ﰡ
مدنية، وهي [إِحْدَى عشرَة آيَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ... (١) البليغ التنزه عن وصمة النقص والشين، (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) الغالب، البالغ حكمته، توطئة لقوله:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا... (٢) لفرط احتياجهم إليه؛ لأنهم لا يكتبون ولا يقرؤون (مِنْهُمْ) يعرفون صدقه وأمانته؛ ولكونه أشفق بهم وأرفق. (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) مع كونه أُمِّياً مثلهم؛ إشارة إلى معجزته الموقوفة نبوته عليها. (وَيُزَكِّيهِمْ) من الأخلاق الذميمة، أو عند اللَّه حيث يشهد لهم بالإيمان يوم القيامة. (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الشرائع. (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ظاهر، يعبدون الحجر ويأكلون الجيَف، ويطوفون بالبيت عراة.
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ... (٣) عطف على (الْأُمِّيِّينَ) أي: وفي آخرين من الْأُمِّيِّينَ. (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) بعد، وسيلحقون، لما في (لَمَّا) من معنى التوقّع. روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: لما نزلت سألت رسول اللَّه - ﷺ - من هم هؤلاء؟ وفينا سلمان، فوضع يده عليه وقال:
(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ... (٤) كونه رسولاً للأولين والآخرين. وفي إيثار اسم الإشارة بلفظ البعيد، وإضافة الفضل إلى كلمة الجلالة؛ إشارة إلى أن كل فضل دونه (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) تفضلاً (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الذي لا يحاط به.
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ... (٥) تعلموها (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) لم يعملوا بها، ولا حملوها على محاملها (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) كتباً كباراً من كتب العلم. مثَّل حالهم في حمل التوراة بحال الحمار الحامل لأسفار من الكتب، والجامع: الحرمان من الانتفاع بأبلغ نافع مع الكد والتعب. والجملة في محل النصب على الحال أو الصفة إذ لم يُرَد بالحمار معين، وهذا أبلغ ذماً. واتصاله بما قبله أنهم علموا في التوراة نعت المبعوث في الأميين رسولاً وكتموه.
(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) أي: مثل الذين كذبوا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو حذف المخصوص أي: هو والضمير لمثل اليهود، أو (بِئْسَ) مثلاً (مَثَلُ الَّذِينَ) على حذف المفسر وهذا قليل. (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي: اليهود الذين لم يحملوا التوراة.
(قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا... (٦) تهودوا (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) في زعمكم، لأن من علم أن مأواه جنة عدن تمنى الخلاص
(وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ... (٧) من الكفر وتحريف آيات اللَّه. واختصاص آية البقرة بـ (لن) لأن دعواهم هناك أن اختصاصهم بها أمر مكشوف فبولغ في ْالرد عليهم (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ظاهراً وباطناً.
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ... (٨) ولا تجترئون على تمنيه (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) ودخول الفاء في خبر الموصوف بالموصول للسببية باعتبار الوصف، كأنه قيل: إن الفرار الذي تظنونه سبب النجاة سبب الملاقات، مبالغة في عدم الفوت. (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ... (٩) لما نعى على اليهود ما يمنون به أنفسهم من الأماني الباطلة أمر المؤمنين بالسعي إلى ما فات اليهود من إدراك فضيلة يوم الجمعة. لما روي البخاري ومسلم أن يوم الجمعة هو اليوم الذي فضل على سائر الأيام، واختلف فيه أهل الكتابين فلم يهتدوا إليه. قال رسول اللَّه - ﷺ - فهدانا اللَّه تعالى إليه. نحن الآخرون السابقون يوم القيامة هو سيد الأيام فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء. الأصح أنها من وقت خروج الإمام إلى الفراغ من الصلاة، وقيل: بعد العصر، وكانت العرب تسميه يوم العَرُوبَة فسماه الله يوم الجمعة. والمراد النداء بين يدي الخطيب، فإن
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ... (١٠) من رزقه جبراً لما فاتكم. روى ابن أبي حاتم عن بعض السلف: " أن من باع أو اشترى بعد الجمعة بارك اللَّه له سبعين مرة ". كَانَ عَرَّاكُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - إِذا صَلَّى الْجُمُعَةَ انصرَف فوَقفَ عَلَى بَابِ المسْجِدِ، فَقَالَ: "اللَّهمَّ إني أَجبْتُ دعْوَتَك وَصَليْتُ فَرِيضتَك وَانتشَرْتُ كَمَا أَمَرتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِين ". وقيل: المراد به الطاعة كعيادة المريض، وتشييع
(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا... (١١) روى البخاري ومسلم عن جابر أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان على المنبر يخطب، فقدمت عِيرٌ مِنْ الشَامِ بميرة، فخرجوا إِلا اثْنا عَشَرَ رَجُلًا. قال مقاتل: العير كانت لدحية قبل إسلامه، وكان معها طبل وهو الذي أريد باللَّهو. والضمير للتجارة؛ لأن الانفضاض إليها إذا كان مذموماً فإلى اللَّهو أولى.
(وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) فيه غاية التعيير، إذ لو لم يكن إلا تركه على هذه الحالة دون أن يكون
* * *
تمت السورة، وللَّه المنة، والصلاة على رسوله وآله وصحبه السابقين إلى الجنة.
* * *