجه الشيخان.
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها صفحات من السماحة واليسر، والهوادة واللين، والتوفيق إلى اليسر في تناول الأمور جميعا.
اختلف معه أعرابي، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي إلى بيته وزاده في العطاء حتى رضى، وأعلن عن رضاه أمام الصحابة أجمعين.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كريم النفس، ميسرا لحمل الرسالة في أمانة ويسر، ومودة ورحمة، وعطف على الناس وحكمة.
قال تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ( الأنبياء : ١٠٧ ).
قوال سبحانه : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم. ( التوبة : ١٢٨ ).
وكان صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، فقد حارب لصد العدوان، وتبليغ الدعوة، ومنع الاضطهاد والفتنة عن الضعفاء والمستضعفين، ومع ذلك كان آية في الإنسانية فكان ينهى عن قتل النساء والأطفال، وينهى عن الغدر والخيانة، ويحث على الوفاء بالعهد في السلم والحرب، ولا عجب فقد جمع المكارم والمحامد، وصدق الله العظيم : وإنك لعلى خلق عظيم. ( القلم : ٤ ).
٩- فذكّر إن نفعت الذكرى. لقد يسره الله لليسرى، لينهض بالأمانة الكبرى، وليذكر الناس، فلهذا أعد ولهذا بشر، فذكّر حيثما وجدت فرصة للتذكير، ومنفذا للقلوب، ووسيلة للبلاغ.
قال النيسابوري في تفسير الآية :
إن تذكير العالم واجب في أول الأمر، وأما التكرير فالضابط فيه هو العرف، فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود، فلهذا أردفه بالشرط حيث قال : فذكّر إن نفعت ال
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ سبّح اسم ربك الأعلى ١ الذي خلق فسوّى ٢ والذي قدّر فهدى ٣ والذي أخرج المرعى ٤ فجعله غثاء أحوى ٥ سنقرئك فلا تنسى ٦ إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ٧ ونيسّرك لليسرى ٨ ﴾
المفردات :
سبح اسم ربك : نزّهه ومجّده تعالى عما لا يليق به.
التفسير :
١- سبّح اسم ربك الأعلى.
نزّه ربك الأعلى عما لا يليق به من الأوصاف، في ذاته وأفعاله وأسمائه، فالله تعالى متصف بكل كمال، منزّه عن كل نقص، منزه عن الشريك والمثيل والنظير : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ( الشورى : ١١ ).
هو سبحانه أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، وظاهر في آثار قدرته، وخلق الكون، وتسخير الشمس والقمر، والليل والنهار، وهو باطن فلا تدركه العيون، ولا تحويه الظنون.
قال تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. ( الأنعام : ١٠٣ ).
إنها نعمة كبرى أن يسمح الإله الأعلى للعبد الفاني بالصلاة وبذكر الله، حيث يذكر الله من ذكره، ويتفضل الله على العابدين والذاكرين والمتبتلين، بفضله وحنانه وبرّه وإنعامه ومودته : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودّا. ( مريم : ٩٦ ).
خلق : أوجد كل شيء بقدرته.
فسوى : بين خلقه في الإحكام والإتقان.
التفسير :
٢- الذي خلق فسوّى.
الذي أحسن خلق الخلائق على غير مثال سابق، وجعلها متساوية في الإحكام والإتقان، حسبما اقتضته حكمته، ومنح كل مخلوق ما يناسب طبيعته ووظيفته، صنعة العليم الخبير : الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ( السجدة : ٧ ).
وقال تعالى : وخلق كل شيء فقدّره تقديرا. ( الفرقان : ٢ ). ونظّم وأبدع وأكمل.
وقال تعالى : ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت... ( الملك : ٣ ).
قدّر : جعل الأشياء على مقادير مخصوصة.
فهدى : فوجّه كل واحد منها إلى ما ينبغي له.
التفسير :
٣- والذي قدّر فهدى.
