ﰡ
وكان الأمر كما أخبر رسول الله - ﷺ -، فلحقت به - رضي الله عنها - بعد ستة أشهر، وقال الزمخشري إنها لما نزلت هذه السورة خطب رسول الله - ﷺ -، فقال: "إن عبدًا خيَّره الله بين الدنيا ويين لقائه، فاختار لقاء الله، فعلم أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: فديناك يا رسول الله بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا".
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: إذا حصلت إعانته تعالى وإظهاره إياك على أعدائك، فإن (١) قلت: لا شك أن ما وقع من الفتوح كان بنصرة المؤمنين، فما وجه إضافتها إلى الله؟.. قلت: لأن أفعالهم مستندة إلى دواعي قلوبهم، وهي أمور حادثة لا بد لها من محدث، وهو الله تعالى، فالعبد هو المبدأ الأقرب، والله هو المبدأ الأول والخالق للدواعي وما ينبني عليها من الأفعال، والعامل في إذا، هو ﴿سبح﴾؛ أي: فسبح إذا جاء نصر الله، ولا يمنع الفاء عن العمل على قول الأكثرين، أو فعل الشرط كما سيأتي.
﴿وَالْفَتْحُ﴾؛ أي: فتح مكة، على أن الإضافة و ﴿اللام﴾ للعهد، وهو الفتح الذي تطمح إليه الأبصار، ولذلك سمي فتح الفتوح، ووقع الوعد به في أول سورة الفتح، وقد سبقت قصة الفتح في تلك السورة، وقيل: جنس نصر الله، ومطلق الفتح على أن الإضافة و ﴿اللام﴾ للاستغراق، فإن فتح مكة لما كان مفتاح الفتوح ومناطها، كما أن نفسَها أمُ القرى وإمامها جعل مجيئه بمنزلة مجيء سائر الفتوح، وعلَّق به أمره - ﷺ -، وأنهما على جناح الوصول إليه عن قريب.
يقال: نصره على عدوه ينصره نصرًاَ إذا أعانه عليه، قال الواحدي (٢): قال المفسرون: ﴿إِذَا جَاءَ﴾ ك يا محمد ﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾ سبحانه على من عاداك، وهم قريش ﴿وَالْفَتْحُ﴾؛ أي: فتح مكة، وقيل المراد: نصره - ﷺ - على قريش من غير تعيين، وقيل: نصره على من قاتله من الكفار، وقيل: هو فتح سائر البلاد، وقيل: هو ما
(٢) الشوكاني.
وعبر عن حصول النصر والفتح بالمجيء؛ للإيذان بأنهما متوجهان إليه - ﷺ -، وقيل: ﴿إِذَا﴾ بمعنى قد، وقيل: بمعنى إذ، وقال الرازي: الفرق بين النصر والفتح: أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان مغلقًا، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف عليه الفتح، أو يقال: النصر: كمال الدين، والفتح: إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة، أو يقال: النصر الظفر، والفتح الجنة. انتهى.
وهذا معنى كلامه، ويقال: الأمر أوضح من هذا وأظهر، فإن النصر هو التاييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم، والفتح هو فتح مساكن الأعداء، ودخول منازلهم، فظهر من هذا أن كلًا من النصر والفتح في الآية ينبغي أن يحمل على ما هو المطلق، لكني اقتفيت أثر أهل التفسير في تقديم ما هو المقيد، لكنه قول مرجوح تسامح الله عن قائله.
٢ - ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ﴾؛ أي (١): أبصرتهم أو علمتهم، يعني: العرب، و ﴿اللام﴾ للعهد، أو الاستغراق العرفي، جعلوه خطابًا للنبي - ﷺ -، ويحتمل أن يكون الخطاب عامًا لكل مؤمن، وحينئذ يظهر جواب آخر من أمر النبي - ﷺ - بالاستغفار، مع أنه لا تقصير له، إذ الخطاب لا يخصه، فالأمر بالاستغفار لمن سواه وإدخاله في الأمر تغليب.
