فصل الاستعاذة :
ثبت بالكتاب والسنة أن يستعيذ القارئ لقراءة القرآن، فيقول :" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ". وهو نص الكتاب، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه ".
وفي الاستعاذة وجهان :( أحدهما ) أنها الاستجارة بذي منعة. ( والثاني ) أنها الاستعانة عن خضوع.
وفي موضعها وجهان :( أحدهما ) أنها خبر يخبر به المرء عن نفسه بأنه مستعيذ بالله. ( والثاني ) أنها في معنى الدعاء وإن كانت بلفظ الخبر، كأنه يقول : أعذني يا سميع يا عليم من الشيطان الرجيم، يعني أنه سميع الدعاء عليم بالإجابة.
وفي قوله :" من الشيطان " وجهان :( أحدهما ) من وسوسته. ( والثاني ) من أعوانه.
وفي " الرجيم " وجهان :( أحدهما ) يعني الراجم، لأنه يرجم بالدواهي والبلايا. ( والثاني ) أنه بمعنى المرجوم، وفيه وجهان :( أحدهما ) أنه مرجوم بالنجوم. ( والثاني ) أنه المرجوم بمعنى المشئوم. وفيه وجه ( ثالث ) أن المرجوم الملعون، والملعون المطرود.
وقوله :" من نفخه ونفثه وهمزه "، يعني بالنفخ : الكبر، وبالنفث : السحر، وبالهمز الجنون. والله أعلم.
سورة فاتحة الكتاب
قال قتادة : هي مكية ؛ وقال مجاهد : هي مدنية. ولها ثلاثة أسماء : فاتحة الكتاب وأم القرآن، والسبع المثاني.
روى ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني١.
فأما تسميتها بفاتحة الكتاب فلأنه يستفتح الكتاب بإثباتها خطا وبتلاوتها لفظا.
وأما تسميتها بأم القرآن فلتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها، صارت أما لأنها أمّته أي تقدمته، وكذلك قيل لراية الحرب ( أم ) لتقدمها واتباع الجيش لها،
قال الشاعر :
على رأسه أم لها يقتدى بها | جماع أمور لا يعاصى لها أمر |
إذا كانت الخمسون أمّك لم يكن | لرأيك إلا أن يموت طبيب |
وأما تسميته مكة بأم القرى ففيه قولان :( أحدهما )- أنها سميت أم القرى لتقدمها على سائر القرى. ( والثاني ) أنها سميت بذلك لأن الأرض منها دحيت، وعنها حدثت، فصارت أما لها لحدوثها عنها كحدوث الولد عن أمه.
وأما تسميتها بالسبع المثاني فلأنها سبع آيات في قول الجميع. وأما المثاني فلأنها تثنى في كل صلاة من فرض وتطوع. وليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسميته غيرها به. قال أعشى همذان :
فلِجُوا المسجد وادعوا ربكم | وادرسوا هذي المثاني والطول |
٢ - آية ٤ الزخرف..
(إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُما | وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ) |
(إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَمْراً فَدَعْهُ | وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ) |
(وَصِلْهُ بِالدُّعَاءِ فَكُلُّ أَمْرٍ | سَمَا لَكَ أَوْ سَمَوْتَ لَهُ وُلُوعُ) |
(لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لَقِيتُهَا | فَيَا حَبَّذا ذَاكَ الْحَبِيبُ المُبَسْمِلُ) |
(لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ المُدَّهِ | لَمَّا رَأَيْنَ خَلِقَ الْمُمَوَّهِ) |
أي من تعبد، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قرأ: ﴿وَيَذَرَكَ وءالِهَتَكَ﴾ أي وعبادتك. ثم اختلفوا، هل اشتق اسم الإله من فعل العبادة، أو من استحقاقها، على قولين: أحدهما: أنه مشتق من فعل العبادة، فعلى هذا، لا يكون ذلك صفة لازمة قديمة لذاته، لحدوث عبادته بعد خلق خلقه، ومن قال بهذا، منع من أن يكون الله تعالى إلهاً لم يزل، لأنه قد كان قبل خلقه غير معبود. والقول الثاني: أنه مشتق من استحقاق العبادة، فعلى هذا يكون ذلك صفة لازمة لذاته، لأنه لم يزل مستحقّاً للعبادة، فلم يزل إلهاً، وهذا أصح القولين، لأنه لو كان مشتقّاً من فعل العبادة لا من استحقاقها، للزم تسمية عيسى عليه السلام إلهاً، لعبادة النصارى له، وتسمية الأصنام آلهة، لعبادة أهلها لها، وفي بطلان هذا دليل، على اشتقاقه من استحقاق العبادة، لا من فعلها، فصار قولنا (إله) على هذا القول صفة من صفات الذات، وعلى القول الأول من صفات الفعل.
(أو تتركون إلى القسّين هجرتكم | ومسحكم صلبهم رحمن قربانا) |
(أَلاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَا | أَلاَ ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا) |
(........................ فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ)
واختُلِف في العالم، على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنّه ما يعقِل: من الملائكة، والإنس، والجنِّ، وهذا قول ابن عباس.
(مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا) |
(تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي | أَهذَا دِينُهُ أَبَداً وَدينِي) |
(لَئِن حَلَلْتَ بِجَوٍّ في بَنِي أَسَدٍ | في دِينِ عَمْرٍو وَمَالتْ بَيْنَنَا فَدَكُ) |
(أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِراطٍ | إذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيم) |
(...................... فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ)
وهو مشتق من مُسْتَرَطِ الطعام، وهو ممره في الحلق. وفي الدعاء بهذه الهداية، ثلاثة تأويلات: أحدها: أنهم دعوا باستدامة الهداية، وإن كانوا قد هُدُوا. والثاني: معناه زدنا هدايةً
والثاني : أنهم الأنبياء.
والثالث : أنهم المؤمنون بالكتب السالفة.
والرابع : أنهم المسلمون وهو قول وكيع.
والخامس : هم النبي صلى الله عليه وسلم، ومَنْ معه مِنْ أصحابه، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير :( صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )
وأما قوله :﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ فقد روى عن عديِّ بن حاتم قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المغضوب عليهم، فقال :" هُمُ اليَهُود " وعن الضالين فقال :" هُمُ النَّصارى١ ".
وهو قول جميع المفسرين.
وفي غضب الله عليهم، أربعة أقاويل :
أحدها : الغضب المعروف من العباد.
والثاني : أنه إرادة الانتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، وهذه الصفة لا تجوز على الله تعالى.
والثالث : أن غضبه عليهم هو ذَمُّهُ لهم.
والرابع : أنه نوع من العقوبة سُمِّيَ غضباً، كما سُمِّيَتْ نِعَمُهُ رَحْمَةً.
والضلال ضد الهدى، وخصّ الله تعالى اليهود بالغضب، لأنهم أشد عداوة.
وقرأ عمر بن الخطاب ( غَيْرِ الْمغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّآلِّين ).