ﰡ
مكية في قول الجمهور، وقيل: مدنية، وآيها: تسع عشرة آية، وحروفها: مئتان وستة وثمانون حرفًا، وكلمها: اثنتان وسبعون كلمة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾.[١] ﴿سَبِّحِ﴾ أي: نَزِّه ﴿اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ عن النقائص، وما يقول المشركون، و (الاسم) الذي هو ألف سين ميم تارة يأتي في مواضع يراد به المسمى، وتارة يراد به التسمية نفسها؛ نحو قوله - ﷺ -: "إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا" (١)، وهذه الآية تحتمل الوجهين، فعلى الأول يكون صلة كالزائد، تقديره: سبح ربَّك؛ أي: نزهه، وعلى الثاني يكون المعنى: نزه اسمَ ربك عن أن يُسمى به صنم أو وثن، فيقال له: إله ورب، ونحو ذلك، والأعلى يصح أن يكون صفة للرب، وأن يكون صفة للاسم.
وكان - ﷺ - إذا قرأ هذه الآية قال: "سبحانَ رَبِّيَ الأَعْلى"، وفعله جماعة
* * *
﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)﴾.
[٢] ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ أي: عدل مخلوقه، وأتقنه مستويًا.
* * *
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)﴾.
[٣] ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ قرأ الكسائي: بتخفيف الدال؛ من القدرة، والباقون: بتشديدها؛ من التقدير (٢).
﴿فَهَدَى﴾ كلًّا إلى مصلحته، وهو عام لوجوه الهدايات في الإنسان والحيوان.
روي أن الحية تعمى كل سنة في الشتاء من أكل التراب، فتمسح عينيها بورق الرازيانج الأخضر، فتبصر بقدرة الله تعالى (٣).
* * *
﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤)﴾.
[٤] ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أنبتَ العشبَ.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٨٠)، و "التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٩٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١١٧ - ١١٨).
(٣) انظر: "تفسير القرطبي" (٢٠/ ١٦).
[٥] ﴿فَجَعَلَهُ﴾ بعدَ الخضرة ﴿غُثَاءً﴾ هشيمًا باليًا ﴿أَحْوَى﴾ أسودَ، نعت (غُثَاءً).
* * *
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)﴾.
[٦] ولما كان - ﷺ - يسابق جبريل -عليه السلام- إذا قرأ عليه القرآن؛ خوفَ النسيان، نزل: ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ نعلمك القرآنَ ﴿فَلَا تَنْسَى﴾ فلم ينس - ﷺ - بعد ذلك شيئًا؛ لأنه إخبار منه تعالى، وإخباره صدق، و (لا) نفي، وليست نهيًا.
* * *
﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)﴾.
[٧] ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أن تنساه على سبيل النسخ، وفي هذا التأويل آية للنبي - ﷺ - في أنه أمي، وحفظ الله عليه الوحي، وأمنه من نسيانه ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ من الأشياء ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ منها.
* * *
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨)﴾.
[٨] ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ نذهب بك نحو الأمور المستحسنة في دنياك وآخرتك؛ من النصر والظفر، وعلو الرسالة والمنزلة يوم القيامة، والرفعة في الجنة.
* * *
[٩] ﴿فَذَكِّرْ﴾ عِظْ بالقرآن ﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ المعنى: نفعت أو لم تنفع، فاقتصر على القسم الواحد؛ لدلالته على الثاني.
* * *
﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠)﴾.
[١٠] ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ اللهَ والدارَ الآخرة، وهم العلماء والمؤمنون، كلُّ بقدر ما وفق.
* * *
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)﴾.
[١١] ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا﴾ أي: يتجنب الذكرى ونفعَها.
﴿الْأَشْقَى﴾ الذي سبقت له الشقاوة بالكفر.
* * *
﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢)﴾.
[١٢] ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾ الشديدةَ، وهي نار الآخرة، والصغرى نار الدنيا.
قال - ﷺ -: "نارُكم هذه جزءٌ من سبعينَ جزءًا من نار جهنم" (١).
* * *
[١٣] ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا﴾ فيستريح ﴿وَلَا يَحْيَى﴾ حياة تنفعه.
* * *
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)﴾.
[١٤] ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ أي: فاز ببغيته ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ تطهر من الشرك بالإيمان.
وتقدم مذهب ورش وحمزة في النقل في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ) في أول سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
* * *
﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ وحَّدَه ﴿فَصَلَّى﴾ الصلواتِ التي فرض عليه، وتنفَّلَ بما أمكنه من صلاة وبر.
وروي أن هذه الآية في صبيحة يوم الفطر، ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ هو ذكر الله في طريق المصلى، وتكبيرات العيد، والصلاة: هي صلاة العيد، وقد روي هذا التفسير عن النبي - ﷺ -، وعن أبي سعيد الخدري في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾، قال: "أَعْطى صدقةَ الفطر" (١)، قال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد، ولا زكاة فطر.
قال البغوي (٢): يجوز أن يكون النزول سابقًا على الحكم كما قال:
(٢) في "تفسيره" (٤/ ٦٠٠).
وتقدم الكلام على صلاة العيد، والاختلاف فيها، وصفتها في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الآية: ١٨٥]، وحكم التكبير ووقته وصفته فيها أيضًا عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [الآية: ٢٠٣]، وحكم الصلوات الخمس وأوقاتها، والخلاف فيها في سورة الروم، وحكم زكاة الفطر والخلاف فيها في سورة التوبة عند ذكر الزكوات.
* * *
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)﴾.
[١٦] ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ﴾ أي: تقدِّمون وترجون (٢) ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ على الآخرة، فالكافر يؤثرها إيثارَ كفر، يرى أن لا آخرةَ، والمؤمنُ يؤثرها إيثار معصية، وغلبة نفس، إلا من عصم الله. قرأ أبو عمرو: (يُؤثرُونَ) بالغيب ردًّا إلى جنس (الأَشْقَى)، وقرأ الباقون: بالخطاب (٣)، دليله (٤) قراءة
(٢) "أي: تقدمونه وترجون" ساقطة من "ت".
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٨٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٦٠٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٢٢).
(٤) "دليله" زيادة من "ت".
* * *
﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)﴾.
[١٧] ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أَدْوَمُ من الدنيا وأفضل.
* * *
﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨)﴾.
[١٨] ﴿إِنَّ هَذَا﴾ يعني: ما ذكر من قوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ إلى هنا [بمعنى فلاح المتزكين والذاكرين والمصلين ومؤثري الآخرة على الدنيا] (٣).
﴿لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ المنزلة قبل، لم ينسخ في شرع من الشرائع.
* * *
﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)﴾.
[١٩] ثم بين الصحف فقال: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وصحفُ إبراهيم كانت بالسريانية، وصحف موسى بالعبرانية، وتقدم ذكر عدد الكتب المنزلة
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١١٧).
(٣) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
* * *
(٢) لم أقف عليه.