[١] ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ مبتدأ وخبرٌ، كأنه يخبر أن الله هو المستحقُّ للحمدِ، وهو بمعنى الأمرِ؛ أي: احمدوه، والحمدُ: هو الثناءُ الكاملُ، وهو أعمُّ من الشكر؛ لأن الشكرَ إنما يكون على فعلٍ جميلٍ يُسْدَى إلى الشاكر، والحمدُ المجرَّدُ هو ثناء بصفاتِ المحمود من غير أن يُسْدِيَ شيئًا، واللام في (لله) للاستحقاق، كما يقال: الدارُ لزيدٍ، وهو اسم خاصٌّ لله -عز وجل-، وتقدم تفسيرُه مستوفىً في البسملة، واتفق القراء على تغليظ اللام من اسمِ الله تعالى إذا كان بعدَ فتحةٍ أو ضمةٍ نحو: (شَهِدَ الله) و (رُسُلُ اللهِ)، فإن كان قبلَها كسرةٌ، فلا خلافَ في ترقيقها، نحو (بسمِ اللهِ) و (الحمدُ للهِ)، فإن فُصل هذا الاسمُ مما قبله، وابتُدِئَ به، فتحت همزةُ الوصل، وغُلِّظت اللامُ من أجل الفتحة.
﴿رَبِّ﴾ أي: مالك، كما يقال لمالكِ الدار: ربُّ الدار، ويقالُ لربِّ الشيء إذا ملكَه، ويكونُ بمعنى التربية والإصلاح؛ فالله سبحانَهُ مالكُ العالَمين ومُرَبِّيهم، ولا يقال للمخلوق: هو الربُّ، معرفًا، إنما يقال: ربُّ كذا، مضافًا؛ لأن الألف واللام للتعميم، وهو لا يملك الكل.
...
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)﴾.
[٣] ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ تقدم تفسيرُهما في البسملة.
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾.
[٤] ﴿مَالِكِ﴾ قرأ عاصم والكسائيُّ ويعقوبُ وخلفٌ (مَالِكِ) بألف بعد الميم، والمعنى أن الله تعالى يملك ذلكَ اليومَ أن يأتيَ به كما يملكُ سائرَ الأيام، لكن خصَّصه بالذكر؛ لعظمهِ في جمعه وحوادثه. وقرأ الباقون (مَلِكِ) بغيرِ ألفٍ (١). المعنى: أنه ملكُ الملوكِ في ذلك اليوم، لا مُلْكَ لغيره. وقرأ أبو عمرو (الرَحِيم مَّلِكِ) بإدغام الميم في الميم (٢)، وكذلك يدغم كلَّ حرفين، سواءٌ كانا مثلين، أم جنسين، أم متقاربين، إذا لم ينون الأول نحو: ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)﴾ [البقرة: ١١٥]، أو يشدّد نحو: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ﴾ [الأعراف: ١٤٢]، أو تاء متكلم نحو: ﴿كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: ٤٠]، أو مخاطَبٍ نحو:
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (١/ ٥)، "معجم القراءات القرآنية" (١/ ٦).
واختلف الآخذون بوجه الإدغام فيما إذا كان الأول مجزومًا، وذلك في قوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ﴾ [آل عمران: ٨٥]، و ﴿يَخْلُ لَكُمْ﴾ [يوسف: ٩]، و ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا﴾ [غافر: ٢٨]، وكذلك اختلفوا في ﴿آلَ لُوطٍ﴾ [القمر: ٣٤]، وفي الواو إذا وقع قبلها ضمة، نحو: ﴿هُوَ وَالَّذِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]، و ﴿هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران: ١٨]، واتَّفقوا على إظهارِ ﴿يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ﴾ [لقمان: ٢٣] من أجل الإخفاء قبلُ. ومعنى المثلين: ما اتفقا مخرجًا وصفة، نحو: ﴿فَاضْرِبْ بِهِ﴾ [ص: ٤٤]، و ﴿رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ [البقرة: ١٦]، وشبهِه. والجنسين: ما اتفقا مخرجًا، واختلفا صفةً، نحو: ﴿قَالَتْ طَائِفَةٌ﴾ [الأحزاب: ١٣]، ﴿أَثْقَلَتْ دَعَوَا﴾ [الأعراف: ١٨٩]، وشبهه. والمتقاربين: ما تقاربا مخرجًا أو صفةً، نحو: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢]، و ﴿خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ [النور: ٤٥]، وشبهه.
﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ أي: الجزاء، ومنه قولُهم: كما تدينُ تُدان.
...
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾.
[٥] ﴿إِيَّاكَ﴾ كلمة ضمير خُصَّت بالإضافة إلى المضمر، وتستعمل مقدَّمًا على الفعل، فيقالُ: إياكَ أعني، ولا تُستعمل مؤخَّرًا، ولا منفصلًا، فيقالُ: ما عنيتُ إلا إياك، وتقديمُها اهتمامًا، وشأنُ العرب تقديمُ الأهم.
﴿نَعْبُدُ﴾ أي: نوحِّدك ونُطيعك خاضعين، والعبادةُ: الطاعةُ مع التذلُّل والخضوع، وسُمِّي العبدُ عبدًا؛ لذلَّته وانقياده.
﴿وَإِيَّاكَ﴾ كرَّرها تأكيدًا للاختصاص.
...
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾.
[٦] ﴿اهْدِنَا﴾ أي: أرشدنا، وهذا الدعاءُ من المؤمنين -مع كونهم على الهداية- بمعنى التثبيت، وبمعنى طلب مزيد الهداية.
﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الطريقَ الواضحَ، وهو الإسلام، أو القرآن.
قرأ قنبلٌ عن ابن كثير، ورويسٌ عن يعقوبَ (السِّرَاطَ) حيثُ وقعَ، وكيف أتى: بالسين، وهو أصلُ اللفظة، وأشمَّ الصادَ الزايَ حيث وقعَ: خلفٌ عن حمزة، وافقه في (الصَّرَاطَ) هنا خاصة: خلَّادٌ عن حمزة (١)، وكلُّها لغات صحيحة، والاختيارُ الصادُ عندَ أكثرِ القراء؛ لموافقة المصحف.
...
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ﴾ الذين مَنَنْتَ.
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ يعني: غيرِ صراط الذين غضبتَ عليهم، وهم اليهودُ، والغضبُ من الله تغييرُ النعمة، وغضبُ الله لا يلحقُ عُصاةَ المؤمنين، إنما يلحق الكافرين.
﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ أي: وغيرِ الضالين عن الهدى، وهم النصارى، والضلالُ: الذهابُ عن الصواب في الدين؛ لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب، فقال: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٦٠]، وحكم على النصارى بالضلالة، فقال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ (٧٧)﴾ [المائدة: ٧٧].
ويسن للقارئ أن يقولَ بعد فراغه من قراءة الفاتحة: آمين مفصولًا عنها
روى أبو هريرةَ وغيرُه عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "إذا قالَ الإمامُ: ولا الضَّالِّينَ، فقولوا: آمين، فإنَّ الملائكةَ تقولُ في السماءِ: آمين، فمن وافقَ قولُه قولَ الملائكة، غُفر له ما تقدَّمَ من ذنبِه" (١).
وليس التأمينُ من القرآن بالاتفاق، بدليل أنه لم يثبت بالمصاحف.
واختلف الأئمةُ في الجهر به في الصلاة الجهرية، فعند أبي حنيفة: يخفيه الإمامُ والمأموم، وعند مالك: لا يؤمِّنُ الإمام في الجهرية، وهو الأفضل عنده، وروي عنه: يؤمِّن ويُسِرُّ كالمأمومِ والمنفردِ، وعندَ الشافعيِّ وأحمدَ: يجهرُ به الإمامُ والمأموم، والله أعلم.
...