تفسير سورة الجمعة

أحكام القرآن للجصاص
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب أحكام القرآن المعروف بـأحكام القرآن للجصاص .
لمؤلفه الجصَّاص . المتوفي سنة 370 هـ

وَأَخْبَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ إنْ تَمَنَّوْهُ مَاتُوا فَقَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فيما ادعوه مِنْ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ لَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ مَعَ الْمَوْتِ خَيْرٌ مِنْ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّانِي أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ فَوُجِدَ مَخْبَرُهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَهَذَا وَاضِحٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
وقَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَفْعَلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةً صَلَوَاتٍ كَمَا يَفْعَلُ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا هِيَ وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاةُ الَّتِي إذَا فَعَلَهَا مَعَ الْإِمَامِ جُمُعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ الظُّهْرِ مَعَهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى شَرَائِطِ الْجُمُعَة وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا النِّدَاءِ هُوَ الْأَذَانُ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْآيَةِ كَيْفِيَّتَهُ وَبَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن زائد الَّذِي رَأَى فِي الْمَنَامِ الْأَذَانَ وَرَآهُ عُمَرُ أَيْضًا كَمَا رَآهُ ابْنُ زَيْدٍ وَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ وَذَكَرَ فِيهِ التَّرْجِيعَ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْله تعالى وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَدْ نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بن زيد قَالَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ يُؤَذِّنُ إذَا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ يُقِيمُ إذَا نَزَلَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَفَشَا النَّاسُ وَكَثُرُوا زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ إنْكَارَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ روى وكيع قال حدثنا هشام بن الغار قَالَ سَأَلْت نَافِعًا عَنْ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَإِنْ رَآهُ النَّاسُ حَسَنًا وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي قَبْلُ محدث وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إنما كان أذان يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيمَا مَضَى وَاحِدًا ثُمَّ الْإِقَامَةُ وَأَمَّا الْأَذَانُ الْأَوَّلُ الَّذِي يُؤَذَّنُ بِهِ الْآنَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا أَذَانًا وَاحِدًا إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا وَقْتُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ
وَرَوَى أَنَسٌ وَجَابِرٌ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ الْجُمُعَةَ ضُحًى ثُمَّ قَالَ إنَّمَا فَعَلْت ذَلِكَ مَخَافَةَ الحر عليكم
336
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَلَّيَاهَا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَلَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنِّي قَدَّمْتُ مَخَافَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ عَلِمْنَا أَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ الْفُرُوضِ قَبْلَ أَوْقَاتِهَا لَا يَجُوزُ لِحَرٍّ وَلَا لِبَرْدٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَسْبَابُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ أَوْقَاتِ الظُّهْرِ إلَى الضُّحَى فَسَمَّاهُ الرَّاوِي ضُحًى لِقُرْبِهِ مِنْهُ كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتسحر تعالى إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ فَسَمَّاهُ غَدَاءً لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاءِ
وَكَمَا
قَالَ حُذَيْفَةُ تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ نَهَارًا
وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنْ النَّهَارِ وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْفَرْضِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَقَالَ قَائِلُونَ فَرْضُ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا وَقَالَ آخَرُونَ فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ مِنْهُ اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ الْبَدَلَ إلَّا فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ فِعْلُ الْمُبْدَلِ عَنْهُ وَهُوَ الظُّهْرُ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ ثَبَتَ أَنَّ وَقْتَ النِّدَاءِ لَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وقَوْله تَعَالَى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قَرَأَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ قَرَأْت فَاسْعَوْا لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّفْسِيرَ لَا نَصَّ الْقِرَاءَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ مسعود للأعجمى الذي كان يلقنه إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ فَكَانَ يَقُولُ طَعَامُ الْيَتِيمِ فَلَمَّا أَعْيَاهُ قَالَ لَهُ طَعَامُ الْفَاجِرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ إفْهَامَهُ الْمَعْنَى وَقَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْعَدْوَ وَإِنَّمَا السعى بقلبك ونينك وَقَالَ عَطَاءٌ السَّعْيُ الذَّهَابُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ السَّعْيُ الْعَمَلُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَاسْعَوْا أَجِيبُوا وَلَيْسَ مِنْ الْعَدْوِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَوْلَى أَنْ يكون المراد بالسعي هاهنا إخْلَاصُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ السَّعْيَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ سُرْعَةَ الْمَشْيِ مِنْهَا قَوْلُهُ وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَمَلَ
وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ يمشى إلى الجمعة على هينته.
