تفسير سورة الأعلى

معاني القرآن للزجاج
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج المعروف بـمعاني القرآن للزجاج .
لمؤلفه الزجاج . المتوفي سنة 311 هـ

سُورَةُ الْأَعْلَى
(مَكِّيَّة)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله عزَّ وجلَّ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)
أي نَزِّهْ ربَّك عن السوءِ وقل:
سبحان ربي الأعلى.
* * *
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)
خلق الإنسان مستوياً، أشهده على نفسه بأنه ربُّه.
وخلقه على الفطرة.
* * *
وقوله: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)
هداه السبيل إما شَاكِراً وَإما كَفوراً.
وقال بعض النحويين: فَهَدَى وَأَضل ولكن حذفت وأضل لأن في الكلام دليلاً عليه، قال عزَّ وجلَّ: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
* * *
(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)
(أحوى) في موضع نصب حال من (المرعى) المعنى الذي أخرج المرعى
أَحْوَى أي أخرجه أخْضَرَ يضرب إلى الحُوَّة، والحُوَّة السَّوَادُ.
(فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)، جفَّفَه حتى صيره هشيماً جافًّا كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل.
* * *
قوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)
أعلم الله عزَّ وجلَّ أنه سيجعل للنبي - ﷺ - آيةً يتبيَّن له بها الفَضْلية بأن
جبريل عليه السلام ينزل عليه بالوحي وهو أُمِّيٌّ لا يكتب كتاباً ولا يقرْؤه.
ويقرئ أصحابه ولا ينسى شيئاً من ذلك ولا يكرر عليه الشيء.
قال الله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩).
* * *
فأما (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)
فقيل إلا ما شاء الله ثم يذكره بعد، وقيل إلا ما شاء اللَّه أن يؤخره من القرآن (١).
* * *
(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)
المعنى يتجنب الذكرى الأشقى.
* * *
وقوله: (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)
لا يموت موتاً يستريح به من العذاب، ولا يحيا حياة يجد معها روح
الحياة.
* * *
وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
أي قد صادف البقاء الدائم والفوز بالنعيم.
ومعنى (تَزَكَّى) تكثَّر بتقوى اللَّه، ومعنى الزاكي النامي الكثير.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)
وقرئت (بَلْ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) بالياء.
والأجود التاء، لأنها رويت عن أُبَيٍّ بن كعب:
بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨)
يعني من قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) إلى هذا الموضع.
وقيل بل السورة كلها.
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه مفرغٌ، أي: إلاَّ ما شاءَ الله أن يُنْسِيَكَهُ فإنك تَنْساه. والمرادُ رَفْعُ تلاوتِه. وفي الحديث: «أنه كان يُصبح فينسَى الآياتِ لقولِه: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦]. وقيل: إنَّ المعنى بذلك القِلَّةُ والنُّدْرَةُ، كما رُوِيَ» أنه عليه السلام أسقطَ آيةً في صلاتِه، فحسِب أُبَيٌّ أنها نُسِخَتْ، فسأله فقال: «نَسِيْتُها» «وقال الزمخشري:» الغَرَضُ نَفْيُ النِّسْيان رَأْساً، كما يقول الرجل لصاحبه: أنت سَهِيْمي فيما أَمْلِكُ إلاَّ ما شاء اللَّهُ، ولم يَقْصِدْ استثناءَ شيءٍ، وهو مِنْ استعمالِ القلَّة في معنى النفي «انتهى. وهذا القولُ سبقَه إليه الفراء ومكي. وقال الفراء وجماعة معه:» هذا الاستثناءُ صلةٌ في الكلام على سنةِ الله تعالى في الاستثناء. وليس [ثم] شيءٌ أُبيح استثناؤُه «. قال الشيخ:» هذا لا يَنْبغي أَنْ يكونَ في كلامِ اللَّهِ تعالى ولا في كلامٍ فصيحٍ، وكذلك القولُ بأنَّ «لا» للنهي، والألفَ فاصلةٌ «انتهى. وهذا الذي قاله الشيخُ لم يَقْصِدْه القائلُ بكونِه صلةً، أي: زائداً مَحْضاً بل المعنى الذي ذكره، وهو المبالغةُ في نَفْي النسيانِ أو النهي عنه.
وقال مكي:»
وقيل: معنى ذلك، إلاَّ ما شاء الله، وليس يشاءُ اللَّهُ أَنْ يَنْسَى منه شيئاً، فهو بمنزلةِ قولِه في هود في الموضعَيْنِ: خالِدِيْنَ فيها ما دامَتِ السماواتُ والأرضُ إلاَّ ما شاء ربُّك «وليس جَلَّ ذِكْرُه تَرَكَ شيئاً من الخلودِ لتقدُّمِ مَشيئتِه بخُلودِهم». وقيل: هو استثناءٌ مِنْ قولِه ﴿فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى﴾. نقله مكي. وهذا يَنْبغي أَنْ لا يجوزَ ألبتَّةَ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
Icon