مدنية. وهي إحدى عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر تأييد من آمن بعيسى، حتى ظهر على عدوه، ذكر بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إشارة إلى أنه سيظهر على من خالفه، كما ظهر الحواريون، أو تقول : لما تقدمت البشارة به، ذكره هنا، وذكر ما خصه به، وما خص به أمته من التزكية والتحلية وغيرهما، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾*﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾*﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾*﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.
ﰡ
﴿ الملكِ القُدُّوسِ ﴾ أي : المنزَّه عما لا يليق به من الكمالات. ولا يُقال : المنزّه عن النقائص ؛ إذ لا يصح اتصافه بها حتى تُنفى عنه، وربما يكون نقصاً في حقه، كما يُقال : الملِك ليس بجزار. ﴿ العزيزِ الحكيمِ ﴾، وقرئت هذه الصفات الأربع بالرفع على المدح.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾*﴿ قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُواْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾*﴿ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾*﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ مَثَلُ ﴾ اليهود ﴿ الذين حُمِّلُوا التوراةَ ﴾ أي : كُلِّفوا علمها، والعمل بما فيها، ﴿ ثم لم يحملوها ﴾ ؛ لم يعملوا بما فيها، فكأنهم لم يحملوها، ﴿ كَمَثَلِ الحمارِ يحمل أسفاراً ﴾ جمع سفر، وهو الكتاب الكبير، شَبّه اليهودَ بالحمار، فإنهم حملة التوراة وقُرّاؤها وحُفّاظ ما فيها، ثمّ لم يعملوا بها، ولم ينتفعوا بآياتها، وذلك : أنَّ فيها بعث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به، فلم يؤمنوا، فهم أشبه شيء بحمار حمل كُتباً كباراً من كتب العلم، فهو يمشي بها، ولا يدري منها إلاَّ ما يلحقه من الكدّ والتعب. وفي التلخيص : وَجْهُ الشَبَه : حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمُّل التعب في استصحابه، وكل مَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهذا مثلُه. قال الطيبي : لمّا تمسكت اليهود بقوله :" في الأميين " ؛ لأنه خاص بالعرب، أتبعه بضرب المثل لمَن تمسّك بهذه الشبهة، وترك الدلائل الواضحة المسطورة بعموم البعثة، وأنه كالحمار يحمل أسفاراً، ولا يدري ما حمل، ولا ما فيه. ه. وجملة " يحمل " حال، والعامل فيها، معنى المثل، أو : صفة للحمار ؛ إذ ليس المراد به معيناً، فهو كقوله١ :
ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني. . . ***
﴿ بئس مثلُ القومِ الذين كذّبوا بآيات الله ﴾ أي : بئس مثلاً مثل القوم الذين كذّبوا، أو بئس مثل القوم المكذِّبين مثلهم، وهم اليهود الذين كذّبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ واللهُ لا يهدي القوم الظالمين ﴾ وقت اختيارهم الظلمَ، أو : لا يهدي مَن سبق في علمه أنه يكون ظالماً، أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد.
وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه، إلاّ لخوف الفتنة، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : ما لك تُكثر الدعاء بالموت ؟ وما الذي مَلِلت من العيش ؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً ؟ فقال عمر : يا بن عباس ! كيف لا أتمنى الموت، وأطلب القدوم على الله، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا، إمّا بحق لا يثق به، أو بباطل لا يناله، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم، وتصبح الأرض مني بلاقع. هـ.
وقيل لسفيان الثوري : لِمَ تتمنَّ الموت، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه ؟ فقال : إن سألني ربي عن ذلك أقول : لثقتي بك يا رب، وخوفي من الناس، ثم أنشد :
قد قلتُ لمّا مَدَحوا الحياة وأسرفوا | في الموت ألف فضيلة لا تُعرف |
فيها أمان لقـائه بلقـائـه | وفـراق كل معاشـرِ لا يُنصِـف |
يبكي الرجالُ على الحياة وقد | أفنى دموعي شوقـي إلى الأجـل |
أموت من قبل أن يفـر مني | دَهْـري فإني منه على وجل |
... *** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
والبيت لرجل من سلول في الدرر ١/٧٨، وشرح التصريح ٢/١١، وشرح شواهد المغني ١/٣١٠، والكتاب ٣/٢٤، والمقاصد النحوية ٤/٥٨، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦، ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص ١٧١، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣، والأشباه والنظائر ٣/٩٠، والأضداد ص ١٣٢، وأمالي ابن الحاجب ص ٦٣١، وأوضح المسالك ٣/٢٠٦، وخزانة الأدب ١/٣٥٧، والخصائص ٢/٣٣٨..
وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه، إلاّ لخوف الفتنة، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : ما لك تُكثر الدعاء بالموت ؟ وما الذي مَلِلت من العيش ؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً ؟ فقال عمر : يا بن عباس ! كيف لا أتمنى الموت، وأطلب القدوم على الله، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا، إمّا بحق لا يثق به، أو بباطل لا يناله، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم، وتصبح الأرض مني بلاقع. هـ.
وقيل لسفيان الثوري : لِمَ تتمنَّ الموت، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه ؟ فقال : إن سألني ربي عن ذلك أقول : لثقتي بك يا رب، وخوفي من الناس، ثم أنشد :
قد قلتُ لمّا مَدَحوا الحياة وأسرفوا | في الموت ألف فضيلة لا تُعرف |
فيها أمان لقـائه بلقـائـه | وفـراق كل معاشـرِ لا يُنصِـف |
يبكي الرجالُ على الحياة وقد | أفنى دموعي شوقـي إلى الأجـل |
أموت من قبل أن يفـر مني | دَهْـري فإني منه على وجل |
وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه، إلاّ لخوف الفتنة، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : ما لك تُكثر الدعاء بالموت ؟ وما الذي مَلِلت من العيش ؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً ؟ فقال عمر : يا بن عباس ! كيف لا أتمنى الموت، وأطلب القدوم على الله، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا، إمّا بحق لا يثق به، أو بباطل لا يناله، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم، وتصبح الأرض مني بلاقع. هـ.
وقيل لسفيان الثوري : لِمَ تتمنَّ الموت، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه ؟ فقال : إن سألني ربي عن ذلك أقول : لثقتي بك يا رب، وخوفي من الناس، ثم أنشد :
قد قلتُ لمّا مَدَحوا الحياة وأسرفوا | في الموت ألف فضيلة لا تُعرف |
فيها أمان لقـائه بلقـائـه | وفـراق كل معاشـرِ لا يُنصِـف |
يبكي الرجالُ على الحياة وقد | أفنى دموعي شوقـي إلى الأجـل |
أموت من قبل أن يفـر مني | دَهْـري فإني منه على وجل |
وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه، إلاّ لخوف الفتنة، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : ما لك تُكثر الدعاء بالموت ؟ وما الذي مَلِلت من العيش ؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً ؟ فقال عمر : يا بن عباس ! كيف لا أتمنى الموت، وأطلب القدوم على الله، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا، إمّا بحق لا يثق به، أو بباطل لا يناله، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم، وتصبح الأرض مني بلاقع. هـ.
وقيل لسفيان الثوري : لِمَ تتمنَّ الموت، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه ؟ فقال : إن سألني ربي عن ذلك أقول : لثقتي بك يا رب، وخوفي من الناس، ثم أنشد :
قد قلتُ لمّا مَدَحوا الحياة وأسرفوا | في الموت ألف فضيلة لا تُعرف |
فيها أمان لقـائه بلقـائـه | وفـراق كل معاشـرِ لا يُنصِـف |
يبكي الرجالُ على الحياة وقد | أفنى دموعي شوقـي إلى الأجـل |
أموت من قبل أن يفـر مني | دَهْـري فإني منه على وجل |
*﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾*﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾*﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إِذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ﴾، والإمام على المنبر، و " مِن " بيان ل " إذا " أو تفسير لها، وقيل :" مِن " بمعنى " في " كقوله :﴿ مَاذَا خَلَقُواْ مِن ألأَرْضِ ﴾ [ فاطر : ٤٠ والأحقاف : ٤ ] أي : في الأرض. وإنما سُمي جُمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة، وقيل : أول مَن سمّاها جمعة : كعب بن لؤي، وكان يُسمى العروبة، وقيل : إنَّ الأنصار قالوا قبل الهجرة : لليهود يومٌ يجتمعون فيه في كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلُموا نجعل يوماً نجتمع فيه، فنذكر الله ونُصلّي، فقالوا : يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم الجمعة، فاجتمعوا إلى سعد بن زُرارة، فصلَّى بهم ركعتين، وذكَّرهم، فسموه يومَ الجمعة، لاجتماعهم فيه، فأنزل الله آية الجمعة أي : بعد ذلك تقريراً لفعلهم، فهي أول جمعة كانت في الإسلام١. وأما أول جمعة جمعها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهي لمَا قَدِم المدينةَ مهاجراً، نزل قباء، على بني عَمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء الأربعاء والخميس، وأسّس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامداً إلى المدينة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، في بطن وادٍ لهم، وقد بنوا هناك مسجداً، فخطب، وصلّى الجمعة فيه. انظر الثعلبي.
