ﰡ
وقرأ نافع وهشام وحفص بفتح ياء «ولي» وحذف ياء الإضافة من «دين» وقفا ووصلا السبعة. وجمهور القراء وأثبتها في الحالين سلام ويعقوب.
سورة النصر
وتسمى سورة التوديع لما فيها من الدلالة على توديع الدنيا وهي آخر سورة نزلت- قاله ابن عباس- مدنية، هي ثلاث آيات وثلاث، عشرون كلمة، تسعة وسبعون حرفا
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ إن كان نزول هذه السورة قبل فتح مكة، ف «إذا» ظرف مستقبل جوابه فسبح، فإن كان النزول بعد الفتح ف «إذا» بمعنى إذ التي للماضي، فهي على هذا متعلقة بمقدر، أي أكمل الله الأمر وأتم النعمة إذ حصل إعانة الله تعالى على عدوك، وَالْفَتْحُ (١) أي فتح مكة، وهو الفتح الذي يقال له: فتح الفتوح، وكان لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان،
فقد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة ومعه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وطوائف العرب إلى أن نزل بمر الظهران، وقدم العباس وأبو سفيان إليه، فاستأذنا، فأذن لعمه خاصة، فقال أبو سفيان: إما أن تأذن لي، وإلا أذهب بولدي إلى المفازة، فنموت جوعا وعطشا، فرق قلبه، فأذن له وقال له: «ألم يأن أن تسلم وتوحد؟» فقال: أظن أنه واحد ولو كان هاهنا غير الله لنصرنا، فقال:
«ألم يأن أن تعرف أني رسوله؟» فقال: إن لي شكا في ذلك، فقال العباس: أسلم قبل أن يقتلك عمر فقال: وماذا أصنع بالعزى؟ فقال عمر: لولا أنك بين يدي رسول الله لضربت عنقك، فقال:
يا محمد، أليس الأولى أن تترك هؤلاء الأوباش، وتصالح قومك وعشيرتك، فسكان مكة عشيرتك وأقاربك وتعرضهم للشن والغارة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هؤلاء نصروني وأعانوني وذبوا عن حريمي، وأهل مكة أخرجوني وظلموني فإن هم أسروا فبسوء صنيعهم». وأمر العباس بأن يذهب به ويوقفه على المرصاد ليطالع العسكر، ثم تقدم أبو سفيان ودخل مكة وقال: إن محمدا جاء
«١»، فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئا، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الإسلام، وأقام صلّى الله عليه وسلّم في مكة خمس عشرة ليلة، ثم خرج إلى هوازن.
وقرئ «فتح الله» و «النصر». وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢)، أي وأبصرت الناس يدخلون في ملة الإسلام جماعات كثيفة كأهل مكة، والطائف، واليمن، وهوازن، وسائر قبائل العرب، وكانوا قبل ذلك فيه واحدا واحدا، واثنين اثنين. وقرئ «يدخلون» على البناء للمفعول فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ. أي فقل سبحان الله حامدا له، وَاسْتَغْفِرْهُ أي واطلب غفرانه هضما لنفسك واستقصارا لعملك، واستعظاما، لحقوق الله، واستدراكا لما فرط منك من ترك الأولى، وكأنه تعالى يقول: إذا جاء نصر الله إياك والمؤمنين، والفتح، ودخول الناس في دينك فاشتغل أنت بالتسبيح والحمد والاستغفار إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣) أي إنه تعالى يكثر قبول التوبة لكثير من التائبين، والتوبة اسم للرجوع والندم، والإنسان قد يقول: أستغفر الله وليس بتائب، فيكون كاذبا وكان تقدير الكلام: واستغفره بالتوبة، وفي هذا تنبيه على أن خواتيم الأعمال يجب أن تكون بالتوبة والاستغفار، وكذا خواتيم الأعمار.
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يجلس مجلسا إلا ختمه بالاستغفار.
وعن عائشة: كان نبي الله في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب، ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» فقلت: يا رسول الله إنك تكثر من قول سبحان الله وبحمده؟ قال: «إني أمرت بها» وقرأ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ.
وعن ابن مسعود لما نزلت هذه السورة كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الغفور»
«٢».
(٢) رواه أحمد في (م ١/ ص ٢٨١)، والبيهقي في السنن الكبرى (٩: ٧)، وابن كثير في التفسير (٨: ٥٣٤)، والبغوي في شرح السنة (٥: ١٢٨)، والطبري في التفسير (٣٠: -
، وعن ابن عمر نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: ٣] فعاش النبي صلّى الله عليه وسلّم بعدها ثمانين يوما، ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوما، ثم نزل لقد جاءكم رسول من أنفسكم، فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما، ثم نزل وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:
٢٨١] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما، وقيل: أحد عشر يوما، وقيل: سبعة أيام والله أعلم، وتوفي صلّى الله عليه وسلّم في ربيع الأول لاثني عشر خلت منه من هجرته إلى المدينة والهجرة، كانت لاثني عشر خلت من ربيع الأول كما أن مولده كذلك على المشهور.