مكية وآياتها ١٩ نزلت بعد التكوير
ﰡ
مكية وآياتها ١٩ نزلت بعد التكوير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الأعلى جل جلاله) سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى التسبيح في اللغة التنزيه وذكر الاسم هنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون المراد المسمى ويكون الإسم صلة كالزائد، ومعنى الكلام سبح اسم ربك أي نزهه عما لا يليق به، وقد يتخرج ذلك على قول من قال: إن الإسم هو المسمى، والآخر أن يكون الإسم مقصودا بالذكر، ويحتمل المعنى على هذا أربعة أوجه، الأول:
تنزيه أسماء الله تعالى عن المعاني الباطلة كالتشبيه والتعطيل، الثاني: تنزيه أسماء الله عن أن يسمى بها صنم أو وثن: الثالث: تنزيه أسماء الله عن أن تدرك في حال الغفلة دون خشوع.
الرابع أن المراد قول سبحان الله، ولما كان التسبيح باللسان لا بدّ فيه من ذكر الإسم أوقع التسبيح على الإسم، وهذا القول هو الصحيح، ويؤيده ما ورد عن النبي ﷺ أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال سبحان ربي الأعلى وأنها لما نزلت قال: اجعلوها في سجودكم. فدل ذلك على أن المراد هو التسبيح باللسان مع موافقة القلب، ولا بدّ في التسبيح باللسان من ذكر اسم الله تعالى فلذلك قال: سبح اسم ربك الأعلى مع أن التسبيح في الحقيقة إنما هو لله تعالى لا لاسمه، وإنما ذكر الإسم لأنه هو الذي يوصل به إلى التسبيح باللسان. وعلى هذا يكون موفقا في المعنى لقوله فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ [الواقعة: ٧٤] لأن معناه نزّه الله بذكر اسمه ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن معنى سبح: صل باسم ربك أي صل واذكر في الصلاة اسم ربك، والأعلى يحتمل أن يكون صفة للرب أو للاسم والأول أظهر.
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى حذف مفعول خلق وسوّى لقصد الإجمال الذي يفيد العموم والمراد خلق كل شيء فسوّاه، أي أتقن خلقته وانظر ما ذكرنا في قوله: فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار: ٧] وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى قدّر بالتشديد يحتمل أن يكون من القدر والقضاء، أو من التقدير، والموازنة بين الأشياء، وقرأ الكسائي بالتخفيف فيحتمل أن يكون من القدرة أو التقدير، وحذف المفعول ليفيد العموم. فإن كان من التقدير فالمعنى: قدّر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به، وقيل: هدى الناس للخير والشر والبهائم
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى المرعى هو النبات الذي ترعاه البهائم، والغثاء هو النبات اليابس المحتطم، وأحوى معناه أسود وهو صفة لغثاء. والمعنى أن الله أخرج المرعى أخضر فجعله بعد خضرته غثاء أسود، لأن الغثاء إذا قدم تعفن واسودّ، وقيل: إن أحوى حال من المرعى، ومعناه: الأخضر الذي يضرب إلى السواد وتقديره: الذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء، وفي هذا القول تكلف.
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى هذا خطاب للنبي ﷺ وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام لأنه كان أميا لا يكتب، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن، وقيل: معنى الآية كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
[القيامة: ١٦] الآية: فإنه عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل، خوفا أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه، وقيل: فلا تنسى نهي عن النسيان، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر، فالمراد الأمر بتعاهده حتى لا ينساه. وهذا بعيد لإثبات الألف في تنسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيه وجهان: أحدهما أن معناه لا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله: أو ننسها البقرة: ١٠٦ والآخر: أنه لا ينسى شيئا ولكن قال: إلا ما شاء الله تعظيما لله بإسناد الأمر إليه كقوله في الأنعام: ١٢٨ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ على بعض الأقوال وعبر الزمخشري: عن هذا بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن، أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره، ومن هذا قول النبي ﷺ حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله: لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسّيتها وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى عطف على سنقرئك ومعناه نوفقك للأمور المرضية التي توجب لك السعادة، وقيل: معناه للشريعة اليسرى من قوله عليه الصلاة والسلام: دين الله يسر «١» أي سهل لا حرج فيه.
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى المراد بهذا الشرط توبيخ الكفار الذين لا تنفعهم الذكرى، واستبعاد تأثير الذكرى في قلوبهم كقولك: قد أوصيتك لو سمعت، وقيل: المعنى: ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. واقتصر على أحد القسمين لدلالة الآخر عليه، وهذا بعيد
أحدهما : أن معناه لا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله :﴿ أو ننسها ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ] والآخر : أنه لا ينسى شيئا ولكن قال :﴿ إلا ما شاء الله ﴾ تعظيما لله بإسناد الأمر إليه كقوله :﴿ خالدين فيها إلا ما شاء الله ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ] على بعض الأقوال وعبر الزمخشري عن هذا : بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله :" لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسيتها ".
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أي من يخاف الله يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
يعني الكافر وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة، والضمير المفعول للذكرى النَّارَ الْكُبْرى هي نار جهنم وسماها كبرى بالنظر إلى نار الدنيا، وقيل: سماها كبرى بالنظر إلى غيرها من نار جهنم، فإنها تتفاضل، وبعضها أكبر من بعض وكلا القولين صحيح. إلا أن الأول أظهر. ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناركم هذه التي توقدون جزءا من سبعين جزءا من نار جهنم «١» ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أي لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة هنيئة، وعطف هذه الجملة بثم لأن هذه الحالة أشد من صلي النار فكأنها بعده في الشدة.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى يحتمل أن يكون بمعنى الطهارة من الشرك والمعاصي، أو بمعنى الطهارة للصلاة أو بمعنى أداء الزكاة وعلى هذا قال جماعة: إنها يوم الفطر والمعنى أدّى زكاة الفطر وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ في طريق المصلى إلى أن يخرج الإمام وصلى صلاة العيد، وقد روي هذا عن النبي ﷺ وقيل المراد أدى زكاة ماله وصلى الصلوات الخمس «٢» إِنَّ هذا الإشارة إلى ما ذكر من التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، أو إلى ما تضمنته السورة أو إلى القرآن بجملته، والمعنى أنه ثابت في كتب الأنبياء المتقدمين كما ثبت في هذا الكتاب.
(٢). الآية: بل تؤثرون الحياة الدنيا: قرأ أبو عمرو: بل يؤثرون. بالياء.