﴿يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ﴾؛ أي: في ملة الإِسلام التي لا دين يضاف إليه تعالى غيرها، والجملة على تقدير الرؤية بصرية حال من ﴿النَّاسَ﴾، وعلى تقديرها علمية مفعول ثان.
وقال بعضهم: ومما يختلج في القلب أن المناسب لقوله: ﴿يَدْخُلُونَ...﴾ إلخ أن يُحمل قوله: ﴿وَالْفَتْحُ﴾ على فتح باب الدين عليهم، وقوله: ﴿أَفْوَاجًا﴾ حال من فاعل ﴿يَدْخُلُونَ﴾؛ أي: يدخلون فيه حال كونهم جماعات كثيرة فوجًا بعد فوج، كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن وسائر قبائل العرب، وكانوا قبل ذلك يدخلون فيه واحدًا واحدًا أو اثنين اثنين، قال الحسن: لما فتح رسول الله - ﷺ - مكة.. قالت
وفي "عين المعاني" ﴿النَّاسَ﴾: هم أهل البحر، وقال - ﷺ -: "الإيمان يماني والحكمة يمانية"، وقال: وجدت نَفَس ربكم من جانب اليمن؛ أي: تنفيسه من الكرب، وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أنه بكى ذات يوم، فقيل له في ذلك، فقال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "دخل الناس في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا".
٣ - وقوله: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ جواب الشرط، وهو (١) العامل في ﴿إِذَا﴾، والتقدير: فسبح يا محمد حال كونك متلبسًا بحمد ربك وقت حصول نصر الله إياك على أعدائك، وحصول فتح البلاد لك ورؤيتك الناس حال كونهم داخلين في دين الله جماعةً جماعة، وقال مكي: العامل في ﴿إِذَا﴾ هو ﴿جَاءَ﴾، ورجحه أبو حيان، وضعف الأول بان ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها.
والتسبيح هنا (٢): مجاز عن التعجب بعلاقة السببية، فإن من رأى أمرًا عجيبًا يقول: سبحان الله، قال ابن الشيخ: لعل الوجه في إطلاق هذه الكلمة عند التعجب، كما ورد في الأثر: "ولكل أعجوبة سبحان الله" هو أن الإنسان عند مشاهدة الأمر العجيب الخارج عن حد أمثاله يستبعد وقوعه وتنفعل نفسه منه، كأنه استقصر قدرة الله، فلذلك خطر على قلبه أن يقول من قدر عليه وأوجده، ثم إنه في هذا الزعم مخطىء، فقال: سبحان الله تنزيهًا لله عن العجز عن خلق أمر عجيب يُستبعد وقوعه؛ لتيقنه بأن الله على شيء قدير.
(٢) روح البيان.
وقوله: ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ في محل النصب حال من فاعل ﴿سبح﴾؛ أي: فقل يا محمد سبحان الله حال كونك متلبسًا بحمد ربك؛ أي: فتعجب لتيسير الله ما لم يكن يخطر ببال أحد من أن يغلب أحد على أهل حرمه المحترم، واحمده على جميع صنعه، وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس، وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر والفتح لأم القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة، والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم: هو مجنون، هو ساحر، هو شاعر، هو كاهن، ونحو ذلك.
وقال بعضهم: والأشبه أن يراد نزهه عن العجز في تأخير ظهور الفتح، واحمده على التأخير وصفه بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا بحِكَم لا يعرفها إلا هو. انتهى. أو المعنى (١): فاذكره مسبحًا حامدًا، وزد في عبادته والثناء عليه لزيادة إنعامه عليك، أو فصلِّ له حامدًا على نعمه، فالتسبيح مجاز عن الصلاة بعلاقة الجزئية؛ لأنها تشتمل عليه في الأكثر، روي أنه - ﷺ - لما فتح الكعبة.. صلى صلاة الضحى ثماني ركعات، وحملها بعضهم على صلاة الشكر لا على صلاة الضحى،
وحاصل معنى ما تقدم: من أول السورة إلى هنا: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾؛ أي (١): إذا رأيت نصر الله لدين الحق وانهزام أهل الشرك وخذلانهم، وفتح الله بينك وبين قومك بجعل الغلبة لك عليهم وإعزاز أمرك وإعلاء كلمتك: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ﴾؛ أي: ورأيت الناس يدخلون في دينك وينضوون تحت لوائك جماعات لا أفرادًا، كما كان في بدء أمرك: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾؛ أي: إذا تم لك كل ذلك، فنزه ربك وقدسه عن أن يُهمل الحق ويدعه للباطل يتغلب عليه، وعن أن يخلف وعده الذي وعدك به بأن يجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ويتم نعمته عليك ولو كره الكافرون.
