تفسير سورة الجمعة

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قال الله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾. قيل : إنما سموا أمّيين لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرأون الكتابة، وأراد الأكثر الأعمّ وإن كان فيهم القليل ممن يكتب ويقرأ ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا " وأشار بأصابعه، وقال :" إِنَّا نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَحْسُبُ ولا نَكْتُبُ ".
وقال تعالى :﴿ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾ لأنه كان أمّيّاً، وقال تعالى :﴿ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ].
وقيل إنما سمّي من لا يكتب أميّاً لأنه نُسب إلى حال ولادته من الأمّ، لأن الكتابة إنما تكون بالاستفادة والتعلم دون الحال التي يجري عليها المولود.
وأما وجه الحكمة في جعل النبوة في أمّيِّ فإنه ليوافق ما تقدمت به البشارة في كتب الأنبياء السالفة، ولأنه أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة ؛ فهذان وجهان من الدلالة في كونه أمّياً على صحة النبوة.
ومع أن حاله مشاكلة لحال الأمّة الذين بُعث فيهم وذلك أقرب إلى مساواته لو كان ذلك ممكناً فيه، فدلّ عجزهم عما أتى به على مساواته لهم في هذا الوجه على أنه من قِبَلِ الله عز وجل.
قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾ الآية. رُوي أنه أراد اليهود الذين أُمِرُوا بتعلم التوراة والعمل بها فتعلّموها ثم لم يعملوا بها، فشبّههم الله بالحمار الذي يحمل الكتب وهي الأسفار إذا لم ينتفعوا بما حملوه كما لا ينتفع الحمار بالكتب التي حملها ؛ وهو نحو قوله :﴿ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً ﴾ [ الفرقان : ٤٤ ] وقوله :﴿ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ﴾ [ الأعراف : ١٧٥ ] إلى قوله :﴿ كمثل الكلب ﴾ [ الأعراف : ١٧٦ ].
قوله تعالى :﴿ قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لله مِنْ دُونِ النَّاسِ ﴾ إلى قوله :﴿ وَالله عَلِيمٌ بالظَّالِمِينَ ﴾.
رُوي أن اليهود زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس، فأنزل الله هذه الآية، وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن تمنَّوْهُ ماتوا ؛ فقامت الحجة عليهم بها من وجهين، أحدهما : أنهم لو كانوا صادقين فيما ادّعوا من المنزلة عند الله لتمنوا الموت، لأن دخول الجنة مع الموت خير من البقاء في الدنيا.
والثاني : أنه أخبر أنهم لا يتمنونه فوجد مخبره على ما أخبر به، فهذا واضح من دلائل النبوة.
قوله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَواْ إِلَى ذِكْرِ الله ﴾ الآية. قال أبو بكر : يفعل في يوم الجمعة جماعة صلوات كما يفعل في سائر الأفعال، ولم يبيّن في الآية أنها هي ؛ واتفق المسلمون على أن المراد الصلاة التي إذا فعلها مع الإمام جمعة لم يلزمه فعل الظهر معها، وهي ركعتان بعد الزوال على شرائط الجمعة. واتفق الجميع أيضاً على أن المراد بهذا النداء هو الأذان، ولم يبين في الآية كيفيته وبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن زيد الذي رأى في المنام الأذان، ورآه عمر أيضاً كما رآه ابن زيد، وعلّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا محذورة وذكر فيه الترجيع، وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى :﴿ وإذا ناديتم إلى الصلاة ﴾ [ المائدة : ٥٨ ].
ورُوي عن ابن عمر والحسن في قوله :﴿ إِذَا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ ﴾ قال :" إذا خرج الإمام وأذّن المؤذّن فقد نُودي للصلاة ". ورَوَى الزهري عن السائب بن يزيد قال :" ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذّن واحد يؤذن إذا قعد على المنبر ثم يقيم إذا نزل، ثم أبو بكر كذلك ثم عمر كذلك، فلما كان عثمان وفشا الناس وكثروا زاد النداء الثالث ".
وقد رُوي عن جماعة من السلف إنكار الأذان الأوّل قبل خروج الإمام، رَوَى وكيع قال : حدثنا هشام بن الغاز قال : سألت نافعاً عن الأذان الأول يوم الجمعة قال : قال ابن عمر :" بدعةٌ وكل بدعةٍ ضلالةٌ وإن رآه الناس حسناً ".
وروى منصور عن الحسن قال :" النداء يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام والذي قَبْلُ مُحْدَثٌ ". وروى عبدالرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال :" إنما كان الأذان يوم الجمعة فيما مضى واحداً ثم الإقامة، وأما الأذان الأول الذي يؤذَّن به الآن قبل خروج الإمام وجلوسه على المنبر فهو باطل أوّل من أحدثه الحجّاج ". وأما أصحابنا فإنهم إنما ذكروا أذاناً واحداً إذا قعد الإمام على المنبر فإذا نزل أقام على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما وقت الجمعة فإنه بعد الزوال ؛ ورَوَى أنس وجابر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الجمعة إذا زالت الشمس ".
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة قال :" صلى بنا عبدالله بن مسعود وأصحابه الجمعة ضُحًى ثم قال : إنما فعلت ذلك مخافة الحرّ عليكم ". ورُوي عن عمر وعلي أنهما رضي الله عنهما صلياها بعد الزوال.
ولما قال عبدالله :" إني قدمت مخافة الحرّ عليكم " علمنا أنه فعلها على غير الوجه المعتاد المتعارف بينهم، ومعلوم أن فعل الفروض قبل أوقاتها لا يجوز لحرٍّ ولا لبرد إذا لم يوجد أسبابها، ويحتمل أن يكون فعلها في أول وقت الظهر الذي هو أقرب أوقات الظهر إلى الضُّحَى، فسمّاه الراوي ضُحًى لقربه منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر :" تَعَالَ إلى الغَدَاءِ المُبَارَكِ " فسماه غداءً لقربه من الغداء، وكما قال حذيفة :" تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نهاراً " والمعنى قريب من النهار. ولما اختلف الفقهاء في الذي يلزم من الفرض بدخول الوقت، فقال قائلون :" فرض الوقت الجمعة والظهر بدل منها " وقال آخرون :" فرض الوقت الظهر والجمعة بدل منه "، استحال أن يُفعل البدل إلا في وقت يصح فيه فعل المُبْدَلِ عنه وهو الظهر، ولما ثبت أن وقتها بعد الزوال ثبت أن وقت النداء لها بعد الزوال كسائر الصلوات.
وقوله تعالى :﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله ﴾ قرأ عمر وابن مسعود وأُبيّ وابن الزبير :" فامْضُوا إلى ذكر الله " ؛ قال عبدالله : لو قرأت :" فاسعوا " لسعيت حتى يسقط ردائي. قال أبو بكر : يجوز أن يكون أراد التفسير لا نصَّ القراءة، كما قال ابن مسعود للأعجمي الذي كان يلقنه :﴿ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣ و ٤٤ ] فكان يقول :" طعام اليتيم "، فلما أعياه قال له :" طعام الفاجر "، وإنما أراد إفهامه المعنى. وقال الحسن :" ليس يريد به العَدْوَ وإنما السَّعْيُ بقلبك ونيتك ". وقال عطاء :" السعي الذهاب ".
وقال عكرمة :" السعي العمل " قال أبو عبيدة : فاسعوا أجيبوا، وليس مِنَ العَدْوِ.
قال أبو بكر : الأوْلَى أن يكون المراد بالسعي ههنا إخلاص النية والعمل، وقد ذكر الله السعي في مواضع من كتابه ولم يكن مراده سرعة المشي، منها قوله :﴿ ومن أراد الآخر وسعى لها سعيها ﴾ [ الإسراء : ١٩ ]، ﴿ وإذا تولى سعى في الأرض ﴾ [ البقرة : ٢٠٥ ]، ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ] وإنما أراد العمل.
ورَوَى العلاء بن عبدالرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِذا ثُوِّبَ بالصَّلاةِ فلا تَأْتُوهَا وأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ولَكِن ائْتُوهَا وعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ فما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا "، ولم يفرق بين الجمعة وغيرها.
واتفق فقهاء الأمصار على أنه يمشي إلى الجمعة على هينته.

فصل


واتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره ؛ لأنهم مُجْمِعُون على أن الجمعة لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب، فقال أصحابنا :" هي مخصوصة بالأمصار ولا تصح في السواد "، وهو قول الثوري وعبيدالله بن الحسن. وقال مالك :" تصح الجمعة في كل قرية فيها بيوت متصلة وأسواق متصلة، يقدِّمون رجلاً يخطب ويصلّي بهم الجمعة إن لم يكن لهم إمام ". وقال الأوزاعي :" لا جمعة إلا في مسجد جماعة مع الإمام ".
وقال الشافعي :" إذا كانت قرية مجتمعة البناء والمنازل وكان أهلها لا يظعنون عنها إلا ظَعْنَ حاجة وهم أربعون رجلاً حرّاً بالغاً غير مغلوب على عقله وجبت عليهم الجمعة ".
