هي إحدى عشرة آية وهي مدنية، قال القرطبي : في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة الجمعة بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله وأخرج مسلم وأهل السنن عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة سورة الجمعة و﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾. وأخرج مسلم وأهل السنن عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن حبان والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ و﴿ قل هو الله أحد ﴾ وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون.
ﰡ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمْعَةِ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الجمعة سورة الجمعة وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة ب قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِلَّهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْبَدَلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَرَأَ أَبُو وَائِلِ بْنُ مُحَارِبٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَرُؤْبَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْقُدُّوسِ بِضَمِّ الْقَافِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِفَتْحِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ الْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّينَ الْعَرَبُ، مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُحْسِنُهَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَالْأُمِّيُّ فِي الْأَصْلِ الَّذِي لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ الْمَكْتُوبَ، وَكَانَ غَالِبُ الْعَرَبِ كَذَلِكَ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ مَعْنَى الْأُمِّيِّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَمَعْنَى مِنْهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِنْ جِنْسِهِمْ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَمَا كَانَ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، وَوَجْهُ الِامْتِنَانِ بِكَوْنِهِ
يَجْعَلُهُمْ أَزْكِيَاءَ الْقُلُوبِ بِالْإِيمَانِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ هَذِهِ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِ «رَسُولًا»، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ:
الْقُرْآنُ، وَبِالْحِكْمَةِ: السُّنَّةُ، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ. وَقِيلَ: الْكِتَابُ: الْخَطُّ بِالْقَلَمِ، وَالْحِكْمَةُ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ، كَذَا قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ «١» وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ بَعْثَتِهِ فِيهِمْ فِي شِرْكٍ وَذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأُمِّيِّينَ، أَيْ: بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ، وَبَعَثَ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَسَيَلْحَقُونَ بِهِمْ مِنْ بَعْدُ، أَوْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ فِي «يُعَلِّمُهُمْ»، أَيْ: وَيُعَلِّمُ آخَرِينَ، أَوْ عَلَى مَفْعُولِ «يُزَكِّيهِمْ» أَيْ: يُزَكِّيهِمْ وَيُزَكِّي آخَرِينَ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْآخَرِينَ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
هُمُ التَّابِعُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ. وَجُمْلَةُ: لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ صفة لآخرين، والضمير في «منهم» و «بهم» رَاجِعٌ إِلَى الْأُمِّيِّينَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآخَرِينَ هُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَى جميع الثقلين، فتخصيص العرب ها هنا لِقَصْدِ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي عُمُومَ الرِّسَالَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْآخَرِينَ الْعَجَمُ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْعَرَبِ، فَقَدْ صَارُوا بِالْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَيْ: بَلِيغُ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْإِسْلَامَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الْوَحْيَ وَالنُّبُوَّةَ. وَقِيلَ: إِلْحَاقُ الْعَجَمِ بِالْعَرَبِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ أَيْ: يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُسَاوِيهِ فَضْلٌ وَلَا يُدَانِيهِ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ضَرَبَ سُبْحَانَهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِالتَّوْرَاةِ مَثَلًا فَقَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أَيْ: كُلِّفُوا الْقِيَامَ بِهَا والعمل بها فِيهَا ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أَيْ:
لَمْ يَعْمَلُوا بِمُوجِبِهَا، وَلَا أَطَاعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِيهَا كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً هِيَ جَمْعُ سِفْرٍ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْكَبِيرُ، لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنِ الْمَعْنَى إِذَا قُرِئَ. قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الْحِمَارُ لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل «٢» فَهَكَذَا الْيَهُودُ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ يَعْنِي حُمِّلُوا مِنَ الْحَمَالَةِ بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ، أَيْ: ضَمِنُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ، وَقَوْلُهُ: يَحْمِلُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ صِفَةٍ لِلْحِمَارِ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ به حِمَارًا مُعَيَّنًا، فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يسبّني... فمضيت ثمّ قلت: لا يعنيني
(٢). «الزبيل» : الزّبل والقفّة.
لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «٢» فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ لَمَّا ادَّعَوْا هَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لِتَصِيرُوا إِلَى مَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي زَعْمِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِي هَذَا الزَّعْمِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَبَّ الْخُلُوصَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ. قَرَأَ الجمهور:
فَتَمَنَّوُا بضم الواو، وقرأ ابن السميقع بِفَتْحِهَا تَخْفِيفًا، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ إِبْدَالَ الْوَاوِ هَمْزَةً. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَدًا بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، فَقَالَ: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أَيْ: بِسَبَبِ مَا عَمِلُوا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ، وَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ دَاخِلُونَ فِيهِمْ دُخُولًا أَوَلِيًّا. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ بِأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَوْتِ لَا يُنْجِيهِمْ وَأَنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ، فَقَالَ: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، وَنَازِلٌ بِكُمْ بِلَا شَكٍّ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ دَاخِلَةٌ لِتَضَمُّنِ الِاسْمِ مَعْنَى الشَّرْطِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يُقَالُ إن زيدا فمنطلق، وها هنا قَالَ: «فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ» لِمَا فِي مَعْنَى «الَّذِي» مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ: إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ، وَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْفِرَارُ مِنْهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مَزِيدَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: تَفِرُّونَ مِنْهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ. ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ وَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ بِسَبْعِمِائَةِ آيَةٍ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ فَتَلَاهَا، فَلَمَّا بَلَغَ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا؟ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ». وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رجال
(٢). البقرة: ١١١.
ولقد أمر على اللئيم يسبني | فمضيت ثم وقلت لا يعنيني |
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها قَالَ: الْيَهُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَسْفاراً قال: كتبا.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٩ الى ١١]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أَيْ: وَقَعَ النِّدَاءُ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَذَانُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِدَاءٌ سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بيان لإذا وَتَفْسِيرٌ لَهَا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِنَّ «مِنْ» بِمَعْنَى «فِي»، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ «١» أَيْ فِي الْأَرْضِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «الْجُمُعَةِ» بِضَمِّ الْمِيمِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْأَعْمَشُ بِإِسْكَانِهَا تَخْفِيفًا. وَهُمَا لُغَتَانِ، وَجَمْعُهَا جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ الْجُمْعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِهَا وَبِضَمِّهَا. وَهِيَ صِفَةٌ لِلْيَوْمِ، أَيْ: يَوْمَ يُجْمَعُ النَّاسُ، قَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا وَأَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّخْفِيفُ أَخَفُّ وَأَقْيَسُ، نَحْوَ: غُرْفَةٌ وَغُرَفٌ، وَطُرْفَةٌ وَطُرَفٌ، وَحُجْرَةٌ وَحُجَرٌ. وَفَتْحُ الْمِيمِ لُغَةُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ جُمَعَةً لِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَ آدَمَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ فَرَغَ فِيهَا مِنْ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقِيلَ:
لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ عَطَاءُ: يَعْنِي الذَّهَابَ وَالْمَشْيَ إِلَى الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُضِيُّ وَالسَّعْيُ وَالذَّهَابُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْقَصْدُ. قَالَ الحسن: والله ما هو بسعي عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَكِنَّهُ قَصْدٌ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّاتِ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَمَلُ كَقَوْلِهِ: مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ «٢» وقوله:
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى «٣» وَقَوْلُهُ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى «٤» قال القرطبي: وهذا قول
(٢). الإسراء: ١٩.
(٣). الليل: ٨٤.
(٤). النجم: ٣٩.
وَقَالَ أَيْضًا:
سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بَعْدَ مَا | تبزّل مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ «٢» |
أَسْعَى عَلَى جُلِّ بَنِي مَالِكٍ | كلّ امرئ في شأنه ساعي |
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ |
(٢). «غيظ بن مرة» : حيّ من غطفان بن سعد. «تبزّل بالدم» : أي تشقّق.
(٣). «العير» : الإبل تحمل الطعام، ثم غلب على كل قافلة.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ جُمِعَتْ طِينَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا اللَّهَ فِيهَا بِدَعْوَةٍ اسْتَجَابَ لَهُ». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَفَلَا أُحَدِّثْكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ آدَمُ.