وليكن تنزيهه بحمده على ما أولاك من نعم وشكره على ما منحك من خير والثناء عليه بما هو له أهل، فإنه هو القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أهمل الكافرين فلن يضيع أجر العاملين.
ثم ضم سبحانه إلى ذلك أمر نبيه - ﷺ - بالاستغفار، فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾؛ أي: واطلب من ربك المغفرة لذنبك هضمًا لنفسك، واستقصارًا لعملك، واستعظامًا لحقوق الله، واستدراكًا لما فَرَط منك من ترك ما هو الأولى. وقد كان - ﷺ - يرى قصوره عن القيام بحق الله تعالى ويكثر من الاستغفار والتضرع وإن كان قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو استغفره لذنبك وللمؤمنين، وهو المناسب لما في سورة محمد، وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق، ولك أن تقول: إن في التقديم المذكور تعليم أدب الدعاء، وهو أن لا يسأل فجأة من غير تقديم الثناء على المسؤول عنه.
وقيل: إن (٢) الاستغفار منه - ﷺ - ومن سائر الأنبياء هو تعبد تعبَّدَهم الله به، لا لطلب المغفرة لذنب كائن منهم، وقيل: إنما أمره الله سبحانه بالاستغفار تنبيهًا لأمته وتعريضًا بهم، فكأنهم هم المأمورون بالاستغفار، وقيل: إن الله سبحانه أمره
(٢) الشوكاني.
وفي اختيار (٢) ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ على غفارًا مع أنه الذي يستدعيه قوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ حتى قيل: وتب مضمر بعده، وإلا لقال: غفارًا تنبيه على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة والندم والعزم على عدم العود، ثم إن مَن أضمر: وتب، يحتمل أنه جعل الآية من الاحتباك، حيث دل بالأمر بالاستغفار على التعليل بأنه كان غفارًا، وبالتعليل بأنه كان توابًا على الأمر بالتوبة؛ أي: استغفره وتب.
وذكر البرهان الرشيدي: أن صفات الله تعالى التي على صيغة المبالغة كلها مجاز؛ لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها؛ لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكبر وأكثر مما له وصفاته تعالى منزهة عن ذلك، واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله، وقال الزركشي في "البرهان": التحقيق أن صيغة المبالغة قسمان:
أحدهما: ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
والثاني: بحسب تعدد المفعولات، ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة، إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين، وعلى هذا القسم تُنَزَّلُ صفاته
(٢) روح البيان.
وخلاصة ما سلف (١): إذا حصل الفتح وتحقق النصر، وأقبل الناس على الدين الحق، فقد زال الخوف، فعليك أن تسبح ربك وتشكره وتنزع عما كان من خواطر النفس وقت الشدة، فلن تعود الشدائد تأخذ نفوس المخلصين من عباده ما داموا على تلك الكثرة ينزل بساحتهم الإخلاص وتجمعهم الألفة، وقد فهم النبي - ﷺ - من هذا أن الأمر قد تم ولم يبق إلا أن يلحق بالرفيق الأعلى، فقال فيما روي عنه: أنه قد نُعيت إليه نفسه، وقال الحسن: أعلم الله سبحانه وتعالى رسوله - ﷺ - أنه قد اقترب أجله، فأمر بالتسبيح والتوبة؛ ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح، فكان يكثر أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، اغفر لي إنك أنت التواب.