قال أبو بكر : رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا جُمُعَةَ ولا تَشْرِيقَ إلا في مِصْرٍ جَامِعٍ "، ورُوي عن علي مثله.
وأيضاً لو كانت الجمعة جائزة في القرى لورد النقل به متواتراً كوروده في فعلها في الأمصار لعموم الحاجة إليه.
وأيضاً لما اتفقوا على امتناع جوازها في البوادي لأنها ليست بمِصْرٍ وجب مثله في السواد.
ورُوي أنه قيل للحسن : إن الحجّاج أقام الجمعة بالأهواز ! فقال : لعن الله الحجاج يترك الجمعة في الأمصار ويقيمها في حلاقيم البلاد.
فإن قيل : رُوي عن ابن عمر أن الجمعة تَجِبُ على من آواه الليل، وأن أنس بن مالك كان بالطفّ فربما جمع وربما لم يجمع ؛ وقيل من الطّفِّ إلى البصرة أقلّ من أربع فراسخ وأقل من مسيرة نصف يوم. قيل له : إنما هذا كلام فيما حكمه حكم المصر، فرأى ابن عمر أن ما قرب من المصر فحكمه حكمه وتجب على أهله الجمعة، وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يرون الجمعة إلا في الأمصار أو ما حكمه حكم الأمصار.
والجمعة ركعتان نقلتها الأمّة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً ؛ وقال عمر :" صلاة السفر ركعتان وصلاة الفجر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم " ؛ وإنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة.

باب وجوب خطبة الجمعة


قال الله تعالى :﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا البَيْعَ ﴾ فاقتضى ذلك وجوب السعي إلى الذكر، ودلّ على أن هناك ذكراً واجباً يجب السعي إليه.
وقال ابن المسيب :" فاسعوا إلى ذكر الله موعظة الإمام ".
وقال عمر في الحديث الذي قدمنا :" إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة ".
وروى الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ على كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ واسْتَمَعُوا الخُطْبَةَ، فالمُهَجِّرُ إلى الجُمُعَةِ كالّذي يُهْدِي بَدَنَةً ثمَّ الَّذي يَليهِ كالمُهْدِي بَقَرَةً ثمّ الّذي يَلِيهِ كالمُهْدِي شَاةً ثمّ الّذي كالمُهْدِي دَجَاجَةً ثمّ الّذي يَلِيهِ كالمُهْدِي بَيْضَةً ".
ويدل على أن المراد بالذكر ههنا هو الخطبة أن الخطبة هي التي تلي النداء، وقد أمر بالسعي إليه، فدل على أن المراد الخطبة.
وقد رُوي عن جماعة من السلف أنه إذا لم يخطب صلّى أربعاً، منهم الحسن وابن سيرين وطاوس وابن جبير وغيرهم، وهو قول فقهاء الأمصار.
واختلف أهْلُ العلم فيمن لم يدرك الخطبة وأدرك الصلاة أو بعضها، فرُوي عن عطاء بن أبي رباح في الرجل تفوته الخطبة يوم الجمعة :" أنه يصلّي الظهر أربعاً ". ورَوَى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء وطاوس قالوا :" من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة صلى أربعاً ". وقال ابن عون : ذُكر لمحمد بن سيرين قَوْلُ أهل مكة إذا لم يدرك الخطبة يوم الجمعة صلّى أربعاً، قال : ليس هذا بشيء.
قال أبو بكر : ولا خلاف بين فقهاء الأمصار والسلف ما خلا عطاء ومن ذكرنا قوله أنّ من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى، ولم يخالفهم عطاء وغيره أنه لو شهد الخطبة فذهب يتوضأ ثم جاء فأدرك مع الإمام ركعة أنه يصلي ركعتين، فلما لم يمنعه فوات الركعة من فعل الجمعة كانت الخطبة أوْلى وأحْرَى بذلك. وروى الأوزاعي عن عطاء أن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها ثلاثاً، وهذا يدل على أنه فاتته الخطبة وركعة منها. ورُوي عن عبدالله بن مسعود وابن عمر وأنس والحسن وابن المسيب والنخعي والشعبي :" إذا أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى ".
ورَوَى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إِلَيْها أُخْرَى، وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي أَرْبعاً ".
واختلف السلف وفقهاء الأمصار فيمن أدرك الإمام في التشهّد، فروى أبو وائل عن عبدالله بن مسعود قال :" من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة ".