وَوَرَدَ فِي فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَعَظِيمِ أَجْرِهَا، وَفِي السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا، وَأَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِيهَا، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِي لِلْمُنْتَقَى بِمَا لَا يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ: رَأَى مَعِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَوْحًا مَكْتُوبًا فِيهِ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فَقَالَ: مَنْ أَمْلَى عَلَيْكَ هَذَا؟ قُلْتُ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ أُبَيًّا أَقْرَأُنَا لِلْمَنْسُوخِ اقْرَأْهَا:
«فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» وَرَوَى هَؤُلَاءِ مَا عَدَا أَبَا عَبِيدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»، وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَأَخْرَجُوا كُلُّهُمْ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» قَالَ: وَلَوْ كَانَ فَاسْعَوْا لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ: فامضوا. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ عَنْهُ أَنَّ السَّعْيَ: الْعَمَلُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَا يَخْتَلِفَانِ فِي تِجَارَتِهِمَا إِلَى الشَّامِ، فَرُبَّمَا قَدِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَيَدْعُونَهُ وَيَقُومُونَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ: وَذَرُوا الْبَيْعَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ قَالَ: لَيْسَ لِطَلَبِ دُنْيَا، وَلَكِنْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَحُضُورِ جِنَازَةٍ، وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: لَمْ تُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ مِنْ طَلَبِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَحُضُورُ جِنَازَةٍ وَزِيَارَةُ أَخٍ فِي اللَّهِ. وَأَخْرَجَ
وورد في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة، وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها، وفي الساعة التي فيها، وأنه يستجاب الدعاء فيها، وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن خرشة بن الحرّ قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحاً مكتوباً فيه ﴿ إِذَا نُودِيَ للصلاة مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ﴾ فقال : من أملى عليك هذا ؟ قلت أبيّ بن كعب، قال : إن أبياً أقرأنا للمنسوخ اقرأها ( فامضوا إلى ذكر الله ) وروى هؤلاء ما عدا أبا عبيد عن ابن عمر قال : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلاّ ( فامضوا إلى ذكر الله ) وأخرجه عنه أيضاً الشافعي في الأمّ وعبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرجوا كلهم أيضاً عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ( فامضوا إلى ذكر الله ) قال : ولو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي. وأخرج عبد بن حميد عن أبيّ بن كعب أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس :﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾ قال : فامضوا. وأخرج عبد بن حميد عنه أن السعي : العمل. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب : أن رجلين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام، فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فيدعونه ويقومون، فنزلت الآية ﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾ فحرم عليهم ما كان قبل ذلك. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾ قال :«ليس لطلب دنيا، ولكن عيادة مريض، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : لم تؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال :«بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلاّ إثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر، فأنزل الله :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾ إلى آخر السورة. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال : جاءت عير عبد الرحمن بن عوف تحمل الطعام، فخرجوا من الجمعة بعضهم يريد أن يشتري، وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، وبقي في المسجد اثنا عشر رجلاً وسبع نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً». وفي الباب روايات متضمنة لهذا المعنى عن جماعة من الصحابة وغيرهم.
نحن بما عندنا وأنت بما | عندك راضٍ والرأي مختلف |
وورد في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة، وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها، وفي الساعة التي فيها، وأنه يستجاب الدعاء فيها، وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن خرشة بن الحرّ قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحاً مكتوباً فيه ﴿ إِذَا نُودِيَ للصلاة مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ﴾ فقال : من أملى عليك هذا ؟ قلت أبيّ بن كعب، قال : إن أبياً أقرأنا للمنسوخ اقرأها ( فامضوا إلى ذكر الله ) وروى هؤلاء ما عدا أبا عبيد عن ابن عمر قال : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلاّ ( فامضوا إلى ذكر الله ) وأخرجه عنه أيضاً الشافعي في الأمّ وعبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرجوا كلهم أيضاً عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ( فامضوا إلى ذكر الله ) قال : ولو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي. وأخرج عبد بن حميد عن أبيّ بن كعب أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس :﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾ قال : فامضوا. وأخرج عبد بن حميد عنه أن السعي : العمل. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب : أن رجلين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام، فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فيدعونه ويقومون، فنزلت الآية ﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾ فحرم عليهم ما كان قبل ذلك. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾ قال :«ليس لطلب دنيا، ولكن عيادة مريض، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : لم تؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال :«بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلاّ إثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر، فأنزل الله :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾ إلى آخر السورة. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال : جاءت عير عبد الرحمن بن عوف تحمل الطعام، فخرجوا من الجمعة بعضهم يريد أن يشتري، وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، وبقي في المسجد اثنا عشر رجلاً وسبع نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً». وفي الباب روايات متضمنة لهذا المعنى عن جماعة من الصحابة وغيرهم.