تفسير سورة الفاتحة

التفسير الوسيط للزحيلي
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط للزحيلي .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ
فاتحة القرآن الكريم
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
[الفاتحة: ١- ٧] الفاتحة المعروفة، المكّية النزول (النازلة قبل الهجرة)، من أوائل ما نزل من القرآن الكريم، قال ابن عباس:
«أول ما نزل به جبريل عليه السّلام على النّبي صلّى الله عليه وسلم: يا محمد، استعذ، ثم قل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
.
والاستعاذة مستحبة في بداية تلاوة القرآن وفي بداية الصلاة، قال الله تعالى:
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) [النّحل: ١٦/ ٩٨]
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا قام من الليل، فاستفتح صلاته وكبّر، قال:
«سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله- ثلاثا-، ثم يقول: أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم من همزه ونفخه ونفثه» والهمز: الخنق، والنفخ والنفث بالشيء الضّال.
ثم يقرأ الإنسان البسملة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) وهي آية فاصلة بين السّور القرآنية، ونزلت مع كل سورة كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولم
9
توضع في أول سورة التّوبة (براءة) بأمر الوحي لأن هذه السورة نزلت في الحرب والجهاد والبراءة من المشركين بعد غزوة تبوك.
ثم يقرأ المصلّي الفاتحة،
عن أبي ميسرة عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا سمع مناديا يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، قال: فلما برز سمع النداء:
يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: قل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ «١» الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «٢»، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «٣» صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ «٤» ».
نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش، فهي سورة مكّية بالإجماع، لعظم مكانتها وعلوّ شرفها، من بين سور القرآن،
قال الرسول صلّى الله عليه وسلم لأبي بن كعب، رضي الله عنه، بعد أن قرأ أمّ القرآن:
«والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها لهي السّبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته».
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يصلّي إلا بفاتحة الكتاب.
وسميت (الفاتحة) لأنها أول ما يفتتح بها كتابة القرآن الكريم في المصاحف، وبها تفتتح القراءة في جميع الصلوات، ولها أربعة عشر اسما منها: أم الكتاب، وأساس القرآن، وسورة الحمد، والسّبع المثاني، أي تثنى وتعاد كل ركعة.
(١) مربّي الإنس والجنّ ومالكهم ومدبّر أمورهم.
(٢) يوم الجزاء والحساب.
(٣) وفقنا للثبات على الطريق القويم.
(٤) المنحرفون عن طريق الاستقامة من أتباع الملل الأخرى.
10
جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عزّ وجلّ: قسمت الصّلاة (أي قراءة الفاتحة) بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) قال الله:
حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) قال الله: مجدني عبدي أو فوّض إلي عبدي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل»
.
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها (آمين) أي اللهم استجب لنا.
قال صلّى الله عليه وسلم في فضل الفاتحة: «إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، فقد أمنت من كل شيء إلا الموت».
11
تفسير سورة البقرة
موقف الناس من القرآن الكريم
ابتدأ الله تعالى سورة البقرة، المدنيّة النزول (ما بعد الهجرة ولو في مكّة)، ببيان موقف الناس من القرآن الكريم، وذكر أنهم ثلاثة أصناف، فمنهم من آمن به وعمل صالحا، وأولئك هم المفلحون، ومنهم من كفر به واستكبر عن الحق قولا وعملا، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. ومنهم من آمن بالله وباليوم الآخر قولا باللسان فقط، وبقي قلبه مملوءا بالكفر والضّلال، وأولئك لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، وهم المنافقون.
قال مجاهد: أربع آيات من أول البقرة نزلت في المؤمنين، وآيتان في الكفار، وثلاث عشرة آية في المنافقين.
أما المؤمنون المتّقون فلهم أوصاف أربعة: الإيمان الصادق بالغيب الذي أخبر الله عنه، وقام الدليل عليه، فلا يقتصرون على المادّيات والمحسوسات، وإنما يؤمنون بما وراء المادة، ويقيمون الصلاة باعتبارها عماد الدين، ويؤتون الزكاة للفقراء والمساكين، والزكاة أساس بناء المجتمع، كما أن الصلاة أساس بناء الفرد، ويؤمنون بجميع ما أنزل الله على رسله من الكتب السماوية ويؤمنون بالآخرة إيمانا يقينيا لا شبهة فيه، ولا شك.
12
Icon