جعل الأشياء على مقدرة مخصوصة، في أجناسها وأفرادها وأفعالها وآجالها، وهدى كلاّ منها إلى ما يصدر عنه، وينبغي له طبعا أو اختيارا، ولو تأملت في خلق الإنسان وتدرجه في بطن أمه، وتدرجه في حياته من الطفولة إلى الشيخوخة، وسلوكه وعقله وجهده وعمله، لأدركت معنى : قدّر فهدى، وكذلك النبات ونموّه وجنب الحشرات إليه، لتكون من عوامل التلقيح من غير قصد منها، وتطور النبات والحيوان والطيور، والشموس والأقمار والكواكب، وقد يسّر لكل مخلوق وظيفته، وأودع فيه بالإلهام حركته، وصدق الله العظيم : قال فمن ربكما يا موسى* قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. ( طه : ٤٩، ٥٠ ).
فهو الخالق، وهو الملهم، وهو الميسّر لكل مخلوق أداء وظيفته ورسالته في هذه الحياة.
أخرج المرعى : أنبت العشب رطبا غضا.
فجعله غثاء : يابسا هشيما من بعد كالغثاء، والغثاء ما يحمله السيل من البالي من ورق الشجر مخالطا زبده.
التفسير :
٤، ٥- والذي أخرج المرعى* فجعله غثاء أحوى.
والذي أخرج المرعى.
هو الذي أخرج النبات والبرسيم، والحب والزيتون والنخل، وكل هذه مرعى للحيوان أو الإنسان أو الطيور أو الزواحف أو غير ذلك، فالذرة إذا كانت صغيرة فهي مرعى للحيوان، وإذا كانت حبا فهي مرعى للإنسان، وقد أودع الله في الأرض أرزاقها ليتم إعمار هذا الكون ورعايته وحفظه.
فجعله غثاء أحوى.
فجعله يابسا جافا، وأحوى. أسود يضرب إلى الخضرة.
إن حركة النبات عند بروزه صغيرا كأنه أطفال صغار، ثم نموّه واخضراره وازدهاره، ثم اصفراره ونهايته، كل هذا يذكّر الإنسان بحياته التي تمر بالطفولة إلى الشباب، ثم إلى الكهولة والموت، فلكل بداية نهاية، وكذلك الدنيا.
قال تعالى : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا. ( الكهف : ٤٥ ).
والمقصود من الآيات بيان دلائل القدرة، وأنواع النعم التي يغمرنا الله بها، وتستحق النظر والتأمل وتسبيح العلي القدير.
قال ابن كثير :
والذي أخرج المرعى. أي : من جميع صنوف النباتات والزروع.
فجعله غثاء أحوى. قال ابن عباس : هشيما متغيّرا. اه.
سنقرئك : ما نوحي إليك بواسطة جبريل عليه السلام.
فلا تنسى : أبدا من قوة الحفظ والإتقان.
التفسير :
٦، ٧- سنقرئك فلا تنسى* إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى.
سنجعلك قارئا للقرآن الكريم خلف جبريل فلا تنساه أبدا، وهذه هداية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم أن يكون أميا، لم يقرأ كتابا، ثم يحفظ القرآن الكريم بعد تبليغ جبريل، ويظل القرآن في قلبه ولسانه كما أنزل، هذه معجزة إلهية للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي معنى الآية قوله تعالى : لا تحرّك به لسانك لتعجل به* إنّ علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه* ثم إنّ علينا بيانه. ( القيامة : ١٦-١٩ ).
لقد تكفل الله بجمع القرآن الكريم في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، كما تكفّل بقراءة القرآن سليما تام الضبط على لسانه ليكون قدوة عملية للصحابة وللمسلمين جيلا بعد جيل، كما تكفل الله ببيان المعنى للرسول صلى الله عليه وسلم فيلهمه إلهاما بالمراد من الآيات حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بنقل ذلك للأمة.
قال تعالى : وأنزلنا إليك الذّكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون. ( النحل : ٤٤ ).
وخلاصة المعنى :
سنقرئك فلا تنسى. سنقرئك يا محمد هذا القرآن العظيم، فتحفظه في صدرك ولا تنساه، إلا ما شاء الله... لكن ما أراد الله نسخه فإنك تنساه.
