ﰡ
مدنية، وقيل: مكية، وآيها: خمس آيات، وحروفها: مئة وخمسة وعشرون (١) حرفًا، وكلمها: ثلاثون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)﴾.[١] ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ الضميرُ للقرآن، ولم يتقدم ذكرُه؛ لدلالة المعنى عليه.
﴿فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا جملةً، ثم نزل به نجومًا إلى الأرض على محمد - ﷺ - في عشرين، أو ثلاث وعشرين سنة، وسميت ليلة القدر؛ لأنها تُقَدَّر فيها آجالُ العباد وأرزاقُهم، ويأتي الكلام عليها بعد انتهاء التفسير.
...
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)﴾.
[٢] ثم عجَّبَ الله تعالى نبيَّه - ﷺ - فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾
...
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)﴾.
[٣] روي أن رسول الله ذُكر له رجلٌ من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألفَ شهر، فعجب رسولُ الله - ﷺ -، وتمنى ذلك لأمته، فقال: "يا ربِّ جعلْتَ أمتي أقصرَ الأممِ أعمارًا، وأقلَّ أعمالًا"، فأعطاه الله ليلة القدر (١)، فقال: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ أي: قيامُها والعبادةُ فيها.
﴿خَيْرٌ مِنْ﴾ عمل ﴿أَلْفِ شَهْرٍ﴾ ليس فيها ليلةُ القدر، وهي ثماثون سنة، وثلاثة أعوام، وثلث عام (٢).
وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أنه قال حين عوتب في تسليمه الأمرَ لمعاوية: "إن الله تعالى أرى نبيَّه في المنام بني أمية ينزون على منبره نزوَ القردة، فاهتمَّ لذلك، فأعطاه الله ليلة القدر خير له ولذريته ولأهل بيته من ألف شهر" (٣)، وهي مدة ملك بني أمية، وأعلمه أنهم يملكون أمر الناس هذا القدرَ من الزمان، ثم كُشِفَ الغيبُ أن كان من سنة الجماعة إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوكهم هذا القدر من الزمان بعينه.
(٢) "وثلث عام" ساقطة من "ت".
(٣) كذا ساقه ابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٥٠٥)، وقد روى أبو يعلى في "مسنده" (٦٤٦١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الذهبي في "السير" (٢/ ١٠٨) في ترجمة الحكم بن أبي العاص: ويروى في سبه أحاديث لم تصح. فذكر هذا الحديث منها.
[٤] ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ هو جبريل عليه السلام ﴿فِيهَا﴾ أي: في ليلة القدر. قرأ البزي (شَهْر تَّنَزَّلُ) بتشديد التاء حالة الوصل (١).
﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي: بأمره ﴿مِنْ كُلِّ﴾ أي: بكل ﴿أَمْرٍ﴾ من الخير والشر.
...
﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)﴾.
[٥] ﴿سَلَامٌ هِيَ﴾ أي: سلام على أولياء الله وأهل طاعته، وسميت سلامًا؛ لكثرة السلام فيها؛ لأن الملائكة لا تمر بمؤمن ولا مؤمنة إلا سلَّمت عليه، فـ (حَتَّى) متعلقة بـ (سَلاَمٌ)؛ أي: إن الملائكة تسلم من غروب الشمس.
﴿حَتَّى﴾ أي: إلى وقت ﴿مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ أي: طلوعه. قرأ الكسائي، وخلف: (مَطْلِعِ) بكسر اللام، والباقون: بفتحها (٢)، وهما لغتان في مصدر طَلَع، والأزرق عن ورش على أصله في تفخيمها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي - ﷺ - قال: "من قامَ ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّمَ من ذنبِه" (٣).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٩٣)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٤)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٦٥٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٠٣ - ٢٠٤).
(٣) رواه البخاري (٣٥)، كتاب: الإيمان، باب: قيام ليلة القدر من الإيمان، ومسلم =
واختلف الأئمة فيها، فعند أبي حنيفة: هي في شهر رمضان تدور فيه، وعنه رواية تدور في كل السنة، وعند صاحبيه: هي منكَّرة؛ أي: غير معينة، ولكنها دائمة في شهر رمضان؛ أي: ثابتة لا تتقدم ولا تتأخر، وعند مالك: هي في شهر رمضان في العشر الأخير لتسع بقين، أو سبع أو خمس، وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين، أو الثالث والعشرين منه، وعند أحمد: هي في العشر الأخير منه، والوتر آكد، وأرجاه ليلة سبع وعشرين.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "شرح البخاري" (٢) فيها خمسة وأربعين قولًا، ولخصها صاحب "الإنصاف" فيه: الأول: قد رفعت، والثاني: خاصة بسنة واحدة وقعت في زمنه عليه أفضل الصلاة والسلام، الثالث: خاصة بهذه الأمة، الرابع: ممكنة في جميع السنة، الخامس: تنتقل في جميع السنة، السادس: ليلة النصف من شعبان،
(١) "الساعة" ساقطة من "ت".
(٢) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٢٦٢).
* * *