بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعلى ١ مكية ٢٢ بالإجماع انظر: تفسير الماوردي ٤/٤٣٧ وزاد المسير ٩/٨٦ وفي المحرر ١٦/٢٨٠ والإتقان: ١/١٣ هو قول الجمهور، ثم نقل عن ابن الفرس عن بعضهم أنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها، وقد رده السيوطي صاحب الإتقان ١/١٤. وانظر: ردّاً آخر للآلوسي في روح المعاني ٣٠/١٤٠..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعلىمكية
قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى﴾ إلى آخرها.
أي: عظيم يا محمد اسم ربك. وقيل: معناه عظم ربك الأعلى. وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى. وقد رواه ابن عباس عن النبي ﷺ. وكذلك روى السدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ.
وقيل معناه: نزه يا محمد اسم ربك أن تسمي به شيئا سواه كما فعل المشركون من تسميتهم آلهتهم باللات والعزى، جعلوا العزى مشتقة من العزيز واللات من الله.
وقيل: معناه: نزه - يا محمد - تسميتك ربك الأعلى، وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاضع متذلل. قالوا: فالاسم هنا موضوع في موضع التسمية، فوضع الاسم مكان المصدر.
وقيل: معناه: [صل] بذكر الأعلى، أي: صل [وأنت له ذاكر].
وقيل: معناه صل يا محمد لربك.
وقيل: معناه: عظم اسم ربك ونزّهه على أن تنسبه إلى ما نسبه إليه المشركون.
وقوله: ﴿الأعلى﴾.
أي: القاهر لك شيء، العالي عليهز
قال عقبة بن عامر: " لما نزلت: ﴿سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى﴾ قال لنا رسول الله ﷺ: " اجعلوها في سجودكم ". ولما نزلت: ﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم﴾ [الحاقة: ٥٢] قال لنا رسول الله ﷺ: " إجعلوها في ركوعكم ".
قال الفراء: " سبح اسم ربك " وسبح باسم ربك "، كل صواب. كأنه جعله مما يتعدى بحرف وبغير حرف، ككتلك وكلت لك. ولا يحسن أن تقدره مما يتعدى بحرف ثم حذفه، إذ لا يجوز: مررت زيداً (على مررت بزيد) إلا في شعر شاذ. وهذا مما يتسدل به على أن الاسم هو المسمى، لأنه تعالى لم يأمر نبيه أن يعبد (ويسبح) ويصلي لغيره.
ثم قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَ فسوى﴾.
أي: خلق الأشياء كلها، فسوّى خلقها وعدلها. والتسوية التعديل.
ثم قال: ﴿والذي قَدَّرَ فهدى﴾.
أي: قدر خلقه فهدى الإنسان لسبيل الخير والشر، وهدى البهائم للمراعي.
قال مجاهد: " هدى الإنسان للشقوة والسعادة، وهدى الأنعام [لمراتعها].
وقيل: معناه: هدى الذكر لإتيان الأنثى.
ويجوز أن يكون من التقدير مثل الأول، كما قال: ﴿يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦].
ثم قال: ﴿والذي أَخْرَجَ المرعى﴾.
أي: الذبات.
﴿فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى﴾.
أي: فجعله يبساً أسود بعد أن كان ناعماً أخضر. " فأحوى " بمعنى: (أسود)، وهو نعت للغثاء.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير. " وأحوى " بمعنى: أخضر. والتقدير: أخرج
قال ابن عباس: ﴿غُثَآءً أحوى﴾، أي: " هشيماً متغيراً ".
وقيل: معناه: غثاءً، أي: يبساً تنسفه الرياح فيجري به السيل [فصار] غثاء للسيول بعد حضرته وغضارته، هذا معنى قول مجاهد وابن زيد.
وقال (أبو) عبيدة: ﴿غُثَآءً أحوى﴾، أي: [هيجه] حتى يبس فجعله
ثم قال تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى﴾.
أي: سنقرئك - يا محمد - القرآن [فلست] تنساه إلا ما شاء الله أن تنساه.
قال مجاهد: كان النبي ﷺ يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى فأعلمه الله أنه ليس ينسى.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ هو ما أراد الله نسخه فينسيه نبيه فيرفع حكمه وتلاوته، وذلك ما أنزله تعالى على نبيه للصلاح في وقت، وتقدم في علمه [أنه] سينسيه إياه في وقت [آخر].