(فَصْلٌ) وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْبَوَادِي وَمَنَاهِلِ الْأَعْرَابِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْصَارِ وَلَا تَصِحُّ فِي السَّوَادِ وَهُوَ قول الثوري وعبيد الله بن الحسن «٢٢- أحكام مس»
337
وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ فِيهَا بُيُوتٌ مُتَّصِلَةٌ وَأَسْوَاقٌ مُتَّصِلَةٌ يُقَدِّمُونَ رَجُلًا يَخْطُبُ وَيُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ وَالْمَنَازِلِ وَكَانَ أَهْلُهَا لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ جَائِزَةً فِي الْقُرَى لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَوَاتِرًا كَوُرُودِهِ فِي فِعْلِهَا فِي الْأَمْصَارِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَأَيْضًا لَمَا اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِهَا فِي الْبَوَادِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمِصْرٍ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي السَّوَادِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ إنَّ الْحَجَّاجَ أَقَامَ الْجُمُعَةَ بِالْأَهْوَازِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ فِي الْأَمْصَارِ وَيُقِيمُهَا فِي حَلَاقِيمِ الْبِلَادِ فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ وَأَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ بِالطَّفِّ فَرُبَّمَا جَمَعَ وَرُبَّمَا لَمْ يُجْمِعْ وَقِيلَ مِنْ الطَّفِّ إلَى الْبَصْرَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ فَرَاسِخَ وَأَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ نِصْفِ يَوْمٍ قِيلَ لَهُ إنَّمَا هَذَا كَلَامٌ فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمِصْرِ فَرَأَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْمِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ وَتَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ الْجُمُعَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ الْجُمُعَةَ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ أَوْ مَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْصَارِ
وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ نَقَلَتهَا الْأُمَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلًا وَعَمَلًا وَقَالَ عُمَرُ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا قَصُرَتْ الْجُمُعَةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ.
بَابُ وُجُوبِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ السَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ ذِكْرًا وَاجِبًا يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله مَوْعِظَةَ الْإِمَامِ وَقَالَ عُمَرُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا إنَّمَا قَصُرَتْ الْجُمُعَةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ
فَالْمُهَجِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي شَاةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً ويدل على أن المراد بالذكر هاهنا هو الخطبة أن الْخُطْبَةَ هِيَ الَّتِي
338
تَلِي النِّدَاءَ وَقَدْ أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْطُبْ صَلَّى أَرْبَعًا مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَوْ بَعْضَهَا فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ قَالُوا مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ ذُكِرَ لَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالسَّلَفِ مَا خَلَا عَطَاءً وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَذَهَبَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ جَاءَ فَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْهُ فَوَاتُ الرَّكْعَةِ مَنْ فَعَلَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْخُطْبَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى بِذَلِكَ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَضَافَ إلَيْهَا ثَلَاثًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ وَرَكْعَةٌ مِنْهَا وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وأنس وَالْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى
وَرَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي أَرْبَعًا
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِيمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَرَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا أَدْرَكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ وَمُحَمَّدٌ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يُصَلِّي أَرْبَعًا يَقْعُدُ فِي الثِّنْتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَمَرْته أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي أَرْبَعًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ إذَا قَامَ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ جَالِسًا لَمْ يُسَلِّمْ صَلَّى أَرْبَعًا يَنْوِي الظُّهْرَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الصَّلَاةَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ قَعَدَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَإِذَا سلم الإمام قام فكبر ودخل في الصلاة نفسه
339
وَإِنْ قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ بِتَكْبِيرٍ سَلَّمَ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ ثُمَّ قَامَ فَكَبَّرَ لِلظُّهْرِ وَقَالَ اللَّيْثُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ خَطَبَ فَإِنَّمَا يصل إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ النَّاسُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَخْطُبْ وَأَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا
وَجَبَ عَلَى مُدْرِكِ الْإِمَامِ فِي تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ وَالْقُعُودُ مَعَهُ وَلَمَّا كَانَ مُدْرِكًا لِهَذَا الْجُزْءِ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ قضاء الفائت منها بظاهر
قوله صلّى الله عليه وسلّم وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا
وَالْفَائِتُ مِنْهَا هِيَ الْجُمُعَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ مُدْرِكُ الْمُقِيمِ فِي التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مُدْرِكِهِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ إذْ الدُّخُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ الْفَرْضِ فَإِنْ قِيلَ
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا
قِيلَ لَهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ مَا أَرَى الْجُمُعَةَ إلَّا مِنْ الصَّلَاةِ فَذِكْرُ الْجُمُعَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُورُ عَلَى الزُّهْرِيِّ مَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَرَّةً عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قَالَ حِينَ رَوَى الْحَدِيثَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ أَرَى الْجُمُعَةَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ فِي الْجُمُعَةِ لَمَا قَالَ مَا أَرَى الْجُمُعَةَ إلَّا مِنْ الصَّلَاةِ وَعَلَى أَنَّ
قَوْلَهُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ
لَا دَلَالَةَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً صَلَّى أَرْبَعًا كَذَلِكَ
قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى
وَأَمَّا مَا رُوِيَ وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْنَاهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا وَقَدْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ أَنَّ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ مَخْصُوصٌ بِالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْمُقِيمِينَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَاجِزِينَ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ
وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِيمِينَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَاجِزِينَ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ
وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْعَدِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بِنَفْسِهِ إلَّا بِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَفَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقْعَدِ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَهْتَدِي الطَّرِيقَ فَإِذَا هُدِيَ سَعَى بِنَفْسِهِ وَالْمُقْعَدُ لَا يُمْكِنُهُ السَّعْيُ بِنَفْسِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْمِلُهُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْأَعْمَى وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ وَهُوَ بَصِيرٌ إذَا أُرْشِدَ اهْتَدَى بِنَفْسِهِ وَالْأَعْمَى لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ وَلَا يعرفه
340
الْحَقِّ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَسُولَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ دِينَهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ قَدْ أَظْهَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنَّ جَيْشًا لَوْ فَتَحُوا بَلَدًا عَنْوَةً جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخَلِيفَةَ فَتَحَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ إذْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَتَجْهِيزِهِ لِلْجَيْشِ فَعَلُوا
وقَوْله تَعَالَى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ- إلى قوله- وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِوَعْدِهِ مِنْ أَمْرٍ بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ آخِرُ سُورَةِ الصَّفِّ.
سُورَةِ الْجُمُعَةِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ قِيلَ إنَّمَا سُمُّوا أُمِّيِّينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ الْكِتَابَةَ وَأَرَادَ الْأَكْثَرَ الْأَعَمَّ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الْقَلِيلُ مِمَّنْ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَقَالَ إنَّا نَحْنُ أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لَا نَحْسُبُ وَلَا نَكْتُبُ
وقال تعالى رَسُولًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا وَقَالَ تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَنْ لَا يَكْتُبُ أُمِّيًّا لِأَنَّهُ نُسِبَ إلَى حَالِ وِلَادَتِهِ مِنْ الْأُمِّ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالِاسْتِفَادَةِ وَالتَّعَلُّمِ دُونَ الْحَالِ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ وَأَمَّا وَجْهُ الحكمة في جعل النبوة في أمى إنه ليوافق ما تقدمت به البشارة فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ السَّالِفَةِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ تَوَهُّمِ الِاسْتِعَانَةِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْحِكْمَةِ بِالْكِتَابَةِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الدَّلَالَةِ فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَمَعَ أَنَّ حاله مُشَاكِلَةٌ لِحَالِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ وَذَلِكَ إلَى مُسَاوَاتِهِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِيهِ فَدَلَّ عَجْزُهُمْ عَمَّا أَتَى بِهِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وقَوْله تَعَالَى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها الآية وروى أَنَّهُ أَرَادَ الْيَهُودَ الَّذِينَ أُمِرُوا بِتَعَلُّمِ التَّوْرَاةِ وَالْعَمَلِ بِهَا فَتَعَلَّمُوهَا ثُمَّ لَمْ يَعْمَلُوا بِهَا فَشَبَّهَهُمْ اللَّهُ بِالْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ الْكُتُبَ وَهِيَ الْأَسْفَارُ إذْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا حَمَلُوهُ كَمَا لَا يَنْتَفِعُ الْحِمَارُ بِالْكُتُبِ الَّتِي حَمَلَهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وَقَوْلِهِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها- إلى قوله- كَمَثَلِ الْكَلْبِ
وقَوْله تَعَالَى قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ-
إلى قوله- وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
335
بِالْإِرْشَادِ وَالدَّلَالَةِ وَيُحْتَجُّ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
بِحَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَازِمُنِي أَفَلِي رُخْصَةٌ أَنْ لَا آتِيَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
