ﰡ
وَقِيْلَ : ألْهَمَ كلَّ حيوانٍ ما يحتاجُ إليه في أمرِ معيشته، وعرَّفَهُ كيف يأتِي الذكرُ الأنثَى، وجعلَ الهدايةَ في قلب الطفل حتى طلبَ ثديَ أُمِّه، وميَّزه من غيرهِ، وهدَى الفرخَ لطلب الرزق، وهدى الأنعامَ لمراتعِها. وَقِيْلَ : معنى قولهِ ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ أي قدَّرَ مدَّة الجنين في الرحمِ تسعةَ أشهر، أو أقلَّ أو أكثرَ، فهدى للخروجِ من الرَّحِم. وَقِيْلَ : قدَّرَ الأرزاقَ وهداهم لطلبها. وَقِيْلَ : الذنوبَ على عبادهِ وهَدَاهُم للتوبة. وَقِيْلَ : قدَّرَ الخلقَ على صُوَرهم، وعلى ما جرَى لهم من الأرزاقِ، فهَدَاهُم إلى مَعرفةِ توحيدهِ. قرأ الكسائيُّ والسلمي (قَدَرَ فَهَدَى) مخفَّفاً.
وَقِيْلَ : إلاَّ ما شاء اللهُ أن تنساهُ ثم تذكره بعد ذلكَ. وَقِيْلَ : إنما ذكرَ الاستثناءَ لتحسين النَّظمِ على عادةِ العرب، تذكرُ الاستثناءَ عُقيب الكلامِ وهو كقوله تعالى﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ ﴾[الأنعام : ١٢٨] ربُّك، معلومٌ أنَّ اللهَ تعالى لم يشَأْ إخراجَ أهلِ الجنة من الجنَّة ولا إخراجَ أهلِ النار من النار، ولكن الماردَ به ما ذكرناهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ أي يعلمُ ما يقرؤهُ العباد من القرآنِ، وما يذكرونَهُ من الذِّكر في سرٍّ أو جهرٍ. وَقِيْلَ : يعلمُ العلانيةَ من القولِ والعمل، ويعلمُ السرَّ وما يحدِّثُ الإنسان نفسَهُ بعده، ويعلمُ إعلانَ الصَّدقة وإخفاءَها.
وروي أن المرادَ بقوله ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ﴾ : عبدُالله بن أُمِّ مكتومٍ، ويدخلُ فيه كلٌّ مؤمنٍ، والمرادَ بالأشقَى الذي يتجنَّبُ الموعظةَ الوليدُ بن المغيرةِ، ويدخلُ فيه كلٌّ كافرٍ.
وَقِيْلَ : معناهُ : قد أفلحَ من أدَّى زكاةَ الفطرِ ثم صلَّى صلاةَ العيدِ، ويستدلُّ بهذه الآية على جواز افتتاحِ الصَّلاة بغيرِ التَّكبيرِ ؛ لأنه تعالَى ذكرَ الصَّلاة عُقيب اسمهِ، إذِ الفاءُ للتَّعقيب من غير تراخٍ، فلا فصلَ في الآيةِ بين التكبيرِ وبين سائرِ الأركان.
وقال أبُو ذرٍّ :" قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ كَمِ الأَنْبيَاءُ ؟ فَقَالَ :" مِائَةُ ألْفِ نَبيٍّ، وَأرْبَعَةٌ وَعُشْرُونَ ألْفَ نَبيٍّ " قُلْتُ : كَمِ الْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ ".
قُلْتُ : أكَانَ آدَمُ نَبيّاً ؟ قَالَ :" نَعَمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَخَلَقَهُ اللهُ بيَدِهِ. يَا أبَا ذرٍّ أرْبَعَةٌ مِنَ الأَنْبيَاءِ مِنَ الْعَرَب : هُودُ وَصَالِحُ وَشُعَيْبُ وَنَبيِّكُ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ أنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ ؟ قَالَ :" مِائَةٌ وَأرْبَعَةُ كُتُبٍ، مِنْهَا عَلَى آدَمَ عَشْرُ صَحَائِفَ، وَعَلَى شِيتٍ خَمْسُونَ صَحِيفَةً، وَعَلَى آخْنُوخَ وَهُوَ إدْريسُ ثَلاَثُونَ صَحِيفَةً، وَهُوَ أوَّلُ مَنْ خَطَّ بالْقَلَمِ، وعَلَى إبْرَاهِيمَ عَشْرُ صَحَائِفَ، وَالتَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ وَالزَّّبُورُ وَالْفُرْقَانُ " ".