ويوم الجمعة سيد الأيام، وفي الحديث :" مَن مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد، ووُقي فتنة القبر " ٢.
فإذا نُودي للصلاة ﴿ فاسْعَوا إِلى ذكر الله ﴾ أي : امشوا واحضروا الخطبة والصلاة ﴿ وذَرُوا البيع ﴾ أي : اتركوا المعاملة كلها، وإنما خص البيع ؛ لأنّ يوم الجمعة كان سوقًا يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال، فقيل لهم : بادِروا إلى تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، ﴿ واسْعَوا إِلى ذكر الله ﴾ الذي لا شيء أنفع منه، ﴿ ذلكم ﴾ أي : السعي إلى ذكر الله ﴿ خيرٌ لكم ﴾ من البيع والشراء ﴿ إِن كنتم تعلمون ﴾ الخير والشر الحقيقيين، أو : إن كنتم من أهل العلم.
﴿ وذرُوا البيع ﴾ أي : اتركوا كلَّ ما يشغل عن الله، فلا تتجلى الحقائق إلاّ بعد ترك العلائق، ذلكم، أي : ترك كل شاغل، خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، أي : إن كنتم من أهل العلم بالله فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض... الخ، أي : إذا حصل لكم البقاء بعد الفناء ؛ فانتشِروا في أرض العبودية، واتسعوا في ميادين البشرية، بالاستمتاع بالشهوات المباحة بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، وابتغوا من فضل الله، بالتجارات الرابحة، وهي إرشاد العباد إلى الله، ﴿ واذكروا الله كثيراً ﴾ أي : في كل شيء وعند كل شيء، برؤية الحق في كل شيء، وإليه تُشير وصيته صلى الله عليه وسلم لمُعاذ بقوله :" واذكر الله عند كل حَجر وشجر " ٣.
وقوله تعالى :﴿ وإِذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضُّوا إِليها ﴾، قال القشيري : يشير إلى السالكين المحرومين من الجذبة ـ وهو السالك الأبتر ـ إذا رأوا تجارة، أي : طاعة تُوجب ثواب الآخرة، يقومون إليها، ويَثبون عليها، نظراً إلى ثواب الآخرة، كما قال عليه السلام :" لا تكونوا كالأجير السوء، إن أُعطي عمل، وإن لم يُعطَ لم يعمل "، أو لهواً أطرب النفس برؤية الطاعة واستِلْذَاذها بنظر الخلق إليها، انفضُّوا إليها وتركوك ـ أيها السالك الحقيقي ـ قائماً بعبودية الحق، ومشاهدة قيوميته، قل : ما عند الله من المواهب العالية، والعطايا السنية، خيرٌ من لهو النفس برؤية الغير، ومن التجارات بثواب الآخرة، لقوله تعالى :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] أو : ما عند الله نَقْداً للعارفين من واردات القلوب، وبواده الحقيقية، خير مما يؤمل من الدنيا والآخرة للغافلين، والله خير الرازقين، لإعطائه رزق النفس، وهو الطاعة على المنهاج والشرع، ورزق القلب، وهو الأعمال القلبية، كالزهد والورع والرضا والتسليم والمراقبة، والبسط والقبض، والأُنس والهيبة، ورزق الروح بالتجليات والمشاهدات، والمعاينات والتنزُّلات، ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية، ورزق الخفاء بالفناء في الله والبقاء به. هـ. قال الورتجبي : فيه تأديب المريدين حين اشتغلوا عن صحبة المشايخ، بخلواتهم وعباداتهم، لطلب الكرامة، ولم يعلموا أنَّ ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لَهْوٌ. هـ. وهو حق. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد، عين عيان التحقيق، وعلى آله وصحبه وسلّم.