وَفِي خَبَرِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ نَحْوُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْتِهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ من تصح به الجمعة من المأمومين أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَاللَّيْثُ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ إلَّا رِجْلٌ وَاحِدٌ فَخَطَبَ عَلَيْهِ وَصَلَّى بِهِ أَجْزَأَهُمَا وَأَمَّا مالك فلم يجد فِيهِ شَيْئًا وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعِينَ رَجُلًا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدِمَ عِيرٌ فَنَفَرَ النَّاسُ إلَيْهِ وَبَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ الْجُمُعَةَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ رُجُوعَ الْقَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَنَقَلَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ صَلَّاهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَبَطَلَ بِذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَرْبَعِينَ وَأَيْضًا الثَّلَاثَةُ جَمْعٌ صَحِيحٌ فَهِيَ كَالْأَرْبَعِينَ لَاتِّفَاقِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا جَمْعًا صَحِيحًا وَمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ جَمْعًا صَحِيحًا فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِسْقَاطُ اعْتِبَارِ مَا زَادَ وقَوْله تَعَالَى وَذَرُوا الْبَيْعَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَحْرُمُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ يَحْرُمُ بِالنِّدَاءِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ اعْتِبَارَ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى إذْ كَانَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَأْخِيرَ النِّدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنِّدَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَعْنًى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ الَّذِي بَعْدَ الزَّوَالِ إنما هو بعد ما قَدْ وَجَبَ إتْيَانُ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ نِدَاءِ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ الْبَيْعُ يَقَعُ مَعَ النَّهْيِ وَقَالَ مَالِكٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ
وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِوُقُوعِهِ عَنْ تَرَاضٍ فَإِنْ قِيلَ قال الله تعالى وَذَرُوا الْبَيْعَ قِيلَ لَهُ نَسْتَعْمِلُهُمَا فَنَقُولُ يَقَعُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ وَيَقَعُ الْمِلْكُ بِحُكْمِ
341
الْآيَةِ الْأُخْرَى وَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ بِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ وُقُوعَهُ وَصِحَّتَهُ كَالْبَيْعِ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ يُخَافُ فَوْتَهَا إنْ اشْتَغَلَ بِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا هُوَ مِثْلُ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ وَالْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهَا كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَا يَمْنَعُ وقوعه
وقد روى عبد العزيز الدرا وروى عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَإِذَا رَأَيْتُمْ من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لارد اللَّهُ عَلَيْك
وَرَوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُشْتَرَى فِيهِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ أَوْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَخُصُومَتَكُمْ وَجَمِّرُوهَا يَوْمَ جُمَعِكُمْ وَاجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِهَا
فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ بَاعَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ العقد.
بَابُ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ حَكَاهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَبَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَافِرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ يَكْرَهُونَ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أرطاة عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وَجَّهَ ابْنَ رَوَاحَةَ وَجَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَتَخَلَّفَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَّفَك قَالَ الْجُمُعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَمِّعُ ثُمَّ أَرُوحُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ فَرَاحَ مُنْطَلِقًا
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تُحْبَسُ الْجُمُعَةُ عَنْ سَفَرٍ وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ بِالْعَقِيقِ عَلَى رَأْسِ أَمْيَالٍ مِنْ المدينة
342
فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ غَدَاةَ الْجُمُعَةِ فَأُخْبِرَ بِشَكْوَاهُ فَانْطَلَقَ إلَيْهِ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خَرَجَ سَالِمٌ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْجُمُعَةُ وَرَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ السَّفَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلْيُسَافِرْ غَدْوَةً إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ فَإِنْ أَقَامَ إلَى الْعَشِيِّ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إذَا أَدْرَكَتْك لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَلَا تَخْرُجْ حَتَّى تُجَمِّعَ فَهَذَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها فَأَبَاحَ السَّفَرَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ يُخَصِّصْهُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَإِنْ قِيلَ هَذَا وَاضِحٌ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِبَاحَةِ السَّفَرِ فِيهِمَا وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِحُضُورِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ قِيلَ لَهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى الْمُسَافِرِينَ وَفَرْضُ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ وَصَارَ مُسَافِرًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ وقَوْله تَعَالَى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ هُوَ إذْنٌ وَرُخْصَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا ذُكِرَ بَعْدَ الْحَظْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إبَاحَةٌ وَإِطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ كَقَوْلِهِ تعالى وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَقِيلَ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِعَمَلِ الطَّاعَةِ وَالدُّعَاءِ لِلَّهِ وَقِيلَ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَهُوَ إبَاحَةٌ أَيْضًا وَهُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ حَظَرَ الْبَيْعَ فِي صَدْرِ الْآيَةِ كَمَا أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ إبَاحَةٌ لِلْبَيْعِ الَّذِي حُظِرَ بَدِيًّا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَكَانَ الْمَعْنَى يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَقَالَ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى إبَاحَةِ السَّفَرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
وقَوْله تَعَالَى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ قَالَا؟؟؟ رَأَوْا عِيرَ طَعَامٍ قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ وَقَالَ جَابِرٌ اللَّهْوُ الْمَزَامِيرُ وَقَالَ مجاهد الطبل قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَحُضُورِ الْمَوْعِظَةِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ
Icon