وقال الإمام الشوكاني :
سنقرئك فلا تنسى.
سنجعلك قارئا، بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه، والجملة مستأنفة لبيان هدايته صلى الله عليه وسلم الخاصة، بعد بيان الهداية العامة، وهي هدايته صلى الله عليه وسلم لحفظ القرآن.
وقوله تعالى : إلا ما شاء الله... استثناء مفرّغ من أعم المفاعيل، أي : لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه، وهو لم يشأ سبحانه أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا.
إنه يعلم الجهر وما يخفى.
هو سبحانه عليم بما يجهر به العباد ويعلنونه، وهو عليم بما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء.
نيسرك لليسرى : نوفقك للطريقة اليسرى في كل أمر.
التفسير :
٨- ونيسّرك لليسرى.
نسهل عليك أفعلا الخير، ونشرع لك شرعا سهلا سمحا، لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر.
قال تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر... ( البقرة : ١٨٥ ).
وقال سبحانه وتعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج... ( المائدة : ٦ ).
وقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجا للتيسير، قال صلى الله عليه وسلم :( يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا )xviii.
ونلمح أن في الآيات تلطفا وتكريما وإيناسا للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بشّره ببشارتين :
الأولى : أن يكون حافظا للقرآن الكريم فلا ينساه.
الثانية : توفيقه صلى الله عليه وسلم إلى الشريعة اليسرى، وإلى الأخلاق الكريمة، وإلى الأخذ بما هو أرفق وأيسر في كل أحواله.
﴿ فذكّر إن نفعت الذكرى ٩ سيذّكر من يخشى ١٠ ويتجنبها الأشقى ١١ الذي يصلى النار الكبرى ١٢ ثم لا يموت فيها ولا يحيى ١٣ قد أفلح من تزكّى ١٤ وذكر اسم ربه فصلّى ١٥ بل تؤثرون الحياة الدنيا ١٦ والآخرة خير وأبقى ١٧ إنّ هذا لفي الصّحف الأولى ١٨ صحف إبراهيم وموسى ١٩ ﴾
المفردات :
التذكير : أن ينبّه الإنسان إلى شيء كان قد علمه من قبل ثم غفل عنه.
التفسير :
٩- فذكّر إن نفعت الذكرى.
ذكّر من تنفع الذكرى معه، وأد رسالتك حيث وجدت أرضا طيبة تصلح للغراس، وسر في دعوتك ورسالتك، اقرأ القرآن وبلّغ عن الرحمان، ولن يخلو جيل ولن تخلو أرض ممن يستمع وينتفع.
لقد أرسله الله رحمة للعالمين وختم به الرسالات، وجعله صاحب الشريعة الخاتمة، وأنزل عليه القرآن الكريم مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فإذا أدّى واجبه في الدعوة فقد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة.
وليس أن يحزن على أهل مكة، ولا أن يبخعه الهم والحزن بسبب المكذبين، أي فاتركهم وشأنهم وانشغل بمن ينتفع بهذا الكتاب، ويكون التذكير وسيلة لإيمانه وهدايته.
قال تعالى : فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد. ( ق : ٤٥ ).
أما من طبع على قلبه فلم تنفذ إليه الهداية فاتركه وشأنه.
قال تعالى : فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا* ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى. ( النجم : ٢٩، ٣٠ ).
وقيل : إن المعنى : ذكّر إن نفعت الذكرى أو إن لم تنفع.
والمقصود استبعاد النفع بالنسبة لهؤلاء المذكورين، رؤوس الكفر والضلال بمكة.
والمطلوب تذكير الجميع سواء انتفعوا بالذكرى أو لم ينتفعوا، كأنه قيل : افعل ما أمرت به لتؤجر وإن لم ينتفعوا به، وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم.
ومنه قوله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا... ( النور : ٣٣ ).
أي : لا تكرهوا فتياتكم على الغاء مطلقا، وإن أردن تحصنا من باب أولى، حيث إن الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول كبير المنافقين، وكان يكره جواريه على البغاء ليستفيد من أموالهن، وكن كارهات راغبات في التطهر.
وعند التأمل نجد أن الأصل تبليغ الدعوة لأول مرة، أما تكرير الدعوة فيترك ذلك لفقه الداعية وتوقعه للقبول.
قال ابن كثير :
ومن هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله.
أخرج مسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنت بمحدّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة )xix.
وروى الديلمي في مسند الفردوس، عن علي، كما روى البخاري موقوفا :( حدّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذّب الله ورسوله )xx.
وقال عيسى عليه السلام : لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتلظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، وكن كالطبيب يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع.
من يخشى : من يخشى الله، وهم صنفان : مذعن معترف بالله وببعثه للعباد للثواب والعقاب، ومتردد في ذلك.
التفسير :
١٠- سيذّكّر من يخشى.
أي : إنما ينتفع بتذكيرك من يخشى الله ويخاف عقابه، لأنه هو الذي يتأمل في كل ما تذكره له، فيتبين له وجه الصواب، ويظهر له سبيل الحق الذي يجب التعويل عليه.
قال الإمام فخر الدين الرازي :
إن الناس في أمر المعاد ثلاثة أقسام : القاطع بصحته، والمتردد فيه، والجاحد له.
والفريقان الأولان ينتفعان بالتذكير والتخويف، وكثير من المعاندين إنما يجحدون باللسان فقط، فتبين أن أكثر الخلق ينتفعون بالوعظ، والمعرض نادر، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير، فلهذا وجب تعميم التذكير، وإن كان لا ينتفع بالتذكير إلا البعض الذين علم الله انتفاعهم به، ونحن لا نعلمهم، فبعد أن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتذكير، بين في قوله : سيذّكر من يخشى. الذي تنفعه الذكرى من هو. اه.
الأشقى : المعاند المصر على الجحود والإنكار، الذي تمكّن الكفر من نفسه.
يصلى النار الكبرى : يدخل جهنم، أو يقاسي حرها، والنار الكرى هي نار الآخرة، لأن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة، وقيل : المراد بالنار الكبرى : أسفل دركات الجحيم.
التفسير :
١١، ١٢- ويتجنبها الأشقى* الذي يصلى النار الكبرى.
يبتعد عن الذكرى فلا يرقّ لها ولا يستفيد بها، الأشقى. أي : الأشقى مطلقا، الذي غلبت عليه الشقوة، فلا يتفتح قلبه لخير، ولا يرغب في معرفة الهدى أو الطريق السليم.
فهو الأشقى. في الدنيا، حيث يعيش قلقا متكالبا على ما في الأرض، وهو الأشقى. في الآخرة لدخوله جهنم.
الذي يصلى النار الكبرى.
الذي يصطلى بنار جهنم، وفيها ألوان العذاب، وألوان المهانة، وألوان الآلام، وهم خالدون فيها خلودا أبديا سرمديا، لا يخفف عنهم العذاب، وليس لهم شفيع ولا نصير.
الأشقى : المعاند المصر على الجحود والإنكار، الذي تمكّن الكفر من نفسه.
يصلى النار الكبرى : يدخل جهنم، أو يقاسي حرها، والنار الكرى هي نار الآخرة، لأن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة، وقيل : المراد بالنار الكبرى : أسفل دركات الجحيم.
التفسير :
١١، ١٢- ويتجنبها الأشقى* الذي يصلى النار الكبرى.
يبتعد عن الذكرى فلا يرقّ لها ولا يستفيد بها، الأشقى. أي : الأشقى مطلقا، الذي غلبت عليه الشقوة، فلا يتفتح قلبه لخير، ولا يرغب في معرفة الهدى أو الطريق السليم.
فهو الأشقى. في الدنيا، حيث يعيش قلقا متكالبا على ما في الأرض، وهو الأشقى. في الآخرة لدخوله جهنم.