٢ أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٣/١١٥، وأبو يعلى في مسنده حديث ٤١١٣..
﴿ وذرُوا البيع ﴾ أي : اتركوا كلَّ ما يشغل عن الله، فلا تتجلى الحقائق إلاّ بعد ترك العلائق، ذلكم، أي : ترك كل شاغل، خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، أي : إن كنتم من أهل العلم بالله فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض... الخ، أي : إذا حصل لكم البقاء بعد الفناء ؛ فانتشِروا في أرض العبودية، واتسعوا في ميادين البشرية، بالاستمتاع بالشهوات المباحة بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، وابتغوا من فضل الله، بالتجارات الرابحة، وهي إرشاد العباد إلى الله، ﴿ واذكروا الله كثيراً ﴾ أي : في كل شيء وعند كل شيء، برؤية الحق في كل شيء، وإليه تُشير وصيته صلى الله عليه وسلم لمُعاذ بقوله :" واذكر الله عند كل حَجر وشجر " ٣.
وقوله تعالى :﴿ وإِذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضُّوا إِليها ﴾، قال القشيري : يشير إلى السالكين المحرومين من الجذبة ـ وهو السالك الأبتر ـ إذا رأوا تجارة، أي : طاعة تُوجب ثواب الآخرة، يقومون إليها، ويَثبون عليها، نظراً إلى ثواب الآخرة، كما قال عليه السلام :" لا تكونوا كالأجير السوء، إن أُعطي عمل، وإن لم يُعطَ لم يعمل "، أو لهواً أطرب النفس برؤية الطاعة واستِلْذَاذها بنظر الخلق إليها، انفضُّوا إليها وتركوك ـ أيها السالك الحقيقي ـ قائماً بعبودية الحق، ومشاهدة قيوميته، قل : ما عند الله من المواهب العالية، والعطايا السنية، خيرٌ من لهو النفس برؤية الغير، ومن التجارات بثواب الآخرة، لقوله تعالى :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] أو : ما عند الله نَقْداً للعارفين من واردات القلوب، وبواده الحقيقية، خير مما يؤمل من الدنيا والآخرة للغافلين، والله خير الرازقين، لإعطائه رزق النفس، وهو الطاعة على المنهاج والشرع، ورزق القلب، وهو الأعمال القلبية، كالزهد والورع والرضا والتسليم والمراقبة، والبسط والقبض، والأُنس والهيبة، ورزق الروح بالتجليات والمشاهدات، والمعاينات والتنزُّلات، ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية، ورزق الخفاء بالفناء في الله والبقاء به. هـ. قال الورتجبي : فيه تأديب المريدين حين اشتغلوا عن صحبة المشايخ، بخلواتهم وعباداتهم، لطلب الكرامة، ولم يعلموا أنَّ ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لَهْوٌ. هـ. وهو حق. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد، عين عيان التحقيق، وعلى آله وصحبه وسلّم.
ولمّا انفضُّوا قال صلى الله عليه وسلم :" والذي نفس محمد بيده لو قاموا جميعاً لأضرم الله عليهم الوادي ناراً " ٢. وفي مراسيل أبي داود : إنّ الخطبة كانت بعد الصلاة، فتأوّلوا رضي الله عنهم أنهم قد قضوا ما عليهم، فحولت الخطبة بعد ذلك قبل الصلاة. ه.
وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق، وهو المراد باللهو. وتخصيص التجارة برجْع الضمير إليها ؛ لأنها المقصودة، أو لأن الانفضاض إذا كان للتجارة مع الحاجة إليها مذموماً، فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو، فهو مذموم في نفسه، وقيل : التقدير : إذا رأوا تجارة انفضُّوا إليها، أو لهواً انفضُّوا إليه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه. وقال أبو حيان : وإنما قال :" إليها "، ولم يقل : إليهما، لأن العطف ب " أو " لا يثنى فيه الضمير، بل يفرد، وقال الطيبي : الضمير راجع إلى اللهو، باعتبار المعنى، والسر فيه : أنَّ التجارة إذا شغلت المكلّف عن الذكر عُدت لهواً، وتعد فضلاً إن لم تشغله، كما ذكر قبل ذلك، فراجعه.
﴿ وتَركُوك قائمًا ﴾ على المنبر، وفيه دليل على طلب القيام في الخطبة إلاَّ لعذر. ﴿ قل ما عند الله ﴾ من الثواب ﴿ خير من اللهو ومن التجارة ﴾ فإنَّ في ذلك نفع محقق دائم، بخلاف ما فيهما من النفع المتوهم. ﴿ واللهُ خيرُ الرازقين ﴾ فإليه اسعوا، ومنه اطلبوا الرزق، أي : لا يفوتهم رزق الله بترك البيع، فهو خير الرازقين.
﴿ وذرُوا البيع ﴾ أي : اتركوا كلَّ ما يشغل عن الله، فلا تتجلى الحقائق إلاّ بعد ترك العلائق، ذلكم، أي : ترك كل شاغل، خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، أي : إن كنتم من أهل العلم بالله فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض... الخ، أي : إذا حصل لكم البقاء بعد الفناء ؛ فانتشِروا في أرض العبودية، واتسعوا في ميادين البشرية، بالاستمتاع بالشهوات المباحة بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، وابتغوا من فضل الله، بالتجارات الرابحة، وهي إرشاد العباد إلى الله، ﴿ واذكروا الله كثيراً ﴾ أي : في كل شيء وعند كل شيء، برؤية الحق في كل شيء، وإليه تُشير وصيته صلى الله عليه وسلم لمُعاذ بقوله :" واذكر الله عند كل حَجر وشجر " ٣.
وقوله تعالى :﴿ وإِذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضُّوا إِليها ﴾، قال القشيري : يشير إلى السالكين المحرومين من الجذبة ـ وهو السالك الأبتر ـ إذا رأوا تجارة، أي : طاعة تُوجب ثواب الآخرة، يقومون إليها، ويَثبون عليها، نظراً إلى ثواب الآخرة، كما قال عليه السلام :" لا تكونوا كالأجير السوء، إن أُعطي عمل، وإن لم يُعطَ لم يعمل "، أو لهواً أطرب النفس برؤية الطاعة واستِلْذَاذها بنظر الخلق إليها، انفضُّوا إليها وتركوك ـ أيها السالك الحقيقي ـ قائماً بعبودية الحق، ومشاهدة قيوميته، قل : ما عند الله من المواهب العالية، والعطايا السنية، خيرٌ من لهو النفس برؤية الغير، ومن التجارات بثواب الآخرة، لقوله تعالى :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] أو : ما عند الله نَقْداً للعارفين من واردات القلوب، وبواده الحقيقية، خير مما يؤمل من الدنيا والآخرة للغافلين، والله خير الرازقين، لإعطائه رزق النفس، وهو الطاعة على المنهاج والشرع، ورزق القلب، وهو الأعمال القلبية، كالزهد والورع والرضا والتسليم والمراقبة، والبسط والقبض، والأُنس والهيبة، ورزق الروح بالتجليات والمشاهدات، والمعاينات والتنزُّلات، ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية، ورزق الخفاء بالفناء في الله والبقاء به. هـ. قال الورتجبي : فيه تأديب المريدين حين اشتغلوا عن صحبة المشايخ، بخلواتهم وعباداتهم، لطلب الكرامة، ولم يعلموا أنَّ ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لَهْوٌ. هـ. وهو حق. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد، عين عيان التحقيق، وعلى آله وصحبه وسلّم.
٢ أخرج البيهقي في شعب الإيمان حديث ٣٠١٩..