تفسير سورة الجمعة

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ أي يقدسه، وينزهه كل شيء فيهما: من ملك، وإنس، وجن، وحيوان، ونبات، وجماد. (انظر آية ٤٤ من سورة الإسراء) ﴿الْمَلِكِ﴾ المالك؛ الذي لا ملك سواه، ولا سلطان لمن عداه، ولا سعادة لمن عاداه ﴿الْقُدُّوسِ﴾ المنزه عن النقائص ﴿الْعَزِيزِ﴾ الغالب الذي لا يغلب ﴿الْحَكِيمِ﴾ في صنعه
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ﴾ الذين لا يقرأون؛ لأن أمة العرب كانوا لا يقرأون ولا يكتبون من بين سائر الأمم. وقيل: «الأميين» نسبة إلى أم القرى مكة زادها الله تعالى شرفاً ﴿رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ أي من بني جلدتهم، ومن جنسهم، أمياً مثلهم: وهو محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام
-[٦٨٦]- ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ المنزلة من لدنه؛ بواسطة ملائكته عليهم السلام ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم من دنس الشرك، وخبائث الجاهلية ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ الأحكام، وما يليق بذوي الأفهام ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ﴾ إرساله إليهم ﴿لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فقد كانوا يئدون بناتهم خشية الإملاق؛ فعرفهم أن خالقهم قد تكفل بأرزاقهم ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ وكانوا يرثون النساء ويعضلوهن؛ فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بإكرامهن ﴿لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ وكانوا يصنعون أصنامهم بأيديهم، ثم يعبدونها. فقبح عملهم، وسفه أحلامهم ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾
﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾ أي ويعلم آخرين منهم؛ وهم سائر الأمة من بعده؛ فهو عليه الصلاة والسلام المعلم الأول لأمته إلى يوم القيامة، ولله در القائل:
لم يوفق موفق قط إلا
جاءه عن طريقه التوفيق
﴿لَمَّا﴾ لم ﴿يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾ في السابقة والفضل وهل يستوي من تمتع بصحبة الرسول، وفاز بطلعته؛ بمن لم يره؟ والمعنى: لم يلحقوا بهم، وسيلحقون بهم في الجنة، أو سيلحقون بهم إذا اهتدوا بهديهم، وساروا على طريقتهم ﴿ذَلِكَ﴾ الفضل الذي أسبغه الله تعالى على من فاز بصحبة النبي ورؤيته؛ فذلك
﴿فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ يخص به من شاء من عباده
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ﴾ أي كلفوا علمها والعمل بما فيها ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ لم يعملوا بما كلفوا به ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ﴾ الذي لا يفهم شيئاً ﴿يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ إذا حمل كتباً عظاماً؛ فلا ينتفع بما في هذه الكتب؛ فكذلك هؤلاء اليهود «حملوا التوراة» فكانوا «كمثل الحمار» إذا حمل أسفاراً ﴿قُلْ﴾ يا محمد لليهود
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُواْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ﴾ أحباء له تعالى ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ﴾ أي إن كنتم أولياء الله وأحباءه - كما تزعمون - فتمنوا على الله أن يميتكم، وينقلكم إلى جواره في دار كرامته
﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً﴾ لأن الكافر والعاصي لا يتمنيان الموت ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي؛ لما ينتظرهم من العقاب على ما قدمت أيديهم (انظر آية ٤٢ من سورة الزمر) في الدنيا؛ فيجازيكم عليه ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ﴾ إذا أذن لها
﴿مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ في المساجد (انظر آية ٢٧ من سورة الحج).
-[٦٨٧]- ﴿وَذَرُواْ الْبَيْعَ﴾ اتركوا التجارة الخاسرة، واسعوا إلى التجارة الرابحة
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ﴾ امشوا فيها؛ وهو أمر إباحة، لا أمر إلزام ﴿وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾
رزقه؛ بالسعي في مصالحكم، أو أريد بفضل الله: العلم
﴿انفَضُّواْ﴾ تفرقوا من عندك، وعن الاستماع إلى نصحك ﴿انفَضُّواْ﴾ أي إلى التجارة أو اللهو ﴿وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة؛ فقدم دحية بن خليفة بتجارة من الشام؛ فقاموا إليه وتركوا النبي قائماً وحده؛ ولم يبق معه غير اثني عشر رجلاً من صحابته عليه الصلاة والسلام ﴿قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ﴾ من الأجر والثواب ﴿خَيْرٌ﴾ مما انصرفتم إليه ﴿مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ﴾ لأن الصلاة: مرضات لله، والله جل شأنه يملك الدنيا والآخرة، ويملك خزائن الأرض والسموات. فإن شاء أبكاكم، وإن شاء أضحككم ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ وإن شاء أعطاكم، وإن شاء منعكم ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ ولا رازق سواه أصلاً وإن قيل: فلان يرزق عياله؛ فقد أريد أنه يسعى عليهم من فضل الله
687
سورة المنافقون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

687
Icon