الذي يصلى النار الكبرى.
الذي يصطلى بنار جهنم، وفيها ألوان العذاب، وألوان المهانة، وألوان الآلام، وهم خالدون فيها خلودا أبديا سرمديا، لا يخفف عنهم العذاب، وليس لهم شفيع ولا نصير.
لا يموت : أي فيستريح.
ولا يحيا : أي حياة طيبة. قال الشاعر :
ألا ما لنفس لا تموت فينقضي | عناها ولا تحيا حياة لها طعم. |
١٣- ثم لا يموت فيها ولا يحيى.
فهو لا يموت فيجد طعم الراحة، ولا يحيا حياة كريمة، ولا يخفف عنه العذاب، ولا يجاب رجاؤه، ونحو الآية قوله تعالى : والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور. ( فاطر : ٣٦ ).
والعرب تقول لمن أصيب بمرض أقعده :( لا هو حيّ فيرجى، ولا ميّت فينعى ).
أفلح : فاز ونجا.
تزكى : تطهر من الكفر والمعاصي.
التفسير :
١٤- قد أفلح من تزكّى.
قد فاز من طهّر نفسه بالإيمان، وأخلص عمله للرحمان.
ذكر اسم ربه : ذكر في قلبه صفات ربه من الكبرياء والجلال.
فصلى : فخشع، وخضعت نفسه لأوامر بارئه.
التفسير :
١٥- وذكر اسم ربه فصلّى.
أي : كبّر تكبيرة الإحرام، وأدى الصلوات الخمس، وحافظ على الفرائض، وحفّها بالنوافل.
وعن علي رضي الله عنه :
تزكّى. تصدّق صدقة الفطر. ( أي : أخرج الفطر في آخر رمضان ).
وذكر اسم ربه فصلّى. كبّر يوم العيد، فصلى العيد. اه.
وتظل الآيات عامة، تشهد بالفلاح لكل من طهّر نفسه من عوامل السوء، مثل الأثرة والحقد، والحسد والأنانية، وسما بنفسه إلى طاعة الله وذكره. وذكر اسم ربه فصلّى. أي : أدى الصلاة المكتوبة مع النوافل وقيام الليل، وحرص على ذكر الله والدعاء والتبتل، وحسن الصلة بالله، فهذا قلبه حي مستنير.
قال تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله... ( الزمر : ٢٢ ).
وقال صلى الله عليه وسلم :( إن النور إذا دخل القلب اتسع له الصدر وانشرح )، قيل : يا رسول الله، هل لذلك من علامة قال :( نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت، ثم تلا قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور ربهxxi...
١٦، ١٧- بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى.
بل أنتم معشر البشر تؤثرون الدنيا العاجلة، حيث شاهدتم أموالها ونساءها، وقصورها ودورها، وسائر أمورها، وهي دنيا محدودة الأجل، فهي دنيا وليست عليا.
والآخرة خير وأبقى.
والآخرة خير ثوابا وخير مردّا، وهي دار الجزاء العادل، في جناتها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالآخرة أفضل من الدنيا، لأن نعيمها دائم باق لا يفنى، ولأن جزاء الآخرة عطاء من الله، وعطاء الله أفضل وأكثر.
روى الإمام أحمد، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أحب دنياه أضرّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى )xxii.
١٦، ١٧- بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى.
بل أنتم معشر البشر تؤثرون الدنيا العاجلة، حيث شاهدتم أموالها ونساءها، وقصورها ودورها، وسائر أمورها، وهي دنيا محدودة الأجل، فهي دنيا وليست عليا.
والآخرة خير وأبقى.
والآخرة خير ثوابا وخير مردّا، وهي دار الجزاء العادل، في جناتها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالآخرة أفضل من الدنيا، لأن نعيمها دائم باق لا يفنى، ولأن جزاء الآخرة عطاء من الله، وعطاء الله أفضل وأكثر.
روى الإمام أحمد، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أحب دنياه أضرّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى )xxii.
إن هذا : المذكور في الآيات الأربع السابقة.
