وتسمى أم القرآن للحديث، قال عليه السلام :" لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن "، ولاشتمالها على المعاني التي في القرآن، وسورة الوافية والكافية لذلك، وسورة الكنز لقوله عليه السلام حاكيا عن الله تعالى " فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشي "، وسورة الشفاء والشافية لقولة عليه السلام " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام "، وسورة المثاني لأنها تثنى في كل صلاة، وسورة الصلاة لما يروى، ولأنها تكون واجبة أو فريضة، وسورة الحمد والأساس فإنها أساس القرآن، قال ابن عباس رضي الله عنهما " إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس ". وآيها سبع بالاتفاق.
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم
قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهممن الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعاً والحديث مذكور في صحاح المصابيح وماذكروا لا يضرنا لأن التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور عندنا ذكره فخر الإسلام في المبسوط وإنما يرد علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن وتمام تقريره في الكافي وتعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم الله أقرأ أو أتلو لأن الذي يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل وارتحل فقال بسم الله والبركات كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بسم الله كان مضمراً ما جعل التسمية مبدأ له وإنما قدر المحذوف
بالحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل وتقول الله واحد صمد ولأن صفاته تعالى لا بدلها من موصوف تجري عليه فلو جعلتها كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها وذا لا يجوز ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل والزجاج ومحمد بن الحسن والحسين بن الفضل وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعداً معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذا كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح وقيل هو من قولهم أله يأله إلها إذا عبد فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود كقوله
الفاتحة (١)
هذا خلق الله أي مخلوقه وتفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة وترقق إذا كان قبلها كسرة ومنهم من يرققها بكل حال ومنهم من يفخم بكل حال والجمهور على الأول والرحمن فعلان من رحم وهو الذي وسعت رحمته كل شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضباً وكذا الرحيم فعيل منه كمريض من مرض وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن في الرحيم زيادة واحدة وفي الرحمن زيادتين وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ولذا جاء في الدعاء يارحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وقالوا الرحمن خاص تسمية لأنه لا يوصف به غيره وعام معنى لما بينا والرحيم بعسكه لأنه يوصف به غيره ويخص المؤمنين ولذا قدم الرحمن وإن كان أبلغ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى يقال فلان عالم ذو فنون بحرير لأنه كالعلم لما لم يوصف به غير الله ورحمة الله إنعامه على عباده وأصلها العطف وأما قول الشاعر في مسيلمة...
فباب من تعنتهم في كفرهم ورحمن غير منصرف عند من زعم أن الشرط انتفاء فعلانة إذ ليس له فعلانة ومن زعم أن الشرط وجود فعلي صرفه إذ ليس له فعلى والاول الوجه
﴿الحمد﴾ الوصف الجميل على جهة التفضيل وهو رفع بالابتداء وأصله النصب وقد قرئ باظمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مظمرة في معنى الإخبار كقولهم شكراً وكفراً والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر ﴿لله﴾ اللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت وقيل الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها تقول حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على شجاعته وحسبه وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال... أفادتكم النعماء مني ثلاثة... يدي ولساني والضمير المحجبا...
أي القلب والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من اللاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقياً قادراً عالماً أبدياً أزلياً والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملها والألف واللام فيه للإستغراق عندنا خلافاً للمعتزلة ولذا قرن باسم
الفاتحة (٢ - ٤)
والمربي غذاء والغافر انتهاء وهو اسم الله الأعظم والعالم هو ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض أوكل موجود سوى الله تعالى سمي به لأنه علم على وجوده وإنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو مافى حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفية وهي الدلالة على معنى العلم
﴿الرحمن الرحيم﴾ ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الإعادة عن الافادة
﴿مالك﴾ عاصم وعليّ ملك غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة ولقوله لّمَنِ الملك اليوم ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً ولأن أمر الملك ينفذ على المالك دون عكسه وقيل المالك أكثر ثواباً لأنه أكثر حروفا وقرأ أبو حنيفة والحسن رضى الله عنهما ملك ﴿يَوْمِ الدين﴾ أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وهذا إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم... يا سارق الليلة أهل الدار...
أي مالك الأمر كله في يوم الدين والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده وإنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الاضافة حقيقة فساغ أن يكون صفة للمعرفة
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طيبة﴾ وقوله ﴿والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا فسقناه﴾ وقول امرئ القيس
تطاول ليلك بالإثمد
ونام الخلي ولم ترقد... وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد... وذلك من نبإٍ جاءني
وخبرته عن أبي الأسود
فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلي وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا
الفاتحة (٥ _ ٧)
للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم قم حتى أعود إليك أي أثبت على ما أنت عليه أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدياً إليه بنفسه كهذه الآية وقد جاء متعدياً باللام وبالى كقوله تعالى هدانا لهذا وقوله هدانى ربى إلى صراط مستقيم والسراط الجادة من سرط الشئ إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه والصراط من قلب السين صاداً لتجانس الطاء في الإطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الإطباق وقد تشم الصاد صوت الزاي لأن الزاي إلى الطاء أقرب لأنهما مجهورتان وهي قراءة حمزة والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن وهي الأصل في الكلمة والباقون بالصاد الخالصة وهي لغة قريش وهي الثابتة في المصحف الإمام ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام
﴿صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ بدل من الصراط وهو في حكم تكرير العامل وفائدته التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده وهم المؤمنون والأنبياء عليهم السلام أو قوم موسى قبل أن يغيروا ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين﴾ بدل من الذين أنعمت عليهم يعني أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة للذين يعني أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال وإنما ساغ وقوعه صفة للذين وهو معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة لأنه إذا وقع بين متضادين وكانا معرفتين تعرف بالإضافة نحو عجبت من الحركة غير السكون والمنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان ولأن الذين قريب من النكرة لأنه لم يرد به قوم بأعيانهم وغير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه فاستويا وعليهم الأولى محلها النصب على المفعولية ومحل الثانية الرفع على الفاعلية وغضب الله إرادة الانتقام من المكذبين وإنزال العقوبة بهم
البقرة (١)
وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده وقيل المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى مَن لَّعَنَهُ الله وغضب عليه والضالون هم النصارى لقوله تعالى قَدْ ضَلُّواْ من قبل ولا زائدة عند البصريين للتوكيد وعند الكوفيين هي بمعنى غير ﴿آمين﴾ صوت سمي به الفعل الذي هو استجب كما أن رويد اسم لأمهل وعن ابن عباس رضى الله عنهما سألت رسول الله ﷺ عن معنى آمين فقال افعل وهو مبني وفيه لغتان مد ألفه وقصرها وهو الأصل والمد بإشباع الهمزة قال...
وقال آمين فزاد الله ما بيننا بعداً قال عليه السلام لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب وقال إنه كالختم على الكتاب وليس منه القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف
سورة البقرة مدنية وهى مائتان وست أو سبع وثمانون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم