تفسير سورة الجمعة

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْجُمُعَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْمَلِكِ) : يُقْرَأُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الْقَافِ مِنَ «الْقُدُّوسِ» وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا؛ وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآخَرِينَ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى الْأُمِّيِّينَ.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْمِلُ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ «الْحِمَارِ» وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْمَثَلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِئْسَ مَثَلُ) :«مَثَلُ» هَذَا فَاعِلُ بِئْسَ، وَفِي «الَّذِينَ» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ نَعْتًا لِلْقَوْمِ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ هَذَا الْمَثَلُ. وَالثَّانِي: فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ تَقْدِيرُهُ: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ مَثَلُ الَّذِينَ، فَمَثَلُ الْمَحْذُوفُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، وَقَدْ حُذِفَ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ... (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) : الْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي «الَّذِي» مِنْ شَبَهِ الشَّرْطِ؛ وَمَنَعَ مِنْهُ قَوْمٌ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأَ، أَوِ اسْمُ إِنَّ، وَالَّذِي هُنَا صِفَةٌ. وَضَعَّفُوهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَوْتِ لَا يُنْجِي مِنْهُ؛ فَلَمْ يُشْبِهِ الشَّرْطَ؛ وَقَالَ هَؤُلَاءِ: الْفَاءُ زَائِدَةٌ.
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلِأَنَّ «الَّذِي» لَا يَكُونُ إِلَّا صِفَةً، فَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْمَوْصُوفُ مَعَهَا دَخَلَتِ الْفَاءُ وَالْمَوْصُوفُ مُرَادٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا صُرِّحَ بِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ ثَانِيًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ خَلْقًا كَثِيرًا يَظُنُّونَ أَنَّ الْفِرَارَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ يُنْجِيهِمْ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) :«مِنْ» بِمَعْنَى فِي، وَالْجُمُعَةِ - بِضَمَّتَيْنِ، وَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ. وَقِيلَ: فِي الْمَسْكَنِ: هُوَ بِمَعْنَى الْمُجْتَمَعِ فِيهِ، مِثْلُ: رَجُلٌ ضُحْكَةٌ؛ أَيْ يُضْحَكُ مِنْهُ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ؛ أَيْ يَوْمَ الْمَكَانِ الْجَامِعِ؛ مِثْلُ: رَجُلٌ ضُحَكَةٌ؛ أَيْ كَثِيرُ الضَّحِكِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا... (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَيْهَا) : إِنَّمَا أَنَّثَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَهَمَّ عِنْدَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
Icon