وقيل: معنى الآية: سنقرئك - يا محمد - فلا تترك العمل بشيء منه إلا ما شاء الله أن تترك العمل به (مما) ننسخه [فنأمرك] بتركه فتتركه. " ولا " في
وقال الفراء: فلست تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه، ولا يشاء أن ينسى منه شيئاً. ومثله عنده: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض﴾ [هود: ١٠٧]، وليس يشاء غير الخلود لهم.
وقيل: معنى الآية: إلا ما شاء الله مما يلحق الآدميين.
وقيل: إلا ما شاء الله أن يرفع حكمه ولا يرفع تلاوته. وقيل: المعنى: فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله أن يناله بنو آدم والبهائم، وينتفعوا فإنه لا يصير غثاء أحوى.
ثم قال: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى﴾.
أي: إنه يعلم ما أظهرته من عملك وما أخفيته، أي: يعلم السر والعلانية. وهذا خطاب للنبي، وأمته داخلة في ما خوطب به.
ثم قال تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لليسرى﴾.
ثم قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى﴾.
أي: ذكر إن نفعت ذكراك وإن لم تنفع، حذف لدلالة الكلام عليه، مثل: ﴿قَدَّرَ فهدى﴾ ومثله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم﴾ [النحل: ٨١].
وقيل: المعنى أن الذكرى تنفع بكل حال. والتقدير: فذكر إن كنت تفعل ما أمرت به.
وقال الطبري: معناه: فذكر عباد الله - يا محمد - عظمته وعظهم، وحذرهم عقوبته، إن الذكرى لا تنفع الذين [آيستك] من إيمانهم.
ثم قال تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى﴾.
أي: سيذكر يا محمد من يخشى الله ويخاف عقابه.
أي: ويتجنب الذكرى (الأشقى) يعني أشقى الفريقين من المؤمين والمشركين ثم نعته، فقال:
﴿الذى يَصْلَى النار الكبرى﴾.
وهم الذين لم تنفعهم الذكرى وتجنبوها.
قال قتادة: قوله ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى﴾: إنه والله ما خشي عبد قط الله إلا ذكره. ولا والله لا يسكت عبد عند الذكرى زهداً فيها وبغضاً لأهلها إلا شقيّ بين الشقاء. والنار الكبرى: نار جهنم، هي كبرى عند نار الدنيا من شدة حرها وألمها.
وقال الفراء: النار الكبرى: " السفلى من أطباق النار ".
وقوله: ﴿ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا﴾.
روي أن نفس أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فتفارقه [فيموت] ولا/ ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.
ثم قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى﴾.
أي: قد أدرك طلبته وظفر ببغيته من تظهر الكفر وعمل بطاعة الله.
قال ابن عباس: من تزكى - يعني - من الشرك. وعنه أنه جعله في زكاة الفطر.
وقال: أخرجوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
وقال عكرمة: ﴿مَن تزكى﴾: من قال: لا إله إلا الله.
قال عطاء: ﴿مَن تزكى﴾ من آمن.
وقال قتادة: من تزكى بالعمل الصالح والورع.
وقال عبد الله: إذا خرجت إلى الصلاة فتصدق بشيء إن استطعت، فإن الله يقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى﴾. والتزكي - في اللغة -: التطهر.
قال عمر بن عبد العزيز وابن المسيب وأبو العالية: هي زكاة الفطر، (ثم نسخها زكاة الأموال).
وقيل: هي سنة، وزكاة المال فرض. وعلى هذا أكثر العلماء.
قال ابن عباس: ﴿وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى﴾ أي: " ووحد الله سبحانه ".
وقيل: عني به صلاة العيد. وقيل: الصلاة هنا الدعاء.
(وقيل: معناه: وذكر اسم ربه في صلاته بالتحميد والتمجيد).
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا﴾.
أي: تؤثرون زينتها على الآخرة، والآخرة خير لكم وآدوم نعميا.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى﴾.
أي: إن هذه الآيات في ﴿سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى﴾ لقي صحف إبراهيم وموسى.
وقيل: معناه: إن قوله: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا﴾ الآية، لفي ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى﴾.
واختار الطبري أن يكون معناه أن قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى﴾ إلى قوله ﴿وأبقى﴾ لفي صحف إبراهيم وموسى، فتكون الإشارة إلى ما قرب من هذا.