ورَوَى ابن جريج عن عبدالكريم عن معاذ بن جبل قال :" إذا دخل في صلاة الجمعة قبل التسليم وهو جالس فقد أدرك الجمعة ".
ورُوي عن الحسن وإبراهيم والشعبي قالوا :" من لم يدرك الركوع يوم الجمعة صلى أربعاً ".
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف :" إذا أدركهم في التشهد صلى ركعتين ".
وقال زفر ومحمد :" يصلّي أربعاً ".
وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران عن محمد بن سماعة عن محمد أنه قال :" يصلي أربعاً، يقعد في الثنتين الأوليين قدر التشهد فإن لم يقدر قدر التشهد أَمَرْتُه أن يصلي الظهر أربعاً "، وقال مالك والثوري والحسن بن صالح والشافعي :" يصلّي أربعاً "، إلا أن مالكاً قال :" إذا قام يكبر تكبيرة أخرى " وقال الثوري :" إذا أدرك الإمام جالساً لم يسلم صلى أربعاً ينوي الظهر، وأحَبُّ إليّ أن يستفتح الصلاة ". وقال عبدالعزيز بن أبي سلمة :" إذا أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد قعد بغير تكبير، فإذا سلّم الإمام قام فكبّر ودخل في صلاة نفسه، وإن قعد مع الإمام بتكبير سلّم إذا فرغ الإمام ثم قام فكبّر للظهر ".
وقال الليث :" إذا أدرك ركعة مع الإمام يوم الجمعة وعنده أن الإمام قد خطب فإنما يصلّي إليها ركعة أخرى ثم يسلّم، ف
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله ﴾ ؛ قال الحسن والضحاك : هو إذن ورخصة.
قال أبو بكر : لما ذكر بعد الحظر كان الظاهر أنه إباحة وإطلاق من حظر، كقوله تعالى :﴿ وإذا حللتم فاصطادوا ﴾ [ المائدة : ٢ ]، وقيل : وابتغوا من فضل الله بعمل الطاعة والدعاء لله، وقيل : وابتغوا من فضل الله بالتصرف في التجارة ونحوها ؛ وهو إباحة أيضاً وهو أظهر الوجهين لأنه قد حظر البيع في صدر الآية كما أمر بالسعي إلى الجمعة.
قال أبو بكر : ظاهر قوله :﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله ﴾ إباحة للبيع الذي حظر بديّاً، وقال الله تعالى :﴿ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فكان المعنى : يبتغون من فضل الله بالتجارة والتصرف. ويدل على أنه إنما أراد ذلك أنه قد عقبه بذكر الله فقال :﴿ وَاذْكُرُوا الله كَثِيراً ﴾، وفي هذه الآية دلالة على إباحة السفر بعد صلاة الجمعة ؛ لأنه قال :﴿ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾، رُوي عن جابر بن عبدالله والحسن قالا :" رأوا عِيرَ طعام قدمت المدينة وقد أصابتهم مجاعة "، وقال جابر :" اللهو المزامير "، وقال مجاهد :" الطبل " ؛ ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ الله ﴾ " من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة " ﴿ خَيْرٌ مِنَ اللَّهوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾ يدل على أن الخطبة قائماً ؛ رَوَى الأعمش عن إبراهيم أن رجلاً سأل علقمة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً ؟ فقال : ألست تقرأ القرآن ﴿ وتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾ ؟ وروى حصين عن سالم عن جابر قال :" قدمت عِيرٌ من الشام يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فانصرف الناس ينظرون وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلاً فنزلت هذه الآية :﴿ وَتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾ ورَوَى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فجاءت عِيرٌ فخرج الناس إليها حتى بقي اثنا عشر رجلاً فنزلت الآية ".
قال أبو بكر : اختلف ابن فضيل وابن إدريس في الحديث الأول عن حصين، فذكر ابن فضيل أنه قال :" كنا نصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم " وذكر ابن إدريس أنه قال :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب "، ويحتمل أن يريد بقوله :" نصلّي " أنهم قد حضروا للصلاة منتظرين لها لأن من ينتظر الصلاة فهو في الصلاة.
وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله تعالى :﴿ انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾ قال : إن أهل المدينة أصابهم جوعٌ وغلاءُ سِعْرٍ، فقدمت عِيرٌ والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فسمعوا بها فخرجوا إليها والنبي صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، قال الله تعالى :﴿ وَتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾ قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لو اتَّبَعَ آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ لالْتَهَبَ الوادي عَلَيْهِمْ نَاراً ".
Icon