ﰡ
مدنية بالإجماع، وعدد آياتها إحدى عشرة آية.
وقد تكلمت السورة على فضل الله بإرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم من العرب وتناولت اليهود حيث لم يحافظوا على شريعتهم، ثم بعد ذلك أتت بحكم تتعلق بالجمعة.
منّ الله على العرب والناس جميعا [سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)المفردات:
الْأُمِّيِّينَ المراد بهم العرب لأن أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب إذ الأمى منسوب إلى الأم، فهو على جبلته لا يقرأ ولا يكتب. يُزَكِّيهِمْ: يطهرهم.
يسبح لله كل ما في السموات، وما في الأرض تسبيحا متجددا مستمرا، لأنه صاحب الملك، وبيده الأمر والخلق، وهو القدوس المنزه عن كل نقص المتصف بكل كمال، العزيز الذي لا يغلبه غالب، الحكيم في كل شيء.
وأول مظهر من مظاهر فضله ونعمه على خلقه إرسال الرسل وخاصة النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتما للرسل كلهم، ولا شك أن هذا من مظاهر عزته وحكمته، هو الحق- تبارك وتعالى- الذي بعث في العرب رسولا من جنسهم أميا مثلهم، لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك فهو يتلو عليهم الآيات، ويحملهم على طهارة النفس ويخلق فيهم الضمير الحي، وهو الذي يعلمهم القرآن، والحكمة النافعة المأخوذة من حديثه وقوله وفعله، فهو المثل الأعلى الذي قاد أمته إلى الحياة الصحيحة، في التشريع والقضاء والسياسة والاقتصاد، وإن كانوا من قبل لفي «١» جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وأى ضلالة أكبر من ضلالة العرب قبل الإسلام؟
يعلم العرب الكتاب والحكمة، ويزكيهم من دنس الرجس والشرك وسوء الفعل، ويعلم آخرين منهم لم يلحقوا بهم وسيلحقون بهم، هؤلاء هم الذين دخلوا في الإسلام من العرب ومن غيرهم أخيرا بعد الصحابة، وما أروع كلمة «منهم» أى: من الأمة الإسلامية، إذ الإسلام لا يقر اختلاف الأجناس والألوان بل كل مسلم من أى جنس ولون فهو عضو في أسرة الإسلام، وإن بعدت الدار، وشط المزار.
ذلك الفضل العظيم فضل الله ونعمته يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم، لا حرج على فضل الله حيث فضل الرسول وقومه وجعلهم متبوعين بعد أن كانوا أوزاعا لا وزن لهم ولا قيمة عند غيرهم من الأمم، وظل الحال كذلك.
فالعرب لعبوا ويلعبون دورا مهما في العالم إلى الآن.
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
المفردات:
حُمِّلُوا التَّوْراةَ المراد: كلفوا العمل بها، وليس هو من الحمل على الظهر بل هو من الحمالة، أى: الكفالة. أَسْفاراً: كتبا كبارا، وسميت أسفارا لأنها تسفر عن معناها إذا قرئت. أَوْلِياءُ لِلَّهِ: أحباؤه. تَفِرُّونَ مِنْهُ: تخافون منه.
وهذا مثل ضربه الله لليهود حيث أعطاهم التوراة، ولم يعملوا بها فكانوا كالحمار الذي يحمل الكتب الكبار، وفي ذكر هذا المثل هنا تحذير لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من أن يكونوا كاليهود يدعون ولا يعملون ويحملون ولا ينتفعون.
المعنى:
شبه الله- سبحانه وتعالى- اليهود حيث حملوا التوراة وكلفوا بها وعلموا بما فيها وحفظوها ثم لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما فيها- بالحمار يحمل كتبا كبارا، من كتب
بئس المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدى القوم الظالمين.
وكان اليهود يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الآخرة لهم دون سواهم، فنزل في ذلك قل لهم يا محمد: يا أيها الذين هادوا واتبعوا موسى والتوراة إن زعمتم صادقين أنكم أولياء الله، وأحباؤه من دون الناس، إن كنتم صادقين في هذا الزعم فتمنوا الموت الذي ينقلكم إلى دار الكرامة فتحظوا بالسعادة التي أعدها لكم ربكم، ولا يتمنونه أبدا بسبب ما قدمته أيديهم من الكفر والمعاصي وتكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع علمهم بصدقه ووصفه في التوراة،
وفي حديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لما نزلت هذه الآية «والّذى نفس محمّد بيده لو تمنّوا الموت ما بقي على ظهرها يهودىّ إلّا مات»
وفي هذا إخبار عن الغيب ومعجزة للنبي الكريم.
قل لهم: إن الموت الذي تفرون منه وتخافونه فإنه ملاقيكم حتما «١» إذ كل شيء هالك إلا وجهه، ثم تردون أيها اليهود إلى عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه منكم خافية، فينبئكم بما كنتم تعملون ويجازيكم عليه.
بعض أحكام تتعلق بصلاة الجمعة [سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٩ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
نُودِيَ لِلصَّلاةِ: أذن لها. يَوْمِ الْجُمُعَةِ: هو اليوم المعروف من أيام الأسبوع، وتصلى فيه صلاة الجمعة. فَاسْعَوْا: فامضوا إلى ذكر الله بقصد حسن. وَذَرُوا الْبَيْعَ: اتركوه. قُضِيَتِ الصَّلاةُ: أديت وفرغ منها.
انْفَضُّوا إِلَيْها: أسرعوا لها.
المعنى:
خاطب الله- سبحانه وتعالى- المؤمنين خاصة بهذا النداء تشريفا لهم وتكريما، وليعلموا أن إيمانهم يقتضى الإسراع في إجابة هذا الطلب وتحقيق هذا الأمر، يا أيها المؤمنون: إذا أذن لصلاة الجمعة في يوم الجمعة فالواجب عليكم أن تسعوا إلى ذكر الله سعيا يتحقق به شهود الصلاة وحضورها والحصول على الثواب كاملا، والمطلوب هو السعى بالأقدام والعمل مع الإخلاص بقلوب ذاكرة، ونفوس راغبة في الحضور والمشاهدة بين يدي الله جل جلاله.
اسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع والشراء وما شابههما.
ومن الذي تجب عليه الجمعة ويجب عليه السعى لها؟ هم الرجال المقيمون الأحرار الذين لا عذر لهم، وما المراد بهذا النداء؟ هل هذا الأذان الأول أو هو الأذان بين يدي الخطيب؟ الذي كان أيام النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يؤذن المؤذن بين يديه ثم يقيم الصلاة، والأذان الأول حصل أيام عثمان، وعلى ذلك فالمراد هو الأذان الثاني لا الأول، ولكن في الواقع أن الاستعداد المعقول في هذه الأيام يقتضى أن نترك البيع ونسعى للصلاة عند سماع الأذان الأول حتى يكمل الاستعداد بهدوء وطمأنينة.
والجمعة كأى صلاة يلزمها الوضوء والطهارة، ويسن لها الغسل.
فإذا قضيت الصلاة، وفرغتم منها فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم، وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا رجاء أن تكونوا من الفالحين
وروى عن بعضهم أنه كان يقول عقب صلاة الجمعة: اللهم إنى أجبت دعوتك وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتنى، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.
روى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، فأنزلت هذه الآية: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً.
قل لهم: ما عند الله من الثواب الجزيل والفضل العميم والرزق الواسع، والبركة التي يعطيها بعض عباده خير من اللهو ومن التجارة التي تسرعون إليها قصدا، والله وحده خير الرازقين. فاطلبوا منه الرزق، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيرى الدنيا والآخرة.