قال قتادة ومقاتل: وعاش - ﷺ - بعد نزول هذه السورة سنتين. وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي...﴾ فعاش بعدها ثمانين يومًا، ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزلت: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...﴾ فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا، ثم نزلت: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ...﴾ فعاش بعدها واحدًا وعشرين يومًا.
الإعراب
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)﴾.
﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿وَالْفَتْحُ﴾: معطوف على ﴿نَصْرُ﴾، والمصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله محذوف تقديره: نصر الله إياك والمؤمنين، والجملة الفعلية في محل
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ النصر: العون، يقال: نصره على عدوه وينصره نصرًا إذا أعانه عليه، والاسم النصرة، ونصر الغيث الأرض إذا أعان على إظهار نباتها، ومنع من قحطها، قال شاعرهم:
إذا دخل الشهر الحرام فجاوزي | بلاد تميم وانصري أرض عامر |
﴿وَالْفَتْحُ﴾: الفصل بينه وبين أعدائه، وإعزاز دينه وإظهار كلمته.
﴿أَفْوَاجًا﴾ والأفواج: جمع فوج، وهو الجماعة والطائفة، قال الحوفي: وقياس جمعه: أفْوُج على وزن أفعُل، ولكن استُثقلت الضمة على الواو، فعُدل إلى أفواج، كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح، فكما أن قياس فعل صحيحه أن يُجمع على أفعُل لا على أفعال، فكذلك هذا، والأمر في هذا المعتل
﴿وَاسْتَغْفِرْه﴾؛ أي: اسأله واطلب منه أن يغفر لك ذنوبك ولقومك الذين اتبعوك.
﴿تَوَّابًا﴾؛ أي: كثير القبول لتوبة عباده، وهو من صيغ المبالغة، وقد سبق لك عن الرشيدي: أن صيغة المبالغة كلها في صفات الله مجاز؛ لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها؛ لأن المبالغة أن يُثبت للشىء أكثر مما كان له أصالة، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك، واستحسنه التاج السبكي.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: حصل نصر الله حيث أطلق اسم المجيء على الحصول، واستعاره له، فاشتق من المجيء بمعنى الحصول جاء بمعنى حصل، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، وإنما تجوَّز عن الحصول بالمجيء؛ للإشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها، فتقرب منها شيئًا فشيئًا، فكأنها سائرة إليها.
ومنها: عطف المسبَّب على السبب في قوله: ﴿وَالْفَتْحُ﴾؛ لأن الفتح مسبَّب عن نصر الله تعالى إياه، وفيه أيضًا إطلاق العام وإرادة الخاص؛ لأن الفتح يشمل جميع الفتوح، ولكن المراد هنا فتح مكة على قول.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾ كالإضافة في ﴿نَاقَةُ اللَّهِ﴾، وبيت الله.
ومنها: إطلاق العام وإرادة الخاص في قوله: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ﴾؛ لأن لفظ الناس عام، ولكن المراد به هنا العرب. ويقال: إن في قوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ استعارة مكنية تبعية، شَبَّه المقدور وهو النصر والفتح بكائن حي يمشي متوجهًا من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبه الحصول بالمجيء وحذف المشبه به، وأخذ شيئًا من خصائصه، وهو المجيء.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
* * *
سورة المسد، وتسمى سورة تبَّت وسورة أبي لهب، مكية بلا خلاف، نزلت بعد سورة الفتح، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة، قالوا: نزلت: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ بمكة.
وهي: خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وسبعة وسبعون حرفًا.
ومناسبتها لما قبلها: أنه ذكر في السورة السابقة أن ثواب المطيع حصول النصر والاستيلاء له في الدنيا، والثواب الجزيل في العقبى، وهنا ذكر أن عاقبة العاصي الخسار في الدنيا، والعقاب في الآخرة.
وعبارة أبي حيان هنا: ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله تعالى.. أتبع بذكر من لم يدخل في الدين وخسر، ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإيمان اهـ.
التسمية: وسميت سورة المسد: لذكر لفظ المسد فيها.
الناسخ والمنسوخ: وقال محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة المسد كلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *