ﰡ
﴿ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾؛ الْقُدُّوسُ: المستحقُّ للتعظيمِ لتنْزِيهِ صفاتهِ عن كلِّ نقصٍ، ويقالُ: معناهُ: كثيرُ البركةِ.
﴿ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾؛ يعني القرآنَ.
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾؛ أي يُطهِّرُهم من الدَّنسِ والكفرِ، فيجعلهم أزْكِيَاءَ بما يأْمُرهم به من التوحيدِ ويدعوهم إليه من طاعةِ.
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾؛ أي القرآنَ والعلمَ.
﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾؛ أي وقد كانوا قبلَ مجيئهِ إليهم بالقرآنِ لفِي ظلالٍ مبين، يعبُدون الأصنامَ ويَسْتَقْسِمُونَ بالأَزْلاَمِ.
﴿ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾؛ على مَن اختصَّهُ بالنبوَّةِ والإسلامِ، وَقِيْلَ: ذو الْمَنِّ العظيمِ على خلقهِ ببعثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾؛ أي يَحمِلُ كُتُباً من العلمِ عِظَاماً لا يدري ما عليه وما حَمَلَ. والأَسْفَارُ: جمعُ سِفْرٍ، وهو الكتابُ الكبير، شَبَّةَ اليهودَ إذ لم ينتفِعُوا بما في التَّوراةِ وهي دالَّةٌ على الإيمانِ بالحمار يحملُ كُتُبَ العلمِ، ولا يدري ما فيه، وليس حَمْلُ التوراةِ من الحملِ على الظَّهرِ، وإنما هو من الْحَمَالَةِ وهو الضَّمانُ والكفالةُ والقبول كما في قوله تعالى﴿ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾[الأحزاب: ٧٢] أي يَقْبَلْنَهَا. فاليهودُ ضَمِنُوا العملَ بها ثم لم يفعَلُوا بما ضَمِنُوا وجَحَدُوا بعضَ ما حَمَلوا، فلذلك قِيْلَ: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾؛ يعني اليهودَ كذبُوا بالقرآنِ وبالتَّوراة حين لم يُؤمِنوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾؛ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بتكذيبهم الأنبياءَ.
﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؛ من خيرٍ أو شرٍّ.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:" إذا أتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أدْرَكْتُمْ فصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا "، وهذا عامٌّ في جميعِ الصَّلوات. قال بعضُهم: فاسعَوا إلى ذكرِ اللهِ، يعني الصَّلاةَ مع الإمامِ، وذلك هو المرادُ بذكرِ الله. وقال بعضُهم: هي الخطبةُ لأنَّها تلِي النداءَ، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ، فَإذا رَاحَ كَتَبَ اللهُ لَهُ بكُلِّ قَدَمٍ عَمَلَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ أُجِيزَ بعَمَلِ مِائَتَي سَنَةٍ ". وعن أبي ذرٍّ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ، وَلَبسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيب بَيْتِهِ أوْ دُهْنِهُ، ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقْ مَا بَيْنَ اثْنَيْنِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَزيَادَةَ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ بَعْدَهَا ". وعن أنسٍ رضي الله عنه:" أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إنَّ هَذا يَوْماً جَعَلَهُ اللهُ عِيْداً لِلْمُسْلِمِينَ فَاغْتَسِلُوا فِيْهِ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلاَ يَضُرُّهُ أنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بالسِّوَاكِ " ". وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:" لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي رَأيْتُ تَحْتَ الْعَرْشِ سَبْعِينَ مَدِينَةً، كُلُّ مَدِينَةٍ مِثْلَ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ سَبْعِينَ مَرَّةً مَمْلُوءَةً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، يُسَبحُونَ اللهَ وَيُقَدِّسُونَهُ، وَيَقُولُونَ فِي تَسْبيحِهِمْ: اللُّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ، اللُّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ". وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا أرْبَعٌ وَعُشْرُونَ سَاعَةً، للهِ تَعَالَى فِي كُلِّ سَاعَةٍ سِتُّمِائَةِ ألْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّار ". وقال صلى الله عليه وسلم:" لَعَلَّ أحَدَكُمْ يَتَّخِذُ الضَّيْعَةَ عَلَى رَأسِ مِيْلٍ أوْ مِيلَيْنِ وَثَلاَثَةٍ، تَأْتِي عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا، ثُمَّ تَأْتِي الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا، ثُمَّ تَأْتِي عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا، فَيُطْبَعُ عَلَى قَلْبهِ ". وقال صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ:" مَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافاً بهَا أوْ جُحُوداً لَهَا، فَلاَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ وَلاَ بَارَكَ لَهُ فِي أمْرِهِ، ألاَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ، ألاَ فَلاَ زََكَاةَ لَهُ، ألاَ فَلاَ صِيَامَ لَهُ، ألاَ فَلاَ حَجَّ لَهُ، إلاَّ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، فَإنْ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ ". قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ﴾ قال الحسنُ: (إذا أذنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحِلَّ الشِّرَاءُ وَلاَ الْبَيْعُ، فَمَنْ بَاعَ تِلْكَ السَّاعَةِ فَقَدْ خَالَفَ الأَمْرَ، وَبَيْعُهُ مُنْعَقِدٌ) لأنه نَهيُ تنْزيهٍ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾؛ وهذا على الترغيب في ترك البيع.
﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؛ ما هو خيرٌ لكم وأصلحُ. قرأ العامَّةُ (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) بضمَّتين، وقرأ الأعمشُ بجزم الميمِ وهما لُغتان، قال الفرَّاء: (وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: جُمَعَةٌ بفَتْحِ الْمِيْمِ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ ضُحَكَةٌ وَهُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ، وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عَقِيلٍ). وإنَّما سُمِّي هذا اليومُ جُمعةً لما رُوي عن سَلمان قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ "وَقِيْلَ: إنَّ الله تعالى فَرَغَ فيه من خلقِ المخلوقات. وَقِيْلَ: تجتمعُ الجماعاتُ فيها. وَقِيْلَ: لاجتماعِ الناسِ فيها للصَّلاة. وَقِيْلَ: أوَّلُ من سَمَّاها جُمعةً كعبُ بن لؤَيٍّ، وكان يقالُ ليومِ الْجُمعة: العُرُوبَةُ. وَقِيْلَ: أوَّل مَن سَمَّاها جُمُعَةً الأنصارُ.
﴿ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾؛ أي ليس يَفوتُهم من أرزاقِهم لتخلُّفهم عن الْمِيرَةِ شيءٌ، ولا بتَركِهم البيعَ في وقتِ الصَّلاة.