التفسير :
١٨، ١٩- إنّ هذا لفي الصّحف الأولى* صحف إبراهيم وموسى.
إن ما ورد في هذه السورة من أصول العقيدة، والدعوة إلى الخير، والحق الأصيل العريق، هو الذي ورد مثله في الصحف الأولى التي أنزلها الله على الأنبياء والمرسلين، وكانت صحف إبراهيم عشرا، وصحف موسى عشرا، أنزلت عليه قبل التوراة، وكانت صحف موسى عبرا كلّها، وصحف إبراهيم أمثالا كلها.
وبذلك تلتقي الرسالات والنبوات على الحق الأصيل، وهو توحيد الله تعالى، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والبر والخير والتقوى، والطهر والعفاف والاستقامة، والبعد عن الشر والآثام والموبقات، مثل : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، والتولي يوم الزحف، والربا والزنا واليمين الغموس، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وأشباه ذلك.
اللهم تقبل منا، واهدنا وأرضنا، واختم لنا بالإيمان والإسلام، آمين.
حديث شريف
عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحف موسى ما كانت ؟ قال :( كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب، عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل ).
إن هذا : المذكور في الآيات الأربع السابقة.
التفسير :
١٨، ١٩- إنّ هذا لفي الصّحف الأولى* صحف إبراهيم وموسى.
إن ما ورد في هذه السورة من أصول العقيدة، والدعوة إلى الخير، والحق الأصيل العريق، هو الذي ورد مثله في الصحف الأولى التي أنزلها الله على الأنبياء والمرسلين، وكانت صحف إبراهيم عشرا، وصحف موسى عشرا، أنزلت عليه قبل التوراة، وكانت صحف موسى عبرا كلّها، وصحف إبراهيم أمثالا كلها.
وبذلك تلتقي الرسالات والنبوات على الحق الأصيل، وهو توحيد الله تعالى، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والبر والخير والتقوى، والطهر والعفاف والاستقامة، والبعد عن الشر والآثام والموبقات، مثل : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، والتولي يوم الزحف، والربا والزنا واليمين الغموس، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وأشباه ذلك.
اللهم تقبل منا، واهدنا وأرضنا، واختم لنا بالإيمان والإسلام، آمين.
حديث شريف
عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحف موسى ما كانت ؟ قال :( كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب، عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل ).
تمّ بحمد الله تعالى تفسير سورة الأعلى.
i يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبّح :
رواه مسلم في الجمعة ( ٨٧٨ ) من حديث النعمان بن بشير قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، قال : وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين.
ii كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة :
رواه أحمد في مسنده ( ٧٤٤ ) من حديث علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة :{ سبح اسم ربك الأعلى ).
iii تفسير جزء عم، سورة الأعلى، ص ٥٢.
iv اجعلوها في ركوعكم :
رواه أبو داود في الصلاة ( ٨٦٩ ) وابن ماجة في إقامة الصلاة ( ٨٨٧ ) وأحمد في مسنده ( ١٦٩٦١ ) من حديث عقبة بن عامر قال : ما نزلت { فسبح اسم ربك العظيم ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في ركوعكم )، فلما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى )، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اجعلوها في سجودكم ).
v في ظلال القرآن ٣٠/١٢٤.
vi في ظلال القرآن ٣٠/١٢٥ نقلا عن كتاب ( الإنسان لا يقوم وحده ) للعالم ( أ. كريس موريسون ) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك، وقد ترجم الكتاب الأستاذ الإمام محمود صالح الفلكي بعنوان ( العلم يدعو إلى الإيمان ).
vii تفسير جزء عم، للأستاذ محمد عبده، سورة الأعلى ص ٥٢.
viii لن يشاد الدين أحد إلا غلبه :
رواه البخاري في الإيمان ( ٣٩ ) والنسائي في الإيمان ( ٥٠٣٤ ) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ).
ix لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم :
رواه أبو داود في الأدب ( ٤٩٠٤ ) من حديث سعيد بن عبد الرحمان بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريب منها، فلما سلم قال أبي : يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته قال : إنها المكتوبة وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه. فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :( لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار ﴿ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ﴾ ثم غدا من الغد فقال : ألا تركب لتنظر وتعتبر ؟ قال : نعم، فركبوا جميعا فإذا هم بديار باد أهلها وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، فقال : أتعرف هذه الديار ؟ فقلت : ما أعرفني بها وبأهلها، قال : هذه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني والكف والقدم والجسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذّبه.
x المنبت : هو الذي يجهد دابته في السير حتى تموت.
xi إن المنبت لا أرضا قطع :
ذكره السيوطي في الجامع الصغير ( ٢٥٠٩ ) ورمز لضعفه. قال المناوي في الفيض : قال الهيثمي : وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب. انتهى. ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روى موصولا ومرسلا ومرفوعا وموقوفا واضطراب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر ؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله. قال العجلوني في كشف الخفاء : رواه البزار والحاكم في علومه والبيهقي وابن طاهر وأبو نعيم والقضاعي والعسكري والخطابي في العزلة عن جابر مرفوعا بلفظ :( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ) واختلف في إرساله ووصله.
xii رحم الله رجلا سمحا إذا باع :
رواه البخاري في البيوع ( ٢٠٧٦ ) وابن ماجة في التجارات ( ٢٢٠٣ ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ).
xiii المؤمن يألف ويؤلف :
رواه أحمد في مسنده ( ٢٢٣٣٣ ) من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( المؤمن مؤلفة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ).
ورواه أحمد في مسنده أيضا ( ٨٩٤٥ ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( المؤمن مؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ).
xiv اللدد في الخصومة : تجاوز الحد والتقول على الخصم بالحق والباطل. وفي البخاري :( ثلاث من كن فيه كان منافقا : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ). وفي رواية : وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر. وفي القرآن ﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام ﴾ ( البقرة : ٢٠٤ ). والفجور في الخصومة هو الشدة واللدد والادعاء على الخصم بالحق والباطل. والمؤمن نزيه وصادق حتى في خصومته.
xv إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم :
رواه البخاري في المظالم ( ٢٤٥٧ ) ومسلم في العلم ( ٢٦٦٨ ) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ).
xvi تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ٣٠/٧٣، طبعة بولاق.
xvii تفسير جزء عم للأستاذ محمد عبده، سورة الأعلى ص ٥٤.
xviii بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا :
رواه البخاري في العلم ( ٦٩ ) من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ) ورواه مسلم في الجهاد ( ١٧٣٢ ) وأبو داود في الأدب ( ٤٨٣٥ ) وأحمد في مسنده ( ٢٧٦٨١ ) من حديث أبي موسى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال :( بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا ). ورواه البخاري في الأدب ( ٦١٢٤ ) وفي المغازي ( ٤٣٤١، ٤٣٤٢ )، ومسلم في الأشربة ( ١٧٣٣ ) وأحمد في مسنده ( ١٩٢٠٠ ) من حديث أبي موسى قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل قال لهما :( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ) قال أبو موسى : يا رسول الله، إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال لع البتع. وشراب من الشعير يقال له المزر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل مسكر حرام ).
xix ما أنت بمحدث قوما حديثا :
رواه مسلم في المقدمة من حديث عبد الله بن مسعود قال : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
xx حدّثوا الناس بما تعرفون :
رواه البخاري في العلم ( ١٢٧ ) قال : وقال علي : حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. حدثنا عبيد الله بن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي بذلك.
xxi إن النور إذا قذف به في القلب اتسع له الصدر وانشرح :
قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ﴾ فقلنا : يا رسول الله، كيف انشراح صدره ؟ قال :( إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح ). قلنا : يا رسول الله، فما علامة ذلك ؟ قال :( الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت ). قال العراقي في تخريج الإحياء : رواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود.
xxii من أحب دنياه أضر بآخرته :
رواه أحمد في مسنده ( ١٩١٩٨ ) من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى ).