ﰡ
مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى اى نزه اسم ربك عن الحاد فيه وإطلاقه على غيره او المعنى نزه تسمية ربك بان تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم وان لا تسمية باسم من قبل نفسك بل سمى به نفسه فى كتابه او على لسان نبيه وقيل أريد بالاسم الذات المسماة كما فى قوله تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها أنتم واباءكم اى مسميات وقيل لفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك الأعلى قولا ونزهه عما يصفه الملحدون وهذا امر بالتسبيح قولا قال البغوي يعنى قل سبحان ربى الأعلى واليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين واحتج عليه البغوي بما رواه بسند عن ابن عباس ان النبي - ﷺ - قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربى الأعلى وقال قوم امر بالتنزيه مطلقا قولا واعتقادا او عملا ولا وجه للتخصيص بالقول والحديث المذكور لا يصلح حجة للتخصيص بالقول بل التسبيح باللسان بمواطاة القلب أحد محتملاته وقول من غير مواطأ القلب لا يعتاد به قال البغوي قال ابن عباس سبح اى صل بامر ربك الأعلى فهو امر بالصلوة ويحتمل ان يكون امرا بالتسبيح باللسان فى الصلاة يدل عليه ما ذكرنا فى سورة الحاقة من حديث عقبة بن عامر اجعلوها فى سجودكم وحديث حذيفة كان رسول الله - ﷺ - يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى وحديث ابن مسعود وقد ذكرنا (مسئلة:) تسبيحات الركوع والسجود هناك فلا نعيدها وتوصيفه بالأعلى اشارة الى موجب التسبيح فان علو شانه عن ادراك العقول وكما قال قهرمانه واقتداره بمنع عن تسميته بشئ الا بما وصف به نفسه ويوجب تنزيهه عما وصف به الملحدون سبحانه ما أعظم شانه.
الَّذِي خَلَقَ حذف المفعول للدلالة على العموم اى خلق كل شىء من الجواهر والاعراض وافعال العباد- فَسَوَّى اى جعل كل شىء متناسب الاجزاء غير متفاوت او المعنى سوى ما شاء تسويه بحيث لا يتطرق اليه تصور مما خلق لاجله من منفعة ومصلحة او المعنى سوى مجموع الخلق على ما يقتضيه النظام الجملي ومن ثم قالوا ليس فى الإمكان أبدع مما قد كان يعنى بحسب النظام.
وَالَّذِي
قرأ الكسائي بتخفيف الدال يعنى هو قادر على كل ممكن والباقون بالتشديد وقال البغوي هما بمعنى واحد اى قدر أجناس الأشياء وأنواعها واشخاصها ومقاديرها وصفاتها وافعالها وأرزاقها واجالها على ما يشاء عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - كل شىء بقدر حتى العجز والكيس رواه مسلم فَهَدى الى ما خلق لاجله من خير او شر قال مجاهد هدى الإنسان سبيل الخير والشر والسعادة وهدى الحيوان لمراتعها وقال مقاتل والكلبي عرف الذكر كيف يأتي ذكر الأنثى وقيل خلق المنافع فى الأشياء وهدى الإنسان بوجه استخراجها منها وقال السدى قدر مدة الجنين فى الرحم ثم هدى للخروج من الرحم او المعنى فهدى من شاء هدايته وأضل من شاء ضلالته والتقدير فهدى وأضل لكن حذف وأضل اكتفاء لقوله يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى اى أنبت ما ترغاه الدواب.
فَجَعَلَهُ بعد خضرته غُثاءً يابسا منفتتا أَحْوى ط اسود صفة لغثاء وقيل حال من مرعى اى أخرجه احوى من شدة حضرته كان النبي إذا نزل عليه جبرئيل يفرغ من اخر الاية حتى يتكلم رسول الله - ﷺ - باولها مخافة ان ينساها فانزل الله.
