ﰡ
تفسير سورة القدر عدد ٢٥- ٩٧
نزلت بمكة بعد عبس، وهي خمس آيات وثلاثون كلمة، ومائة واثنتان وعشرون حرفا، ويوجد في القرآن سورتا الكوثر ونوح بدأتا بما بدأت به هذه السورة ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «إِنَّا أَنْزَلْناهُ» أي القرآن العظيم وعود الضمير إلى غير مذكور جائز إذا كان معلوما كما هنا، وقدمنا البحث في هذا عند الآية ١٠ من سورة النجم المارة وفي التعبير بضمير الغائب مع عدم تقدم ذكره تعظيما له وتفخيما بعلو شأنه باعتباره كأنه حاضر عند كل أحد، وكان هذا الإنزال جملة واحدة في اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا «فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١» العظيمة عند الله وسميت بذلك، لأن الآجال والأرزاق والأحكام والأمور كلها مما يكون في السنة التي هي فيها إلى مثلها من السنة الأخرى يقدرها فيها أي يظهر تقديرها وما يقع فيها إلى الملائكة ويأمرهم بإنقاذه وإلا فهو جل جلاله عالم فيها قبل في الأزل قيل للحسين ابن الفضيل أليس قد قدر الله المقادير قبل خلق السموات والأرض قال نعم قال فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير الى المواقيت وتنفيذ القضاء والقدر. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال صلّى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي ليلة سبع وعشرين من رمضان كما تقدم في بحث نزول القرآن في المقدمة، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها وتعيينها أعرضنا عن إثباتها لمعلوميتها وقد استدل العلماء على كونها ليلة السابع والعشرين بان كلماتها إلى كلمة هي سبع وعشرون وبعضهم بحروفها إي حروف كلمة ليلة القدر المكرمة فيها ثلاث مرات لأنها أيضا سبع وعشرون حرفا ولكل وجهة، ثم أشار الله تعالى منوها بتعظيمها بقوله «وَما أَدْراكَ» يا سيد المرسلين «ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ٢» استفهام على سبيل التعظيم والتبجيل والتفخيم والتكريم تنويها بفضلها أي لن تبلغ درايتك أيها الإنسان الكامل ما هي لما قدر فيها الإله لعباده من الخير والفضلوكذلك الجان كما سيأتي في الآية ٣٧ من سورة عمّ من ج ٢، ينزلون الى سماء الدنيا «فِيها» في ليلة القدر وهذا النزول يكون «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» وقيد بالإذن تعظيما لأمر تنزلهم والا لا يكون الا بإذنه قال تعالى «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» الآية ٦٧ من سورة مريم الآتية وإشارة لرغبتهم في أهل الأرض واشتياقهم لرؤية ثواب طاعتهم واستماع حنين الذاكرين وأنين العاصين منهم وقد جاء في الحديث القدسي: لأنين المؤمنين أحب الى من زجل المسبحين «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ٤» أي أن نزولهم لأجل كل أمر يتعلق به التقدير في تلك السنة من قضاء الله وقدره وهذه الليلة المباركة «سَلامٌ هِيَ» على أولياء الله وأهل طاعته من كل ما يخافون ويرهبون. لما كانت الملائكة رأت أفعال الجن وافسادهم في الأرض وقالوا لربهم حينما قال لهم «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً... أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها» الآية ٣٠ من البقرة من ج ٣، وظهر لهم الأمر بخلاف ما قالوه نزلوا باستيذان من الله الى أهل الأرض ليسلموا عليهم ويعتذروا منهم ويستغفروا لهم جاء في الحديث الذي رواه أنس أن رسول الله قال إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كيكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل ويكون هذا دأبهم «حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٥» من ليلتها، فعلى الراغب بذلك أن يقوم تلك الليلة المباركة ليحظى بما من قدر له فيها الثواب العظيم المعلق على القيام فيها فأين الطالبون لنفحات الله أني الراغبون لعطائه هذا والله أعلم. هذا، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.