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وفى اسناده جويبر ضعيف جدا وكذا قال مجاهد والكلبي وقال فلم ينس رسول الله ﷺ بعد ذلك شيئا يعنى سنجعلك قاريا بالهام القراءة كما أنزلنا عليك بلسان جبرئيل وقيل لا تنس والالف مزيد الفاصلة عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله - ﷺ - تعاهدوا القران فو الذي نفسى بيده وهو أشد تفصيا من الإبل فى عقلها متفق عليه وفى الصحيحين عن ابن مسعود نحوه وعن ابن عمران رسول الله - ﷺ - قال انما مثل صاحب القران كمثل صاحب الإبل المعقلة ان عاهدها أمسكها وان أطلقها ذهبت متفق عليه وعن سعد بن مسعد قال قال رسول الله - ﷺ - ما من امرئ يقرأ القران ثم ينساه الا لقى الله يوم القيامة أجذم رواه ابو داود والدارمي.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ط ان ينساه والاستثناء مفرغ فى محل النصب والمراد على تاويل الجمهور كما هو الظاهر ما نسخ الله تلاوته وحكمه معا كما قال ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها والانساء نوع من النسخ وعلى هذا التأويل فى الاية المعجزة بوجهين فان عدم النسيان مطلقا مع ان النسيان مجبول فى الإنسان معجزة وفى الاخبار فيما يستقبل وقوعه كذلك معجزة اخرى واما على ما قيل ان لا ينسى تهى فمعنى الاستثناء ان معاهدة القرآن بقدر الطاقة البشرية واجب
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى اى لوفقك ونهون عليك عمل الجنة ومنه القراءة على حسب ما انزل عليك وحفظه والعمل بمضمونه وفى الكلام قلب تقديره نيسر اليسرى لك وفيه مبالغة فان اليسرى كان مطلوبا للنبى - ﷺ - فجعل طالبا له - ﷺ - قلت وهذا هو شان المحبوبية الصرفة قال ابن عباس اليسرى عمل الخير وقيل معناه نوفقك للشريعة السمحة الحنيفية والجملة معطوفة على سنقرءك وجملة انه يعلم الجهر وما يخفى معترضة مادحة فذكر الفاء للسببية يعنى لما يسرنا لك القران والشريعة السمحة.
فَذَكِّرْ به إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ط شرط مستغن عن الجزاء بما سبق قيل انما جاءت الشرطية بعد تكرير التذكير وحصول الياس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله وما أنت عليهم بجبار وقيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وذم لهم وقيل التذكير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر انما يجب إذا ظن نفعه ولذلك امر بالاعراض عمن تولى وقيل شرط الجملة محذوف والمراد انه ذكر ان نفعت الذكرى او لم ينفع كما فى قوله سرابيل تقيكم الحر وأراد الحر والبرد جميعا ثم بعد ذلك من ينفعه فقال.
سَيَذَّكَّرُ اى يتعظ وينفع بها مَنْ يَخْشى الله تعالى فانه يتامل فيها ويعمل بمضمونها مخافة عذاب الله تعالى.
يَتَجَنَّبُهَا
اى الذكرَْشْقَى
اى الكافر فانه أشقى من الفاسق او الأشقى من الكفرة لتوغله فى الكفر واللام حينئذ للعهد قيل هو الوليد بن المغيرة او عتبة بن ربيعة.
الَّذِي يَصْلَى اى يدخل النَّارَ الْكُبْرى ج اى نار جهنم او ما فى الدرك الأسفل منها انه.
ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فتستريح من العذاب وَلا يَحْيى ط حيوة طيبة عطف على يصلى بثم لان التأبيد فى العذاب أفزع من التصلى فهو متراخ عنه فى مراتب الشدة وفى فى الوجود ايضا.
قَدْ أَفْلَحَ اى فاز مَنْ تَزَكَّى اى تطهر باطنه عن الشرك وظاهره عن النجاسة للصلوة وما له عن الخبث بالزكاة وقلبه من الاشتغال بذكر الله سبحانه ونفسه عن الرذائل وجوارحه عن خبث المعاصي من الزكوة كتصدق من الصدقة وجملة قد أفلح مستانفة كانه فى جواب من نجا منها.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ط اخرج البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي - ﷺ - قال قد أفلح من تزكى قال من شهد ان لا اله الا الله وخلع الانداد وشهد انى
معراج المؤمنين قال رسول الله - ﷺ - جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي قلت وايضا فى عطف الذكر على التزكى بالواو وعطف الصلاة عليه بالفاء اشارة الى ما ذكر المجدد رض من الترتيب فى اذكار الطريقة حيث عين للمبتدى الذكر باسم الذات او النفي والإثبات فى أثناء تزكية النفس وقال ان الصلاة لا تقيد فائدة تامة الا بعد تزكية النفس وفى التجليات الذاتية والترقي هناك بالصلوة والله تعالى اعلم.
بَلْ تُؤْثِرُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير عائد الى الأشقياء والباقون بالتاء على الخطاب لهم على سبيل الالتفات او على إضمار قل جملة بل توثرون على محذوف اى وهم يعنى الأشقياء لا يزكون وأنتم ايها الأشقياء لا تزكون ولا تذكرون اسم ربكم ولا يصلون بل توترون الْحَياةَ الدُّنْيا على الحيوة الاخرى.
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ فان نعمها فلذات بالذات خال عن الغوائل وأجل نعمها الروبة والوصال ورضوان الله ذى الجلال وَأَبْقى اى الانقطاع لها بخلاف الدنيا وهذه الجملة حال من فاعل توثرون.
إِنَّ هذا يعنى ما ذكر من قوله تعالى قد أفلح من تزكى الى اخر اربع آيات لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى اى الكتب السماوية على الأنبياء والماضين فانه جامع امور الديانة وخلاصة الكتب كلها.
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ع بدل بعض تخصيص بعد التعميم امال حمزة والكسائي اواخر السورة وورش بين بين.